القاسم بن علي البصري الحريري

أبي محمد البصري الحريري

تاريخ الولادة446 هـ
تاريخ الوفاة516 هـ
العمر70 سنة
مكان الولادةالبصرة - العراق
مكان الوفاةالبصرة - العراق
أماكن الإقامة
  • البصرة - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

أما أبو محمد القاسم بن علي [بن محمد] الحريري، فإنه كان أديباً فاضلاً، بارعاً فصيحاً بليغاً. صنف كتباً حسنة، عذبة العبارة، رائقة، منها: كتاب المقامات الشهيرة في أيدي الناس، وكتاب درة الغواص فيما يلحن فيه الخواص،

الترجمة

أما أبو محمد القاسم بن علي [بن محمد] الحريري، فإنه كان أديباً فاضلاً، بارعاً فصيحاً بليغاً.
صنف كتباً حسنة، عذبة العبارة، رائقة، منها: كتاب المقامات الشهيرة في أيدي الناس، وكتاب درة الغواص فيما يلحن فيه الخواص، وكتاب الرسائل، وملحة الأعراب وشرحها، إلى غير ذلك [من الكتب] .
وأخذ عن أبي القاسم الفضل بن محمد القصباني -وكان القصباني نحوياً فاضلاً- قال الحريري: ذكر شيخنا أبو القاسم القصباني أنك إذا قلت: ما أسود زيداً! وما أسمر عمراً! وما أصفر هذا الطائر! وما أبيض هذه الحمامة! وما أحمر هذه الفرس! فسدت كل مسألة منها من وجه، وصحت من وجه، فيفسد جميعها إذا أردت بها التعجب من الألوان، وتصح جميعها إذا أردت بها التعجب من سواد زيد، وسمر عمرو -وهو الحديث بالليل خاصة- ومن صفير الطائر، وكثرة بيض الحمامة، ومن حمر الفرس؛ وهو أن ينتن فوه.
وأخذ عن الحريري المقامات شريف الدين علي بن طراد الزينبي الوزير، وقوام الدين علي بن صدقة الوزير، وابن المائدائي قاضي واسط، وابن المتوكل، وابن النقور، وجماعة كثيرة من أهل الأدب وغيرهم.
وروى لي ابن المتوكل عنه:
لما تعامى الدهر وهو أبو الورى ... عن الرشد في أنحائه ومقاصده
تعاميت حتى قيل إني أخو عمي ... ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده
ويحكى أنه لما قدم بغداد حضره شيخنا أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي، وهو يقرأ عليه كتاب المقامات: فلما بلغ المقامة الحادية والعشرين إلى قوله:
وليحشرن أذل من فقع الفلا ... ويحاسبن على النقيصة والشغا
قال له الشيخ أبو منصور: ما الشغا؟ فقال: الزيادة، فقال له الشيخ أبو منصور: إنما الشغا اختلاف منابت الأسنان، ولا معنى له هاهنا.
وكان الحريري دميم الخلقة، فيحكى أن رجلاً قصده ليقرأ عليه، فاستدل على مسجده الذي يقرأ فيه، فلما أراد الدخول، رأى شخصاً دميم الخلق فاحتقره، وقال: لعله ليس هو هذا، فرجع. ثم قال في نفسه: لعله يكون هذا، ثم استبعد أن يكون هو، والشيخ يلحظه، فلما تكرر ذلك منه، تفرس الشيخ منه ذلك، فلما كان في المرة الأخيرة قال له: ادخل، فأنا من تطلب، أكثر من قرد محنك.
ويحكى أنه كان مولعاً بالعبث بلحيته بحيث يتشوه بذلك، فنهاه الأمير وتوعده على ذلك، وكان كثير المجالسة له، فبقي كالمقيد لا يتجاسر أن يعبث بها! فتكلم في بعض الأيام عند الأمير بكلام استحسنه منه، فقال له الأمير: سلني ما شئت حتى أعطيك، فقال له: أقطعني لحيتي، فقال له: قد فعلت.

ويحكى أنه كتب إليه الوزير علي بن صدقة خادمه، فكتب إليه يستعفي من ذلك، فكتب إليه، إن عدت تستعفي [من ذلك] كتبت إليك: الخادم.
قال ابن السمعاني: سألت أبا القاسم بن أبي محمد الحريري عن وفاة أبيه، فقال: توفي سنة ست عشرة وخمسمائة بيني حرام، من البصرة، وسألته عن مولده، فقال: لا أدري! غير أنه [قال لي] : كان له وقت أن توفي سبعون سنة

نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.

 

 

الْقَاسِم بن عَليّ [446 - 516] أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ الحريري، بِالْحَاء الْمُهْملَة.
صَاحب " المقامات الحريرية "، وترجمه هُوَ بِخَطِّهِ فِيمَا شاهدته فِي أَصله ب " مقامات أبي زيد السرُوجِي "، إنْشَاء فلَان.
وَلَقَد بلغت بِهِ هَذِه " المقامات " أَعلَى المقامات، وأحلته من علو الذّكروَبعد الصيت بأرفع الدَّرَجَات، وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب، وَذَلِكَ بَين من " مقاماته " فِي فتاوبه الَّتِي ضمنهَا المقامة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ مِنْهَا، ناسباً لَهَا إِلَى فَقِيه الْعَرَب، وَإِنَّمَا فَقِيه الْعَرَب عبارَة عَن عَالم الْعَرَب وَلَيْسَ عبارَة عَن شخص معِين، فَذكر من فَتَاوِيهِ قَالَ: أَيجوزُ بيع الْخلّ بِلَحْم الْجمل؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِلَحْم الْحمل، قَالَ الحريري: الْخلّ: ابْن الْمَخَاض، وَلَا يحل بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ سَوَاء كَانَ من جنسه أَو غير جنسه.
وَقَالَ أَيْضا: قَالَ: مَا يجب على المختفي فِي الشَّرْع؟ قَالَ: الْقطع لإِقَامَة الردع، المختفي: نباش الْقُبُور.
وَقَالَ: قَالَ: أينعقد نِكَاح لم يشهده القواري، قَالَ: لَا والخالق الْبَارِي: القواري: الشُّهُود، لأَنهم يقرونَ الْأَشْيَاء، أَي: يتبعونها.
فَهَذِهِ أجوبة شَافِعِيّ لَيْسَ غير، لمُخَالفَة الأول لمَذْهَب أَحْمد، فَإِنَّهُ يجوز بِغَيْر الْجِنْس، وَالثَّانِي لمَذْهَب أبي حنيفَة، وَالثَّالِث لمَذْهَب مَالك (رضى الله عَنْهُم) .

وَقد قَالَ فِي خاتمتها: فَقلت لَهُ: خفض الأحزان لَا تلم الزَّمَان، واشكره لمن فَتلك عَن مَذْهَب إِبْلِيس، إِلَى مَذْهَب ابْن إِدْرِيس.
أَنبأَنَا أَبُو هَاشم، أخبرنَا أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ، أَنْشدني أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن الْقَاسِم الْبَصْرِيّ قَالَ: أَنْشدني وَالِدي لنَفسِهِ:
(لَا تخطون إِلَى خطء وَلَا خطأ ... من بعد مَا الشيب فِي فوديك قد وَخطأ)

(فَأَي عذر لمن شابت مفارقه ... إِذا جرى فِي ميادين الصِّبَا وخطا)

قَالَ النواوي: قَوْله: فِي فوديك، هما تَثْنِيَة فود: بِفَتْح الْفَاء، وَإِسْكَان الْوَاو، بعْدهَا دَال مُهْملَة، وَهُوَ: مُعظم شعر الرَّأْس الَّذِي يَلِي الْأُذُنَيْنِ، وَيُقَال: وخطه الشيب، أَي: خالطه.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

 

العَلاَّمَةُ البَارعُ، ذُو البلاغتين، أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِم بن علي بن مُحَمَّد بن عُثْمَانَ البَصْرِيّ الحرَامِي الحَرِيْرِيّ، صَاحِبُ "المقَامَات".
وُلِدَ بقَرْيَة المَشَانِ مِنْ عمل البَصْرَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي تَمَام مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي القَاسِمِ الفَضْلِ القصَبَانِي، وَتَخَرَّجَ بِهِ فِي الأَدب.
قَالَ ابْنُ افْتخَارٍ: قَدِمَ الحَرِيْرِيُّ بَغْدَاد، وَقرَأَ عَلَى عَلِيِّ بنِ فَضَال المُجَاشِعِيّ، وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ الصَّبَّاغ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي، وَقرَأَ الفَرَائِضَ عَلَى الخَبْرِيِّ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْس مائَة، وَحَدَّثَ بِهَا بِجُزْءٍ مِنْ حَدِيْثِهِ وَبِمقَامَاتِهِ، وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ فِيْهَا ابن الخشاب أوهامًا يسيرة اعْتذر عَنْهَا ابْنُ بَرِّي.
قُلْتُ: وَأَملَى بِالبَصْرَةِ مَجَالِسَ، وَعَمِلَ "دُرَّةَ الغَوَّاصِ فِي وَهْمِ الخَوَاصِ"، وَ "المُلْحَةَ" وَشَرَحَهَا، وَ "دِيْوَاناً" فِي الترسُّل، وغير ذلك، وخضع لنظمه نثره البُلغَاءُ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ، وَالوَزِيْرُ عَلِيّ بن طِرَاد، وَقِوَامُ الدّين عَلِيُّ بن صَدَقَةَ، وَالحَافِظُ ابْنُ نَاصر، وَأَبُو العَبَّاسِ المَنْدَائِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْعَد العِرَاقِي، وَالمُبَارَكُ بن أَحْمَدَ الأَزَجِي، وَعَلِيُّ بنُ المُظَفَّر الظهيرِي، وَأَحْمَد بن النَّاعم، ومنوجهر بن تركانشاه، وأبو الكرام الكَرَابِيسِي، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ المُتَوَكِّل، وَآخَرُوْنَ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ الَّذِي أَجَازَ لِشُيُوْخنَا، فَعن الحَرِيْرِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو زَيْد السَّرُوجِي شَيْخاً شَحَّاذاً بَلِيْغاً، وَمُكْدِياً فَصِيْحاً، وَرَدَ البَصْرَةَ عَلَيْنَا، فَوَقَفَ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَرَام، فَسَلَّمَ، ثُمَّ سَأَلَ، وَكَانَ الوَالِي حَاضِراً، وَالمَسْجَدُ غَاصٌّ بِالفُضَلاَء، فَأَعْجَبتهُم فَصَاحَتُهُ، وَذَكَرَ أَسْرَ الرُّوْم وَلدَه كَمَا ذكرنَا فِي "المقَامَة الحرَامِيَة" فَاجتمع عِنْدِي جماعةٌ، فَحكيتُ أَمرَه، فَحكَى لِي كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ شَاهَدَ مِنْهُ فِي مَسْجِدٍ مِثْل مَا شَاهدتُ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ معنى فِي فَصل، وَكَانَ يُغَيِّر شكلَه، فَتَعجَّبُوا مِنْ جريانه في ميدانه، وتصرفه في تَلُوُّنِهِ، وَإِحسَانه، وَعَلَيْهِ بَنَيْتُ هَذِهِ المقَامَات. نَقل هَذِهِ القِصَّة التَّاج المَسْعُوْدِيّ, عَنِ ابْنِ النَّقُّوْرِ عَنْهُ.
قُلْتُ: اشتهرتِ المقَامَاتُ، وَأَعْجَبت وَزِيْرَ المُسْترشد شرفَ الدّين أَنوشِروَان القَاشَانِي، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِإِتمَامهَا، وَهُوَ القَائِلُ فِي الخطبَة: فَأَشَارَ مَنْ إِشَارته حكمٌ، وَطَاعته غنمٌ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ الرَّاوِي لَهَا بالحارث بن همام، فعنى به نَفْسَه أَخْذاً بِمَا وَرَدَ فِي الحَدِيْثِ: "كُلُّكُمْ حَارِثٌ، وَكُلُّكُم همَّام"1 فَالحَارِثُ: الكَاسب، وَالهمَّام: الكَثِيْرُ الاهتمَامِ، فَقصَدَ الصِّفَة فِيْهِمَا، لاَ العَلَمِيَّة.
وَبنُو حَرَام: بِحَاء مَفْتُوْحَة وَرَاءٍ، وَالمشَان بِالفَتْح: بُليدَة فَوْقَ البَصْرَة مَعْرُوْفَة بِالوخم.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَان: وَجَدْت فِي عِدَّة تَوَارِيخَ أَنَّ الحَرِيْرِيَّ صَنَّفَ "المقامات" بإشارة أنوشروان، إِلَى أَنْ رَأَيْتُ بِالقَاهِرَةِ نسخَةً بِخَطِّ المصَنّف، وَقَدْ كتب أَنَّهُ صنفهَا لِلوزِيْر جلاَل الدّين أَبِي عَلِيٍّ بنِ صَدَقَةَ وَزِيْرِ المُسْترشدِ، فَهَذَا أَصَحُّ، لأَنَّه بِخَطِّ المُصَنِّفِ.
وَفِي "تَارِيخ النُّحَاةِ" لِلْقِفطِيِّ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ السَّروجِي اسْمُهُ مُطهَّر ابن سلاَّر، وَكَانَ بَصْرِيّاً لغوياً، صَحِبَ الحَرِيْرِيّ، وَتَخَرَّج بِهِ، وَتُوُفِّيَ بَعْد عَامِ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، سَمِعَ أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ مِنْهُ "المُلحَة" بِسمَاعه مِنَ الحَرِيْرِيّ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الحَرِيْرِيّ عَمِلَ المقَامَات أَرْبَعِيْنَ وَأَتَى بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، فَقَالَ بَعْضُ الأَدبَاء: هَذِهِ لِرَجُلٍ مَغْرِبِي مَاتَ بِالبَصْرَةِ، فَادَّعَاهَا الحَرِيْرِيُّ، فَسَأَلَهُ الوَزِيْرُ عَنْ صنَاعته، فَقَالَ: الأَدبُ، فَاقترح عَلَيْهِ إِنشَاءَ رِسَالَةٍ فِي واقعةٍ عَيَّنهَا، فانفرد وقعد زمانا لم يفتح عليه ما يَكتُبُه، فَقَامَ خجلاً.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَفلح الشَّاعِر:
شيخٌ لَنَا مِنْ رَبِيْعَةَ الفَرَسِ ... يَنْتِفُ عُثْنُونَه مِنَ الهَوَسِ
أَنْطَقَهُ اللهُ بِالمَشَانِ كَمَا ... رماه وسط الديوان بالخرس

وَكَانَ يذكر أَنَّهُ مِنْ رَبِيْعَة الفَرَس، وَكَانَ يَعْبَثُ بِلحيته، فَلَمَّا ردَّ إِلَى بَلَده، كَمَّلَهَا خَمْسِيْنَ وَنفَّذهَا، وَاعْتَذَرَ عَنْ عِيِّهِ بِالهَيْبَةِ.
وَقِيْلَ: بَلْ كَرِهَ المُقَامَة بِبَغْدَادَ، فَتَجَاهَلَ، وَقَبَّل صغِيراً بحلقة. وَكَانَ غنِيّاً لَهُ ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلفَ نَخلَةٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ عفشاً زَرِيَّ اللِّباس فِيْهِ بخل، فَنَهَاهُ الأَمِيْرُ عَنْ نَتف لِحْيته، وَتوعَّده، فَتكلّم يَوْماً بِشَيْءٍ أَعْجَبَ الأَمِيْرَ، فَقَالَ: سَلْنِي مَا شِئْت، قَالَ: أَقطعنِي لحيتِي، فَضَحِكَ، وَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.
تُوُفِّيَ الحَرِيْرِيّ فِي سَادِس رَجَب, سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة بِالبَصْرَةِ، وخلَّف ابْنِيْنَ: نَجم الدّين عَبْد اللهِ، وَقَاضِي البَصْرَةِ ضيَاء الإِسْلاَم عُبيد الله، وَعُمُرُهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

 

 الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري
صَاحب المقامات
من أهل الْبَصْرَة ولد سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع الحَدِيث من أبي تَمام مُحَمَّد بن الْحسن بن مُوسَى المقرى وَأبي الْقَاسِم الْفضل القصباني الأديب وَأبي الْقَاسِم الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الباقلاني وَغَيرهم

وَحدث بِبَغْدَاد بِجُزْء من حَدِيثه وبمقاماته الَّتِي أَنْشَأَهَا
روى عَنهُ أَبُو الْفضل بن نَاصِر وَأَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن النقور والوزير عَليّ بن طراد وَأَبُو المعمر الْمُبَارك بن أَحْمد الْأَزجيّ وَأَبُو الْعَبَّاس المندائي وَخلق وَآخر من روى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الخشوعي
وتفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأبي نصر بن الصّباغ
وَقَرَأَ الْفَرَائِض والحساب على أبي الْفضل الهمذاني وَأبي حَكِيم الخبري
وَأخذ الْأَدَب عَن أبي الْحسن عَليّ بن فضال الْمُجَاشِعِي وَأبي الْقَاسِم القصباني
وَكَانَ من البلاغة والفصاحة بِالْمحل الرفيع الَّذِي تشهد بِهِ مقاماته الَّتِي لانظير لَهَا رَشِيق النّظم والنثر حُلْو الْأَلْفَاظ عذب الْعبارَة إِمَام مقدم فِي الْأَدَب وفنونه
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ لَو قلت إِن مفتتح الْإِحْسَان فِي شعره كَمَا أَن مختتم الإبداع بنثره وَأَن مسير الْحسن تَحت لِوَاء كَلَامه كَمَا أَن مخيم السحر عِنْد أقلامه لما زلقت من شَاهِق الْإِنْصَاف إِلَى حضيض الاعتساف
وَقَالَ أَيْضا فِيهِ أحد الْأَئِمَّة فِي الْأَدَب واللغة وَمن لم يكن لَهُ فِي فنه نَظِير فِي عصره فاق أهل زَمَانه بالذكاء والفصاحة وتنميق الْعبارَة وتجنيسها وَكَانَ فِيمَا يذكر غَنِيا كثير المَال
وَكَانَ من سَبَب إنشائه المقامات مَا حَكَاهُ عَن نَفسه من أَن أَبَا زيد السرُوجِي واسْمه فِيمَا ذكر بَعضهم المطهر بن سلار من أهل الْبَصْرَة كَانَ شَيخا شحاذا أديبا بليغا فصيحا قَالَ الحريري ورد علينا الْبَصْرَة فَوقف فِي مَسْجِد بني حرَام فَسلم ثمَّ سَأَلَ وَكَانَ بعض الْوُلَاة حَاضرا وَالْمَسْجِد غاص بالفضلاء فأعجبتهم فَصَاحَته وَحسن كَلَامه

وَذكر اسر الرّوم وَلَده كَمَا ذكرنَا فِي المقامة الحرامية فَاجْتمع عِنْدِي عَشِيَّة جمَاعَة فحكيت مَا شاهدت من ذَلِك السَّائِل وَمَا سَمِعت من ظرافته فحكي كل وَاحِد عَنهُ نَحْو مَا حكيت فأنشات المقامة الحرامية ثمَّ بنيت عَلَيْهَا سَائِر المقامات
قيل وَأما تسميه الرَّاوِي عَنهُ بِالْحَارِثِ بن همام فَإِنَّمَا عني بِهِ نَفسه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كلكُمْ حَارِث وكلكم همام) فالحارث الكاسب والهمام الْكثير الاهتمام وكل أحد كاسب ومهتم بأموره
ثمَّ انتشرت هَذِه المقامات فِي زَمَانه وَكَثُرت النّسخ بهَا وَزَاد إقبال الْخلق عَلَيْهَا بِحَيْثُ قَالَ القَاضِي جَابر بن هبة الله قَرَأت المقامات على الحريري فِي سنة أَربع عشرَة وَكنت أَظن أَن قَوْله
(يَا أهل ذَا المغنى وقيتم شرا ... وَلَا لَقِيتُم مَا بَقِيتُمْ ضرا)
(قد دفع اللَّيْل الَّذِي اكفهرا ... إِلَى ذراكم شعثا مغبرا)
فَقَرَأت سغبا معترا
ففكر ثمَّ قَالَ وَالله لقد أَجدت فِي التَّصْحِيف وَإنَّهُ لأجود فلرب شعث مغبر غير مُحْتَاج والسغب المعتر مَوضِع الْحَاجة وَلَوْلَا أَنِّي قد كتبت خطي إِلَى هَذَا الْيَوْم على سَبْعمِائة نُسْخَة قُرِئت على لغيرته كَمَا قلت

وَمن شعره
(لَا تخطون إِلَى خطء وَلَا خطأ ... من بعد مَا الشيب فِي فوديك قد وخطا)
(وَأي عذر لمن شابت ذوائبه ... إِذا سعى فِي ميادين الصِّبَا وخطا)
واقتصرت على ذكر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لِأَنِّي لم لَهُ نظما وَلَا نثر إِلَّا ونظمه ونثره فِي المقامات أحسن مِنْهُ
وَله ديوَان رسائل وَشعر وَله أَيْضا ملحة الْإِعْرَاب ودرة الغواص وَغير ذَلِك
توفّي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن رَجَب سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة
وَمن الْفَوَائِد الْمُتَعَلّقَة بالمقامات
سَأَلَ يعِيش النَّحْوِيّ زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ عَن قَول الحريري فِي المقامة الْعَاشِرَة حَتَّى إِذا لألأ الْأُفق ذَنْب السرحان وآن انبلاج الْفجْر وحان مَا يجوز فِي قَوْله الْأُفق ذَنْب السرحان من الْإِعْرَاب وأشكل عَلَيْهِ الْجَواب حُكيَ ذَلِك ابْن خلكان وَذكر أَن البندهي جوز فِي شرح المقامات رفعهما ونصبهما

وَرفع الأول وَنصب الثَّانِي وَعَكسه قَالَ ابْن خلكان وَلَوْلَا خوف الإطالة لأوردت ذَلِك قَالَ وَالْمُخْتَار نصب الْأُفق وَرفع ذَنْب
قلت وَقَالَ الشَّيْخ جمال الدّين ابْن هِشَام رَحمَه الله وَمن خطه نقلته كَانَ يرفعهما على حذف مفعول لألأ وَتَقْدِير ذَنْب بَدَلا أَي حَتَّى إِذا لألأ الْوُجُود الْأُفق ذَنْب السرحان وَهُوَ بدل اشْتِمَال وَنَظِيره سرق زيد فرسه ويضعفه أَو يردهُ عدم الضَّمِير وَقد يُقَال إِن أل خلف عَن الْإِضَافَة أَي ذَنْب سرحانه وَمثله {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار} أَي ناره أَو على حذف الضَّمِير كَمَا قَالُوا فِي الْآيَة أَي ذَنْب السرحان فِيهِ وَالنَّار فِيهِ وَأما نصبهما فعلى أَن الْفَاعِل ضمير اسْمه تَعَالَى والأفق مفعول بِهِ وذنب بدل مِنْهُ أَي لألأ الله الْأُفق ذَنْب السرحان أَي سرحانة أَو السرحان فِيهِ وَرفع الذَّنب وَنصب الْأُفق وَاضح وَعَكسه مُشكل جدا إِذْ الْأُفق لم ينور الذَّنب نعم إِن كَانَ تجويزه على أَنه من بَاب المقلوب اتجه كَمَا قَالُوا كسر الزّجاج الْحجر وخرق الثَّوْب المسمار لأمن الإلباس

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري:
الأديب الكبير، صاحب " المقامات الحريرية - ط " سماه " مقامات أبي زيد السروجي ".
ومن كتبه " درة الغواص في أوهام الخواص - ط " و " ملحة الإعراب - ط " و " صدور زمان الفتور وفتور زمان الصدور " في التاريخ. و" توشيح البيان " نقل عنه الغزولي. وله شعر حسن في " ديوان " و " ديوان رسائل ".
وكان دميم الصورة غزير العلم. مولده بالمشان (بليدة فوق البصرة) ووفاته بالبصرة. ونسبته إلى عمل الحرير أو بيعه. وكان ينتسب إلى ربيعة الفرس. قال مرجليوث: ترجم شولتنز وريسكه نماذح من مقامات الحريري إلى اللاتينية في القرن الثامن عشر، وظهرت لها تراجم في كثير من اللغات الأوربية الحديثة، مثل ترجمة روكرت Ruckert الألمانية وترجمة Chemery and Steingass الإنجليزية .

-الاعلام للزركلي-