بدر بن عبد الله بن جعفر، أبو طويرق الكثيري:
سلطان حضرموت. مولده وسلطنته ووفاته في مدينة (سيئون) تولاها صغيرا بعد وفاة أبيه. ونشأ موفقا في سياسته، طيب السيرة، وافر العقل،جوادا، يعتبر أول من عمل لتوحيد مناطق حضرموت. استعان بالترك وكاتب السلطان سليمان القانوني، فجاءته (سنة 926) قوة منهم، أضاف إليها بعض (الزيود) من اليمن، ورجالا " من (يافع) ومن (الموالي الإفريقيين) فتألف جيشه من هؤلاء جميعا. وصدّ غارات (البرتغال) مرارا. وأطفأ كثيرا من الفتن الداخلية في بلاده. وطالت مدته إلى أن حجر عليه ابن له اسمه عبد الله، فأقام إلى أن مات.
-الاعلام للزركلي-
وَفِي آخر شعْبَان سنة سبع وَسبعين توفّي السُّلْطَان الْأَعْظَم وَالْملك الأكرم السُّلْطَان بدر بن السُّلْطَان عبد الله بن السُّلْطَان جَعْفَر الكثيري سُلْطَان حَضرمَوْت وَكَانَ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعمِائَة وَولي السلطنة وَهُوَ شَاب وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق جودا كثير الإنفقا وافر الْعقل ظَاهر الْفضل عريق الرِّئَاسَة حسن السياسة طيب السِّيرَة جميل الصُّورَة حَتَّى كَانَ كَمَا قَالَ بعض الْفُضَلَاء كَانَ كاسمه بَدْرًا منيرا أَيْنَمَا طلع سَطَعَ وغيثا عَزِيزًا كَيفَ مَا وَقع نفع وَكَانَ فِي زَمَانه بدر الصُّدُور وَصدر البدور وَكَانَ لطيف المعاشرة ظريف المحاضرة شجاعاً مقداماً وهزبراً ضرغاماً فكم أباد أحزاب الضلال ومزقها وَكم أَزَال فرق الْفساد وفرقهاوكان محظوظاً جدا حَتَّى كَانَ لَا يقْصد بَابا مغلقاً إِلَّا انْفَتح وَلَا يقدم على أَمر مبعم إِلَّا اتَّضَح وَلَا يتَوَجَّه إِلَى مطلب إِلَّا نجح وَهُوَ الَّذِي دَان الْبِلَاد وخضعت لَهُ الْعباد وَأول من أظهر بحضرموت هَيْبَة الْملك بسعده وَأسسَ قَوَاعِد السلطنة ومهدها لمن يعده وطالت دولته حَتَّى لم يعلم أَن أحدا من السلاطين مكث فِي الْملك هَذِه الْمدَّة
وَكَانَ يُقَال أَن ثَلَاثَة من السلاطين كَانُوا فِي عصر وَاحِد وَكَانُوا متقاربين فِي السن وَالْولَايَة وَكَانُوا رزقوا السعد والاقبال وطالت أَيَّام ملكهم أحدهم صَاحب التَّرْجَمَة هَذَا وَالثَّانِي الشريف أَبُو نمي بسن بَرَكَات وَالثَّالِث السُّلْطَان سُلَيْمَان صَاحب اروم وَحكي إِن جمَاعَة نالوا من السُّلْطَان بدر بِحُضُور بعض الصلحاء الْكِبَار من السَّادة آل أَبَا علوي فنهاهم عَن ذَلِك وَقَالَ هُوَ خير من الأروام وَمَا يروي من ذَلِك عَنْهُم ولولاه مَا سلمت حَضرمَوْت مِنْهُم وَلَا استحلوا الْحَرَام وظلموا الْأَنَام وَكَانَ ذَلِك الصَّالح يَدْعُو بطول بَقَاء السُّلْطَان الْمَذْكُور وَكَانُوا يرَوْنَ أَنه حامياً لَهُ بِحَالهِ الْمَشْهُور فَمَا حصل عَلَيْهِ مَا حصل من سَابق الْمَقْدُور إِلَّا بعد موت ذَلِك الرجل الْمَذْكُور وَقد مدحه بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام بِهَذِهِ القصيدة البديعة وَهِي ... اشبب لَكِن بالمفاخر وَالْمجد ... ولي صبوة لَكِن إِلَى طالع السعد
ولي طرب لَكِن إِلَى حَضْرَة العللا ... ولي ظمأ لَكِن إِلَى الْكَوْثَر الْعد
إِلَى حَضْرَة الْعليا إِلَى مُنْتَهى المنى ... إِلَى مقْعد الْأَسْنَى إِلَى جنَّة الْخلد
إِلَى الطَّاهِر الأزكى إِلَى علم الْهدى ... إِلَى العروة الوثقى إِلَى الْجَوْهَر الْفَرد
إِلَى الأمجد الْمولى إِلَى ملك الورى ... إِلَى منبع الْحسنى إِلَى الأسل الْورْد
إِلَى ذِي العلى وَالْفضل وَالْفَخْر والحجى ... وذى النّسَب الوضاح والخط وَالْجد
إِلَى ذِي علم الأجواد صفوة جَعْفَر ... أبي عمر الْمُعْطِي المطهمة الجرد
فمدح ابْن عبد الله أولى فَأَنَّهُ ... هُوَ الْملك الشهم السبوق إِلَى الْجد
أَخُو هَمهمْ جاوزن أبعد غَايَة ... وَجزم وحزم بغنيان عَن الحشد
فَمَا جَعْفَر من المستعين ووايث ... ومستنصر والمستضيء وَمَا الْمهْدي
وماالملك الْمَنْصُور والمكتفي ... وَمَا الْأمين وَمَا الْمَأْمُون وَمَا صَاحب الرشد
وَمَا المرتضى وَمَا المفتدى ثمَّ طائع ... وَمَا المقتفى فِي سَاعَة الْبَذْل والرقد
وَمَا قاهر مَا قَائِم متوكل ... ومستعصم بِاللَّه فِي الْحل وَالْعقد
وَمَا طَاهِر مسترشد ثمَّ رَاشد ... وَمَا الْحَاكِم الْمَعْرُوف فِي النَّاس بِالْقَصْدِ
ومستنجد إِلَّا كعقد مفصل ... بدر وَبدر الْملك وَاسِطَة العقد
حوى كل فضل مُجمل ومفصل ... وَهَذَا الَّذِي ابديت معشار مَا عِنْدِي
فطاعته فرض وصحبته غنى ... مجانبته حَرْب وخصمته تردي
فسبحان من أعطَاهُ مكلكا على الورى ... وألزمه فِي أمره خدمَة العَبْد
فَلَا زلت محروساً وقدرك سامياً ... وملكك مَحْفُوظًا وعيشك فِي رغد
وصيتك منشوراً وعدلك شَامِلًا ... وجودك مَبْسُوطا على الشَّام والهند
يساعدك الْمَقْدُور فِيمَا تريده ... وتخدمك الْأَمْلَاك فيالقرب والبعد ...
ثمَّ توفّي بعده وَلَده السُّلْطَان عبد الله وَهُوَ الَّذِي قبض على أَبِيه وَحجر عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ وَغلب على الْملك ووثب على السلطنة وَكَانَ رَأْي بعض الصَّالِحين فِي الْمَنَام رُؤْيا حاصلها أَنه رأى أَرْبَعَة من الصَّالِحين عرف مِنْهُم الْوَلِيّ الشهير الشَّيْخ مُحَمَّد أَبَا وَزِير كل مِنْهُم قد مسك ركنا وَقَالُوا نُرِيد نولي عبد الله فَلم تمض بعد ذَلِك إِلَّا مُدَّة يسيرَة وهجم الْمشَار إِلَيْهِ على أَبِيه وَاسْتولى على الْملك وَذَلِكَ دَلِيل على مَا رُوِيَ أَنه لَا يقوم سُلْطَان فِي هَذَا الْعَالم عَالم الشَّهَادَة إِلَّا بعد أَن ينصبه أَوْلِيَاء الله تَعَالَى بِإِذن الله تَعَالَى فِي عَالم الْغَيْب وَكَانَ حسن الِاعْتِقَاد فِي الْأَوْلِيَاء وَالصَّالِحِينَ محباً للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين رَحمَه الله
وَتَوَلَّى بعده وَلَده السُّلْطَان جَعْفَر وَلم تطل أَيَّامه وَمَات مقتولا فِي سنة سبعين
-النور السافر عن أخبار القرن العاشر-لمحي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس.