أحمد بن عبد الله تاج الدين أبو الفضائل ابن الصاحب أمين الدين
تاريخ الوفاة | 755 هـ |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
أحمد بن عبد الله
القاضي تاج الدين أبو الفضائل، ابن الصاحب أمين الدين.
كان قيماً بصنعة الحساب، إليه الانتماء والانتساب، يخدم جريدته بنفسه، ويتميز بذلك على أبناء جنسه، فلا يحتاج إلى كشف عامل، ولا يريد مع نفسه مشقة سيف ولا هِزّة عامل، يكاد يعمل محاسبة كلِّ أحد من ذهنه، ولا يحتاج إلى مساعد في ذلك، ذكاءً من فطنته وإتقاناً لفنّه، هذا إلى عفّة زانته، وأمانةٍ لا يعلم أحد أنها حابته ولا خانته. تنقّل في المباشرات العالية، وانفصل عنها وثناؤه فيها يرفض نفحات الغالية، إلا أن الأقدار لم تُصافه، ولم تعامله بما يحبُّ من إنصافه، وآخر ما مات تحت العقاب، ورأى الذل الزائد بعدما خضعت له الرقاب.
وتوفي رحمه الله تعالى في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وسبع مائة أو في أواخر شوّال.
كان أولاً قد دخل هو وأخوه القاضي كريم الدين ديوان الإنشاء في وزارة أبيهم، واستمرا في جُملة كتاب الإنشاء مدة، ولما عرض السلطان ديوان الإنشاء في سنة تسع وعشرين وسبع مائة، أخرجهما، ثم أنه ولى القاضي تاج الدين استيفاء الصُّحبة وخرج القلاع الحلبية كاشفاً هو والأمير سيف الدين جَرَكْتُمر وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة، وبقي في استيفاء الصحبة على أكمل ما يكون، وترامى إلى النّشّو وأحبّه، فلما كان في سنة تسع وثلاثين وتولى نظر الدولة، وولي أخوه كريم الدين استيفاء الصحبة، فلم يزل فيه إلى أن أمسك هو ووالده الصاحب أمين الدين والقاضي شرف الدين النشّو، وعوقبوا. ومات والده تحت العقوبة والنشو، وصودر تاج الدين وأقام إلى أن أفرج عنه، فحضر إلى القدس وأقام فيه مجاوراً مدة، وعمل مجلداً في مساحته، أعني المسجد الأقصى والحرم وما فيه من المعابد والقباب والأبواب، وتعب عليه، وأجازني روايته عنه في سنة خمس وأربعين وسبع مائة فطلب من القدس وتولى نظر البيوت بالقاهرة، فاتفق له مع أرغون شاه لما كان يعمل الأستاذ داريّة ما أوجب أنه طلب الإعفاء، وأظنه بعد ذلك دخل إلى ديوان الإنشاء.
ثم إنه تولى نظر النظار بالشام، فحضر في أيام الأمير سيف الدين طقزتمر، وثّمر وعّمر وأرضى الناس، ووصلت إليهم حقوقهم، وكان لا يحابي أحداً ولا يحاسنه، لكنه طلب الإقالة، فأُعفي من نظر الشام، وتوجه إلى مصر وأقام مدة، ودخل ديوان الإنشاء، وأقام به إلى أن أمسك الوزير علم الدين بن زنبور، فتولى نظر الجيش بالديار المصرية فحقّق ودقّق وما أرعى أحداً. ولما عُزل القاضي بدر الدين من نظر الخاص وقال: معلوم نظر الجيش يكفيني، وباشر ذلك وهو على قِدم العدالة فيه والأمانة وعدم الخيانة إلى أن تولى السلطان الناصر حسن ثانياً، فغيّروا خواطره عليه فأمسكه، وصودر وعوقب، وتنوّعوا في عقابه، ومن ذلك أنهم حلقوا رأسه وجرحوه بالموس، ثم جعلوا في قُبعِه نبات وردان وألبسوه فوجد لذلك ألماً مُبرّحاً، نسأل الله العفو والعافية. وكان ذلك من حقد الأمراء والخاصكيّة عليه، لأنه ما راعاهم بل راعَهَم، ولم يحفظ جانبهم وأضاعهم.
وكنت قد كتبت له رحمه الله وأنا بالقاهرة توقيعاً شريفاً باستيفاء المارستان المنصوري عوضاً عن أخيه شمس الدين، وهو: " أما بعد حمد الله الذي زان أيامنا الشريفة بتاجها، ومنحَة من السيادة طريقةً لا تنكبُ السعود عن منهاجها، وخصّه بمناقب فرائدها اتساق اللآلي المنظمة في ازدواجها، وأحله من المعالي رُتبةً تحسدها الكواكب المشرقة في شرف أبراجها، وصلاته على سيدنا محمد الذي حضّ على المعروف وحث، وأذاع الجميل للناس كافةً وبث، ونشر لواء الثناء على المُحسنين ونثّ، وتّمم مكارم الأخلاق، فجدّد منها ما كان قد بلي ورمَّ مارث، وعلى آله وصحبه الّذين ما منهم إلا من له الفضلُ المستوفى، والجود الأوفى، صلاة يكون الرضوان لها حِلفاً، وتبوّئهم عند الله منازل الزُّلفى، وسلامه ".
فإنه لّما كان البيمارستان المنصوري وقف والدنا الشهيد الملك المنصور قد الله روحه ونور بالرضوان ضريحه، أجلِّ القُرُباتِ نفعاً، وأخصبَ المثُوبات مرعى، يجري نفعُ أوقافه على الخاص والعام، وينفقُ من حواصله في اليوم ما يُنفقُ من غيرها في العام. وتخفق راياتُ الآيات الكريمة في أرجائه، وتُنشرُ أعلامُ العلومِ في أثنائه، ويزول به الإعدامُ والإيلام، فكان حاتماً في حيّه، والمسيح في إحيائه، إلى غير ذلك من وجوه المعروف وأنواع البر المصروف، وكان استيفاؤه يحتاج إلى من جُرّبَ سدادُه وعُلِم رشادُه، وعُرف اعتمادُه، وكان الحساب ميداناً وهو سابقهُ وجواده. والمجلس السامي القضائي التاجي ممن زانت أيامنا خدمة، ورسخت في ولائنا قدمُه، حتى أصبح بالمحامد مُتحلياً، ولأقسام المحاسن مستوفياً، يصحبه ركابُنا الشريف في الحضر والسفر، ويتصف بسيادةٍ أخجلت الأفق، فالشفق المحمرُّ فيه علامة الخفر، وقد رأينا أن لا تنبت في الروض إلا قبضه المرموقة، ولا تطلعُ في الأفقِ إلا شبُه المشرقة، ولهذا رجع إليه حقُ الشُّفة وانتهى، وأحسن ما خلقت الدرة في السلك أختها، فلذلك رُسم بالأمر الشريف أن يُرتب في اسيفاء البيمارستان المبرور وأوقافه عوضاً عن أخيه فلان، فليباشر ذلك مباشرة تجمع شتات الحزم، وتلزم ثبات العزم، حتى لا تفوت أوراقه ثمرةً تُجنى، ولا يغيب شيء من أموره عن نصره في الصورة ولا عن بصيرته في المعنى، متطلباً كل عامل بما يلزمه في وضع الكتابة، مُنكراً عليه إذا طاش سهمُ قلمه عن الإصابة، لتمشي الأحوال فيه على النهج القوي القويم، وتُصرف أمواله على الوجه الذي قصد به العلي العظيم، والوصايا كثيرة، ومع كفايته لا بُد لّه منها علة وصاه، ولا ننبهه عليها بطرق حصاه، وتقوى الله " عز وجل " في هذا وغيره أوثقُ العُرى، وأعزُّ حصن يُتسنم منه الذرى. فالزم شعارها واقتف أثارها، والله يتولى عونك، ويُديم ثونك. والحظُّ الشريف أعلاه الله وشرفه أعلاه، حجة بثبوته في الذي اقتضاه، والله الموفق بمنّه وكرمه، " إن شاء الله تعالى ".
وكنت قد كتبت إليه عن الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى كتاباً هنّأته فيه بنظر الدولة، وهو التذكرة التي لي.؟
؟
أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).
________________________________________________
أَحْمد بن عبد الله أَبُو الْفَضَائِل تَاج الدّين بن الصاحب أَمِين الدّين ابْن الغنام نَشأ فِي عز أَبِيه وَولي هُوَ وَأَخُوهُ فِي وزارة أَبِيهِمَا كِتَابَة الْإِنْشَاء إِلَى أَن أخرجهُمَا السُّلْطَان فِي سنة 29 بعد موت أَبِيهِمَا وسجن هَذَا وأهين ثمَّ ولي تَاج الدّين اسْتِيفَاء الصُّحْبَة فِي سنة 39 ثمَّ نظر الدولة ثمَّ عزل وصودر ثمَّ اسْتَقر فِي ديوَان بشتاك وَولي نظر الْبيُوت ثمَّ أمسك وصودر فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 46 ثمَّ ولي نظر الْجَيْش بعد علم الدّين بن زنبور سنة 53 ثمَّ أضيف إِلَيْهِ الْخَاص سنة 55 وتحدث فِي أُمُور الدولة بعد موت الْوَزير الْمُوفق هبة الله فقرر مَعَ طاز أَنه يوفر من المصروف وَعمل استئمارا وقف عَلَيْهِ فَأذن لَهُ فِيهِ فَقطع نصف المعاليم وَمن اسْتَضْعَفَهُ قطع مرتبه كُله فَقطع عدَّة من المباشرين عَن مباشراتهم فَكثر عَلَيْهِ الدُّعَاء وامتلأت الْقُلُوب بغضا لَهُ فاتفق أَن صرف وكشف رَأسه وَضرب بالنعال وأظهروا الشماتة بِهِ حَتَّى مَاتَ تَحت الْعقُوبَة فِي ذِي الْقعدَة سنة 755 فَكَانَت نهايته سَبْعَة أشهر وَكَانَ مَشْهُورا بيبس الْقَلَم وَقُوَّة الضَّبْط والخبرة بِالْمُبَاشرَةِ والتصميم فِي الْأُمُور وَهُوَ وَالِد الصاحب عبد الْكَرِيم بن الغنام
-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-