أبو عبد الله محمد بن يحيى الغساني البرجي: أصله من برجة الأندلس قاضي الجماعة بفاس العالم العامل الفقيه الإِمام المتفنن الأديب الكاتب البليغ الشيخ الفاضل. أخذ عن والده وأبي جعفر الزيات وعبد المهيمن الحضرمي والطنجالي وابن جابر الوادي آشي والمجاصي وخليل المكي وعبد الله الغافقي وجماعة. وعنه أبو زكرياء السراج وابن خلدون وغيرهما. مولده سنة 715 هـ وتوفي وهو بتولى القضاء سنة 786 هـ[1384م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
الشيخ الخطيب القاضي الرئيس أبو القاسم محمد بن يحيى بن محمد الغساني البرجي (فاضل مجمع على فضله صالح الأخوة طاهر النشأة ممتع المجلس حسن الخط والشعر والكناية ... رحل للعدوة فاشتمل عليه السلطان الكبير أبو عنان ... ثم تولى قضاء فاس.توفي سنة 786) ، أمتع الله ببقائه؛
غلاب الهوى الذي لا يغلب، وخدن العافية التي تسأل من الله تعالى وتطلب، والمثل في رفض الضراع، والحذر من الاختراع؛ لو سلطت المناخل على حبة قلبه لم تلف دخيلاً، ولو ضايقته الأيام في انتشاق الهواء ما كان بتركه بخيلا؛ تجذب الدول بذيله، فلا تستطيع الظفر بميله، وتراسله في يومه وليله، فتزيد ثرياها بعداً من سهيله، فلولا المسالمة والسداد، لجف من مباراتها، وخربت الاسداد، وكان الفراق والاعتداد، سجية من تحقيق، وأعمل فكره في ذاته ودقق وأشفق، لما علم من أين انفق، وميز الأوهام، وتعرف الإلهام؛ شكا بمحضر السلطان ببثه، وتلكئه عند حثه، فعلمت مرمى سهمه، ومنتهى همه، وجهة مأمه، من فاضل كلف به الاختصار، وتنافست في خلاله السنية الأسماع والأبصار، وخلت عن وجود مثله الأمصار، وإن قصرت الدنيا أعجبه الاقصار، وإن جنت عليه عدم الاستعداء والاستنصار، مع البشر والقبول، والفضل المجبول، والظرف الآمن روضه من الذبول، توجه إلى البلاد رسولا، فهذبت منه اريا معسولاً، وبلغ من الحج والزيارة سولا، ثم اعمل قفولا، مكنوفاً بالرعي مكفولاً، وهو الآن خطيب مقر الملك وقاضيه، قد سلم له فيما يقضيه، وخالف طبع الانقباض الذي يقتضيه، مولياً وجهة التفويض، إلى مقام التقويض، وملقياً مقام التسليم، وقد ولي العلامة فكأنما قبض من ذلك الأمر على الحجر، إلى أن نضا ذلك الثوب، وورع فلم يقبل الأوب، ولا رضى الشوب، والأدب نقطة من حياضه، وزهرة من ازهار رياضه، أما خطبه فكرامة تكرم إن تلتبس، يزهر بها جذع منبره بعدما يبس، وأما شعره فسواه عبد لحره، ولا عيب فيه إلا بخل بحر بدره، فمن ذلك قوله:
نهاه النهى بعد طول التجارب ... ولاح له منهج الرشد لاحب
وخاطبه دهره ناصحاً ... بألسنة الوعظ من كل جانب
فأضحى إلى نصحه واعياً ... وألغى حديث الأماني الكواذب
وأصبح لا تشتهيه الغواني ... ولا تزدريه حظوظ المناصب وخاطبني شافعاً لبعض الفضلاء:
أيا سابقاً في مجال البراعة ... وفارس ميدان أهل اليراعه
ومن بدره في سماء المعالي ... يزين بوصف الكمال ارتفاعه
فما لك في الفضل من جحة ... ومن إمرة في ذويه مطاعه
قضاؤك في معسر حل دين ... عليه فأرجاؤه قد أضاعه
وقد كان يبغي إليكم شفيعاً ... يوسط عندكم في شفاعه
على أنه في اقتضاء الوداد ... يوفي موازينه أو صواعه
وما هو في سوق تقريظكم ... ونشر حلاكم مزجى البضاعه ومما أنشد السلطان في ليلة الميلاد من شعره بمحضري عام إحدى وسبعمائة:
أصغى إلى الوجد لما جد عاتبه ... صب له شغل عمن يعاتبه
لم يعط للصبر من بعد الفراق يداً ... فضل من ظل إرشاداً يخاطبه
لولا النوى لم يبت حران مكتئباً ... يغالب الوجد كتماً وهو غالبه
يوادع الليل أسرار الغرام وما ... تمليه أشجانه فالدمع كاتبه
لله عصر بشرقي الحمى سمحت ... بالوصل أوقاته لو دام ذاهبه
يا جيرة أودعوا من ودعوا حرقاً ... يصلى بها من صميم القلب نائبه
يا هل ترى ترجع الأيام ألفتنا ... كعهدنا ويرد القلب سالبه
ويا أهيل ودادي والنوى قذف ... والقرب قد أبهمت دوني مذاهبه
[هل ناقض لعهد بعد البعد حافظه ... وصادع الشمل يوم الشعب شاعبه]
يا من لقلب مع الأهواء منعطف ... في كل أوب له شوق يجاذبه
يسمو إلى طلب الباقي بهمته ... والنفس بالميل للفاني تطالبه
وفتنة المرء بالمألوف معضلة ... والأنس بالألف نحو الألف جاذبه
أبكي لعهد الصبا والشيب يضحك لي ... يا للرجل سبت لبي ملاعبه
ولن ترى كالهوى أبكاه سالفه ... ولا كوعد المنى أحلاه كاذبه
وهمة المرء تغلبه وترخصه ... من عز نفساً لقد عزت مطالبه
ما هان كسب المعالي أو تناولها ... بل هان في ذاك ما يلقاه طالبه
لولا سرى الفلك السامي لما ظهرت ... آثاره ولما لاحت كواكبه
في ذمة الله ركب للعلا ركبوا ... ظهر السرى فأجابتهم نجائبه
يرمون عرض الفلا بالسير عن عرض ... طي السجل إذا ما جد كاتبه
شدوا على لهب الرمضاء وطأتهم ... فغاص في لجة الظلماء راسبه
وكلفوا الليل من طول السرى شططاً ... فخلفوه وقد شابت ذوائبه
حتى إذا أبصروا الأعلام مائلة ... بجانب الحرم المحمي جانبه
فيها وفي طيبة الغراء لي أمل ... يصاحب القلب منه ما يصاحبه
ما أنس لا أنس أياماً بظلهما ... سقى ثراه عميم الغيث ساكبه
إن ردها الدهر يوماً بعد ما عبثت ... في الشمل منا يداه لا نعاتبه
معاهد شرفت بالمصطفى فلها ... من أجله شرف تعلو مراتبه
محمد المجتبى الحادي الشفيع إلى ... رب العباد أمين الوحي عاقبه
أوفى الورى ذمماً، أسماهم همماً ... أعلاهم كرماً، جلت مناقبه
هو المكمل في خلق وفي خلق ... زكت علاه كما طابت مناسبه
عناية قبل بدء الخلق سابقة ... من أجله آتيه وذاهبه وهي طويلة، أعزه الله تعالى وامتع به، وأوصل السعادة بسببه؛ آمين.
الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة - لسان الدين بن الخطيب، محمد بن عبد الله.
محمد بن يحيى بن محمد الغَسَّاني البرجي الغرناطي، أبو القاسم:
أديب، من أعيان الكتّاب في الأندلس. أصله من مدينة برجة (Berja) بشرقي الأندلس. ومنشؤه ودراسته في غرناطة، انتقل إلى فاس وتولى الكتابة للسلطان أبي عنان. ثم كان صاحب الإنشاء والسرّ في دولته وحجّ وعاد فولي قضاء الجماعة بفاس. وارتحل إلى بجاية (Bougie) فخدم صاحبها الامير أبا زكرياء ابن السلطان أبي يحيى، ثم ابنه محمدا. ورحل مع محمد إلى تلمسان. ثم استعمل في قضاء العساكر إلى أن توفي. وكان صنع اليدين يحكم عمل كثير من الآلات .
-الاعلام للزركلي-
يوجد له ترجمة في: الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.