مُحَمَّد بن حُسَيْن دلامة بِضَم الدَّال الْمُهْملَة الذماري ثمَّ الصنعاني
ولد تَقْرِيبًا سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بذمار فَقَرَأَ فِيهَا علم الْفُرُوع واشتغل بالأدب فَقَالَ الشّعْر الْحسن ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء وَاسْتمرّ بهَا وَكَانَ يمدح أكابرها الْخَلِيفَة فَمن دونه وشعره كثير سَائِر وتأتي لَهُ فِيهِ معاني بديعة وَكَانَ حسن المحاضرة رَقِيق الْحَاشِيَة وَكثير الْميل إِلَى الصُّور الحسان مَعَ عفة ونزاهة بِحَيْثُ أَنه قد ناهز السِّتين وَهُوَ كالشباب فِي الغرام وكابن الثَّمَانِينَ فِي الْهَرم وَضعف البنية ويغلب على الظَّن أَنه مَاتَ عشقا فَإِنَّهُ كَانَ قبل مَوته يهيم بِبَعْض الملاح ثمَّ أخبرنَا من كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ فِي مرض مَوته بأوصاف لذَلِك الْمَرَض يقوي مَا ذَكرْنَاهُ وَالله أعلم
وَكَانَ قَلِيل ذَات الْيَد ضيق الْعَيْش صَابِرًا على مكابدة الْحَاجة وَكنت أتعجب من تسلط الغرام عَلَيْهِ مَعَ ضعف الْبدن وَكَثْرَة الْأَمْرَاض ومزيد الْفقر وعلو السن وَهُوَ لَا يكره نِسْبَة مَا ذكرته إِلَيْهِ فإني كنت أمازحه قبل تَحْرِير هَذِه التراجم بِزِيَادَة على خمس سِنِين أَنى سأكتب لَهُ تَرْجَمَة أذكر فِيهَا ماصار فِيهِ من مكابدة غرام بعد غرام وهيام عقب هيام فَكَانَ يَأْذَن بذلك وَلَو علمت أَنه يكرههُ مَا ذكرته لأني صنت هَذَا الْكتاب عَن ذكر المعايب وطهرته عَن نشر المثالب لَا كَمَا يَفْعَله كثير من المترجمين من الاستكثار من ذَلِك فَإِن الْغَيْبَة قبيحة إِذا كَانَت بفلتات اللِّسَان الَّتِى لَا تحفظ وَلَا يبْقى أَثَرهَا بل تنسى فِي ساعتها فَكيف بهَا إِذا حررت بالأقلام وَبقيت أعواما وَلَا سِيمَا إِذا لم يتَعَلَّق بهَا غَرَض الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِنَّهَا من حصايد الْأَلْسِنَة الَّتِى تكب صَاحبهَا على منخره فِي نَار جَهَنَّم نسْأَل الله السَّلامَة
وَمن نظمه رَحمَه الله مَا كتبه إِلَى خَليفَة الْعَصْر حفظه الله عِنْد إن ولانى الْقَضَاء وهى هَذِه الأبيات وَذكر آخرهَا تَارِيخ ذَلِك
(قل للْإِمَام أدام الله دولته ... مَا دَار نجم على الْآفَاق أَو أَفلا)
(لقد رميت فَمَا أَخْطَأت منتقدا ... عين الْإِصَابَة فِي الْأَعْلَام والنبلا)
(لما رَأَيْت وُلَاة الحكم قد قصرت ... عين الْكَمَال الذي يرضى بِهِ الكملا)
(اخْتَرْت عز المعالى للعلا علما ... هَذَا لعمري هُوَ الرأي المنيف علا)
(طوقت جيد زمَان أنت مَالِكه ... طوقا من الدر استحلى بِهِ فحلا)
(لله مَوْلَاهُ مَا أولاه من حلل ... وحلة الْعلم وَالتَّقوى أجل حلا)
(أقسمت مَا فِي الورى شخص يماثله ... من ذَا يماثل بدر التم إذ كملا)
(إن خَاضَ بَحر عُلُوم خَاضَ مُنْفَردا ... فِي لج بَحر رست فِي لجة النبلا)
(أوخاض فِي لجة الْآدَاب فَهُوَ لَهَا ... مَا الأصمعي وَمَا المرداس وَابْن جلا)
(لَا يصدر الحكم إلا عَن مشورة ... كَيْمَا يكون غَدا فِي حزب من عدلا)
(فَمن توليه فاستوليه متكلا ... بِهِ على الله وأعزل كل من عزلا)
(فقد أراك إله الْعَرْش خير فَتى ... فاسمع لما قَالَ وانجز كل مَا فعلا)
(فَذَاك آكِد من ترجو النجَاة بِهِ ... مِمَّن يقلده لَا تختشى الزللا)
(وَعَامة النَّاس لَا يرضون من كملت ... فِيهِ الصِّفَات فَلَا تعبأ بِمن جهلا)
(فاسمح بِعَين ترى التَّارِيخ مُشْتَمِلًا ... مُحَمَّد بن عَليّ أكمل الكملا)
1209
- وَمَات رَحمَه الله فِي سنة 1209 عَام إنشائه لهَذَا النظم وَله ولد من أَعْيَان عُلَمَاء الْفُرُوع المشاركين فِي غَيرهَا وَهُوَ حُسَيْن بن مُحَمَّد نَشأ بذمار وَقَرَأَ الْفُرُوع على أَهلهَا كالقاضي سعيد بن حسن العنسي وَغَيره ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء وَقَرَأَ على جمَاعَة من علمائها وَقَرَأَ علي فِي سنَن أبي دَاوُد وَهُوَ الْآن بَاقٍ فِي صنعاء وَله همة علية وَنَفس شريفة وطباع ظريفة ومناقب منيفة وَلَعَلَّ مولده فِي سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف أَو قبلهَا بِيَسِير أَو بعْدهَا بِيَسِير
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني
محمد بن حسين دلامة، الذماريُّ.
ولد تقريبًا سنة 1150. وكان حسن المحاضرة، رقيق الحاشية، كثير الميل إلى الصور الحسان، مع عفة ونزاهة بحيث ناهز الستين السنة، وهو كالشاب في الغرام، ويغلب على الظن أنه مات عشقًا، فإنه كان قبل موته يهيم ببعض المِلاح، وكنتُ أتعجب من تسلُّط الغرام عليه، مع ضعفِ البدن، وكثرةِ الأمراض، ومزيدِ الفقر، وعلوَّ السن، وهو لا يكره نسبة ما ذكرته إليه؛ فإني كنت أمازحه قبل تحرير هذه التراجم بزيادة على خمس سنين: أني سأكتب له ترجمةً أذكر فيها ما صار فيه من مكابدة غرام بعد غرام، وهيام عقب هيام، وكان يأذن بذلك، ولو علمتُ أنه يكرهه، ما ذكرته؛ لأني صنفت هذا الكتاب عن ذكر المعايب، وطهرته عن نشر المثالب، لا كما يفعله كثير من المترجمين من الاستكثار من ذلك؛ فإن الغيبة قبيحة إذا كانت بفلتات اللسان لا تحفظ ولا يبقى أثرها، بل تُنسى في ساعتها، فكيف بها إذا حُررت بالأقلام، وبقيت أعوامًا بعد أعوام، ولا سيما إذا لم يتعلق بها غرض الجرح والتعديل، فإنها من حصائد الألسنة التي تكبُّ صاحبَها على منخره في نار جهنم - نسأل الله السلامة - مات في سنة 1209 - رحمه الله تعالى -.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.
الشيخ محمد بن حسن دلامة الذماري
العالم الأستاذ والعمدة الملاذ، نخبة الأنام وحسن الليالي والأيام، ولد تقريباً سنة ألف ومائة وخمسين، وكان حسن المحتضرة عارفاً بالبحث والمناظرة، رقيق الحاشية ذا شهرة منتشرة فاشية، كثير الميل إلى النظر إلى الولدان ذوي الصور الحسان، مع عفة وصيانة وحماية من كل خيانة، ناهز الستين من الأعوام وهو كالشاب في الوجد والغرام، ويغلب على الظن أن العشق قتله وأورده منهله، لأنه إلى حين موته وهو يتهيم بالملاح والوجوه الصباح، ولذلك تسلط عليه السقم والمرض حتى كأنه لسهام الأسقام غرض، ومع ذلك فإنه كان لا يكره من نسبة ذلك إليه، ولا ينقبض إذا ذكر ذلك بين يديه، وكان كل من كاتبه يكاتبه بعبارة العشق والنوى، والوجد والهوى، ويذكر له الجمال وفعله والغرام وأهله، وهو يتلذذ بذلك ويجاوبهم سالكاً هذه المسالك، ومعلوم أن الموت بالعشق بشروطه شهادة وموجب للفوز والسعادة، وكان يعاتبه بعض الناس مزاحاً بقصد الهزل والمداعبة فيقول:
لحظ النجوم بمقلتيه فراعها ... ما أبصرت من حسنه فتردت
فتساقطت في خده فنظرتها ... عمداً بمقلة حاسد فاسودت
ومقصوده بذلك أن اللائمين له يكلمونه حسداً وكلامهم لا يسري عليه فيخرجون ووجوههم مسودة، كما نظر هذا الناظم النجوم لما تساقطت في خد الحبيب نظرة حاسد فاسودت، إلا أنه فرق بين السوادين، مات المترجم سنة ألف ومائتين وتسع رحمه الله تعالى.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.