الشيخ الكاتب الرئيس أبو محمد عبد الحق بن محمد بن عطية المحاربي، من الأصحاب، حفظه الله تعالى:
نجيب الولد، عين من أعيان البلد، قديم المطرف والمتلد، عظيم التحمل للخدمة والجلد، استعان على تسخير اليراع ببنان وساعد، وأيد مساعد، تحمل الكل وما كل، واضطلع بما جل، والفضل له عز وجل، جلبته إلى الكتابة عن السلطان جلب اختيار، وأخصب جانبها منه برزق اختيار، بل باري اشتيار، فأستقل بعدي ورأس، وتنعم ثم ابتأس، وهو الآن قاض، ولدين التجلة متقاض، ويستند إلى سلف، ويستظهر على إقامة الرسم بخلف ، وشعره سهل على المعاني، مؤثر لحظوظ الألفاظ على حظوظ المعاني، فمن قوله يهنيني بالابلال من المرض:
الآن قد قامت الدنيا على قدم ... لما أستقل رئيس السيف والقلم
والآن قد عادت الدنيا ببهجتها ... مذ آنست برءه من طارق الألم
والآن قد عمت البشرى براحته ... ولم تزل للورى من أعظم النعم
لاسيما عند مثلي ممن اتضحت ... منه دلائل صدق غير متهم
وكيف لا وأيادي فضله ملكت ... رقي بما أجزلت من وافر القسم
وصيرتني في أهلي وفي وطني ... وبين أهل النهى نارا على علم
وحسبت أملي الأقصى لغايته ... إذ صرت من جاهه المأمول في حرم
وما عسى أن أوفي من ثنائي أو ... أنهي إلى مجده من فاضل الشيم
ولو ملكت زمام القول طوع يدي ... قصرت في ضمن منثور ومنتظم
يهنيك بشرى قد استبشرت مذ وردت ... بها لعمرك وهو البر في القسم
لا زلت للعزة القعساء ممتطيا ... مستحبا لعلاء غير منصرم
ودمت بدر سنا تهدي إنارته ... في حيث يعضل خطب أو يحار عمولا عدمت بحول الله عافية ... تستصحب النعم المنهلة الديم ومن ذلك ما نظم لينقش في بعض المباني التي أنشأتها بغرناطة:
أنا مصنع قد فاق كل المصانع ... فما منزل يزهى بمثل بدائعي
فرسمي إذا حققته واعتبرته ... لكل المعاني جامع أي جامع
فقد جمع الله المحاسن كلها ...لدي فيا لله إبداع صانعي
كما جمعت كل الفضائل بالذي ... بسكناي قد وافاه أيمن طالع
وزير أمير المسلمين وحسبه ... مزية فخر ما لها من مدافع
وذو القلم الأعلى الذي فعله لمن ... يؤمله مثل السيوف القواطع
ومطلع آيات البيان لمبصر ... كشمس الضحى حلت بأسنى المطالع
وإنسان عين الدهر قرت لنا به ... عيون وطابت منه ذكرى المسامع
هو ابن الخطيب السيد المنتمي إلى ... كرام سموا ما بين كهل ويافع
لقد كنت لولا عطفة من جنابه ... أعد زماناً في الرسوم البلاقع
فصيرني مغنى كريماً ومرتعاً ... لشمل بأنس من حبيبي جامع
فها أنا ذو روض يروق جماله ... كما رق طبعاً ما له من منازع
وقد جمعتنا نسبة الطبع عندما ... وقعت لمرآه بأسنى المواقع
فأشبه أزهاري بطيب ثنائه ... وفضل هوائي باعتدال الطبائع
فلا زلت معموراً به في مسرة ... معداً لأفراح وسعد مطالع
ولا زال من قد حلني أو يحلني ... موفى الأماني من جميل الصنائع
ودام لمولانا المؤيد سعده ... فمن نوره يبدو لنا كل ساطع
الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة - لسان الدين بن الخطيب، محمد بن عبد الله.
الفقيه الخطيب القاضي الكاتب صاحب القلم الأعلى:
عبد الحق بن محمد بن عطية المحاربي (ذكره لسان الدين في الإحاطة 2:5، وفي اللمحة البدرية:103 و 106. وترجم له في الكتيبة الكامنة:269. وقال في اللمحة البدرية إنه استخدم في الكتابة ابن عطية المترجم به فأحمد عمله «لحمل الكل والصبر على الخدمة». وقال في الكتيبة إنه اشتغل بعد ذلك بالقضاء. ووصف شعره وشاعريته فيها بقوله: «وشعره سهل على المعاني مؤثر لحظوظ الألفاظ على حظوظ المعاني».):
[كنيته:]
يكنى: أبا محمد، وأدركته؛ ومسقط رأسه مدينة وادي آش. وهو من كبار صدور أعيان الأندلس، وبيته بيت القضاة والعلماء والخطباء.
وهو من ولد الإمام العالم المجتهد ابن عطيّة المفسّر لكتاب الله! عز وجل؛ وكفاه شرفا هذا الجدّ هو الإمام القاضي أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية (481 - 546) وله التفسير المشهور «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز».
وولي ببلده وادي آش (مدينة بالأندلس قريبة من غرناطة كبيرة خطيرة، ينحط نهرها من جبل شلير (جبل الثلج). وبينها وبين مدينة غرناطة أربعون ميلا). الخطابة والقضاء، ثم قدم على الحضرة السلطانيّة النصريّة الأحمريّة بغرناطة، فكتب بها ورأس كتّابها مع ذي الوزارتين الفقيه الحاجب القائد الكاتب صاحب القلم الأعلى أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب السلماني، في دولة أمير المسلمين الغني بالله أبي عبد الله محمد بن أمير المسلمين أبي الحجّاج يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل، عم أبينا ابن جدنا الرئيس الأمير أبي سعيد فرج.
فلمّا ولي الملك ابن عمنا أمير المسلمين الغالب بالله المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن أخي أبينا الرئيس أبي الوليد إسماعيل ابن جدنا أمير المسلمين القائم بإذن الله أبي عبد الله محمد ابن جدنا الرئيس أبي سعيد فرج بن جدنا الأمير أبي الوليد إسماعيل، ابن جدنا الأمير أبي الحجاج يوسف الشهير بالأحمر، ابن جدّنا أمير المؤمنين المنصور بالله أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر الخزرجي، قلده العلامة ورياسة الكتاب؛ ونال لديه جاها مكينا.
حاله-سلّمه الله-:
هو في المحاسن قد تثنى عليه الخناصر، وقرم لا تحصي مفاخره الألسن ولا يحصرها الحاصر. وبيته زاحم النجوم بكاهله، وورد نسبه من الشرف أعذب مناهله. ملأ الأبصار جلالة وسمتا، وحاز هديا لا عوج فيه ولا أمتا. وبلاغة ينبوعها مسترسل، وفصاحة فرس إجادتها مستنسل.
وخط تميّز به، وعلم تشرّف بسببه.
فمن قوله يمدح ابن عمنا أمير المسلمين الغني بالله أبا عبد الله:
يا قاطع البيد يطوي السّهل والجبلا ... ومنضيا في الفيافي الخيل والإبلا
يجوب آفاق أرض لا يؤنّسه ... إلا تذكّر عهد للحبيب خلا
أو ظبية أذكرت عهد التّواصل إذ ... تحكي اللّحاظ التي عاهدت والمقلا
أستغفر الله في تلك اللّحاظ فقد ... أربى بها الحسن عن ضرب المها مثلا!
هادل فوق غصن البان تحسبه ... صبّا لفقد حبيب كان قد ثكلا
أو لامع البرق إذ يحكي إنارته ... كفّا خضيبا مشيرا بالذي عدلا
ماذا عسى أن تقضّي من زمانك في ... قطع الفيافي ترجو أن تنال علا
فكم معالم أرض أو مجاهلها ... قطعتها لا تملّ الرّيث والعجلا
إن كنت تأمل عزّا لا نظير له ... وتبتغي السؤل فيما شئت والأملا
فالعزّ حرف بعيد لا ينال سوى ... بعزم من شدّ عزم البين وارتحلا
والدرّ في صدف قلّت نفاسته ... ولم يبن فخره إلا إذا انتقلا
فاربأ بنفسك عن أهل وعن وطن ... عهود أنس به قلب المحبّ سلا
وعدّ عن ذكر محبوب شغفت به ... ولا تلمّ به مدحا ولا غزلا
كذا فيهما. ولعله ربا (مسهلة من) ربأ به عن كذا: رفعه ونزهه.
واقصد إلى الحضرة العليا وحطّ بها ... رحلا ولا تبغ عن أرجائها حولا
غرناطة لا عفا رسم بها أبدا ... ولا سلا قلب من يبغي بها بدلا
فهي التي شرّف الله الأنام بمن ... في مقعد الملك من حمرائها نزلا
خليفة الله مولانا وموئلنا ... وخير من أمّن الأرجاء والسّبلا
محمد بن أبي الحجّاج أفضل من ... قد قام فينا بحق الله إذ عدلا
من آل نصر أولي الملك الذي بهرت ... علاه كالشمّس لما حلّت الحملا
هو الّذي شرّف الله البلاد ومن ... فيها بدولته إذ فاقت الدّولا
أقام عدلا ورفقا في رعيّته ... وكان أرحم من آوى ومن كفلا
فهو المجار به من لا مجير له ... لم يخش أخرى اللّيالي فادحا جللا
إنّ المدائح طرّا لا تفي أبدا ... ببعض ما قد تحلّى من نفيس علا
فالحزم والعزم والإقدام شيمته ... والجود ممّا على أوصافه اشتملا
إن قال أجمل في قول وأبدعه ... والفعل أجمل منه كلمّا فعلا
يولي الجميل ويعطي عزّ نائله ... من قد رجاه ولا استجدى ولا سألا
من سائلي عن بني نصر فلا أحد ... منهم بأبلغ منّي كلّما سئلا
هم الذّين إذا ما أمنحوا ابتهجوا ... أسنى العطاء وأبدوا إثره الخجلا
هم الألى مهّدوا أرجاء أندلس ... إذ حكموا في الأعادي البيض والأسلا
فإن تسل عنهم يوم الرّهان فلم ... تعدل بأحدثهم في سنّه بطلا
من ذا يجاريهم في كلّ مكرمة ... أيشبه البحر في تمثيله الوشلا
مولاي يا خير من للنّصر قد رفعت ... راياته ولواء الفخر قد حملا
لله عيني لمّا أبصرتك وقد ... أعددت بين يديك الخيل والخولا
وأنت في قبّة يسمو بها عمد ... أقام منآد أمر الدين فاعتدلا
الجيش يعشي عيون الخلق منظره ... لمّا اكتسى منك نور الحقّ مكتملا
لا غرو أن شعاع الشّمس يشمل ما ... أضحى عليه إذا ما لاح منسدلا
وراية النّصر والتأييد خافقة ... قد أسبل الله منها النصر فانسدلا
والخيل قد كسيت أثواب ... (فمن براقعها) قد ألبست حللا؟
ترى الحماة عليها يوم عرضهم ... يمشون من فرط زهو مشية الخيلا
فمن رماة قسيّ العرب عدّتها ... تحكي الأهلّة منها، نورها اكتملا
ومن كماة شداد البأس شأنهم ... أن يعملوا البيض والخطيّة الذّبلا
بسعدك انتظمت تلك الجيوش لأن ... أشبهت في نظمها أسلافك الأولا
لا زلت تزدادها نعمى مضاعفة ... (لها. . الأرض منها السّهل والجبلا
وخلّد الله ملكا أنت ناصره ... ما عاقبت بكر من دهرنا الأصلا
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.
يوجد له ترجمة في: الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.