أرغون الدوادار الناصري سيف الدين
تاريخ الوفاة | 731 هـ |
مكان الوفاة | حلب - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
أرغون الأمير سيف الدين الدوادار الناصري كافل الممالك الإسلامية.
اشتراه الملك المنصور قلاوون وهو صغير لولده الملك الناصر، فربي معه، وألِفَ به، وكان معه في الكرك، ولم يفارقه، وولاه السلطان نيابة مصر بعد الأمير ركن الدين الدوادار في جمادى الأولى سنة اثنتي عشر وسبع مئة.
كان بيبرس تولاها بعد الأمير سيف الدين بكْتُمر الحاجب أمير خازن دار.
سمع البخاري من الحجار بقراءة الشيخ أثير الدين، وكتبه بخطه في مجلد في الليل على ضوء القنديل.
ولم يزل في بيت أستاذه كبيراً، موقراً أثيراً، هو رأس الحزب، وكبش ذلك الرحب، والذين يقولون بقوله، ويبطشون بقوته وحَوْله، هم أكابر الخاصكية وأعيانهم، وأمراؤهم المذكورون وشجعانهم مثل: قجليس والجمّالي ومنكلي بغا وطُرحي وطشتمر والفخري.
وكان فقيهاً حنفياً، فاضلاً في مذهبه مُفْتياً، يعرف دقائق مذهبه ويناظره، ويذاكر بغرائبه ويحاضر. لما توجه إلى حلب نائباً، ونزل بجامع تنكز وصلى العصر خلف الشيخ نجم الدين القحفازي جذبَهُ وأخرجه من المحراب، وقال: ما هو مذهبك يا فقيه؟ يعني بذلك صلاة الطاق، وهي مسألة معروفة في مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.
وكانت عنايته بالكتب إليها النتهى، وبلغ من جَمْعها ما أراد واشتهى. لمّا مات قجليس بمصر، وهو بحلب، أرسل ألفي دينار ليُشترى له بهما كتب من تركته، وجهّز إلى بغداد، واستنسخ فتاوى ابن قاضي خان، وعلم الناس رغبته في ذلك، فحملوا إليه حملاً من أطراف الممالك.
وكان له معرفة بعلم الميقات، وعنده من ذلك بناكيم وآلات. ولم يُرَ في الترك مثله سكوناً ووقاراً، وهيبة وشعاراً، ومَلَكَةً لنفسه عن الغضب واقتداراً، قلّ أن عاقب، وطالما خاف إلهه وراقب، لم يسفك دماً في حلب مدة إقامته، ولا ظلم أحداً من الرعايا في نيابته، واجتهد في حلب على سياقة نهر الساجور، وبذل فيه أموالاً يتحقق بها أنه عند الله مأجور، وما زال إلى أن أدخله حلب، وساق به إليها كل خير وجَلَب.
وكان يؤثر أهل العلم ويدنيهم ويخصهم بالذكر ويعنيهم، له حنو زائد على الشيخ أثير الدين، وعلى الشيخ فتح الدين بن سيد الناس، ولم يمكن أستاذه مدة مقامه بمصر من خروجٍ عن الواجب، وأمراء الدولة والخواصّ كلهم يهابونه ويخافونه، وللملك به جمال، ولبدر الدولة بنيابته كمال، وعلى الوجود إضاءة، وللنيابة قعدد وأناءة، ولما تولاها أجراها على السداد، وقررّ قواعدها ووطد مجدها وساد، وذلك من أواخر سنة إحدى عشرة فيما أظن إلى سنة سبع وعشرين وسبع مئة، وهي تدجري بريح طيبّة الهبوب، سالمة من شرر الشر والألهوب.
وكان قد توجه إلى الحجاز في سنة ست وعشرين، وفي قلب القاضي فخر الدين ناظر الجيش منه قلوب، هو يؤدّ أن يرمي أسده في أقلوب، فاغتنم غيبته، وجدد في كل وقت غيبته، مع ما كان في نفس السلطان منه، لأمر ندبه إليه في الباطن لم يُر اعتماده، وخاف فيه حشره إلى الله ومعاوده، ولما عاد من الحجاز لم يدعه بكتمر الساقي يدخل إلى السلطان، ولم يساعد في أمره على ما سوله الشيطان، وبقي عنده في بيته ثلاثة أيام بلياليها، والفكرة في أمره تشتبك عواليها، إلى أن جهز السلطان الأمير سيف الدين ألجاي الدوادار إلى حلب لإحضار نائبها علاء الدين ألطنبغا، وأكد عليه في سرعة التوجه والعود لما أراده في ذلك وابتغى، ثم إنه رسم لأرغون بنيابة حلب، أخرجه مع الأمير سيف الدين أيتمش إليها، وأرسل منه سحائب الرحمة عليها، فاجتمع تنكز وألطنبغا وألجاي وأرغون في دمشق في المحرم سنة سبع وعشرين وسبع مئة، فغرّب ذلك وشرق هذا، ونفذ سهم القدر بما أراده الله تعالى من ذلك نفاذاً، فوصل حلب وأقام بها نائباً إلى سنة تسع وعشرين وسبع مئة، وطلب الحضور إلى مصر في أواخر هذه السنة، فأذن له في ذلك، ولما رآه بكيا طويلاً، وأبدي كل منهما تأسفاً وعويلاً، وأقام أياماً، ثم أعاده إلى نيابة حلب على حاله، فعاد عود الغيث إلى الروض الذي صوح، أو البدر الذي ابتدر نُوره إلى الساري ولوّح.
فلم يزل بها على حاله إلى أن أرغم الموتُ من أرغون أنفه، وعدم السمع من ذكر حياته شنفه.
وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة، وكان عمره تقديراً بضعاً وأربعين سنة، ودفن بتربة اشتريت له بحلب، وكان قد طول في مرضه، وحدس الناس على سهم أصاب مرمى غرضه، وجهز السلطان إليه صلاح الدين محمد بن البرهان الطبيب من مصر، فما وصل إلى دمشق حتى مات، نزل به من عدوه الشمات.
وهو الذي كمل سياقة نهر الساجور إلى حلب بعد ما كان في ساقه الأمير سيف الدين سودي، ولم يتفق وصوله على ما سيأتي في ترجمته، ويوم دخوله خرج لتلقيه هو والأمراء وأهل البلد مشاة، وشعارهم التكبير والتهليل حمداً لله تعالى، ولم يمكن أحداً من المغاني والمطربين الخروج معهم، وكان يوماً مشهوداً، وخرج الناس بوصوله، وأحكم عمله وسياقه في الجبال والسهول واتفق في طريقه واديان وجبلان، فبنى على كل واحد من الواديين جسراً يعبر الماء عليه، وأما الجبلان فكان الأول منهما سهلاً نقب في مدة يسيرة، والآخر كان صخراً أصم، وطول الحفر في هذا الجبل ثلاث مئة ذراع وستون ذراعاً، وأغمق موضع فيه من الجباب طوله ستة عشر ذراعاً، وبعضه محفور على هيئة الخندق، وبعضه جباب مفقرة، وكان من هذا القدر نحو عشرين ذراعاً لا يمكن حفره إلا بعد حرقه بالنار مدة أيام، وانتهى عمل هذا الجبل في ثمانية أشهر، وكان بعد هذا الجبل سهل، فظهر بالحفر فيه حجارة سود مدوّرة، لا يمكن كسرها إلى بالمشقة، ولما رجع الأمير سيف الدين أرغون إلى المدينة حصل له تشويش ومرض، ومات رحمه الله تعالى. وقيل: إنه قيل له يا خوند! بالله لا تتعرض إلى هذا النهر فإنه ما تعرض له أحد إلا ومات، فقال: أنا أكون فداء المسلمين فيه، وجعل مشده شخصاً من ممالكه اسمه أرغون فاتفق ما جرى.
أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).
أرغون الدوادار اشْتَرَاهُ الْمَنْصُور فرباه مَعَ وَلَده النَّاصِر مُحَمَّد وَلم يزل مَعَه فِي خدمته حَتَّى توجه إِلَى الكرك وَهُوَ مَعَه حَتَّى عَاد - وَهُوَ يلازمه إِلَى أَن ولاه نِيَابَة السلطنة بالديار المصرية سنة 712 فَسَار سيرة حَسَنَة إِلَى الْغَايَة وَكَانَ يخلّص النَّاس من شَدَائِد يُرِيد النَّاصِر أَن ينزلها بهم وَحج سنة 715 وَخلف السُّلْطَان لما حج سنة 719 ثمَّ حج هُوَ سنة 720 ومشي من مَكَّة إِلَى عَرَفَة بمسكنة فِي هَيْئَة الْفُقَرَاء وَتوجه مرّة إِلَى منية ابْن خصيب فخرب خمس كنائس لِلنَّصَارَى وَمنع أَن يستخدم فِي ديوانه نَصْرَانِيّ ثمَّ فِي سنة 726 بلغ النَّاصِر أَن مهنا تجهّز لِلْحَجِّ فَأسر إِلَى أرغون أَن يحجّ وَيقبض على مهنا فَبلغ مهنا - فَتَأَخر عَن الْحَج فاتهم النَّاصِر أرغون بذلك فَلَمَّا عَاد قبض عَلَيْهِ واعتقله ثمَّ أخرجه لنيابة حلب وَكَانَ قد اشْتغل على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَمهر فِيهِ إِلَى أَن صَار يعد فِي أهل الْإِفْتَاء وَكَانَت لَهُ عناية عَظِيمَة بالكتب جمع مِنْهَا جمعا مَا جمعه أحد من أَبنَاء جنسه وَكَانَ النَّاس قد علمُوا رغبته فِي الْكتب فهرعوا إِلَيْهِ بهَا وَكَانَ خيّراً سَاكِنا قَلِيل الْغَضَب حَتَّى يُقَال أَنه لم يسمع مِنْهُ أحد فِي طول نيابته بِمصْر وحلب كلمة سوء وَكَانَ للْملك بِهِ جمال وَكَانَ لَهُ حنو على ابْن الْوَكِيل وعَلى أبي حَيَّان وَابْن سيد النَّاس وَغَيرهم وأوصل بهمته نهر الساجور إِلَى الْبَلَد قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ تركيا فصيحا مليح الشكل شَدِيد الْحِرْص وَكَانَت وَفَاته بحلب فِي ربيع الأول سنة 731
-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-