يوسف باشا
الطويل
تاريخ الوفاة | 1218 هـ |
مكان الوفاة | دمشق - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
يوسف باشا
والي جدّة، و محافظ المدينة المنورة في سنة ١١٨٨هـ وكافل دمشق، وأمير الحاج الشامي.
ترجم له صاحب سلك الدرر: الشهير بالطويل، الوزير الكبير، كافل دمشق وأمير الحاج الشامي، كان وزيرا كبيرا محبا للعلماء والصالحين، له الميل الزائد إلى أهل الصلاح والدين تمرّض بدمشق في قاعة ابن قرنق، في صالحية دمشق، و توفي فيها الأربعاء سادس عشر شعبان سنة 1218هـ وصلى عليه في السليمية الاستاذ عبد الغني النابلسي، (قدّس اللّه سره)، و دفن بالمقبرة المجاورة، لمدفن الاستاذ و الشيخ الأكبر محي الدين محمد بن عربي، المعروفة بمقبرة بني الزكي، و عمل على قبره بحجر و لوح فيه تاريخ لوفاته من نظم الاستاذ النابلسي المذكور، وهو قوله:
مات في الشام حاكم* * * قدره في الورى كبير
رحم اللّه محبنا* * * يوسف باشا الوزير
وعلى هذا فإن ولاية المذكور للمدينة تسبق تاريخ وفاته، و لعله ولي مدة قصيرة بها و أنه كان أميرا على حاج الشام، و على الأرجح أنه عزل في سنة ١١٩٠ هـ حيث ولي محافظا على المدينة وواليا طاهر آغا
تاريخ أمراء المدينة المنورة - عارف أحمد عبد الغني.
يُوسُف باشا أَمِير الْمَدِينَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وبندر جدة
وصلت إلينا الْأَخْبَار بِأَنَّهُ من أعظم الْأُمَرَاء فِي الدولة العثمانية وَأَن لَهُ من الْجِهَاد فِي بِلَاد الإفرنج مَا لم يكن لغيره وَله فتوحات عَظِيمَة وَوصل فِي عَام اُحْدُ عشر واثني عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف إِلَى صنعاء رجل يُقَال لَهُ السَّيِّد مُحَمَّد الكتابجي الرومي وَله فصاحة وذلاقة وَقُوَّة عارضة فَأخْبرنَا ان صَاحب التَّرْجَمَة بعد رُجُوعه من جِهَاد النَّصَارَى وَفتح كثير من معاقلهم ولاه سُلْطَان الروم الوزارة الْعُظْمَى وهي عِنْدهم الْقيام بِجَمِيعِ أُمُور السلطنة قَالَ الراوى فَلَمَّا ولاه سُلْطَان الرّوم ماوراء بَابه نزل إِلَى صحن دَار السلطنة فَطلب الوزراء الَّذين ترجع أمورهم إلى الْوَزير الْأَعْظَم فعاتبهم على التَّفْرِيط فِي عدم إعلام السُّلْطَان فِي كثير من الفتوق الْوَاقِعَة فِي الْبِلَاد الَّتِى إِلَيْهِم ثمَّ ضرب أَعْنَاقهم جَمِيعًا وَكَانَ السُّلْطَان رجل يسخر بِهِ ويجالسه وَله عِنْده منزلَة عَظِيمَة لَا يصل إِلَيْهَا غَيره فَقَالَ لصَاحب التَّرْجَمَة عِنْد خُرُوجه من دَار السُّلْطَان بعد أَن ولاه الوزارة كلَاما فِي السِّرّ مَعْنَاهُ أَنه رغب السُّلْطَان فِي جعله وزيرا فَأمر صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْحَال بِضَرْب عنق ذَلِك المسخرة فَضربت فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان استدعاه وَهُوَ شَدِيد الْغَضَب ثمَّ قَالَ لَهُ قد عرفنَا الْوَجْه فِي قَتلك للوزراء فَمَا سَبَب قَتلك لفُلَان يعْنى المسخرة فَقَالَ يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان هَذَا المائق قَالَ لي إِنَّه سعى لي عنْدك فِي الوزارة فَقتلته لأعْلم صِحَة قَوْله فَإِن كنت إنما وليتني الوزارة بمعاونة مثله فَلَا حَاجَة لي فِيهَا وَهَذَا الْعَهْد الذي عهدته إِلَى خُذْهُ وَإِن كنت وليتني ذَلِك لكوني أَهلا لَهَا فَلَا بَأْس وَلَا يضرني قتل مثل هَذَا المفتري عَلَيْك فسكن عِنْد ذَلِك غضب السُّلْطَان ثمَّ بقي فِي الوزارة نَحْو أَربع سِنِين ثمَّ رغب فِي مجاورة الْحرم الشريف والقبر النبوي فَطلب من السُّلْطَان أَن يوليه بندر جدة وَيجْعَل إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك ولَايَة الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَهَذِه الْولَايَة هي دون مِقْدَاره وَلكنه أَرَادَ أَن يتفرغ لِلْعِبَادَةِ فَلَمَّا ولي ذَلِك وصل بجيوش كَثِيرَة وَعدد عَظِيمَة وقمع المتمردين حَتَّى أمنت الْمَدِينَة وَمَا حولهَا وَلم يبْق من الْخَوْف مَا يعتادونه وَلَا بعضه وَوصل مِنْهُ فِي سنة 1214 كتاب إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه وَذكر فِيهِ أنه وصل إِلَيْهِ كتاب من مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله وَلَا حَقِيقَة لذَلِك فَلَعَلَّهُ افتعله بعض المفتعلين وصور كِتَابه:
الْحَمد لله حمدا لَا نحصي ثَنَاء عَلَيْهِ جل وَعلا وَكم وَكفى إِنَّا مُؤمنُونَ وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا وسندنا رَسُول الله نَحن فِي جواره من جَاهد فِي الله حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين، وعَلى آله وَصَحبه الَّذين بذلوا أنفسهم ابْتِغَاء مرضاة الله رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، وَبعد نبدي ذَلِك ونهديه إِلَى الْمُحب فِي الله وَالصديق لنا وإلينا مخلصا لوجه الله الْأَجَل الأمثل الأبر المؤتمن الْعَظِيم إمام الزَّمن فِي أقطار الْيمن كَانَ محروسا ومطهرا من كل ألم ودرن بِحرْمَة النبي الْأمين بعد السَّلَام عَلَيْكُم الذي نعلمكم بِهِ وَهُوَ كل خير لما بَيْننَا من الْمحبَّة السَّابِقَة والأخوة الإسلامية ياحبذا هي الرابطة القوية تقدمت إلينا من طرفكم كتب مفصحة لنا واستعلام وقائع الطَّائِفَة المنحوسة الفرنساوية دمرهم الله وخذلهم بجاه مُحَمَّد خير الْبَريَّة وطلبتم منا إِيضَاح الْمُبْهم وأحوال طوائف الإنكليزية وَأَن الْمُؤمنِينَ لبَعْضهِم مُعينين فِي نصْرَة الدَّين وَلما أوعد الله مترقبين كَمَا قَالَ فِي مُحكم التَّبْيِين وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ وَلَا مداد الدولة الْعلية منتظرين فَلَمَّا أَن علمنَا مِنْكُم ذَلِك أعدنا الْجَواب إليكم سَرِيعا وأعلمناكم عَمَّا هُنَالك هُوَ أَن طَائِفَة الفرانسة جعل الله دِيَارهمْ دارسة وأعلامهم ناكسة اخْتلفُوا وَنَقَضُوا الْعَهْد الْقَدِيم والميثاقه وتعدوا بقهر مصر والآفاقه وَطَوَائِف الإنكليز بَيْننَا وَبينهمْ رابطة قَوِيَّة وَصَحب لِلْإِسْلَامِ فَمن أَتَاكُم من طوائف الفرنساوية اللئام جرعوه كؤوس الْحمام وَلَا تبلغوه المرام وأصدقاؤنا الانكليز أعطوهم مَا يهوى من مطاعم الشَّهَوَات ومشارب الْحَلْوَى هَذَا وَحين ماورد إِلَى كتابكُمْ أرْسلت من خَواص أتباعي إِلَى الدولة الْعلية وشرحت لَهُم صلابتكم فِي الدَّين وشجاعتكم فِي الميادين وإقدامكم مَعَ إخوانكم الْمُؤمنِينَ متيقظين لَسْتُم بغافلين كَمَا صدق من نطق فِيمَا بِهِ الله عَلَيْكُم قد تفضل وامتن الإيمان يمن فَبعد أَن عملت الدولة الْعلية أحوالكم وأوصافكم وَمَا أَنْتُم عَلَيْهِ شكروا صنعكم على قَوْلكُم وَأَرْسلُوا إِلَى جَوَاب كتابكُمْ من صَاحب الدولة الْعلية العثمانية وَهُوَ وَزِي الختام الْآن مُدبر الْجُمْهُور الصَّدْر الْمُعظم ضِيَاء الْحَاج يُوسُف باشا وَهَا هُوَ مُرْسل إليكم صُحْبَة كتَابنَا هَذَا على يَد تابعينا الْحَاج إِسْمَاعِيل أغا والحاج يحيى أغا فَمَعَ سَلامَة الله إِذا وصلا إليكم وقرأتموهما أعلمتم الْحَاضِر والباد يلْزم لكم بعد الْآن أتم الْجِهَاد وَالِاجْتِهَاد فِي ذَلِك الناد لِأَن الفرنسيس عَدو الدَّين رُبمَا يفر اُحْدُ مِنْهُم من طرف الْقصير ويأتي من نواحيكم فأذيقوه الْحَرْب الْحَار ليتوصل بِهِ إلى أمه الهاوية وَبئسَ الْقَرار وَلَا تهابوه فَإِن قلبه قد طَار وَقصد النجَاة لَا أبلغه الله إلا وطار فَلَا تغفلوا واحذروا مكر أُولَئِكَ الْفجار وَكُونُوا على قلب وَاحِد أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ فَإِن الله مَعنا والنبي الْمُخْتَار وَقد كَانَ سَابِقًا فِي وسط شَوَّال تعدى الْكَفَرَة اللئام إِلَى أطراف الشَّام وحصروا عكة بلد الجزار بعسكر ينيف على خمسين ألفا من الْكفَّار وَتمّ الْحصار بِتِلْكَ النواحي أَرْبَعَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَاشْتَدَّ الكرب على الْمُسلمين فوفدت نجدة من الدولة الْعلية ثَمَانِيَة عشر مركبا بمدافعها وبارودها وَمن يعْطى حَقّهَا رجالها فقابلوا الْكفَّار قتلوا مَا ينيف على سِتَّة وَعشْرين ألفا مِنْهُم إِلَى النَّار والجرحى ينيف على ثَمَانِيَة آلَاف اللَّهُمَّ عجل بأرواحهم إِلَى بئس الْقَرار وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين مِقْدَار فَبعد إذ عاين أَعدَاء الله الْقَتْلَى وَالْآيَة الْكُبْرَى انْهَزمُوا وولوا الأدبار إِلَى أطراف مصر طلبا للفرار وَإِلَى يَوْم تَارِيخ كتَابنَا نرجو أَن الْمُسلمين بلغُوا مِنْهُم الأوطار وَإِن شَاءَ الله عَمَّا قريب نسمعكم بشراها وَنَحْمَد عُقبى مسراها بِحَق بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا هَذَا ونبشركم مِمَّا جرى سَابِقًا ولاحقا مَا يُوجب تلقيب ملكنا ويتلى لَهُ على المنابر غازيا صَادِقا أَنه لما بغ الدولة الْعلية خبر قهر مصر جهزوا على ساقية عَدو الدَّين وَذَلِكَ إقليم اللونديك الَّتِى فِيهَا دَار الضَّرْب للمشخص العتيك الَّتِى هِيَ من حور حُكُومَة الفرنسيس وَتَحْت تصرفه برا وبحرا وضبطوا ذَلِك الإقليم جَمِيعه وَتلك النواحي وَمِمَّا فِي ذَلِك الإقليم فِي الْبر ثَمَان بلدان بقلاع من أحسن مَا يسمع ومقر سلطنتهم بَلْدَة أوصف وأوسع وَغير ذَلِك قلاع صغَار وقرى لَا تعد فَقتلُوا من صد وأسروا أسرا لَا يُوصف بِحَدّ مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبر وَفِي الْبَحْر لَهُ أَربع جزائر منيعات حصينات صَارَت الْجَمِيع فِي قَبْضَة الْإِسْلَام ومحي عَنْهَا شرك الظلام وَبعد مَا قطعُوا ساقية عَدو الدَّين وجهت الدولة الْعلية وَجه وجهتها إِلَى أَخذ الثأر إِلَى مصر برا وبحرا وَهَذَا الْخَبَر ورد إلينا مَعَ تابعنا الَّذِي أرسلناه إلى الدولة الْعلية وَكَانَ وُصُوله إِلَى الْمَدِينَة فِي السَّابِع عشر من صفر الْخَيْر بتحريرات من الدولة الْعلية العثمانية مُوضحَة لنا مَا شرحناه لكم من فتوحات إقليم اللونديك والتوجه إِلَى أَخذ الثأر وقمع أُولَئِكَ الْفجار وَهَا حَضْرَة صَاحب الختام أقبل بعساكره الصافنات الْجِيَاد برا والسفن السائرات بحراً قَاصِدين مصر وتخليصها من لوث الشرك وَالْكفْر نرجو مَوْلَانَا سامع دَعَانَا أَن يدمر الْأَعْدَاء حَيْثُمَا دانوا ويعلي ويعمر كلمة الْإِيمَان أينما كَانُوا بِحَق من أنزل عَلَيْهِ نصر من الله وَفتح قريب إِنَّه سميع مُجيب وكما شرحناه إليكم رُبمَا أَن بعض الْكَفَرَة الفرنسيس اللئام يفرون من الْقصير إِلَى نحوكم فَإِن رَأَيْتُمْ أحدا مِنْهُم اقْتُلُوهُ وأسروه حَيْثُمَا ثقفتموه وأتباعنا الْمُرْسلين اليكم سهلوهما إلينا بِجَوَاب كتاب صَاحب الدولة الْعلية وَجَوَاب كتَابنَا وأخبار تِلْكَ الأقطار أفصحوا لنا عَنْهَا سَرِيعا انه جلّ المرام وَالسَّلَام ختام انْتهى كتاب صَاحب التَّرْجَمَة وَفِي آخِره علامته الْمُحْتَاج إِلَى عَفْو الله الْحَاج يُوسُف باشا وَإِلَى جدة ومحافظ الْمَدِينَة المنورة وَهَذِه صُورَة كتاب وَزِير الختام وَزِير السُّلْطَان ابْن عُثْمَان الذي صدر بِهِ صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام طي كِتَابه السَّابِق وَلَفظه
سَلام يقطر رباه رياض الوداد وثناء يسيل بفيض سلساله حِيَاض السداد إِلَى حَضْرَة من حف بالأنظار الإلهية والعترة المحمدية وأنواع المنن إمام صنعاء الْيمن وَبعد فالذي ننهي إليكم ونبديه لديكم أَن الطَّائِفَة الفرنساوية دمرهم الله بنواير صواعقه القوية نقضوا عهود الصُّلْح والميثاق وَسعوا فِي الأَرْض الْفساد والشقاق وخانوا الْملَّة الأحمدية الْبَيْضَاء وَقَامُوا على الْملَّة الأحدية السمحاء حَيْثُ هجموا بَغْتَة على بِلَاد الْإِسْلَام وَمَا رعوا قوانين الدول فِي الْأَخْبَار والأعلام وأبدعوا من الدسائس والحيل والخدع مَا لم يرتكبه أحد من أهل الغى البغى والبدع فاستولوا فَجْأَة على الْإسْكَنْدَريَّة ومصر الْقَاهِرَة وتحكموا على علمائها وفضلائها وساداتها الفاخرة وَسبوا صبيانها وهتكوا أَعْرَاض نسوانها الطاهرة فَفرضت علينا فرض الْعين إقامة الْغَزْو وَالْجهَاد والمحاربة مَعَهم فِي كل نَاحيَة وناد لَا زَالَت جَمِيعهم طعمة لسيوف الْمُوَحِّدين وحملتهم مشتتة بسطوة صنوف الْمُؤمنِينَ فانعقدت بَيْننَا وَبَين الدولة الإنجليزية والروسية على محاربتهم روابط الِاتِّفَاق والاتحاد وَظَهَرت من هَاتين الدولتين آثَار الْإِقْدَام والإحجام لأولئك الْفساد حَيْثُ ترافعت سفن الروسية مَعَ سفائن سلطاننا الْأَعْظَم وخاقاننا الأفخم لَا زَالَت روض السلطنته منضرة بنسيم النَّصْر والنجاح وشمس شوكته مشرقة فِي سَمَاء الْفَوْز والفلاح وهجموا على قلعة قورفة الَّتِى كَانَت أخذتها تِلْكَ الطَّائِفَة الباغية من أيدي اللوندي جبرا وحاصرها جَيش من جيوشنا المنصورة الْمُرْسلَة برا فنزعوها مِنْهُم فاستؤصل مِنْهُم الْأَكْثَرُونَ واسترق الْبَاقُونَ فَجَاءَت مفاتحها إِلَى يَد سلطاننا سُلْطَان الْإِسْلَام وَدخلت بِحَمْد الله فِي حوزة ممالك الْإِسْلَام فَعَسَى الله أن ياتي بِالْفَتْح أَو أَمر من عِنْده فَيُصْبِح من شَرّ ذمتهم السائرة بَعضهم جريحا طريحا وَبَعْضهمْ قَتِيلا ملعونين أينما ثقفوا أخذُوا وَقتلُوا تقتيلا وسفائن الإنكليز أَيْضا مَعَ سفائننا السائرة صدوا سَبِيل المستولين على مصر الْقَاهِرَة من أُولَئِكَ الفجرة الْكَفَرَة وقصدوا إِلَى محاربتهم بالغيرة الكاسرة فَأخذُوا من سفائنهم المخذولة بَعْضًا وأغرقوا بَعْضًا ونهضت عَلَيْهِم عساكرنا المنصورة من طرف الْبر فتضيق بعون الله عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ طولا وعرضا وَهَذَا الْمُحب الْوَدُود بعون الْملك المعبود ناهض بِالذَّاتِ عَلَيْهِم بترتيبات مهمات السفر وتداركات أَسبَاب الظفر بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا من الأتراك والأعجام واللزكية والأكراد وَغَيرهم مِمَّن لَهُم فِي الْمُحَاربَة صولة واعتياد فَفِيمَا صدر من أُولَئِكَ المخذولين الخاسرين عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ من الْخِيَانَة والخباثة وَالْفساد والعلو والعتو والعناد لفرض على كل مُؤمن فرض الْعين أن يعين الدَّين ويهين الْكَافرين ويعامل من كَانَ بَيْننَا وَبينهمْ الاتفاق والاتحاد مُعَاملَة الْحبّ والوداد فالمأمول من غيرتكم الدِّينِيَّة وحميتكم الْعَرَبيَّة أَن تَكُونُوا متنبهين متيقظين وَأَن تراعوا مَعَ طَائِفَة الانكليز والروسية مراسم الوداد والوفاق وتخابروا دَائِما مَعَ الْوَزير المكرم وَإِلَى جدة ومحافظ الْمَدِينَة المنورة أخينا يُوسُف باشا دَامَ فِي حفظ الله الخلاق وتكونوا على رَأْيه وتدبيره وَمُقْتَضى تفهيمه وتحريره ودمتم سَالِمين بجاه مُحَمَّد الْأمين آمين حرر فِي أواسط ذي الْقعدَة الشَّرِيفَة لسنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف وَآخره علامته المستمد من الله الأكرم الْحَاج يُوسُف ضِيَاء الْوَزير الْأَعْظَم انْتهى كتاب يُوسُف باشا وَزِير السلطنة الذي صدر بِهِ يُوسُف باشا الآخر وَإِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَجدّة وَهَذِه صُورَة جَوَاب مَوْلَانَا الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه أدام الله عَلَيْهِ الإنعام وَهُوَ من إنشاء الحقير جَامع هَذِه التراجم الَّتِى اشْتَمَل عَلَيْهَا هَذَا الْكتاب وَهَذَا الْجَواب على يُوسُف باشا صَاحب الْمَدِينَة وَجدّة وَلَفظه
الْحَمد لله الذي نصر جنده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من أطلع الله ببعثته شموس الْإِسْلَام وطمس بدعوته رسوم الْكَفَرَة اللئام وَهدم بنبؤته الغراء معاقل المردة الطغام وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين هم لأوليائه نُجُوم ولأعدائه رجوم وَبعد فَإنَّا نهدي من السَّلَام التَّام والتحيات الفخام إِلَى حَضْرَة الْوَزير الأكرم والباشا الأفخم ذي السَّابِقَة المحمودة والمنقبة الَّتِى هي على مُرُور الْأَيَّام مَعْدُودَة سيف الدولة السُّلْطَانِيَّة ومقدام الجيوش الخاقانية الْحَاج يُوسُف باشا أمده الله من ألطافه بِمَا شا ونخبره أَنه وصل إلينا من جنابه العالى كتاب بدره على أفق البلاغة متلالي يتَضَمَّن الْأَخْبَار بتعدي طَائِفَة الْكفَّار إلى تِلْكَ الديار وَمَا تعقب ذَلِك من المسار الْكِبَار بِفَتْح الجيوش السُّلْطَانِيَّة لتِلْك الأقطار وَتوجه وَزِير الختام وَصَاحب الدولة فِي هَذِه الْأَيَّام إِلَى مناجزة أَعدَاء الدَّين وحزب مَرَدَة الشَّيَاطِين من الفرنسيس الملاعين فَالله الْمَسْئُول وَهُوَ أكْرم مرجو ومأمول أن ينصر حزبه ويخذل حزب الشَّيْطَان وَيرْفَع دينه وملة رَسُوله على جَمِيع الْأَدْيَان فقد عود الله هَذِه الْملَّة الإسلامية فِي جَمِيع الْأَعْصَار مُنْذُ بَعثه النبي الْمُخْتَار بنصرهم على طوائف الْكفَّار وقهرهم لمن ناوأهم من الأشرار الْفجار فأبشروا بنصر الله فَنحْن معاشر الْإِسْلَام جند الله وحزب الله وَهَؤُلَاء الملاعين جند عَدو الله إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَلنَا إن شَاءَ الله الْعَاقِبَة وجنودنا بمعونة الله الْغَالِبَة وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا فَعَن قريب يبدد الله شملهم ويشتت جَمِيعهم ويذيقهم الوبال بأيدي أبطال الرِّجَال من جند ذى الْجلَال وهم بمعونة الله أقل وأذل وأحقر وأنزر من أَن يقوم باطلهم فِي وَجه حَقنا أَو يثور عجاج كفرهم فِي ديار ديننَا بل هم إِن شَاءَ الله فريسة الْمُجَاهدين وغنيمة جنود الله المرابطين وَلَهُم بأسلافهم من الْكَافرين أعظم عِبْرَة للمعتبرين فَإِنَّهُم عَلَيْهِ لعنة اللاعنين مَا زَالُوا بَين قَتِيل وأسير وسليب وعقير وسيوف الْإِسْلَام الَّتِى أذاقتهم الْحمام وَتركت أَوْلَادهم الْأَيْتَام فِي سالف الْأَيَّام هي بِحَمْد الله بَاقِيَة وَإِلَى دِمَائِهِمْ صادية فَلَا جرم ساقتهم الْآجَال إِلَى مَوَاطِن النزال ودفعتهم الْقُدْرَة إِلَى تِلْكَ الحفرة وَمَا ذكرْتُمْ من التوصية بإعانة المعاضدين للمجاهدين إِذا رأيناهم فِي الْأَطْرَاف نازلين وَكَذَلِكَ مَا أرشدتم إِلَيْهِ من إصداق العزائم الإسلامية فِي أَعدَاء الدَّين من الْكَافرين فَنحْن على ذَلِك راغبون فِيمَا هُنَالك قاطعون على الفرانسة أقماهم الله جَمِيع المسالك وَكَيف لَا نرغب فِي مناجرة هَؤُلَاءِ الطغام وَطلب الْجِهَاد فِي رِضَاء الْملك العلام ونخبركم أَن قد بعثنَا من كساكرنا الْجُمْهُور وأمرناهم بالمرابطة فِي أَطْرَاف الثغور وأخذنا عَلَيْهِم إعلامنا بِمَا حدث لديهم لنكون أول القادمين عَلَيْهِم وَنحن وَأَنْتُم يَد وَاحِدَة على جِهَاد هَؤُلَاءِ المعاندة فَإِذا حدث وَالْعِيَاذ بِاللَّه لدينا أَمر بادرنا بإعلامكم والمؤمنون كالبنيان كَمَا قَالَ سيد ولد عدنان
وَصدر جَوَاب وَزِير الختام لَا برح فِي حماية الْملك العلام ودمتم فِي أجل نعْمَة وأوفر قسْمَة وَهَذِه صُورَة جَوَاب مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله على وَزِير السلطنة من انشاء الحقير أَيْضا لَفظه
سَلام عابق الأرج وتحيات تحمل النَّصْر والفرج يخص حَضْرَة الْوَزير الْكَبِير الْمِقْدَام الخطير عضد السدة السُّلْطَانِيَّة سردار الْعَسْكَر الخاقانية حَامِل لِوَاء الدولة الْعلية العثمانية وَزِير الختام مُدبر الْجُمْهُور من الْأَنَام ضِيَاء الْحَاج يُوسُف باشا أناله الله من الْخَيْر ماشا وننهي إِلَيْهِ دَامَ لَهُ الإسعاد وَلَا برح مُسَددًا فِي الإصدار والإيراد أَنه وَفد إلينا من سوحه كتاب كريم وَقدم علينا من جنابه خطاب هُوَ الدر النظيم يحْكى مَا حل بِأَرْض الْإِسْلَام من طوائف الفرانسة اللئام جعلهم الله طعمة لسيوف الْمُجَاهدين وفريسة لجنود الْحق من عباده الْمُسلمين وَقد وعدنا الله فِي كِتَابه الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه أَن حزبه هم الغالبون وجنده هم المنصورون وَهُوَ صَادِق الْوَعْد لَا يخلف الميعاد ومتم نوره وَإِن رغمت أنوف أهل الِاتِّحَاد وَلَا بُد للباطل صولة وللمنكر جَوْلَة وَلَكِن الْعَاقِبَة لِلْمُتقين وَالْغَلَبَة بمعونة الله لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ فابشروا بنصر الله الديَّان وثقوا بوعده فِي مُحكم الْقُرْآن فَعَن قريب يقطع الله دابرهم وَيهْلك واردهم وصادرهم وَكم لهَؤُلَاء الملاعين من جيوش مركوسة ورايات بَاطِل على ممر الْأَيَّام منكوسة وتدبيرات مَكَائِد هى عَلَيْهِم بمعونة الله معكوسة وَكم أطلت على ديار الْمُسلمين مِنْهُم سحائب تقشعت عَن قَلِيل وَكم قصدت ثغور الْمُسلمين مِنْهُم كتائب تمزقت فِي كل سَبِيل فالنعل لما يدب من هَذِه العقارب حَاضِرَة والأحجار إِذا نبحت هَذِه الْكلاب بِمصْر الْقَاهِرَة وافرة متكاثرة وذكرتم مَا انْعَقَد بَين الحضرة السُّلْطَانِيَّة والطائفة الإنكليزية والروسية من المظاهرة على الطَّائِفَة الْكَافِرَة الفرنسيسية فَذَلِك إن شَاءَ الله من أعظم دَلَائِل هَلَاك هَؤُلَاءِ الملاعين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَنحن إن شَاءَ الله حَرْب لمن حَارب الْمُسلمين سلم لمن سَالم أهل هَذَا الدَّين الْمُبين مترقبين لانتهاز الفرص منتظرين لتجريع الْكَافرين أعظم الْغصَص قد شحنا بنادرنا بِالرِّجَالِ وأمرناهم بالاستعداد لِلْقِتَالِ وأخذنا عَلَيْهِم المعاضدة للمعاضدين والمعاندة للمعاندين فَإِن نجم وَالْعِيَاذ بِاللَّه ناجم وثارت فِي أَطْرَاف ثغورنا قساطل الْمَلَاحِم فَنحْن إِن شَاءَ الله فِي الرعيل الأول وعَلى الله سُبْحَانَهُ فِي النَّصْر الْمعول نجاهد فِي الله حق جهاده ونرابط فِي الثغور لحفظ عباده وبلاده والوزير المكرم والباشا الْمُعظم محافظ الْمَدِينَة ووالي بندر جدة هُوَ أقرب الجيوش السُّلْطَانِيَّة إِلَى دِيَارنَا فَإِن عرض لدينا أَو لَدَيْهِ عَارض فَنحْن يَد وَاحِدَة وَالْإِسْلَام أعظم رابطة والمؤمنون أخوة ودمتم فِي خير آمِنين من كل بؤس وضير انْتهى جَوَاب مَوْلَانَا الإِمَام على وَزِير الختام وَبعد وُصُول الْكتب السَّابِقَة وَرُجُوع الجوابين عَنْهَا بلغ أَن وَزِير الختام خرج بجيوش السلطنة من اصطنبول إِلَى مصر وضايق الفرنج المتغلبين عَلَيْهَا مضايقة شَدِيدَة وأخرجهم من أَكْثَرهَا ثمَّ بعد ذَلِك انْعَقَد بَينهم الصُّلْح على أَن يخرج الإفرنج عَن مصر ويعودوا إِلَى بِلَادهمْ فَاجْتمعُوا وَخرجت مِنْهُم فرقة فِي المراكب فوصلوا إِلَى الْبَحْر واعترضتهم طَائِفَة الإنكليز من الإفرنج واستولوا على بعض مراكبهم فَرَجَعُوا إِلَى أَصْحَابهم البَاقِينَ بِمصْر وأخبروهم بِمَا وَقع من الإنكليز من الْغدر وظنوا جَمِيعًا إِن ذَلِك مكيدة من وَزِير الختام فَاجْتمعُوا وَأَقْبلُوا إِلَيْهِ مقاتلين وَقد كَانَ فرق من عِنْده من جيوش الْإِسْلَام ركونا إِلَى الصُّلْح وتفريطا مِنْهُ فِي الحزم فَانْهَزَمَ من الإفرنج فَقيل انهزم إِلَى الشَّام وَقيل قتل وَقيل مَاتَ حتف أَنفه وَالله أعلم أي ذَلِك كَانَ واستولت الإفرنج على إقليم مصر وَلم يبلغنَا إِلَى الْآن وهوسنة 1215 مَا كَانَ وَصَاحب التَّرْجَمَة يُوسُف باشا صَاحب الْمَدِينَة توفي فِي هَذَا الْعَام عَام خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف.
ثمَّ جَاءَت الْأَخْبَار الصَّحِيحَة والكتب من شرِيف مَكَّة وَغَيره فِي شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1316 سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف أَن الْجنُود الإسلامية السُّلْطَانِيَّة أخرجت طَائِفَة الإفرنج أقماهم الله من الديار المصرية بعد أَن ضايقوهم وحاصروهم وَقتلُوا أكثرهم وَخرج الْبَاقُونَ فِي أَمَان وعادوا إِلَى دِيَارهمْ وتواترت هَذِه الْأَخْبَار وَصحت وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين فَإِن هَذِه الْحَادِثَة الْعَظِيمَة اضْطَرَبَتْ لَهَا جَمِيع الديار الإسلامية ورجفت عِنْدهَا قُلُوب الْمُوَحِّدين وتزلزلت بِسَبَبِهَا أَقْدَام كثير من الْمُجَاهدين فَالْحَمْد لله الذي نصر دينه
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمن