قايتباي الجركسي المحمودي الأشرفي أبي النصر سيف الدين

تاريخ الولادة823 هـ
تاريخ الوفاة901 هـ
العمر78 سنة
مكان الوفاةالقاهرة - مصر
أماكن الإقامة
  • حلب - سوريا
  • الخليل - فلسطين
  • الإسكندرية - مصر
  • القاهرة - مصر
  • دمياط - مصر
  • مصر - مصر

نبذة

السُّلْطَان قايتباي الجركسي المحمودي الأشرفي ثمَّ الظَّاهِرِيّ ملك الديار المصرية: ولد تَقْرِيبًا في بضع وَعشْرين وثمان مائَة وَقدم بِهِ تَاجر يُقَال لَهُ مَحْمُود إِلَى ديار مصر في سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة فَاشْتَرَاهُ الْأَشْرَف برسباى ثمَّ ملكه الظَّاهِر جقمق ثمَّ ترقى في الخدم.

الترجمة

السُّلْطَان قايتباي الجركسي المحمودي الأشرفي ثمَّ الظَّاهِرِيّ ملك الديار المصرية
ولد تَقْرِيبًا في بضع وَعشْرين وثمان مائَة وَقدم بِهِ تَاجر يُقَال لَهُ مَحْمُود إِلَى ديار مصر في سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة فَاشْتَرَاهُ الْأَشْرَف برسباى ثمَّ ملكه الظَّاهِر جقمق ثمَّ ترقى في الخدم حَتَّى صَار أَمِير عشرَة
ثمَّ أَمِير طبلخانة ثمَّ صَار أتابكاً ثمَّ صَار سُلْطَانا فى يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث رَجَب سنة 872 وَثَبت قدمه فِي السلطنة وتمكنت هيبته وَصَارَ مُقبلا على أَفعَال الْخَيْر مقربا للْعُلَمَاء والصلحاء محبا للْفُقَرَاء كثير الْعدْل كثير الْعِبَادَة مائلاً إِلَى الْعلم كُلية الْميل عفيفاً عَن شهوات الْمُلُوك حَسَنَة من حَسَنَات الدَّهْر لم يكن لَهُ نَظِير في مُلُوك الجراكسة وَلَا فِيمَن قبلهم من مُلُوك الأتراك وَحج في أَيَّام سلطنته وَفعل من المحاسن مَا لم يَفْعَله غَيره وَأحسن إِلَى الْخَاص وَالْعَام
وَله عمارات في كثير من أَنْوَاع القربات وَقد طول السخاوي تَرْجَمته في الضَّوْء اللامع وَذكر كثيراً من محاسنه الَّتِى لَا يهتدى إِلَيْهَا غَيره من الْمُلُوك وَلكنه كدر صفوها فَجعل التَّرْجَمَة من أَولهَا إِلَى آخرهَا سجعاً بَارِدًا جداً وَلم يفعل ذَلِك في تَرْجَمَة غَيره وَالسَّبَب أَنه كَانَ معاصراً لَهُ وَقد تَرْجمهُ قطب الدَّين الحنفي فِي الْأَعْلَام تَرْجَمَة جَيِّدَة وفى سنة 901 أَرَادَ أَن يعْزل جمَاعَة من الْأُمَرَاء ويولى آخَرين وَكَانَ مَرِيضا إِذْ ذَاك وَأنْفق بِهَذَا السَّبَب نَحْو سِتّمائَة ألف دِينَار وَاسْتمرّ تَارَة يزِيد وعكه وَتارَة ينقص وَلكنه يظْهر الْجلد إِلَى أَن عجز وَزَاد توعكه بِحَيْثُ حجب النَّاس عَنهُ وَالْخلاف بَين سَائِر عساكره متزايد وَأعظم أمرائه قانصوه أَخُوهُ زَوجته وَهُوَ الذي صَار سُلْطَانا بعده كَمَا تقدم وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر ذي الْقعدَة سنة 901 وَاحِدَة وَتِسْعمِائَة
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني

 

 

قايتباي الجركسي المحمودي الأشرفي ثمَّ الظَّاهِرِيّ أحد مُلُوك الديار المصرية وَالْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ من مُلُوك التّرْك البهية ويلقب بِدُونِ حصر بالأشرف أبي النَّصْر، خَاتِمَة الْعِظَام ونابغة الْعِظَام بَارك الله تَعَالَى للْمُسلمين فِي حَيَاته وتدارك باللطف سَائِر حركاته وسكناته.
ولد تَقْرِيبًا سنة بضع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَقدم مَعَ تاجره مَحْمُود بن رستم وَالِد نزيل مَكَّة الْآن مصطفى فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ فَاشْتَرَاهُ الْأَشْرَف برسباي ودام بطبقة الطازية إِلَى أَن ملكه الظَّاهِر جقمق وَأعْتقهُ وصيره خاصكيا ثمَّ دوادارا ثَالِثا بعد ماميه المظفري صهر الشهابيبن الْعَيْنِيّ ثمَّ امتحن فِي أول الدولة الأشرفية إينال ثمَّ تراجع وَاسْتمرّ على دواداريته ثمَّ ارْتقى لإمرة عشرَة ثمَّ فِي أول سلطنة الظَّاهِر خشقدم لطبلخاناه مَعَ شدّ الشربخاناه عوضا عَن جَانِبك المشد ثمَّ للتقدمة صَار فِي أَيَّام الظَّاهِر بلباي رَأس نوبَة النوب عوضا عَن خجداشه أزبك من ططخ المتوجه لنيابة الشَّام ثمَّ لم يلبث أَن اسْتَقر الظَّاهِر تمربغا فِي الْملك فعمله أتابكا عوضه ثمَّ لم يلبث أَن خلع بِهِ مَعَ تعزز وتمنع وَصَارَ الْملك وَذَلِكَ قبل ظهر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين فدام الدَّهْر الطَّوِيل محفوفا بِالْفَضْلِ الجزيل وَظهر بذلك تَحْقِيق مَا سلف تَصْرِيح الْمُحب الطوخي أحد السادات بِهِ مِمَّا أضيف لما لَهُ من الكرامات حِين كَون سلطاننا مَعَ كِتَابِيَّة الطبا لما تزاحم جمَاعَة على الْحمل مَعَه لما يحصل بِهِ لَهُ الارتفاق قُم أَنْت أَيهَا الْملك الْأَشْرَف قايتباي فَكَانَ ذَلِك من أفْصح المخاطبات. وَنَحْوه مشافهته من مُحَمَّد الْعِرَاقِيّ خَادِم الْمجد شيخ خانقاه سرياقوس كَانَ، بقوله استفق فَإنَّك الْملك وَكن من الله على حذر وإيقان، وَكَذَا قَالَ لَهُ حسن الطبندي الْعُرْيَان فِي سنة إِحْدَى وَسبعين: أَنْت الْملك تلو هَذَا الْآن، وَهَذَا يَعْنِي يشبك هُوَ الدوادار الْمُخْتَار بل أرسل لَهُ فِي أثْنَاء إمرته الظَّاهِر خشقدم مَعَ بعض خاصته بالبشارة بذلك إِمَّا بالفراسة أَو بغَيْرهَا من المسالك فَأَعْرض عَن ذَلِك وتخيل وخشي من عاقبته مَعَه لما تَأمل ثمَّ أكد تَحْقِيق هَذِه المكرمة بإرسال ذَلِك القاصد بِعَيْنِه لما ولي التقدمة مقترنا بالسؤال فِي أَن يكون نظره على أوقافه وبنيه وأخلافه جَازِمًا بذلك عَازِمًا على عدم الكتم لما هُنَالك:
(إِن الْهلَال إِذا رَأَيْت سموهُ ... أيقنت أَن سيصير بَدْرًا كَامِلا)
بل حكى لي السَّيِّد الْعَلامَة الْأَصِيل الفهامة الْعَلَاء الْحَنَفِيّ نقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق كَانَ وَهُوَ فِي الصدْق بمَكَان أَن الْأَمِير قجماس حِين كَونه نَائِب الشَّام بِدُونِ إلباس أخبرهُ أَنه رأى فِي بعض الطواعين كَأَن أُنَاسًا توجهوا لطعن جمَاعَة بحراب مَعَهم فَكَانَ هُوَ وَصَاحب التَّرْجَمَة قبل ترقيهما مِمَّن راموا قصدهما بالطعن فكفهم عَنْهُمَا شخص قيل أَنه أنس بن مَالك خَادِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَضِي الله عَنهُ وَأخْبر بارتقائهما لأمر عَظِيم وَبِزِيَادَة هَذَا عَلَيْهِ فِي الارتقاء أَو كَمَا قَالَ وَأَن الرَّائِي قصها على السُّلْطَان حِينَئِذٍ فَأمره بكتمها عقلا ودربة وَكَذَا بَلغنِي عَن بعض نواب الْمَالِكِيَّة مِمَّن كَانَ فِي خدمته حِين الإمرة بإقراء مماليكه وَغير ذَلِك أَنه رأى كَأَن شَجَرَة رمان لَيْسَ بهَا سوى حَبَّة وَاحِدَة وَأَن صَاحب التَّرْجَمَة بَادر وقطعها فتأوله الرَّائِي بِأَخْذِهِ للْملك وأعلمه بذلك واستخبره عماذا يفعل بِهِ إِذا صَار الْأَمر إِلَيْهِ وَأمره بِالسُّكُوتِ عَن هَذَا الْمَنَام والاستحياء من ذكر هَذَا الْكَلَام لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْمقَام وعني فِي تَأْوِيله أَيْضا أَنه خَاتِمَة العنقود إِذْ من عداهُ لَا يَفِي الْمَقْصُود لما اجْتمع فِيهِ من الْخِصَال الَّتِي لَا تُوجد مفرقة فِي سَائِر الأقران والأمثال وَأَيْضًا فَفِي خُصُوصِيَّة الرُّمَّان مكثه طَوِيل الزَّمَان وَلما اسْتَقر فِي المملكة أَخذ فِي الْإِبْقَاء والعزل وَالْأَخْذ والبذل والتحري لما يرَاهُ الْعدْل والتقريب والترحيب والتهديد والتمهيد والإرشاد والإبعاد والتلبث والتثبت بِرَأْيهِ وتدبيره وسعيه وَتَقْرِيره مَعَ الْحُرْمَة الزَّائِدَة والهمة للتب بالشهامة شاهدة والخضوع لمن يعْتَقد فِيهِ الْعلم وَالصَّلَاح، وَالرُّجُوع لمن لَعَلَّه يسْتَند إِلَيْهِ بالارتياح وَعدم التفاته لجل الشفاعات وتخيلاته من تِلْكَ المعارضات والمدافعات. بل كَلَامه هُوَ المقبول وملامه لَا يدْفع بمعقول وَلَا مَنْقُول وحدوده مَاضِيَة الإبرام ونقوده دَفعهَا لَا يرام، وَلذَا خافه كل أحد وأحجم ووافاه العظماء فضلا عَمَّن يليهم بالاسترضاء والخدم والتفت للمشي فِي الجوامك والرواتب وَنَحْوهَا على العوائد المؤيدية ثمَّ الأشرفية مَعَ إنصافه للعارفين بأنواع الفروسية وَمن بِهِ النهضة فِي كل قَضِيَّة وبلية مِمَّا رام سلوكه غير وَاحِد مِمَّن قبله فجبن عَن هَذَا الْقطع الْمُقْتَضى للديوان باستمرار الوصلة بل نقل بعض المضافات للذخيرة من الْأَشْرَف وَغَيره فِي القلعة وَغَيرهَا إِلَى أوقافهم مُعَللا بِكَوْن ثَوَابهَا يتمحض لَهُم وبرها لِأَنَّهُ فِي الحذق المتوصل بِهِ لمقاصده، وَفِي الصدْق بالعزم والتجلد والثبات منتصب الرَّايَة، سِيمَا وَله تهجد وَتعبد وأوراد وأشعار وأذكار مزيلة للأكدار وتلحينات تسر النظار وتعفف وتعرف ويقظة وَتصرف وبكاء ونحيب وإنكاء لمن بمراده لَا يُجيب وارتقاء فِي تربية من شَاءَ الله من مماليكه وخدمه وانتقاء لمن يسامره فِي دفع ألمه وميل لِذَوي الهيئات الْحَسَنَة وَالصِّفَات الْمثنى عَلَيْهَا بالألسنة حَتَّى إِنَّه يتشوق لرُؤْيَته لشَيْخِنَا ابْن حجر وَابْن الديري فِي صغره ويتلذذ بِذكرِهِ لَهما فِي كبره بل كثيرا مَا ينشد مَا تمثل بِهِ أَولهمَا حِين اسْتِقْرَار القاياتي فِي الْقَضَاء بعد صرفه وَقَوله اسْتَرَحْنَا وَقَول الآخر أكرهونا مُشِيرا لكَونه على رغم أَنفه:
(عِنْدِي حَدِيث طريف بِمثلِهِ يتَغَنَّى ... من قاضيين يعزى هَذَا وَهَذَا يهنا)
(فَذا يَقُول أكرهونا وَذَا يَقُول اسْتَرَحْنَا ... ويكذبان جَمِيعًا وَمن يصدق منا)
وَيَقُول مِمَّا يروم بِهِ تَعْظِيم أَولهمَا وتشريفه: مَوته يعدل موت الإِمَام أَبَا حنيفَة وتلاوة ومطالعة فِي كتب الْعلم وَالرَّقَائِق وسير الْخُلَفَاء والملوك يُرْجَى كَونهَا نافعة بِحَيْثُ يسْأَل الْقُضَاة وَغَيرهم الأسئلة الجيدة وَلَا يسمع فِي الْكثير جَوَابا يستفيده عِنْده وَرُبمَا يُقَال لَهُ مِنْكُم يُسْتَفَاد حيدة عَن المُرَاد وينكر كَثْرَة الصياح بِدُونِ فَائِدَة ويكرر عتبهم فِي غيبتهم والمشاهدة، سِيمَا حِين يعلم تَقْصِير كثيرين فِي الْجِهَات وَعدم التَّصْوِير لسنى الهيئات والمخاطبات مِمَّا يَقْتَضِي مزاحمته لَهُم فِي المرتبات وَنقص تِلْكَ المبرات الْقَدِيمَة والصلات كل هَذَا مَعَ حسن الشكالة والطول والبهاء الَّذِي شَرحه يطول ومزيد التَّوَكُّل ومديد التضرع وللتوسل وَالِاعْتِرَاف من نَفعه بالتقصير والإنصاف الَّذِي لَا يُؤَخِّرهُ عَن مُقْتَضَاهُ إِلَّا الْقَادِر الْقَدِير والاعتماد لمن يعلم عقله وتدينه من الشَّبَاب والقدماء، والاعتقاد فِيمَن يثبت عِنْده صَلَاحه من الصلحاء وَالْعُلَمَاء. بِحَيْثُ جر هَذَا إِلَى التلبيس عَلَيْهِ من بعض الشَّيَاطِين فِي شخص من المعتقدين حَتَّى أنزلهُ لَيْلًا مَاشِيا مصطحبا مَعَه مبلغا وافيا للمكان الَّذِي زعم فِيهِ المعتقد لَهُ فَبَالغ فِي الخضوع لذَلِك وبالمبلغ وَصله ثمَّ بَان لَهُ كذبه وَهَان حِين علم أَنه لَيْسَ بالمعتقد فاضمحل بِسَبَبِهِ وَعدم المسارعة لمن يوليه مِمَّن هُوَ تَحت نظره وميله كَانَ إِلَى الاستفتاء فِيمَا يجب فعله للخوف من عَاقِبَة ضَرَره وحياء يتمحل فِيهِ مَعَه لمضضه وَرُبمَا يفْتَقر من أَجله إِلَى الِاحْتِيَاج لمن يتَوَصَّل بِهِ لغرضه وَترك الْتِفَات كلي لِلزَّوْجَاتِ والسراري اسْتِبْقَاء لقُوته فِي الْغَزَوَات والبراري. بل كَانَ لَا يشرب المَاء القراح إِلَّا فِي النَّادِر لهَذَا الْمَقْصد الطَّاهِر حَتَّى صَار هُوَ الْأسد الضرغام والأسد الْهمام والفارس البطل والسايس الْحَبل والرامي الَّذِي لَا يجارى والسامي الَّذِي لَا يشكك وَلَا يمارى. وَكَانَ أول تَصَرُّفَاته الْحَسَنَة إكرامه للمنفصل المستيقظ من تِلْكَ السّنة بِحَيْثُ أرْسلهُ بِدُونِ مُسْفِر وَلَا ترسيم بل وَصله بالإكرام والتكريم عَزِيزًا مُحْتَرما رَاكِبًا فرسا بهيا مُعظما على هَيْئَة جميلَة روية مجانبة للخيلاء والمخيلة إِلَى أَن ركب الْبَحْر لدمياط مَحل الْغَنَائِم والرباط فَقَامَ بهَا قَلِيلا ثمَّ هام للتخلص مِمَّا رأى كَونه فِيهِ ذليلا رَجَاء لتمكنه من رُجُوعه لتعيينه لِلْأَمْرِ بِزَعْمِهِ فِي يقظته وهجوعه فَمَا كَانَ بأسرع من خذلانه وعود الْأَشْرَف عَلَيْهِ كبدئه بأمانه فَإِنَّهُ لما أمسك من قرب غَزَّة وزالت تِلْكَ الشهامة والعزة أَمر بإرساله لإسكندرية ليَكُون فِي بَيت الْعَزِيز مِنْهَا على الْهَيْئَة المرضية بِدُونِ ترسيم وَلَا عتب وتأثيم بل يحضر الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَنَحْو ذَلِك من هَذِه المسالك ثمَّ لم يلبث أَن جَاءَت مطالعته وفيهَا يعْتَذر يترقق وَلَا يفتخر بل يُكَرر فِيهَا وَصفه بالمملوك كَمَا سبقه لمكاتبته بهَا الْمُؤَيد أَحْمد وبلباي وَغَيرهمَا من الْمُلُوك وَكم لَهُ فِي إمرته فضلا عَن سلطنته من قومات مهمات وتكرمات عليات كحركته فِي الرُّجُوع بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ وبخجداشه أزبك الْمعول عَلَيْهِ بعد إرْسَال الظَّاهِر خشقدم بهما لإسكندرية حَتَّى فرج الله عَنْهُمَا بِهِ هَذِه البلية إِن الْمُهِمَّات فِيهَا تعرف الرِّجَال وتزول بهم الْأَهْوَال والأوجال وكعتبه على صَاحبه خطيب مَكَّة أَبَا الْفضل حَيْثُ كتب لَهُ وَثِيقَة بِخَمْسِمِائَة دِينَار ينْكَشف بهَا عَن العضل ثمَّ جهز لَهُ الْمبلغ مَعَ الْوَثِيقَة ليفوز بالصلة وَحسن الْوَثِيقَة، ولمحاسنه كَانَ ينتمي إِلَيْهِ إِذْ ذَاك السَّيِّد النُّور الْكرْدِي وَيَعْقُوب شاه والشمسي ابْن الزَّمن والبدري أَبُو الْفَتْح المنوفي وَمن شَاءَ الله من الصلحاء والنساك ثمَّ فِي أثْنَاء مَا سلف قَامَ فِي التَّدْبِير لِلْأَمْرِ الَّذِي أكره عَلَيْهِ وَله اعْترف فاشتغل بِجمع الْأَمْوَال مِمَّا رأى أَنه غير منَاف للاعتدال فَإِنَّهُ كَانَ فِي إمرته يُنكر على الظَّاهِر خشقدم ارتشاءه من قُضَاة مصر فِي تَوليته وَيَقُول مَتى يجْتَمع لَهُ من هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِين مَا يُوصل لغَرَض التَّمْكِين مَعَ الإشلاء عَلَيْهِ والابتلاء بِمَا يلصق بِهِ من النَّقْص ويضاف إِلَيْهِ: أَنا أعرف من أحمل مِنْهُ جزيل المَال الْحَادِث وَالْقَدِيم بِدُونِ تأثيم، وَكَانَ كَذَلِك إِلَى أَن اجْتمع لَهُ مَا يفوق الْحصْر وَالْبَيَان من بني الْأُمَرَاء والأعيان والمباشرين والخوندات والخدام والدهاقين وَغَيرهَا من الْجِهَات الغنية عَن التَّنْبِيهَات بِحَيْثُ أنْفق على المماليك السُّلْطَانِيَّة العوائد الملوكية على المجردين لسوار بِالتَّسْلِيمِ والاختبار بل تكَرر إِنْفَاق الْأَمْوَال الجزيلة فِي التجاريد المهولة غير مرّة إِلَى أَن أزيلت تِلْكَ المحنة والمعرة وَقتل أَسْوَأ قتلة وَانْقَضَت تِلْكَ المهلة وَكَذَا جهز عدَّة تجاريد مِنْهَا غير مرّة لصَاحب الرّوم حَسْبَمَا بسطته فِي أماكنه فِي أماكنه مِمَّا هُوَ مُقَرر مَعْلُوم. وَرَأى بعض الْفُضَلَاء فِي الْمَنَام إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يَقُول لَهُ: بشره يَعْنِي بالانتصار وَعلمه دُعَاء الكرب الْآتِي فِي الْآثَار وجهز طوائف إِلَى الْبحيرَة وَغَيرهَا مِمَّا قل خلو وَقت عَنْهَا مَعَ اشْتِغَاله بِعَمَل الجسور واحتفاه بِمَا هُوَ غَايَة فِي الظُّهُور وَلم يحاب فِي التَّعَرُّض خَليفَة وَلَا أَمِيرا وَلَا مدرسه وَلَا مُشِيرا وَلَا صاحبا وَلَا مجانبا وَلَا فَقِيها وَلَا وجيها وَلَا صَالحا وَلَا طالحا وَلَا غَنِيا وَلَا فَقِيرا، بل توسع فِي جلب الْأَمْوَال وتوجع لنَفسِهِ من الْعَاقِبَة والمآل مَعَ تصريحه بالاعتذار وتلميحه بِمَا يَقْتَضِي الْإِنْكَار وتكرر دعاؤه على نَفسه بِالْمَوْتِ وَأظْهر تبرمه مِمَّا هُوَ فِيهِ بالفوت وَرُبمَا برز ليفوز بالفرار بل صرح بخلع نَفسه فِي بعض المرار ثمَّ يُعَاد بالتلطف والتسييد لِأَنَّهُ الأوحد الفريد وَقد أبطل مكس قتيا واحتفل بِمَا يعيه وعيا وأزال كثيرا من الْفُسَّاق وَأطَال الجري فِي ميدان السباق وَقَالَ على سَبِيل التحدث بِالنعْمَةِ حظى أتم مِمَّن يفر مني لقطع الْخدمَة لزعمه مزِيد الكلف وَضعف الهمة فَإِنَّهُم لم يمض عَلَيْهِم إِلَّا الْيَسِير ويفجأهم الْمَوْت النذير ثمَّ تحمل إِلَى أَمْوَالهم ويضمحل تعلقهم ومآلهم كالأنصاري وَابْن الجريش والكمال نَاظر الجيس وَيحيى الريس التَّاجِر المتعيش ويركب كثيرا إِلَى النزهة كالربيع والقبة الدوادارية وَنَحْوهمَا من الْجِهَات القصية وَرُبمَا يبيت اللَّيْلَة فَمَا فَوْقهَا وَيُمِيت مَا لَعَلَّه يرَاهُ غير مُنَاسِب من أُمُور فيودي حَقّهَا وأدركه أَذَان الْمغرب مرّة عِنْد الْجَامِع العلمي ذِي الْبَهَاء والشهرة فطلعه لصلاتها لضيق وَقتهَا وَالْخَوْف من فَوتهَا فَرَأى الْمُصَلِّين وَلم ير الإِمَام فَتقدم فصلى بهم وارتفع الملام وَكَانَت فِي ذَلِك الْإِشَارَة إِلَى أَنه هُوَ الإِمَام، وتكرر توجهه هُوَ إِلَى أَمَاكِن ملاحظا التَّوَكُّل الَّذِي هُوَ إِلَيْهِ راكن كبيت الْمُقَدّس والخليل وثغور دمياط وإسكندرية ورشيد وأدكو لبلوغ التَّأَمُّل وأزال كثيرا من الظلامات الحادثات وزار من هُنَاكَ من السادات وَعِيد بجهات من الديار المصرية كالأضحى مرّة بعد أُخْرَى سنيه وَالْفطر مَعَ كثير من الْجمع الرضي يبرز الشَّافِعِي للخطبة بِهِ فِي الأعياد امتثالا للمراد، بل حج فِي طَائِفَة قَليلَة سنة أَربع وَثَمَانِينَ تأسيا بِمن قبله من الْمُلُوك كَالظَّاهِرِ بيبرس والناصر مُحَمَّد قلاوون الْأمين ووهب وَتصدق وَأحكم كثيرا من العلق وَأظْهر من تواضعه وخشوعه فِي طَوَافه وعبادته مَا عد فِي حَسَنَاته سِيمَا عِنْد سُقُوط تاجه عَن رَأسه بِبَاب السَّلَام ليندفع عَنهُ مَا لَعَلَّه زها فِيهِ الملام وَقَالَ مظْهرا للنعمة وَصرف الْعين حِين مَشى فِي الْمَسْعَى بَين إِمَامه وقاضي الْحجاز: أَنا بَين برهانين. بل بَلغنِي عِنْد بعض الصَّالِحين أَنه أخبر بِرُؤْيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام تِلْكَ الْأَيَّام وَأخْبر أَنه من الْفرْقَة النَّاجِية مَعَ أَنه حج قبل ترقيه فِي زمن الظَّاهِر الْوَجِيه وَذَلِكَ فِيمَا قيل بِالتَّعْيِينِ سنة سبع وَأَرْبَعين وسافر بِدُونِ مين قبلهَا بِسنتَيْنِ لقلعة الرّوم ثمَّ ركب على ظهر الْفُرَات إِلَى البيرة على الْوَجْه الْمَعْلُوم وتوعك فِي رُجُوعه ثمَّ سلمه الله لرعيته وجموعه وَبَالغ فِي إكرام الْمَنْصُور بِالْإِذْنِ لَهُ فِي الْحَج الْمَشْهُور وَكَذَا بمجيئه الْقَاهِرَة وركوبه بِالسَّكِينَةِ فِي طَائِفَة من الْأُمَرَاء بداخل الْمَدِينَة وَكَذَا أكْرم الْمُؤَيد أَحْمد مِمَّا بجموعه تفرد حَسْبَمَا بسطناه وضبطناه فِي أماكنه من التَّارِيخ الْكَبِير مَعَ غَيره مِمَّا هُوَ شهير. وَله تلفت غَالِبا لتقديم الْمُسْتَحقّين مِمَّا يشغر من الْوَظَائِف والمرتبات وَرُبمَا أكره نَفسه بتقرير من يُعلمهُ من أهل البليات إِمَّا بمغالبته بالدريهمات أَو غَيرهَا من المناكدات واجتهد فِي بِنَاء المشاعر الْعِظَام وأسعد بِمَا لم يتَّفق لغيره فِيهِ الانتظام كعمارة مَسْجِد الْخيف بمنى الْمبلغ فِيهِ بالإخلاص كل المنى وعملت فِيهِ قبتان بديعتان إِحْدَاهمَا على الْمِحْرَاب النَّبَوِيّ الَّذِي بوسطه وَالثَّانِي على الْمِحْرَاب الْمُنْفَرد فِي نمطه مَعَ المنارة الفائقة والبوائك الْأَرْبَعَة الرائقة والبوابة المرتفعة الْعَظِيمَة سوى بَابَيْنِ لِلْمَسْجِدِ شَرْقي ويمني بالكيفية المستقيمة إِلَى غَيرهَا من سَبِيل لَهُ ولاصق بعلو الصهريج الْكَبِير الْمُوَافق وارتقى لمَسْجِد نمره من عَرَفَة الْمَعْرُوف بالخليل إِبْرَاهِيم فعمره للتبجيل والتكريم واشتمل على بائكتين لجِهَة الْقبْلَة لإظلال الحجيج وقبة على الْمِحْرَاب الْمُرْتَفع بجوانبه العجيج وحفر بوسطه صهريجا ذرعه عشرُون ذِرَاعا مَعَ بِنَاء المسطبة الَّتِي فِي وَسطه ففاقت بهجة واتساعا ورممت قبَّة عَرَفَة وبيضت مَعَ العلمين الَّتِي تميزت بهما ونهضت وَكَذَا سلالم مشْعر الْمزْدَلِفَة بعد إِصْلَاحه وتجديد تِلْكَ الصّفة وَعمر بركَة خليص الْمعول عَلَيْهَا وأجرى الْعين الطّيبَة الصافية إِلَيْهِمَا. بل أصلح الْمَسْجِد الَّذِي هُنَاكَ بِحَيْثُ عَم الِانْتِفَاع بكله للقاطن والسلاك وَذَلِكَ جَمِيعه بِيَقِين فِي سنة أَربع وَسبعين ثمَّ فِي الَّتِي تَلِيهَا عمر عين عرفه بعد انقطاعها أَزِيد من قرن عِنْد من أتقنه وعرفه وأجرى إِلَيْهَا الْمِيَاه للمزدرعات والشفاه وَأصْلح تِلْكَ الفساقي فارتقى بهَا على المراقي وَعمر بِدُونِ إلباس سِقَايَة سيدنَا الْعَبَّاس وَأصْلح بِئْر زَمْزَم وَالْمقَام بل وعلو مصلى الْحَنَفِيّ الإِمَام وجهز فِي سنة تسع وَسبعين لِلْمَسْجِدِ منبرا مرتفعا عَظِيما مرتفعا مستقيا وَنصب فِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا وقرت بِهِ أعين النبهاء إِلَى غَيرهَا من الْكسْوَة المتأنق فِيهَا كل سنه والمتشوق لرؤيتها الحسنه بل أنشأ بِجَانِب الْمَسْجِد الْحَرَام عِنْد بَاب السَّلَام مدرسة جليلة ليَكُون لرضا الله وَرَسُوله بهَا صوفية وتدارس وفقراء محاويج مفاليس وخزانة للربعات وَكتب الْعلم ذخيرة فِي الْحَرْب وَالسّلم وبجانبها رِبَاط للْفُقَرَاء والطلبة مَعَ تَفْرِقَة خبز ودشيشة كل يَوْم يحضرهُ الْأكلَة والكتبة وسبيل هائل ليرتوي مِنْهُ الْغَنِيّ والسائل ويعلوه للأيتام مكتب للفوز بِمَا بِهِ فِيهِ احتسب وَله رتب. وَكَذَا أنشأ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة مدرسة بديعة بهية بل بنى الْمَسْجِد الشريف بعد الْحَرِيق وَأحكم تِلْكَ الْمعَاهد بالإمكان والتوثيق وجدد الْمِنْبَر والحجرة المأنوسة وَمَا يجاورها من الْجِهَات المحروسة والمصلى النَّبَوِيّ بالتحقيق المتحرك لَهُ بالتشويق إِلَى غَيرهَا من الْمِحْرَاب العثماني والمنارة الرئيسية بدءا على عود بِدُونِ تواني بل رتب لأهل السّنة من أَهلهَا والواردين عَلَيْهَا من كَبِير وصغير وغني وفقير ورضيع وفطيم وخادم وخديم مَا يَكْفِيهِ من الْبر وَمن الدشيشة وَالْخبْز مَا يسر وَعمل أَيْضا بِبَيْت الْمُقَدّس مدرسة كيسة بهَا شيخ وصوفية ودرسه وَبِكُل من غَزَّة ودمياط للاشتغال والرباط وبصالحية قطيا جَامعا بهيا وَاسِعًا للمكاره دافعا تكَرر نُزُوله فِيهِ بل خطب بِهِ بِحَضْرَتِهِ يَوْم عيد الْفطر الشَّافِعِي الْوَجِيه يَوْم الْجُمُعَة الخضيري الْمُحصن بالرفعة وبالقرين دونهَا مَسْجِدا للْمُسلمين متعبدا وحوضا قَائِما للبهائم وجدد من جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ بعض جهاته رَجَاء الْفَوْز من الْمولى بِصَلَاتِهِ وَجَمِيع الإيوان النفيس المجاور لضريح إمامنا الشَّافِعِي بن إِدْرِيس بل زخرف الْقبَّة وجددها وأساطينها وعمرها والمنارة الَّتِي تضيق عَنْهَا الْعبارَة وَفعل كَذَلِك بالمشهد النفيسي بالمقصد التأسيسي لما علم أَن مصر فِي خفرهما بالحراسة مَعَ من بهَا من الصَّحَابَة الفائقين فِي النفاسة وَعمر إيوَان القلعة مَعَ قصرهَا ودهيشتها وحوشها وَسَائِر جهاتها والبحرة وقاعتها والمقعد الَّذِي يَعْلُو بَابهَا وقصرا هائلا مشرفا على القرافة وَذَاكَ الْبَهَاء بل عمل علو أَبْوَاب الحوش قصرا مِم لَا يُمكن لَهُ اسْتِيفَاء وحصرا وَعمر جَامع الناصري بِعَمَل قُبَّته بعد سُقُوطهَا ومنبره رخاما وَغَيرهمَا من أَرْكَانه وجهاته مَعَ تبييضها وتبليطها وفسقية هائلة إِلَى الاشتهار بِالْمَعْرُوفِ مائلة وسبيلا وصهريجا مجاورين للزردخاناه وعدة سبل ليبلغ بكله متمناه إِلَى غَيرهَا كالمقعد الَّذِي بحدرة الْبَقر عِنْد الْمَكَان الَّذِي تفرق بِهِ الضَّحَايَا من الْعشْر الْمُعْتَبر بِحَيْثُ صَارَت القلعة من بَاب المدرج إِلَى سَائِر مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ حَتَّى دور الْحَرِيم ومعظم الطباق غَايَة فِي الْبَهْجَة لناظرها الْأَمْن من الْحَرج وَأصْلح المجراة الْوَاصِلَة من الْبَحْر إِلَيْهَا وكمل مِنْهَا المنظر والبها وَعمر الميدان الناصري بمشارفة الأتابك فريد الْعَسْكَر الظَّاهِرِيّ بل وَعمل هُنَاكَ قصرا بديعا وَإِن تَأَخّر إكماله لكَونه لَيْسَ عجلا وَلَا سَرِيعا وَأَنْشَأَ بالصحراء بِالْقربِ من الشَّيْخ عبد الله المنوفي تربة بالرونق البهج تفي وبجانبها مدرسة للْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات ولاجتماع الصُّوفِيَّة بهَا فِي سَائِر الْأَوْقَات وشيخهم قَاضِي جمَاعَة كَانَ ثمَّ ابْن عَاشر السَّاكِن الْأَركان وخطيبها الْبَهَاء بن المحرقي وَبهَا خزانَة كتب شريفة جليلة منيفة وَعمل بِكُل من جَانبهَا وتجاهها ربعا للصوفية موطنا ووضعا وسبيلا وصهريجا وحوضا للبهائم بهجا يعلوه كتاب للأيتام مزيل للأكدار والآثام كل هَذَا سوى الرّبع الَّذِي عمله الدوادار الْكَبِير ليتسع بِهِ الصُّوفِي وَالْفَقِير والصهريج الْعَظِيم للقاطن الْمُقِيم وَكَانَ المشارف للسُّلْطَان الْبَدْر بن الكويز بن أخي عبد الرَّحْمَن وللدوادار تغرى بردى الخازندار ثمَّ جدد فِي الرحبة الَّتِي يظْهر الرّبع الْمَذْكُور صهريجا متسعا جدا غير منكور وبالكبش مدرسة للْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات بل جدد بَاب الْكَبْش وَعمل علوه ربعا وَقفه على مَا بهَا من الشعائر والطاعات وحوضا للدواب الْمَزِيد الثَّوَاب كَانَ المشارف على الْمدرسَة والحوض الاستادار وعَلى الْبَاقِي نانق المؤيدي الْمُخْتَار وجدد للمجاولية ربعا وحوضين إِمَّا من الْوَقْف أَو من فائض النَّقْدَيْنِ بمشارفة إِمَامه الناصري الأخميمي وبالدقي تجاه الجزيرة الوسطانية جَامعا حسنا رائعا وبالروضة جَامعا هائلا كَانَ من قديم مَعَ صغره سَاقِطا مائلا فهدمه وَعمل بجانبه ربعا وَأَنْشَأَ خَلفه قاعة صيرها مَسْجِدا جليلة تزيينا ووضعا بل هُنَاكَ عدَّة دكاكين وطاحون وَغَيرهَا مُحكم التَّمْكِين بمشارفة الْبَدْر بن الطولوني تعْمل فِيهِ بدرية بهية علية وجامع سُلْطَان شاه هَدمه ووسعه بِحَيْثُ صَار هُوَ وَالَّذِي قبله كالمنشئ لَهما وَعمل تجاهه ربعا علو المطهرة الَّتِي أَنْشَأَهَا لَهُ بمشارفة الاستادار وجامع الرَّحْمَة الَّذِي صَار فِي بُسْتَان نَائِب جدة جدده بمشارفة شاذبك من صديق الأشرفي برسباي وَالْجَامِع الَّذِي بِجَانِب قنطرة قديدار يعرف بشاكر وَأَنْشَأَ جَامع سَلمُون الْغُبَار ومنارته وبجانبه سَبِيلا وعدة مزارات كالمنسوب للشَّيْخ عماد الدّين بحارة السقايين عمل قُبَّته ومنارته بل وسع أبوابه وَالْمقَام الدسوقي وَالْمقَام الأحمدي بمشارفة مغلباي الأشرفي إينال وَيعرف بالبهلوان لَهما وزاوية اليسع قبلي جَامع مَحْمُود تَحت الْعَارِض والزاوية الْحَمْرَاء تجاه جَامع قيدان بمشارفة البدري أبي الْبَقَاء بن الجيعان لهَذِهِ، وَالْمقَام الزيَادي بَين دهروط وطنبدا من الْوَجْه القبلي بل أنشأ بطنبدا زَاوِيَة بهَا خطْبَة وَغَيرهَا للعريان الْمَنْقُول عَنهُ بشارته أَولا وَكَذَا عمل زَاوِيَة ظَاهر الخانقاه بجوار زَاوِيَة النبتيتي بهَا فُقَرَاء مقيمون شيخهم مَحْمُود العجمي وعدة جسور كالجسر الهائل بَين الجيزية وَمَا بِهِ من القناطر بل أنشأ فِيهِ قناطر مِنْهَا فِي مَوضِع مِنْهُ عشرَة متلاصقة كَانَ الأتابك أزبك الْمُبَاشر لَهَا وبرجا محكما بالثغر السكندري وَكَذَا برشيد بَاشر أَولهمَا البدري بن الكويز والعلائي بن خَاص بك وَغَيرهمَا وَثَانِيهمَا مقبل الحسني الظَّاهِر جقمق وسورا لتروجة وعدة سبل كَالَّذي بِزِيَادَة جَامع ابْن طولون الَّتِي كَانَ الظَّاهِر جقمق هدم الْبَيْت الَّذِي بناه ابْن النقاش بهَا وَآخر يعلوه كتاب للأيتام بجوار الْجَامِع الْمُسَمّى بِجَامِع الْفَتْح بِالْقربِ من القشاشين تَحت الرّبع بل عمر مَنَارَة الْجَامِع وساعد فِي عِمَارَته وَآخر بسويقة منعم عمله بعد هدم سَبِيل جَانِبك الْفَقِيه أَمِير آخور بِحجَّة أَنه كَانَ فِي الطَّرِيق بمشارفة تنبك قَرَأَ وَآخر عِنْد مقطع الحجارين من الْجَبَل المقطم بِالْقربِ من القلعة ع مَسْجِد هُنَاكَ وَآخر عِنْد درب الأتراك بجوار جَامع الْأَزْهَر سقى النَّاس عقب فَرَاغه السكر أَيَّامًا ويعلوه مكتب للأيتام وبجواره ربع متسع جدا وخان للمسافرين وحوض لسقي الْبَهَائِم بل جدد بمشارفة الاستادار مطهرة الْجَامِع وَجَاءَت حَسَنَة عَم الِانْتِفَاع بهَا وَبنى منارته الَّتِي تعلو بَابه الْكَبِير وَأمر بهدم الخلاوي المتجددة بسطحه بعد عقد مجْلِس فِيهِ بِحَضْرَتِهِ لضعف عقوده وسقفه وَغير ذَلِك وَكَذَا حضر إِلَى الْمدرسَة السيوفية من العواميد وَطلب الْقُضَاة لاسترجاع الْمَغْصُوب مِنْهَا وعمرت لإِقَامَة الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات واستيطان الْفُقَرَاء بخلاويها وَمَا أجراه عَلَيْهِم من الْبر وَآخر بَين المرج والزيات مَعَ قبَّة وحوض تعرف بقبة مصطفى لإقامته بهَا بمشارفة قانصوه دوادار يشبك الدوادار وَبعد مصطفى قَامَ بشأنها امْرَأَة ثمَّ ملا حَافظ نزيل زَاوِيَة تَقِيّ الدّين بالمصنع وَأحد صوفية الشيخونية وابتنى بالبندقانيين عدَّة أَربَاع متقابلة وخانين وحوانيت وجدد مَسْجِدا مرتفعا كَانَ هُنَاكَ وبالقرب مِنْهَا أَمَاكِن بالزجاجيين كَانَ بوسطها مَسْجِد عِنْد بِئْر عذبة وفسقية وبالخشابيين ربعين مُتَقَابلين وحواصل وبيوت وحوض للبهائم وَغير ذَلِك مَعَ بِنَاء مَسْجِد كَانَ أَيْضا هُنَاكَ أرْضى فرفعه وَحسنه مِمَّا كَانَ الشاد على جَمِيعه شاهين الجمالي وبباب النَّصْر ربيعا ووكالة وحوانيت صَار بَعْضهَا فِي رحبة حَاجِب الْحَاكِم بل عمل بجانبه أخلية ومطهرة صَارَت خلف بَيت الخطابة سَوَاء بِالْقربِ من قنطرة أَمِير حُسَيْن بالشارع ربعا وَبَيت إمرة سَبِيلا وصهريجا بل جدد مَسْجِدا لطيفا كَانَ هُنَاكَ بمشارفة كَاتب السِّرّ عَلَيْهِمَا وَالْكَاتِب فِي الأول عبد الْعَزِيز الفيومي وَحسن لَهُم جعل طبقَة علو قاعة الخطابة لكنه بهَا فَإِنَّهُ كَانَ نَائِب الْخَطِيب فَلَمَّا انْفَصل عَن الخطابة زعم أَنَّهَا إِنَّمَا بنيت لأَجله خَاصَّة فَرد عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ للخطيب وَفِي الثَّانِي عبد الْكَرِيم بن ماجد القبطي وبالدجاجين بِالْقربِ من الْهِلَالِيَّة ربعين مُتَقَابلين وحوانيت ووكالة وَغَيرهَا وَفِي وسطهما سَبِيل وحوض للدواب بل حفر بِئْرا هُنَاكَ بمشارفة جانم دوادار يشبك الدوادار كَمَا أَنه شَارف عمَارَة بَيت أركماس الظَّاهِرِيّ المطل على بركَة الْفِيل أَيْضا وَعمارَة بَيت جرباش بِالْقربِ من حدرة الْبَقر بل اقتطع مِنْهُ مَا بني فِيهِ رواقا ومقعدا ودوارا ليَكُون بَيْتا لطيفا لأمير وَكَانَت مشارفة جانم لهَذَا خَاصَّة فِي الأول ثمَّ أكملها شاذبك الْمَاضِي وَعمل بِمُبَاشَرَة كَاتب السِّرّ هُنَاكَ خَانا وطاحونا وفرنا وحوانيت بل رُبمَا وشارف شاذبك أَيْضا عمَارَة بَيت الطنبغا المرقبي بِخَط سويقة اللالا المطل على الخليج وَبَيت فِي درب الخازن مَعْرُوف بِبرد بك المعمار مطل على بركَة الْفِيل مجاور لبيت إِمَامه البرهاني الكركي وابتنى عمَارَة عَظِيمَة على الْبركَة أَيْضا مُضَافَة لبيت خير بك من حَدِيد وبيتا تجاهه أَيْضا بمشارفة الْحَاج رَمَضَان المهتار لَهما وَآخر بِبَاب سر جَامع قوصون مطل عَلَيْهَا أَيْضا بمشارفة جانم وَصَارَ إِلَيْهِ الْمَكَان الَّذِي كَانَ شرع فِيهِ مِثْقَال الْمُقدم بجوار المصبغة بِالْقربِ من قاعته فأكمله وأسكن فِيهِ بعض المقدمين من مماليكه، إِلَى غَيرهَا مِمَّا لَا يمكنني حصره كمكان من جِهَة سويقة الْعُزَّى يسكنهُ الْآن ابْن الظَّاهِر خشقدم وَأما الْأَمَاكِن المبنية والقصور الْعلية الَّتِي صَارَت إِلَيْهِ فمما لَا ينْحَصر أَيْضا كبيت مِثْقَال الساقي المجاور للأزهر تملكه عِنْد نَفْيه وَزَاد فِيهِ ربعا وقاعات وَغير ذَلِك وَرُبمَا احْتج فِيمَا يكون وَقفا بتصييره أَيْضا كَذَلِك وَبَيت ابْن عبد الرَّحْمَن الصَّيْرَفِي من بَين الدَّرْب وَبَيت نَاصِر الدّين بن أصيل تجاه جَامع الْأَقْمَر وَبَيت مُحَمَّد بن المرجوشي وَله فِي عمائره وَغَيرهَا الغرام التَّام فِي توسعة الشوارع وَزَوَال مَا يكون لذَلِك من الْمَوَانِع بِحَيْثُ أَمر لهَذَا الْمَقْصد بهدم أَمَاكِن من بيُوت وحوانيت وَنَحْوهَا وَإِزَالَة مَا كَانَ تَحت شبابيك المؤيدية من جِهَة بَاب زويلة من الأخصاص والأشرفية وَلكنه حصل فِي غضونه التَّعَدِّي لِأَشْيَاء مَوْضُوعَة بِحَق مَعَ الِاسْتِنَاد فِي جَمِيعه لقَضَاء أبي الْفَتْح السوهاني وجر ذَلِك لتجديد الدوادار الْكَبِير وَهُوَ المنتدب لَهُ لكل من جَامع الفكاهين والصالح وَغَيرهمَا إِمَّا مِنْهُ أَو من أربابه، وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يجْتَمع الْملك مِمَّن أدركناه مَا اجْتمع لَهُ وَلَا حوى من الحذق والذكاء والمحاسن مُجمل مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ وَلَا مفصله وَرُبمَا مدحه الشُّعَرَاء فَلَا يلْتَفت لذَلِك وَيَقُول: لَو اشْتغل بالمديح النَّبَوِيّ كَانَ أعظم من هَذِه المسالك. وترجمته تحْتَمل مجلدات من الْأُمُور الجليات والخفيات وَقد أَشرت إِلَيْهِ فِي مُقَدمَات عدَّة كتب وصلت إِلَيْهِ من تصانيفي كرفع الشكوك بمفاخر الْمُلُوك وَالْقَوْل التَّام فِي فضل الرَّمْي بِالسِّهَامِ والتماس السعد فِي الْوَفَاء بالوعد والسر المكتوم فِي الْفرق بَين الْمَالَيْنِ الْمَحْمُود والمذموم وَالْقَوْل المسطور فِي إِزَالَة الشُّعُور والامتنان بالحرس من دفع الافتتان بالفرس والبستان فِي مَسْأَلَة الاختتان وَقَرَأَ عَليّ من سادسها بفصاحته وطلاقته قِطْعَة صَالِحَة بالثواب إِن شَاءَ الله رابحة وَهُوَ الْمُرْسل لي بالسؤال عَمَّا تضمنه الرَّابِع من الْمقَال وَلَقَد قَالَ لي بعض الْأَعْيَان حِين وُقُوفه على السَّادِس بالبرهان: كَانَت حَادِثَة سُقُوطه عَن الْفرس يعدها الْعَدو المخذول نقصا فصيرتها مكرمَة بِمَا أرشدت إِلَيْهِ نصا وَأما السَّابِع فَكَانَ عِنْد حركته لوَلَده بالختان الَّذِي اهتزت لَهُ الْأَركان وسارت بِشَأْنِهِ الركْبَان وَقد تكَرر جلوسي مَعَه وَأكْثر فِي غيبتي بِمَا يشْعر بالميل من الْكَلِمَات المبدعة وَلَكِن الْكَمَال لله وَالْأَحْوَال لَا احْتِمَال فِيهَا وَلَا اشْتِبَاه حَسْبَمَا أَشرت إِلَيْهَا فِي وجيز الْكَلَام والتبر المسبوك الانتظام فَالله تَعَالَى يحسن الْعَاقِبَة ويمن علينا بِدفع المألومات المتعاقبة بِدُونِ كدر وَلَا مجانبة وَيغْفر لنا أَجْمَعِينَ، ويرضي عَنَّا الأخصام من المتظلمين المتوجعين.
ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي.

 

 

قايتباي المحمودي الأشرفي ثم الظاهري، أبو النصر سيف الدين:
سلطان الديار المصرية، من ملوك الجراكسة. كان من المماليك. اشتراه الأشرف برسباي بمصر، صغيرا، من الخوجه محمود (سنة 839 هـ وصار إلى الظاهر جقمقق بالشراء، فأعتقه واستخدمه في جيشه، فانتهى أمره إلى أن كان " أتابك " العساكر في عهد الظاهر تمربغا (سنة 872 هـ وخلع المماليك تمربغا في السنة نفسها، وبايعوا " قايتباي " بالسلطنة، فتلقب بالملك الأشرف. وكانت مدته حافلة بالعظائم والحروب، وسيرته من أطول السير. واستمر إلى أن توفي بالقاهرة. وفي أيامه تعرضت الدولة لأخطار خارجية أشدها ابتداء العثمانيين (أصحاب القسطنطينية) بمحاولة احتلال حلب وما حولها، فأنفق أموالا جسيمة على الجيوش لقتالهم. وشغل بهم، حتى أن صاحب الأندلس اشتغاث به لإعانته على دفع الفرنج عن غرناطة، فاكتفى بالالتجاء إلى تهديدهم بواسطة القسوس الذين في القدس، وبالأسلوب " الدبلوماسي " كما يقال اليوم، فاحتلوا غرناطة وذهبت الاندلس. ويذكرابن إياس - وكان معاصرا له - أن ما أنفقه على التجاريد (الجيوش) بلغ زهاء سبعة ملايين وخمسمائة وستين ألف دينار، عدا ما كان ينفقه على الأمراء والجند عند عودتهم من جبهات القتال. قال. وهذا من العجائب التي لم يسمع بمثلها. وذكر أنه كان متقشفا، له اشتغال بالعلم، وأنه كثير المطالعة، فيه نزعة صوفية، شجاع عارف بأنواع الفروسية، مهيب عاقل حكيم، إذا غضب لم يلبث أن تزول حدّته. أبقى كثيرا من آثار العمران في مصر والحجاز والشام ولا يزال بعضها إلى الآن .
-الاعلام للزركلي-

 

 

قايتباي بن عبد الله الجركسي الأشرف سلطان مصر.
توفي على ما في (تاريخ السخاوي ) في ذي القعدة سنة إحدى [ وتسع مئة ]  . وكانت مدة ملكه دون ثلاثين سنة بنحو ثمانية أشهر . وبویع لولده الناصر أبي السعادات محمد ، وسنه نحو  خمس عشرة سنة .
قال : هو من الاتفاق استقرار الناصر أبي السعادات هذا أوائل القرن العاشر كما استقر النادر أبو السعادات فرج بن الظاهر برقوق  أول القرن التاسع في شوال سنة إحدى  انتهى .
وقد بلغنا أن السلطان قايتباي دخل حلب وسقى فرسه من الفرات عندما نزل إلى المملكة الشامية سنة اثنتين وثمانين وثمان مئة .
انظر كامل الترجمة في كتاب درر الحبب في تاريخ أعيان حلب للشيخ (رضى الدين محمد بن إبراهيم بن يوسف الحلبي).

 

 

 


 


وفيهَا عِنْد غرُوب الشَّمْس يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر ذِي الْقعدَة توفّي سُلْطَان الديار المصرية الْملك قايتباي الجركسي المحمودي الاشرفي ثمَّ الظَّاهِرِيّ وَصلي عَلَيْهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَلم يخلفه مثله فِي الجراكسة بل قيل إِنَّه لم يمْكث أحد فِي المملكة قدر مدَّته فَكَانَت قريب ثَلَاثِينَ سنة وَصلي عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد الثَّلَاثَة وَختم لَهُ فِيهَا بعدة ربعات أحد مُلُوك الديار المصرية وَالْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ من مُلُوك التّرْك البهية بَقِيَّة الْمُلُوك الْعِظَام وخاتمة النظام ولد تَقْرِيبًا سنة بضع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَقدم مَعَ تاجره مُحَمَّد بن رستم فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ فَاشْتَرَاهُ الاشرف برسباي ثمَّ صَار إِلَى الْملك الظَّاهِر فَأعْتقهُ وَلم يزل عِنْده يترقى من مرتبَة إِلَى أَن صَار الْملك وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَكَانَ بعض أَوْلِيَاء الله تَعَالَى قد اشار إِلَى ملكه قبل أَن يفضى إِلَيْهِ الْملك بِزَمَان فَقَالَ لَهُ فِي وَاقعَة قُم أَنْت أَيهَا الْملك الْأَشْرَف قايتباي وَحكي مثل ذَلِك عَن آخر بل أرسل إِلَيْهِ مَعَ بعض خاصته بالبشارة بذلك فخشي صَاحب التَّرْجَمَة أَن يَنَالهُ بِسوء من الْمُتَوَلِي إِذْ ذَاك بِسَبَب هَذَا الإبعاد واستبعد وُقُوع هَذَا الْأَمر غَايَة الاستبعاد ورأي بَعضهم كَأَن شَجَرَة رمان لَيْسَ بهَا سوى حَبَّة وَاحِدَة وَأَن صَاحب التَّرْجَمَة بَادر قطعهَا فتأوله الرَّأْي بِأَخْذِهِ للْملك وأعلمه بذلك فَأمره باخفاء هَذَا الْمَنَام لذَلِك أَيْضا وَلما أستقر فِي المملكة أَخذ فِي الْحل وَالْعقد والعزل والعهد وَلم يكن فِي زَمَنه مُنَازع وَلَا مدافع وطالت أَيَّام دولته السعيدة وَسَار فِي النَّاس السِّيرَة الحميدة وأجتهد فِي بِنَاء المشاعر الْعِظَام بِحَيْثُ وَقع لَهُ من ذَلِك مَا لم يتَّفق لغيره من مُلُوك الْإِسْلَام كعمارة مَسْجِد الْخيف بمنى وحفر بنمره صهريجاً ذرعه عشرُون ذِرَاعا وَعمر بركَة خليص وأجرى الْعين الطّيبَة إِلَيْهَا بل أصلح الْمَسْجِد الَّذِي هُنَاكَ بِحَيْثُ عَم الأنتفاع بكله للقاطن والسالك وَعمر عين عَرَفَة بعد أنقطاعها ازيد من قرن وَعمر سِقَايَة سيدنَا الْعَبَّاس وَأصْلح بِئْر زَمْزَم وَالْمقَام وجهز فِي سنة تسع وَسبعين لِلْمَسْجِدِ منبرا عَظِيما وَنَصه فِي ذِي الْقعدَة وَكَانَ يُرْسل للكعبة الشَّرِيفَة بكسوة فائقة جدا فِي كل سنة وَأَنْشَأَ بِجَانِب الْمَسْجِد الْحَرَام عِنْد بَاب السَّلَام مدرسة عَظِيمَة بهَا صوفية وتدريس وفقرا وخزانة للربعات وَكتب الْعلم وبجانبها رِبَاط للْفُقَرَاء والطلبة وَمَعَ أجراء الْقُوت لَهُم فِي كل يَوْم وسبيل عَظِيم للخاص وَالْعَام ومكتب للأيتام وَكَذَا أنشأ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة مدرسة بديعة بهية بل بنى الْمَسْجِد الشريف بعد الْحَرِيق وجدد الْمِنْبَر والحجرة والمصلى النَّبَوِيّ إِلَى غَيرهَا من الْمِحْرَاب العثماني والمنارة الرئيسية بداء على عود بل رتب لأهل السّنة من أَهلهَا والقادمين عَلَيْهَا من كَبِير وصغير وغني وفقير ورضيع وفطيم وخادم وخديم مَا يَكْفِيهِ من الْبر وَمن الدشيشة وَالْخبْز مَا تيَسّر وَعمل أَيْضا بِبَيْت الْمُقَدّس مدرسة كَبِيرَة بهَا شيخ وصوفية ودرسة وَغير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره قَالَ السخاوي وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يجْتَمع لملك مِمَّن أدركناه مَا اجْتمع لَهُ وَلَا حوى من الحذق والذكاء والمحاسن مُجمل مَا أشتمل عَلَيْهِ وَلَا مفصله وَرُبمَا مدحه الشُّعَرَاء وَلَا يتلفت إِلَى ذَلِك وَيَقُول لَو أشتغل بالمديح النَّبَوِيّ كَانَ أعظم من هَذِه المسالك وترجمته تحْتَمل مجلدات
قَالَ وَله تهجد وَتعبد وأوراد وإذكار وتعفف وبكاء من خشيَة الله تَعَالَى وميل لِذَوي الهيئات الْحَسَنَة وَالصِّفَات وتلاوة ومطالعة فِي كتب الْعلم والدقائق وسير الْخُلَفَاء والملوك بِحَيْثُ يسْأَل الْقُضاة وَغَيرهم الأسئلة الجيدة وَرُبمَا افادهم فِي بعض الأحيان وَالِاعْتِرَاف من نَفسه بالتقصير والاعتقاد فِيمَن يثبت عِنْده صَلَاحه من الصلحاء وَالْعُلَمَاء
قَالَ وتكرر وَجهه لبيت الْمُقَدّس والخليل وثغور دمياط واسكندرية ورشيد وأزال كثيرا من الظلامات الحادثات وزار من هُنَاكَ من السادات بل حج فِي طَائِفَة قَليلَة سنة أَربع وَثَمَانِينَ ووهب وَتصدق وَأظْهر من تواضعه وخشوعه فِي طَوَافه وعبادته مَا عد من حَسَنَاته
قَالَ وَبَلغنِي عَن بعض الصَّالِحين أَنه اخبر بِرُؤْيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام تِلْكَ الْأَيَّام وَأخْبر بِأَنَّهُ من الْفرْقَة النَّاجِية قَالَ وَقد حج قبل ترقيه فِي زمن الظَّاهِر وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَكَذَا انفق أَمْوَالًا عَظِيمَة فِي غَزْوَة الْكفَّار ورباط الثغور وَحفظ الامصار رَحمَه الله تَعَالَى
وفيهَا قدم إِلَى مَدِينَة زبيد بِكِتَاب فتح الْبَارِي شرح البُخَارِيّ لِلْحَافِظِ شهَاب الدّين بن حجر من الْبَلَد الْحَرَام وَهُوَ أول دُخُول الْيمن وَكَانَ السُّلْطَان عَامر أرسل إِلَى لاشترائه فَاشْتَرَاهُ بِمَال جزيل ثمَّ قدم بِهِ الرَّسُول إِلَى مَدِينَة زبيد ثمَّ توجه بِهِ إِلَى بَاب السُّلْطَان فواجهه بِهِ فِي مَدِينَة تعز وَهَذَا الْكتاب من آيَات الله الْكُبْرَى وفيهَا حصل طوفان عَظِيم من نَاحيَة بَحر الْهِنْد غرق مِنْهُ فِي بندر الديو عشرَة مراكب وَفِي الباحة أَرْبَعَة مراكب وَتلف فِيهَا من الْأَمْوَال مَا لَا ينْحَصر وتغيرت أَرْبَعَة مراكب وأنكسرت أدقالهم ورموا من حملهمْ أَكثر من النّصْف وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه سنة أثنين بعد التسْعمائَة 902 هـ

-النور السافر عن أخبار القرن العشر-لمحي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس المتوفى (1038ه)

 

 

قايتباي أبي النصر بن عبد الله السلطان الملك الأشرف الجركسي الظاهري نسبة إلى الملك الظاهر جقمق

- الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة -