الرئيس الكاتب أبو علي حسين بن عبد الحكيم بن الحسين بن تداررت التنملي، المحسوب من الأندلس لولادته بها، وإن كان أبوه من قسنطينة رحمه الله، وهو من شعراء الأكليل: درة تحلى بها الزمن العاطل، وعدة أنجزها الفضل الماطل، وبارق جود أومض به الجود الهاطل، ما شئت من خلق تدل على الكمال مخايله، ومجد كرمت أواخره وأويله، وأدب تجلت عذاراه وعقايله، فإذا تناول الرقاع ووشاها، وغشى الطروس من حلل بيانه ما غشاها، ود صفح البدر أن يكون لها قرطاساً، ونجم النوء إن يكون على درها غطاساً ؛ نشأ بالصون مكلوفاً، وعن الدناءات أنوفا، فلما فاز فرنده بصقاله، وزها روض حسنه بأفعاله، بادر عزمه بحل عقاله، وسعد سعادة تشبه الصخر عند انتقاله، فكان بالدولة المرينية جملة الكمال، ومظنة الآمال، إلى أن استأثر بدرته النفيسة البحر، فتعطل النحر، وكان له أدب يستعير منه العرف النسيم، ويحسد حسنه الصبح الوسيم؛ فمن ذلك قوله في الأغراض السلطانية:
منحت اللهى وحميت الذمارا ... فرقت ثناء ورعت اقتدار
وعمرت وقتيك نسكا وملكاً ... فتعبد ليلاً وتهدي نهارا
ولم تلو حزماً على لذة ... لأنك لم تلف فيها افتخارا
ولم تتهيب صعاب المرامي ... ولم تخش من هولها حين ثارا
أطعت الإله فلا شيء إلا ... أطاعك دأباً وأبدى ابتدار
وأيدك السعد يا حبذا ... فما إن تبارى وما إن تجارى
ولا نفس إلا بحبك دانت ... ولا قلب إلا لخوفك طارا
فلله منك حمى أو حمام ... إذا ما أغار ومهما أجارا
مليك إذا ما دجا ليل ظلم ... أرانا من العدل فيه نهارا ومنها بعد كثير: إذا ما حبا فهو الجود جوداً ... ومهما أحتبى فثبير وقارا
له رأفة وطأت منه نفساً ... وبأس عدا الشامخات انفطارا
من القوم إن ركبوا الصافنات ... رأيت الرياح بأسد تجارى
نجوم بدت في سماء العلا ... فكل شهاب بها قد توارى
رأوا غاية المجد بذلاً فجادوا ... بأنفسهم واستقلوا النضارا ومن قوله في المقطوعات:
ليهن خليلي من ودادي إنني ... بعين الرضى في كل حين ألاحظه
وأن لست ذا حقد عليه إذا هفا ... ولو أنه ثارت عليه حفائظه
متى ساء منه لفظ فلست من ... أجازيه بالهجر الذي هو لافظه
وإن نال من عرضي بعيب غفرته ... وإني بظهر الغيب جهدي لحافظه
وما المرء إلا يمنح الخل بشره ... إذا ما أتاه منه ما هو غائظه
ومن حاسب الإخوان في اللفظ عاتباً ... فقد أحرز الخلق المحمد لافظه
فرب أخي خلق جديد مراجع ... بصيرته يهديه للحق واعظه
فما الخل إلا الطرف يعظم نفعه ... ويغضي إذا أقذت عليه لواحظه ومما صدر به رسالة:
زارت على حين يأس من تلاقيها ... والنفس رهن اشتياق في تراقيها
فأنتشرت ميت عتب آي منشيها ... وابرأت مس وجد صحف راقيها
صحيفة حسنات الدهر قد جمعت ... فباليمن يلقى يمن لاقيها
كأن ألفاظها تحوي معانيها ... كأس المدامة أسلافاً تساقيها
لكن حين حياني الرسول بها ... كأس الثريا التيم ساقيها وقال وقد عرض الجيش بحضرته:
رأيت العرض بين يدي مليك ... له ملك يناقشه الحسابا
فهذا يرتضي فيري نعيما ... وذا لا يرتضي فيري عذابا
فأذكرني ولا أنساه عرضاً ... له فود الوليد الغر شابا
لدى ملك كبير ليس يرجو ... نوالاً لا ولا يخشى عقابا
الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة - لسان الدين بن الخطيب، محمد بن عبد الله.