أحمد بن ياسين بن محمد الرباحي شهاب الدين
تاريخ الوفاة | 764 هـ |
مكان الوفاة | القاهرة - مصر |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
أحمد بن ياسين الربّاحي
قاضي القضاة المالكي بحلب
شهاب الدين قاضٍ فاضَ جوده وما غاض، وغاظ النفوس بشره لمّا استراب وما استراض.
أقدم على تفسيق العدول. ولك يكن له عن ذلك خروج ولا عُدول، ثم تجرّأ بعد الإسقاط، إلى الضرب بالسياط، وحكم بفسق رفاقه الحكام، وعدل عن العَدْل إلى التعدّي في الأحكام، وكفَّر جماعة، ووفّر على الشرّ ومدّ باعه، فضاقت به أرجاء حلب، ولم يلق الناس به زبدةً لما مخضَ مَحْضَ ما حلب، فعُزل عن القضاء، وانتصف الناس منه بالقدَر والقضاء، ثم إنه توجّه إلى مصر، وسعى فأعيد قاضياً مرة ثانية، وعاد إلى ما كان من الإكباب على جمع حطام هذه الدنيا الفائتة الفانية، ولم يرجع عن عادةٍ ألفها، ومادّة استمد منها وعَرَفها، ففسّق وكفّر، وفرّق شمْل العَدْل ونفّر، إلى أن استفتى نائب السلطنة بحلب عليه، ووجّه وجه اللوم والذم إليه، وجهّز الفتاوي بذلك إلى دمشق، وتوجّهت سنّة الطعن عليه والمشَقْ، فحكم بخطابه الواضح، وتبيّن أنه من أهل الفضائح، في القبائل والقبائح، هذا مع ضيق عطن وعَيْن، وملاءة من الشين وبراءة من الدين، ولثغة قبيحة إذا بدّل راء الورد بالغَيْن، وما كان أحقه بقول سلامة الزرّاد السنجاري:
ضاق بحفظ العلوم ذَرْعاً ... ضيقة كفَيْه بالأيادي
قاضٍ ولكن على المعالي ... والدين والعقل والسَّداد
يعدل في حكمه ولكن ... إلى الرُشا أو عن الرشاد
فعُزل مرة ثانية، وتوجّه إلى القاهرة، وأقام يسعى بالعين إلى أن أصبح بالساهرة، فأكلت الأرض منه خبثاً، ورأى بالموت أن جدّه كان عبثاً.
وتوفي رحمه الله تعالى وعفى عنه في شهر رجب الفرد سنة أربع وستين وسبع مئة، توفي هو وولداه في يوم واحد في طاعون مصر.
كان في أول أمره تاجراً بسوق الرمّاحين في دمشق، ثم إنه سعى في قضاء حلب، وأظنه أول مَنْ وليها من القضاة المالكية، فأساء السيرة، وظهر أنه خبيث السريرة، ففسّق العدول وأسقطهم، وضرب بعضهم بالسياط وحكم بفسق رفاقه الحكام، وحضرتْ كُتبهم إلى شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وحضَر كتاب النائب بحلب إلى الأمير سيف الدين أيتمش نائب الشام، فقال قاضي القضاة للنائب: الرأي أن تجهّز واحداً له دُرْبة يتوجه إلى حلب ويُصلح بينهم، وعيّنني قاضي القضاة لذلك، ثم لم يتم ذلك، وبطّله مَنْ بطّله، فكتب النائب إلى حلب بمطالعة السلطان، فكتب، فورد المرسوم بعزله، وتولى القاضي زين الدين أبو حفص بها إلى أن مات. ثم إنّ الرباحي سعى في العَود إلى حلب فأعيد، ولم يرجع عن غيّه، وأقام في قضية الدنَيْسري وكفّره، وهمّ بقتله، وحضرت الفتاوي عليه إلى الأمير سيف الدين بَيْدَمُر الخوارزمي نائب دمشق من الأمير شهاب الدين القشتمري نائب حلب، فأحضر القضاة إلى دار العدل بدمشق، ووقفوا على ما كتب في حقّه فوجوده مُبْطلاً، وكتبوا إليه بالإنكار عليه، وتوجه غرماؤه إلى مصر، فسعى، ولم ينجح مسعاه إلى أن طُعن هو وولداه وماتوا في يوم واحد، عفى الله عنه وسامحه.
ولقد كنا يوماً في دار العدل بحلب في أوائل قودم الأمير بكتمر المومني، فقال النائب يوماً كلاماً فيه بعضُ إنكار على القضاة، فخرج هو دون رفاقه، وقال لنفرة وزعارَة: أيش بالقضاة يا أمير؟ فنفر فيه النائب، وقال له: ما تتكلم بأدب!؟ ووضع يده على السيف، وتوعّد، فشغلتُه أنا بقراءة القصص عليه، فاشتغل بذلك لحظة، وقال لنقيب النقباء: ناد في الناس، مَن له على هذا القاضي شكوى، بحضر. فحضر في الوقت الحاضر ثلاثة عشر نفراً، وشكوا عليه، فقال له: يا قاضي، مّن يكون هذه سيرته ما يكون هذا نَفَسه. ثم عقد له ولهم مجلساً، ووزّنه لهم مبلغ أربعة عشر ألف درهم.
ولما زاد شرّه في المرة الأولى بحلب، صنع فيه القاضي زين الدين عمر بن الوردي رسالة، سمّاها الحُرقة للخْرِقة، ووصّى ابنه، قال: إن رجع القاضي عن فعله، اكتمها، واستمر، فأظهرها. فلم يرجع عن غيّه، فأظهرها. وهي نظم ونثر، أبدع فيها، وأتى فيها بكل معنى بديع. منها قوله رحمه الله تعالى:
حاكمٌ يصدُر منه ... خلْفَ كل الناس حَفْرُ
يتمنّى كُفْرَ شخص ... والرضا بالكفر كُفْرُ
وقوله:
امتلأت من ذهب أكياسه ... وقلبه ممتلئٌ من دَغَلْ
ما هو إلا حيّةٌ بَزْقُها ... بالسمّ، هذا المغربي الزَّغَلْ
وقوله:
قاض عن الناش غير راضٍ ... مباهتٌ غالظٌ مخالط
يكذب عن مالك كثيراً ... ويُسقط الناس وهو ساقط
وقوله:
تلِفَت مكاتيب الأنام بفعله ... وأبان عن عكس وكَثرة مَخْرَقهْ
ورمى الأكابر والأصاغر كاذباً ... بالكفر أو بالفسق أو الزندقه
وقوله:
لا واخذ الرحمنُ مصراً ولا ... أزال عنها حُسنَ ديباجه
ولّوا علينا قاضياً ثالثاً ... ما كان للناس به حاجه
وقوله:
كثير الجنون مسيء الظنون ... عدوّ الفنون لظىً محرقُ
فيصبغُ أصبغ من بهته ... وأشهبُ في عينه أبلق
وقوله:
إن الرياحيْ على جَهْله ... وجَوْره في حلب يحكُم
إنْ لم يكن في حلب مُسْلم ... فمصر ما كان بها مسلم
وقوله:
يحبّ مِنْ كل علم ... السين والقاف والطا
حاشى الرسالة منه ... ما خُلقُه بالمَوطّا
وقوله:
بالله يا أولياء مصر ... خذوه من عندنا بستر
متى رأيتم وهل سمعتم ... بأنّ قاضي القضاة جَمْري
وقوله:
يحبس في الردّة مَن ... شاء بغير شاهد
لا كان من قاض حكى ... الفقاع حَدّ بارد
وقوله:
في حلب قاضٍ على مالك ... قد اجترا ما فيه توفيق
ومن تلكّا معه قال نعم ... قد قيل لي إنك زنديق
وقوله:
قاضٍ من السوق أتى ... معتادُ بيع الأكسيهْ
ذا الموصّى يا مايعي ... كيف يعي للأقضيه
وقوله:
يا ساكني مصر ما عهدنا ... منكم سوى رحمة وأُلفه
فكيف ولّيتم علينا ... من لا تصح الصلاة خلفه
وقوله:
الألثغ الطاغي تولّى القضا ... عدمت هذا الألثغ الطاغي
إن سبّح الباري حكى سبّه ... فقال: سبحانك يا باغي
وقوله:
ولّيتم جاهلاً جريئاً ... ألثغ بالمسلمين ضار
مقلقلاً من بني رُبَاح ... نحن له من بني خُسار
وقوله:
كم أسقط شاهداً وعدْلاً ضابِطْ ... فالعالم كلهم عليه ساخط
من كثرة ما يُسقط خافت حلب ... أن يكتب ظاء حظها بالساقط
أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).
أَحْمد بن ياسين بن مُحَمَّد الرباحي بِضَم الرَّاء وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة الْمَالِكِي كَانَ يحفظ التَّنْقِيح للقرافي ثمَّ ولّي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب هُوَ أول من وليه بهَا وَعمل فِيهِ ابْن الوردي تِلْكَ المقامة الظريفة وَبَالغ فِي الْحَط عَلَيْهِ وعزل مِنْهَا الرباحي بعد أَربع سِنِين ثمَّ عَاد إِلَيْهَا ثمَّ عزل بعمر بن سعيد التلمساني بعد أَربع سِنِين أُخْرَى سنة 52 فَسَار سيرته الأولى فعزل ثمَّ عزل ثَانِيًا فِي سنة 60 ثمَّ فِي سنة 63 دخل إِلَى الْقَاهِرَة ليسعى فِي الْعود فأدركه أَجله بهَا فِي رَجَب أَو قبله سنة 764 وَقد ذمه أَيْضا ابْن حبيب فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي حَقه اسْتَقر مذموماً على السّنة الأقوام إِلَى أَن صرف بعد أَرْبَعَة أَعْوَام وَذكر أَنه لما عزل أَولا حبس بقلعة حلب ثمَّ أفرج عَنهُ وَاتَّفَقُوا أَنه يَوْم عزل أَولا دقَّتْ البشائر بحلب وزينت الْبَلَد لما وَردت الْأَخْبَار بنصرة الْعَسْكَر الموجه إِلَى سنجار فَقَالَ بعض الحلبيين
(سَأَلت عَن بشائر ... تضرب فِي الممالك)
(فَقيل لي مَا ضربت ... غلا بعزل الْمَالِكِي)
وَقَالَ فِي ذَلِك أَيْضا
(يَا ابْن الرباحي الَّذِي خسر الحجي ... كم آيَة فِي هتك سترك بيّنت)
(يَكْفِيك أَمرك قد تضَاعف جَهله ... إِن الْمَدِينَة يَوْم عزلك زينت)
وَكَانَ الرباحي يثلغ بالراء فيجعلها غينا
-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-