أبي ذؤيب خويلد بن خالد بن محرث الهذلي

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاةغير معروف
الفترة الزمنيةبين -27 و 27 هـ
مكان الوفاةطريق مكة - الحجاز
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مصر - مصر

نبذة

أبو ذؤيب الهذلي: الشاعر المشهور، اسمه خويلد بن خالد بن محرّث، بمهملة، [وراء ثقيلة مسكورة] ومثلثة ، ابن ربيد، براء مهملة وموحدة مصغرا، ابن مخزوم بن صاهلة. ويقال اسمه خالد بن خويلد وباقي النسب سواء، يجتمع مع ابن مسعود في مخزوم، وبقية نسبه في ترجمة ابن مسعود. وذكر محمّد بن سلّام الجمحيّ في «طبقات الشّعراء» عن يونس بن عبيد، عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: قلت لعمر بن معاذ: من أشعر الناس؟ فذكر قصة فيها.

الترجمة

خويلد ابن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن باهلة بن كاهل بن مازن بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل أبي ذؤيب الهذلي- أبي ذؤيب الهُذلي كان أبي ذؤيب الهُذليّ أحد الشعراء المُخضرَمين، الذين عاشوا في الجاهليّة، وأدركوا الإسلام، وقد كان أبي ذؤيب معروفاً منذ قديم الزمان؛ فقد كانت له كُتُبٌ في النَّقد، والأدَب، والشِّعر، إلّا أنّه لم يُعرَف عنه الكثير من الأخبار؛ نَظراً لقلّة التحدُّث عنه أو عن آثاره؛ لذا تُعتبَر هذه المعلومات غير وافية عن هذا الشاعر، على الرغم من أنّه شاعر فحل، وأنّ حياته كانت زاخرةً بالعديد من الأحداث خلال الجاهليّة، والإسلام؛ إذ تميّزت شخصيّته بالغرابة، والتميُّز، وقد ظهر ذلك بشكل بارز وواضح في شِعره.حياة أبي ذؤيب الهُذليّ نَسَبُ أبي ذؤيب الهُذليّ هو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مُضَر بن نزار، من قبيلة رأس الهَرم، ويُنسَبُ إلى هُذيل. حياة أبي ذؤيب الهذليّ أسلم هذا الشاعر وحسُن إسلامُه، وجاهدَ في سبيل الله من خلال غَزوِهِ للفِرنجة، وشارك في الغزوة التي فُتحِت من خلالها أفريقيا، حيث كانت بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي السَّرح، في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه-؛ إذ عاد عبد الله بن الزبير، وأبي ذؤيب مع ما تبقّى من المُشارِكين في الغزوة، وهم يحملون راية النَّصر، وبعد فَتحِ مصر، هاجرَ أبي ذُؤيب إليها، وهناك أُصِيب أبناؤُه الخمسة بمرض الطاعون، وذلك في السنة الثامنة من الهجرة، وفَتَكَ بهم المَرضُ في العام نفسه، ولم يُذكَر الكثير عن فترة الطفولة الخاصّة بأبي ذؤيب، إلّا أنّ نشأَتَه يتيماً، أو في ظلّ والديه، كانت من أهمّ الأمور التي ذُكِرَت عنه، كما أنّ علاقَته بأفراد عائلته مُبهَمة؛ فلم تذكر المصادر سوى أنّ للشاعر ابن أُخت يُعرَف باسم خالد بن زُهير، دون ذكر أيّ معلومات عدا أنّه كان مُقارباً للشاعر في السّن، والدليل على ذلك قول الشاعر: فإنّي على ما كُنتَ تعلَم بيننا وليدَين حتى أنت أشمَط عانِس. كما كان للشاعر قريبٌ اسمه نُشيبة، اتّصفَت علاقتُه به بالودِّية، وقد رثاه الشاعرُ في عدد كبير من القصائد بعد وفاته، أمّا فيما يخُصُّ أولاد الشاعر فلم يُعرَف سوى ابنه ذُؤيب، الذي تُوفِّي مع إخوته بعد إصابتهم بالطاعون، وقد رثاهم الشاعر في عينيّته المشهورة، كما أنّ من جُملة ما عُرِفَ عن أبي ذُؤيب الهذليّ، أنّه كان يتعقَّب النساء؛ إذ جمعته علاقة مع امرأة تُسمَّى أم عمرو، التي كانت تمتلكُ العديد من الأسماء، منها: أم حويرث، وأم سفيان، وأم الرهين، وفطيمة، وابنة السهميّ، وقد كانت أم عمرو خليلةَ بدر بن عويم، ابن عمّ أبي ذُؤيب، إلا أنّها تركته؛ من أجل أبي ذُؤيب؛ حيث اتّصفَت علاقتهم بالمثاليّة، والجمال في البداية، إلّا أنّها تحوَّلت إلى شقاء تامّ؛ وذلك بعد أن استعذبَت أم عمرو اللعب في عواطف الرجال؛ إذ خانت أبا ذُؤيب مع خالد بن زهير، ابن أخت الشاعر ورسوله إليها، وبذلك سقَت أبا ذُؤيب من الكأس ذاتها التي قُدِّمت لبدر، وقد قال الشاعر مُستنكِراً فِعلة أم عمرو: تُريدين كيما تجمعيني وخالداً وهل يُجمَع السيفان ويحك في غِمد أخالد ما راعيت من ذي قرابة فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي دعاك إليها مُقلتاها وجيدها فمِلتُ كما مال المُحِب عمداً وكنت كالرقراق السراب إذا بدا لقوم وقد بات المطيّ بهم يخدي فآليت لا أنفك أحدو قصيدة تكون وإياها بها مثلاً بعدي وقد شهد حسّان بن ثابت على شعر أبي ذُؤيب الهُذلي؛إذ كتب الشاعر شعراً؛ لرثاء الرسول -صلى الله عليه وسلّم- بعد وفاته، فأنشد قائلاً: رأيت الناس في عسلاتهم ما بين ملحود له ومضرح متبادرين لشرجع بأكفهم نص الرقاب لفقد أبيض أروح فهناك صرت إلى الهموم ومن بيت جار المهموم يبيت غير مروح كسفت لمصرعه النجوم وبدرها وتزعزعت آطام بطن الأبطح وتزعزعت أجبال يثرب كلها ونخيلها لحلول خطب مفدح ولقد زجرت الطير قبل وفاته بمصابه وزجرت سعد الأذبح شعر أبي ذؤيب الهُذليّ يختصُّ أبي ذُؤيب الهذليّ بفنّ الرثاء الأدبيّ، وقد ظهر هذا الفنُّ بشكل واضح في قصيدته العينيّة الخاصّة برثاء أبنائه، حيث اهتمَّ النُّقاد به، وبشعره، وجعلوا له مكانةً خاصّة بين شعراء الرثاء، وبين شعراء عصره، وتُعتبَر القصيدة التي قالها الشاعر في أبنائه الخمسة بعد وفاتهم في مصر بمرض الطاعون، من التعبيرات الصادقة عن شعور الأب باللوعة، والألم الشديد؛ نتيجة موت جميع أبنائه في الفترة نفسها، وقد كانت أبيات القصيدة زاخرةً بمشاعر الألم، والحزن الكبيرين؛ حيث قال الشاعر: أمِن المَنونِ وريبها تتوجَّع والدهرُ ليس بمُعتبٍ من يجزعُ قالت أُميمةُ ما لجسمك شاحباً منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع أم ما لجنبِك لا يلائمُ مضجعاً إلا أقضَّ عليك ذاك المضجع فأجبتُها أنّ ما لِجسمي أنّه أودى بَنيًّ من البِلادِ فودّعوا وقد كتب الشاعر قصيدة عن قصّة الحمار الوحشيّ، وأبنائه؛ إذ تتلخَّص القصّة في أنّ هذا الحمار قد استقرَّ في مكان كثير الخصوبة، والماء، فلعب أبناء الحمار، واستمتعوا سويّاً ، وبعد مرور الوقت، بدأ المكان بالجفاف؛ لذا توجَّب على الحمار وأبنائه البحثُ عن مكان جديد ليعيشوا فيه، ومع البحث استطاعوا العثور على مَوضع آخر يُشابه المكان الآخر في الخصوبة، والماء، إلّا أنّ سعادتهم في إيجاد هذا المكان لم تكتمل؛ وذلك بسبب الهجوم الذي تعرَّضوا له من قِبل الصيّاد، وكلابه، فقاومَوا ذلك الهجوم، ودافعوا عن أنفسهم باستخدام قرونهم، إلّا أنّهم لم يستطيعوا الانتصار عليهم؛ ممّا أدّى إلى موت الحمار الوحشيّ، وبعض أبنائه، فيما فرّ البعض الآخر، ووصف الشاعر تلك القصة قائلاً: والدهرُ لا يَبقى على حدَثانِه جَوْنَ السُراة لهُ جدائدُ أريَعُ صَخِبُ الشواربِ لا يزالُ كأنّه عبد لآلِ أبي ربيعة مُسبعُ أكل الجميمَ وطاوعتهُ سَمحجٌ مثلُ القناةِ وأزعلتهُ الأمرعُ بقرارِ قيعانِ سقاها وابلٌ واهٍ فأنجمَ بُرهةً لا يقلِعُ.

خويلد ابن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن باهلة بن كاهل بن مازن بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل أبي ذؤيب الهذلي  الشاعر المشهور، روى عنه: صعصعة الهذلي، وكان مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، وغزا أبي ذؤيب مع عبد الله بن الزبير إفريقية ومدحه ، توفي في خلافة عثمان بن عفان بطريق مكة قريبا منها، ودفنه ابن الزبير.

ينظر: المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء: 1/ 151. الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 4 / 1650-1651.

 

 

أَبُو ذؤيب الهذلي الشاعر.
كَانَ مسلمًا عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يره ولا خلاف أنه جاهلي إسلامي قيل: اسمه خويلد بن خالد ابن محرث بْن زبيد بْن مخزوم بْن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد ابن هذيل. وَقَالَ ابْن الكلبي: هُوَ خويلد بْن محرّث، من بنى مازن بن سويد ابن تميم بْن سعد بْن هذيل.
ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الآكَامِ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْهِرْمَاسِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْهُذَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ- أَنَّ أَبَا ذُؤَيْبٍ الشَّاعِرَ حَدَّثَهُ قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلِيلٌ، فَاسْتَشْعَرْتُ حُزْنًا وَبِتُّ بِأَطْوَلِ لَيْلَةٍ لا يَنْجَابُ دَيْجُورُهَا  ، وَلا يَطْلُعُ نُورُهَا، فَظَلَلْتُ أُقَاسِي طُولَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ قُرْبُ السَّحَرِ أَغْفَيْتُ، فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ، وَهُوَ يَقُولُ:

خَطْبٌ أَجَلُّ أَنَاخَ بِالإِسْلامِ ... بَيْنَ النَّخِيلِ وَمَعْقِدِ الآطَامِ
قُبِضَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ فَعُيُونُنَا ... تَذْرِي الدُّمُوعَ عَلَيْهِ بِالتِّسْجَامِ
قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ: فَوَثَبْتُ مِنْ نَوْمِي فَزِعًا، فَنَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمْ أَرَ إِلا سَعْدَ الذَّابِحَ، فَتَفَاءَلْتُ بِهِ ذَبْحًا يَقَعُ فِي الْعَرَبِ، وَعَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُبِضَ، وَهُوَ مَيِّتٌ مِنْ عِلَّتِهِ، فَرَكِبْتُ نَاقَتِي وَسِرْتُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ طَلَبْتُ شَيْئًا أزجر به، فعن شيهم- يعني القنفذ، وقد قبض عَلَى صل- يعني الحية- فهي تلتوي عَلَيْهِ، والشيهم يقضمها حَتَّى أكلها، فزجرت ذلك، فقلت: الشيهم شيء مهم، والتواء الصل التواء الناس عَنِ الحق عَلَى القائم بعد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أولت أكل الشيهم إياها غلبه  القائم بعده عَلَى الأمر، فحثثت ناقتي، حتى إذا كنت بالغابة فزجرت الطائر، فأخبرني بوفاته، ونعب غراب سانح، فنطق بمثل ذلك، فتعوذت باللَّه من شر مَا عَنْ لي فِي طريقي، وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحاج إذا أهلوا بالإحرام. فقلت: مه قَالُوا:
قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجئت إِلَى المسجد فوجدته خاليًا، فأتيت بيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأصبت بابه مرتجًا، وقيل: هُوَ مسجى، وقد خلا به أهله. فقلت: أين الناس؟ فقيل: فِي سقيفة بني ساعدة، صاروا إِلَى الأنصار. فجئت إِلَى السقيفة فأصبت أبا بكر، وعمر، وأبا عبيدة بْن الجراح، وسالمًا، وجماعة من قريش، ورأيت الأنصار فيهم: سعد بْن عبادة بن دليم، وفيهم شعراء، وهم حسان بْن ثابت، وكعب بْن مالك، وملأ منهم، فآويت إِلَى قريش. وتكلمت الأنصار فأطالوا الخطاب، وأكثروا الصواب، وتكلم أَبُو بَكْر فلله دره من رجل لا يطيل الكلام، ويعلم مواضع فصل الخصام، والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاد له ومال إليه. ثم تكلم عمر بعده بدون كلامه، ومد يده فبايعه وبايعوه ورجع أَبُو بَكْر ورجعت معه. قَالَ أَبُو ذؤيب: فشهدت الصلاة عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت دفنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أنشد أَبُو ذؤيب يبكي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم  :

لما رأيت الناس فِي عسلاتهم ... مَا بين ملحود له ومضرح

متبادرين لشرجع بأكفهم ... نص الرقاب لفقد أبيض أروح
فهناك صرت إِلَى الهموم ومن يبت ... جار للهموم يبيت غير مروح
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها ... وتزعزعت آطام بطن الأبطح
وتزعزعت أجبال يثرب كلها ... ونخيلها لحلول خطب مفدح
ولقد زجرت الطير قبل وفاته ... بمصابه وزجرت سعد الأذبح
وزجرت أن نعب المشحج سانحًا ... متفائلًا فيه بفأل الأقبح
قَالَ: ثم انصرف أَبُو ذؤيب إِلَى باديته، فأقام بها. وتوفي أَبُو ذؤيب فِي خلافة عُثْمَان بْن عفان بطريق مكة قريبا منها، ودفنه ابْن الزُّبَيْر. وغزا أَبُو ذؤيب مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر إفريقية ومدحه. وقيل: إنه مات فِي غزوة إفريقية بمصر منصرفًا بالفتح مَعَ ابْن الزُّبَيْر، فدفنه ابْن الزُّبَيْر ونفذ بالفتح وحده.
وقيل: إن أبا ذؤيب مات غازيًا بأرض الروم، ودفن هناك، وإنه لا يعلم لأحد من المسلمين قبر وراء قبره وكان عمر قد ندبه إِلَى الجهاد، فلم يزل مجاهدًا حَتَّى
مات بأرض الروم، قدس اللَّه روحه. ودفنه هناك ابنه أَبُو عبيد، وعند موته قَالَ له:

أبا عبيد رفع الكتاب ... واقترب الموعد والحساب
فِي أبيات قَالَ مُحَمَّد بْن سلام : قَالَ أَبُو عَمْرو: وسئل حسان بْن ثابت: من أشعر الناس؟ فَقَالَ: حيًّا أم رَجُلا؟ قَالُوا: حيًّا. قَالَ: هذيل أشعر الناس حيًّا.
قَالَ مُحَمَّد بْن سلام: وأقول إن أشعر هذيل أَبُو ذؤيب. وَقَالَ عمر بْن شبة: تقدم أَبُو ذؤيب عَلَى جميع شعراء هذيل بقصيدته العينية التي يرثي فِيهَا بنيه وَقَالَ الأصمعي: أبرع بيت قالته العرب بيت أبى ذؤيب  :
والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إِلَى قليل تقنع
وهذا البيت من شعره المفضل الَّذِي يرثي فيه بنيه، وكانوا خمسة أصيبوا فِي عام واحد، وفيه حكم وشواهد، وله حيث يقول  :
أمن المنون و؟ ريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع 
قالت أمامة  : مَا لجسمك شاحبًا ... منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع

أم مَا لجنبك لا يلائم مضجعًا ... إلا أقض عليك ذاك المضجع
فأجبتها أن ما بحسمى  أنّه ... أوذى بىّ من البلاد فودعوا
أودى بني فأعقبوني حسرة  ... بعد الرقاد وعبرة لا تقلع
فالعين بعدهم كأن حداقها ... كحلت  بشوك فهي عورى تدمع

سبقوا هواي  وأعنقوا  لهواهم ... فتخرموا، ولكل جنب مصرع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب ... وإخال أني لاحق مستتبع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... فإذا المنية أقبلت لا تدفع
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
حَتَّى كأني للحوادث مروة ... بصفا المشقر كل يوم تقرع
والدهر لا يبقى عَلَى حدثانه ... جون السحاب  له جدائد أربع

الاستيعاب في معرفة الأصحاب - أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عاصم النمري القرطبي.

 

 

أبو ذؤيب الهذلي
أبو ذؤيب الهذيلي الشاعر.
كَانَ مسلما عَلَى عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، ولا خلاف أَنَّهُ جاهلي إسلامي، قيل: اسمه خويلد بن خالد بن المحرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل.
وقال ابن إسحاق: قَالَ أبو ذؤيب الشاعر: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مريض، فاستشعرت حزنا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها، ولا يطلع نورها، فظللت أقاسي طولها، حَتَّى إذا كَانَ قريب السحر أغفيت، فهتف بي هاتف يقول:
خطب أجل أناخ بالإسلام بين النخيل ومعقد الآطام
قبض النَّبِيّ مُحَمَّد فعيوننا تذري الدموع عَلَيْهِ بالتسجام
قَالَ أبو ذؤيب: فوثبت من نومي فزعا، فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح، فتفاءلت ذبحا يقع فِي العرب فعلمت أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قبض، أو هُوَ ميت من علته، فركبت ناقتي وسرت، فلما أصحبت طلبت شيئا أزجر بِهِ، فعن لي شيهم، يعني القنفذ، وقد قبض عَلَى صَلَّ، وهي الحية، فهي تلتوي عَلَيْهِ، والشيهم يعضها حَتَّى أكلها، فزجرت ذَلِكَ، فقلت: الشيهم شيء مهم، والتواء الصل التواء الناس عن الحق عَلَى القائم بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أولت أكل الشيهم إياها غلبة القائم بعده عَلَى الأمر، فحثثت ناقتي حَتَّى إذا كانت بالغابة زجرت الطائر، فأخبرني بوفاته، ونعب غراب سانح فنطق بمثل ذَلِكَ، فتعوذت بالله من شر ما عن لي فِي طريقي، وقدمت المدينة وَلَهَا ضجيج بالبكاء كضجيج الحاج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجئت المسجد فوجدته خاليا، وأتيت بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصبت بابه مرتجا، وقيل: هُوَ مسجى، وقد خلا بِهِ أهله، فقلت: أين الناس؟ فقالوا: فِي سقيفة بني ساعدة، صاروا إلى الأنصار، فجئت إلى السقيفة فوجدت أبا بكر، وعمر، وأبا عبيدة بن الجراح، وسالما، وجماعة من قريش، ورأيت الأنصار فيهم: سعد بن عبادة، وفيهم شعراؤهم: كعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وملأ منهم.
لِمَا رأيت الناس فِي عسلانهم ما بين ملحود لَهُ ومضرح
متبادرين لشرجع بأكفهم نص الرقاب، لفقد أبيض أروح
فهناك صرت إلى الهموم، ومن يبت جار الهموم يبيت غير مروح
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها وتضعضعت آطام بطن الأبطح
وتزعزعت أجبال يثرب كلها ونخيلها لحلول خطب مفدح
ولقد زجرت الطير قبل وفاته بمصابه وزجرت سعد الأذبح
وزجرت أن نعب المشجع سانحا متفائلا فِيهِ بفأل أقبح
ورجع أبو ذؤيب إلى باديته فأقام بِهَا، وتوفي فِي خلافة عثمان، رضي الله عَنْهُ، بطريق مكة، فدفنه ابن الزبير.
وقيل: إنه مات بمصر منصرفا من غزوة إفريقية، وَكَانَ غزاها مع عبد الله بن الزبير ومدحه، فلما عاد ابن الزبير من إفريقية عاد معه، فمات، فدفنه ابن الزبير، وقيل: إنه مات غازيا بأرض الروم، ودفن هناك.
وَكَانَ عمر بن الخطاب ندبه إلى الجهاد، فلم يزل مجاهدا حَتَّى مات بأرض الروم، فدفنه ابنه أبو عُبَيْد، فقال لَهُ عند موته:
أبا عُبَيْد، رفع الكتاب واقترب الموعد والحساب
فِي أبيات، قَالَ مُحَمَّد بن سلام: قَالَ أبو عَمْرو: سُئِلَ حسان بن ثابت، من أشعر الناس؟ فقال: حيا أم رجلا؟ قالوا: حيا، قَالَ: هذيل أشعر الناس حيا، قَالَ ابن سلام: وأقول إن أشعر هذيل: أبو ذؤيب.
قَالَ عمر بن شبة: تقدم أبو ذؤيب عَلَى سائر شعراء هذيل بقصيدته العينية التي يقول فيها بنيه.
وقال الأصمعي: أبرع بيت قالته العرب بيت أبي ذؤيب.
والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع
وهذا البيت من شعره المفضل، الَّذِي يرثي فِيهِ بنيه، وكانوا خمسة أصيبوا فِي عام واحد، وَفِيهِ حكم وشواهد، وأولها:
أمن المنون وريبها تتوجع والدهر لَيْسَ بمعتب من يجزع؟
قالت أمامة: ما لجسمك شاحبا منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع؟
أم ما لجنيك لا يلائم مضجعا إلا أقض عليك ذاك المضجع؟
فأجبتها: أن ما لجسمي أَنَّهُ أودي بني من البلاد فودعوا
أودي بني فأعقبوني حسرة بعد الرقاد وعبرة لا تقلع
فالعين بعدهم كأن حداقها كحلت بشوك فهي عور تدمع
سبقوا هوى وأعتقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب وإخال أني لاحق مستتبع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم فإذا المنية أقبلت لا تدفع
وَإِذَا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
حَتَّى كأني للحوادث مروة بصفا المشقر كل يوم تقرع
والدهر لا يبقى عَلَى حدثانه جون السحاب لَهُ جدائد أربع
أخرجه أبو عمر مطولا، ولحسن هَذِه الأبيات أوردناها جميعها، والله أعلم.

أسد الغابة في معرفة الصحابة - عز الدين ابن الأثير.

 

 

أبو ذؤيب الهذلي: الشاعر المشهور، اسمه خويلد بن خالد بن محرّث، بمهملة، [وراء ثقيلة مسكورة]  ومثلثة  ، ابن ربيد، براء مهملة وموحدة مصغرا، ابن مخزوم بن صاهلة. ويقال اسمه خالد بن خويلد وباقي النسب سواء، يجتمع مع ابن مسعود في مخزوم، وبقية نسبه في ترجمة ابن مسعود.
وذكر محمّد بن سلّام الجمحيّ في «طبقات الشّعراء» عن يونس بن عبيد، عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: قلت لعمر بن معاذ: من أشعر الناس؟ فذكر قصة فيها.
وأبو ذؤيب خويلد بن خالد مات في مغزى له نحو المغرب فدلّاه عبد اللَّه بن الزبير في حفرته.
قال أبو عمر: وسئل حسان بن ثابت من أشعر الناس؟ قال: رجلا أو قبيلة؟ قالوا:
قبيلة، قال: هذيل. قال ابن سلام: فأقول: إنّ أشعر هذيل أبو ذؤيب.
وقال عمر بن شبّة: كان مقدّما على جميع شعراء هذيل بقصيدته التي يقول فيها:
والنّفس راغبة إذا رغّبتها ... وإذا تردّ إلى قليل تقنع
[الكامل] وقال المرزبانيّ: كان فصيحا كثير الغريب متمكنا في الشعر، وعاش في الجاهلية دهرا، وأدرك الإسلام فأسلم. وعامّة ما قال من الشعر في إسلامه، وكان أصاب الطاعون خمسة من أولاده فماتوا في عام واحد وكانوا رجالا ولهم بأس ونجدة، فقال في قصيدته التي أولها:
أمن المنون وريبها تتوجّع ... والدّهر ليس بمعتب من يجزع
[الكامل] ويقول فيها:
وتجلّدي للشّامتين أريهم ... أنّي لريب الدّهر لا أتضعضع
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
والنّفس راغبة إذا رغّبتها ... وإذا تردّ إلى قليل تقنع
[الكامل] وأخرج ابن مندة من طريق البلوي، عن عمارة بن زيد، عن إبراهيم بن سعد: حدثنا أبو الآكام الهذلي عن الهرماس بن صعصعة الهذلي، عن أبي، حدثني أبو ذؤيب الشاعر، قال: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلّوا جميعا بالإحرام.
فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم.
وذكر ابن عبد البرّ أنّ ابن إسحاق روى هذا الخبر عن أبي الآكام، وأوّله: بلغنا أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عليل، فاستشعرت حربا وبتّ بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها « الدّيجور: الظلمة اللسان» ، ولا يطلع نورها، حتى إذا كان قرب السحر أغفيت فهتف بي هاتف يقول:
خطب أجلّ أناخ بالإسلام ... بين النّخيل ومعقل الآطام
قضي النّبي محمّد فعيوننا ... تذري الدّموع عليه بالتّسجام
[الكامل] قال: فوثبت من نومي فزعا، فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح، فتفاءلت به ذبحا يقع في العرب، وعلمت أنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد مات، فركبت ناقتي فسرت ... فذكر قصته، وفيه أنه وجد النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم ميتا ولم يغسل بعد، وقد خلا به أهله، وذكر شهوده سقيفة بني ساعدة وسماعه خطبة أبي بكر، وساق قصيدة له رثى بها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم منها:
كسفت لمصرعه النّجوم وبدرها ... وتزعزعت آطام بطن الأبطح
[الكامل]
قال: ثم انصرف أبو ذؤيب إلى باديته، فأقام حتى توفي في خلافة عثمان بطريق مكة.
وقال غيره: مات في طريق إفريقية في زمن عثمان، وكان غزاها ورافق ابن الزبير.
وقيل: مات غازيا بأرض الروم وقال المرزباني: هلك بإفريقية في زمن عثمان، ويقال: إنه هلك في طريق مصر، فتولّاه ابن الزبير.
وقال ابن البرقيّ: حدّث معروف بن خرّبوذ، أخبرني أبو الطفيل أنّ عمرو بن الحمق صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم زعم أن في بعض الكتب أنّ شرّ الأرضين أم صبّار « أمّ صبّار: بفتح الصاد المهملة وباء موحدة مشدودة وألفا وراء: اسم حرّة بني سليم، قال الصيرفي: الأرض التي فيها حصباء ليست بغليظة ومنه قيل للحرة أمّ صبّار، انظر: معجم البلدان 1/ 301» حرّة بني سليم، وأن ألأم القبائل محارب خصفة  ، وأن أشعر الناس أبو ذؤيب، وقال: حدث أبو الحارث عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن سفيان الهذلي، عن أبيه- أن أبا ذؤيب جاء إلى عمر في خلافته، فقال: يا أمير المؤمنين، أيّ العمل أفضل؟ قال: الإيمان باللَّه. قال: قد فعلت، فأيّ العمل بعده أفضل؟ قال: الجهاد في سبيل اللَّه، قال: ذاك كان عليّ ولا أرجو جنّة ولا أخشى نارا، فتوجّه من فوره غازيا هو وابنه وابن أخيه أبو عبيد حتى أدركه الموت في بلاد الروم، والجيش يساقون في أرض عافة « يقال: أرض عافية: لم يرع نبتها فوفر وكثر وعفوة المرعى: ما لم يرع فكان كثيرا، وعفت الأرض: إذا غطاها النبات. اللسان 4/ 3020» ، فقال لابنه وابن أخيه: إنكما لا تتركان عليّ جميعا فاقترعا، فصارت القرعة لأبي عبيد، فأقام عليه حتى واراه.
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني.

 

 

أبو ذُؤَيْب الهُذَلي
(000 - نحو 27 = 000 - نحو 648 م)
خويلد بن خالد بن محرّث، أبو ذؤيب، من بني هذيل بن مدركة، من مضر: شاعر فحل، مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام. وسكن المدينة. واشترك في الغزو والفتوح. وعاش إلى أيام عثمان فخرج في جند عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى إفريقية (سنة 26 هـ غازيا، فشهد فتح إفريقية وعاد مع عبد الله بن الزبير وجماعة يحملون بشرى الفتح إلى عثمان (رض) فلما كانوا بمصر مات أبو ذؤيب فيها. وقيل مات بإفريقية. أشهر شعره عينية رثى بها خمسة أبناء له أصيبوا بالطاعون في عام واحد، مطلعها: (أمن المنون وريبه تتوجع) قال البغدادي: هو أشعر هذيل من غير مدافعة. وفد على النبي صلّى الله عليه وسلم ليلة وفاته، فأدركه وهو مسجّى وشهد دفنه. له (ديوان أبي ذؤيب - ط) الجزء الأول منه .

-الاعلام للزركلي-

 

يوجد له ترجمة في كتاب: (بغية الطلب في تاريخ حلب - لكمال الدين ابن العديم)