أحمد بن يوسف بن هلال بن أبي البركات
الشيخ الطبيب شهاب الدين أبو العباس الصفدي.
مولده بالشُّغر وبَكاس، ثم إنه انتقل إلى صفد، وبها سمّي. ثم إنه انتقل إلى مصر، وخدم في جملة أطباء السلطان والبيمارستان المنصوري.
رأيته بالقاهرة غير مرّة، واجتمعت به، وأنشدني من لفظه لنفسه أشعاراً كثيرة. وكان شيخاً طوالاً، أبيض اللحية والحاجب، لا يُرى له عن الفضل حاجب، قادراً على النظم المحكم السّرد، قد أثبت على لغم النُّظّام الجوهر الفرد، وله قدرة على وضع المشجّرات فيما ينظمه، ويؤسس بنيانه ويُحكمه، ويُبرز أمداح الناس في أشكال أطيار، وعمائر وأشجار، ومآذن وعقد وأخياط، وصورة مُقاتلٌ ونَفّاط، بحيث إنه له في ذلك اليد الطولى، والقدرة على إظهار الأعاجيب التي تترك النواظر إليها حُولا.
ولم يزل على حاله إلى أن نزل بالطبيب الداءُ الذي أعجزه طِبّه، وفارقه بالرُّغم خليله وحِبُّه.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وثلاثين وسبع مئة، فيما أظن.
ومولده سنة إحدى وأربعين وست مئة.
أنشدني من لفظه فيما يكتب على سيف:
أنا أبيضٌ كم جئتُ يوماً أسوداً ... فأعدتُه بالنصر يوماً أبيضا
ذَكَرٌ إذا ما استلّ يوم كريهة ... جعل الذكور من الأعادي حُيّضا
أختال ما بين المنايا والمنى ... وأجولٌ في وسط القضايا والقضا
ومن شعره:
حُجيتُ وقد وافيت أول قادم ... بأول شهر حلّ أول عامه
وكان خليل القلب في نار شوقه ... وكنت المنى في بَرُده وسلامه
ومنه:
وما زلتَ أنت المشتهى متولعاً ... بكثرة تردادٍ إلى الروضة الصغرى
إلى أن بلغتَ القصد في كل مشتهى ... من المصطفى المختار في الروضة
وكتب إليّ وقد وقف على شيء كتبته وزمّكته:
ومزمّكٍ باللازورد كتابةً ... ذهباً فقلت وقد أتتْ بوفاق
أأخذتَ أجزاء السماء حَلَلْتَها ... أم قدْ أذبْتَ الشمس في الأوراق
أكتبتَ بالوجنات حُمْرتها كما ... مخضَّرها بمرائر العُشّاقِ
وكتب هو إليّ أيضاً:
معانيك والألفاظُ قد سَحَر الورى ... لكلّ من الألباب قد أعطيا حظّا
فهبّك سَبَكْتَ التبرَ معنىً وصغته ... فكيف أذبْتَ الدّرَّ صيَّرته لفظا
فكتبتُ أنا إليه:
وحقِّك لم أكتبْ بتبرٍ كما ترى ... سطوراً غدا في وضْعها منية النفسِ
ولكنما هذي أشعّةُ وجهك ال ... كريم غدتْ على صفحة الطّرسِ
أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).
أَحْمد بن يُوسُف بن هِلَال بن أبي البركات الْحلَبِي الشغري - مَنْسُوب إِلَى الشغر من عمل حلب - ثمَّ الصَّفَدِي شهَاب الدّين الطَّبِيب ولد سنة 661 وتعانى الطِّبّ وَالْأَدب فمهر فيهمَا وَكتب الْخط الْحسن وخدم فِي الطِّبّ عِنْد السُّلْطَان وَكَانَ يضع الأوضاع العجيبة من النقش والتزميك وينظم المسخرات فَيَأْتِي فِيهَا بِكُل غَرِيبَة وَمَات فِي الْمحرم سنة 738 وَهُوَ الْقَائِل فِيمَا يكْتب على سيف وأجاد
(أَنا أَبيض كم جِئْت يَوْمًا أسوداً ... فأعدته بالنصر يَوْمًا أبيضاً)
(ذكرا إِذا مَا انْسَلَّ يَوْم كريهةٍ ... جعل الذُّكُور من الأعادي حيضا)
(اختال مَا بَين المنايا والمنى ... وأجول فِي وسط القضايا والقضا)
قَالَ القطب كَانَ طَبِيبا بالمرستان مُولَعا بأوضاع مستحسنة فِي أوراق مذهّبة من صَنعته مَعَ الدّين والسكون قَالَ الصَّفَدِي مَاتَ سنة 737 وَقَالَ ابْن رَافع فِي مُعْجَمه بل مَاتَ فِي سادس عشر ذِي الْحجَّة سنة 738
-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-