محمد بن الرشيد هارون بن المهدي محمد أبي عبد الله الهاشمي

الخليفة العباسي الأمين محمد

تاريخ الولادة171 هـ
تاريخ الوفاة198 هـ
العمر27 سنة
مكان الولادةبغداد - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • بغداد - العراق

نبذة

الأمين الخليفة أبي عبد الله محمد بن الرشيد هارون بن المهدي محمد بن المَنْصُوْرِ الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ البَغْدَادِيُّ. وَأُمُّهُ زُبَيْدَةُ بِنْتُ الأمير جعفر بن المَنْصُوْرِ.

الترجمة

الأمين الخليفة أبي عبد الله محمد بن الرشيد هارون بن المهدي محمد بن المَنْصُوْرِ الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ البَغْدَادِيُّ.
وَأُمُّهُ زُبَيْدَةُ بِنْتُ الأمير جعفر بن المَنْصُوْرِ.
عَقَدَ لَهُ أبيهُ بِالخِلاَفَةِ بَعْدَهُ، وَكَانَ مَلِيْحاً بَدِيْعَ الحُسْنِ، أَبْيَضَ، وَسِيْماً طَوِيْلاً ذَا قُوَّةٍ وَشَجَاعَةٍ، وَأَدَبٍ وَفَصَاحَةٍ وَلَكِنَّهُ سَيِّئُ التَّدْبِيْرِ، مفرط التَّبْذِيْرِ أَرْعَنَ لَعَّاباً مَعَ صِحَّةِ إِسْلاَمٍ وَدِيْنٍ.
يقال: قتل مرة أسدًا بيديه.
وَيُقَالُ: كَتَبَ بِخَطِّهِ رُقعَةً إِلَى طَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ الَّذِي قَاتَلَهُ: يَا طَاهِرُ! مَا قَامَ لَنَا مُنْذُ قُمْنَا قَائِمٌ بِحَقِّنَا، فَكَانَ جَزَاؤُه عِنْدَنَا إلَّا السَّيْفَ فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ أَوْ دَعْ. يُلَوِّحُ لَهُ بِأَبِي مُسْلِمٍ، وَأَمْثَالِهِ.
قَالَ المَسْعُوْدِيُّ: مَا وُلِّي لِلْخِلاَفَةِ هَاشِمِيُّ ابْنُ هَاشِمِيَّةٍ سِوَى: عَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ الأَمِيْنِ.
وَقَدْ جَعَلَهُ أبيهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ، وَلَهُ خَمْسُ سِنِيْنَ، وَتَسَلَّمَ الأَمْرَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ أَخُوْهُ الآخَرُ، وَهُوَ المَأْمُوْنُ بِمَرْوَ فَأَمَرَ الأَمِيْنُ لِلنَّاسِ بِرِزْقِ سَنَتَيْنِ، وَوَصَلَ إِلَيْهِ البُرْدَةُ، وَالقَضِيْبُ، وَالخَاتَمُ مِنْ خُرَاسَانَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ يَوْماً فِي نِصْفِ الشَّهْرِ، وَبَايَعَ المَأْمُوْنُ لأَخِيْهِ، وَأَقَامَ بِخُرَاسَانَ، وَأَهدَى لأَخِيْهِ تُحَفاً، وَنَفَائِسَ وَالحَرْبُ مُتَّصِلٌ بِسَمَرْقَنْدَ بَيْنَ رَافِعٍ وَهَرْثَمَةَ، وَأَعَانَ رَافِعاً التُّرْكُ. وَفِيْهَا: قُتِلَ نِقْفُوْرُ طَاغِيَةُ الرُّوْمِ فِي حَرْبِ بُرْجَانَ.
وَفِي سَنَةِ 194: أَمَرَ الأَمِيْنُ بِالدُّعَاءِ لابْنِهِ مُوْسَى بِوِلاَيَةِ العَهْدِ بَعْدَ وَلِيِّ العَهْدِ المَأْمُوْنِ وَالقَاسِمِ، وَأَغْرَى الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ الأَمِيْنَ بِالمَأْمُوْنِ، وَحَثَّهُ عَلَى خَلعِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا، وَحَسَّنَ لَهُ ذَلِكَ السِّنْدِيُّ، وَعَلِيُّ بن عيسى بن ماهان، ثُمَّ اصْطَلَحَ هَرْثَمَةُ وَرَافِعُ بنُ اللَّيْثِ بنِ نَصْرِ بنِ سَيَّارٍ، وَقَدِمَا عَلَى المَأْمُوْنِ، وَمَعَهُ طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ. ثُمَّ بَعَثَ الأَمِيْنُ يَطلُبُ مِنَ المَأْمُوْنِ تَقْدِيْمَ مُوْسَى وَلدِهِ عَلَى المَأْمُوْنِ، وَلَقَّبَهُ النَّاطِقَ بِالحَقِّ، فَأَبَى ذَلِكَ المَأْمُوْنُ وَاسْتَمَالَ المَأْمُوْنُ الرَّسُوْلَ، فَبَايَعَهُ سِرّاً، وَبَقِيَ يُكَاتِبُهُ وَهُوَ العَبَّاسُ بنُ مُوْسَى بنِ عِيْسَى بنِ مُوْسَى.
وَأَمَّا الأَمِيْنُ، فَبَلَغَهُ خِلاَفُ المَأْمُوْنِ، فَأَسقَطَهُ مِنَ الدعاء وطلب كَتَبَهُ الرَّشِيْدُ وَعَلَّقَهُ بِالكَعْبَةِ مِنَ العَهْدِ بَيْنَ الأَخَوَينِ، فَمَزَّقَهُ فَلاَمَهُ الأَلِبَّاءُ فَلَمْ يَنْتَصِحْ حَتَّى قَالَ لَهُ خَازِمُ بنُ خُزَيْمَةَ: لَنْ يَنْصَحَكَ مَنْ كَذَبَكَ، وَلَنْ يَغُشَّكَ مَنْ صَدَقَكَ، لاَ تُجَسِّرِ القُوَّادَ عَلَى الخَلعِ، فَيَخلَعُوكَ وَلاَ تَحمِلْهُم عَلَى النَّكْثِ فَالغَادِرُ مَفْلُولٌ، وَالنَّاكِثُ مَخْذُوْلٌ. فَلَمْ يَلْتَفِتْ، وَبَايَعَ لِمُوْسَى بِالعَهْدِ وَاسْتَوْزَرَ لَهُ.
فَلَمَّا عَرَفَ المَأْمُوْنُ خَلَعَ أَخَاهُ وَتَسَمَّى بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَمَّا ابْنُ مَاهَانَ فَجَهَّزَهُ الأَمِيْنُ، وَخَصَّهُ بِمائَتَيْ أَلْفِ دِيْنَارٍ وَأَعْطَاهُ قَيداً مِنْ فِضَّةٍ لِيُقَيِّدَ بِهِ المَأْمُوْنَ بِزَعمِهِ. وَعَرَضَ الأَمِيْنُ جَيْشَه بِالنَّهْرَوَانِ، وَأَقْبَلَ طَاهِرٌ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَالْتَقَوْا فَقُتِلَ ابْنُ مَاهَانَ وَتَمَزَّقَ جَيْشُه هَذَا وَالأَمِيْنُ عَاكِفٌ عَلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فَبَعَثَ جَيْشاً آخَرَ، وَنَدِمَ عَلَى خَلْعِ المَأْمُوْنِ وَطَمِعَ فِيْهِ أُمَرَاؤُهُ، ثُمَّ الْتَقَى طَاهِرٌ وَعَسْكَرُ الأَمِيْنِ عَلَى هَمَذَانَ وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَعَظُمُ الخَطْبُ وَدَخَلَ جَيْشُ الأَمِيْنِ إِلَى هَمَذَانَ فَحَاصَرَهُم طَاهِرٌ، ثُمَّ نَزَلَ أَمِيْرُهُم إِلَى طاهر بالأمان في سنة 95.
وَفِيْهَا ظَهَرَ بِدِمَشْقَ السُّفْيَانِيُّ، وَهُوَ أبي العَمَيْطَرِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيْدَ بن مُعَاوِيَةَ فَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَطَرَدَ عَامِلَ الأَمِيْنِ وَتَمَكَّنَ، وَانضَمَّتْ إِلَيْهِ اليَمَانِيَّةُ، وَأَهْلُ حِمْصَ، وَقِنَّسْرِيْنَ وَالسَّاحِلِ، إلَّا أَنَّ قَيْساً لَمْ تُتَابِعْهُ، وَهَرَبُوا.
ثُمَّ هَزَمَ طَاهِرٌ جَيْشاً ثَالِثاً لِلأَمِيْنِ، ثُمَّ نَزَلَ حُلْوَانَ. وَأَنْفَقَ الأَمِيْنُ بُيُوْتَ الأَمْوَالِ عَلَى الجُنْدِ، وَلاَ يَنْفَعُوْنَ وَجَاءتْ أَمْدَادُ المَأْمُوْنِ مَعَ هَرْثَمَةَ بنِ أَعْيَنَ وَالفَضْلِ بنِ سَهْلٍ وَضَعُفَ أَمرُ الأَمِيْنِ، وَجَبُنَ جُندُهُ مِنَ الخُرَاسَانِيِّيْنَ فَجَهَّزَ عَبْدَ المَلِكِ بنَ صَالِحٍ العَبَّاسِيَّ إِلَى الشَّامِ لِيَجمَعَ لَهُ جُنْداً، وَبَذَلَ خَزَائِنَ الذَّهَبِ لَهُم فَوَقَعَ مَا بَيْنَ العَرَبِ، وَبَيْنَ الزَّوَاقِيْلِ1، فَرَاحَ تَحْتَ السَّيْفِ خَلقٌ مِنْهُم وَأَحَاطَتْ المَأْمُوْنِيَّةُ بِبَغْدَادَ يُحَاصِرُوْنَ الأَمِيْنَ وَاشتَدَّ البَلاَءُ وَعَظُمَ القِتَالُ وَقَاتَلَتِ العَامَّةُ وَالرَّعَاعُ عَنِ الأَمِيْنِ قِتَالَ المَوْتِ وَاسْتَمَرَّ الوَيلُ وَالحِصَارُ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ لاَ تُوصَفُ وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ.
وَدَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَفَرَّ القَاسِمُ المُلَقَّبُ بِالمُؤْتَمَنِ، وَعَمُّهُ مَنْصُوْرٌ فَلَحِقَا بِالمَأْمُوْنِ وَرُمِي بالمجانيق وأخذت النقوب2 ونفذت خَزَائِنُ الأَمِيْنِ حَتَّى بَاعَ الأَمْتِعَةَ وَأَنْفَقَ فِي المُقَاتِلَةِ، وَمَا زَالَ أَمرُهُ فِي سِفَالٍ، وَدَثَرَتْ مَحَاسِنُ بَغْدَادَ وَاسْتَأْمَنَ عِدَّةٌ إِلَى طَاهِرٍ وَدَامَ الحِصَارُ، وَالوَبَالُ خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْراً.
وَاسْتَفْحَلَ أَمرُ السُّفْيَانِيِّ بِالشَّامِ ثُمَّ وَثَبَ عَلَيْهِ مَسْلَمَةُ الأُمَوِيُّ فَقَيَّدَه وَاسْتَبَدَّ بِالأَمْرِ، فَمَا بَلَعَ رِيقَهُ حَتَّى حَاصَرَهُمُ ابْنُ بَيْهَسٍ الكِلاَبِيُّ مُدَّةً ثُمَّ نَصَبَ السَّلاَلِمَ عَلَى السُّوْرِ وَأَخَذَ دِمَشْقَ، فَهَرَبَ السُّفْيَانِيُّ وَمَسْلَمَةُ فِي زِيِّ النِّسَاءِ إِلَى المِزَّةِ.
وَخَلَعَ الأَمِيْنَ: خُزَيْمَةُ بنُ خَازِمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَاهَانَ وَخَامَرَا إِلَى طَاهِرٍ.
ثُمَّ دَخَلَ طَاهِرٌ بَغْدَادَ عَنْوَةً، وَنَادَى: مَنْ لَزِمَ بَيْتَه فَهُوَ آمِنٌ. وَحَاصَرُوا الأَمِيْنَ فِي قُصُوْرِه أَيَّاماً ثُمَّ رَأَى أَنْ يَخْرُجَ عَلَى حَمِيَّةٍ لَيْلاً وَفَعَلَ فَظَفِرُوا بِهِ وَهُوَ فِي حَرَّاقَةٍ فَشَدَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ طَاهِرٍ فِي الزَّوَارِيقِ، وَتَعَلَّقُوا بِحَرَّاقَتِهِ فَنُقِبَتْ، وَغَرِقَتْ فَرَمَى الأَمِيْنُ بِنَفْسِهِ فِي المَاءِ فَظَفِرَ بِهِ رَجُلٌ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى طَاهِرٍ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَى المَأْمُوْنِ -فَإِنَّا للهِ- وَلَمْ يُسَرَّ المأمون بمصرع أخيه.
وَفِي تَارِيْخِنَا عَجَائِبُ وَأَشعَارٌ لَمْ أَنْشَطْ هُنَا لاستيعابها.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ يَرْحَمَ اللهُ الأَمِيْنَ بِإِنْكَارِهِ عَلَى ابْنِ عُلَيَّةَ، فَإِنَّهُ أُدخِلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الفَاعِلَةِ أَنْتَ الَّذِي تَقُوْل: كَلاَمُ اللهِ مَخْلُوْقٌ?
قُلْتُ: وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ ابْنُ عُلَيَّةَ حَاشَاهُ بَلْ قَالَ عِبَارَةً تُلْزِمُهُ بَعْضَ ذَلِكَ.
وَعَاشَ الأَمِيْنُ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَقُتِلَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَخِلاَفَتُهُ دُوْنَ الخَمْسِ سِنِيْنَ سَامَحَهُ اللهُ، وَغَفَرَ لَهُ.
وَلَهُ مِنَ الوَلَدِ: عَبْدُ اللهِ وَمُوْسَى وَإِبْرَاهِيْمُ لأُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ شتى.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

 

محمّد أمير المؤمنين، الأمين بْن هارون الرشيد بْن مُحَمَّد المهدي بْن عبد الله المنصور بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّه بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا عبد الله. ويقال: أبا موسى:
ولد برصافة بغداد، كما حدّثنا الْحَسَن بْن أَبِي طالب حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن محمّد بن عمران حدّثنا محمد بن يحيى الصولي. قَالَ: ولد الأمين بالرصافة سنة إحدى وسبعين ومائة. وأنبأنا محمّد بن أحمد بن رزق حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَحْمَدَ الدَّقَّاق حَدَّثَنَا مُحَمَّد ابن أحمد البراء. قال: الأمين- محمّد بن الرشيد، وكنيته أبو موسى- ولد ببغداد بالرصافة. قَالَ ابن البراء: استخلف ثم خلع بعد ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوما، فمكث مخلوعا محبوسا إلى أن قتله طاهر بن الحسين بن مصعب ببغداد، لست بقين من المحرم سنة ثَمان وتسعين ومائة، وكان عمره ثلاثا وثلاثين سنة.
حدّثنا محمّد بن الحسين القطّان حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْن جعفر بْن درستويه حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان. قَالَ: واستخلف محمد بن هارون في سنة ثلاث وتسعين ومائة في شهر ربيع الآخر.

حدّثنا على بن أحمد بن عمر المنقري حدّثنا علي بن أحمد بن أبي قيس الرَّفَّاء حدّثنا أبو بكر بن أبي الدّنيا حَدَّثَنَا عباس بْن هشام عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: ولد محمد بن هارون في شوال سنة سبعين ومائة، وأتته الخلافة بمدينة السلام لثلاث عشرة بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة، وقتل ليلة الأحد لخمس بقين من المحرم، قتله قريش الدنداني وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين فنصبه على رمح وتلا هذه الآية: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ [آل عمران 26] . وكانت ولايته أربع سنين وستة أشهر وثمانية أيام.
وأمه زبيدة أم جَعْفَر بِنْت جَعْفَر بْن أبي جَعْفَر المنصور. وكان طويلا سمينا أبيض ويكنى أبا عبد الله.
أنبأنا الحسن بن أبي بكر حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حدّثنا أبو بكر عمر ابن حفص السدوسي حَدَّثَنَا محمد بن يزيد. قَالَ: واستخلف محمد بن هارون المخلوع- قَالَ أبو بكر السدوسي-: وهو الأمين في جمادى الآخرة لثلاث عشرة بقين من سنة ثلاث وتسعين ومائة. وقتل في المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، فكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما، وقتل وله ثمان وعشرون سنة.
وأمه أم جَعْفَر بِنْت جَعْفَر بْن أبي جَعْفَر. قَالَ أبو بكر السدوسي: وكنيته أبو عبد الله.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَبَاي بْنُ جَعْفَرٍ الْجِيلِيُّ قَالَ الْحَسَنُ حَدَّثَنَا وَقَالَ باي أنبأنا- أحمد بن محمّد بن عمران حدّثنا محمّد بن يحيى حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُهَلَّبِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ الضَّحَّاكِ الْخَلِيعِ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فِيهِمْ بَعْضُ أَوْلادِ الْمُتَوَكِّلِ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الأَمِينِ وَأَدَبِهِ، فوصف الحسين أدبا كثيرا فقيل له: فالفقه، فإن المأمون كان فقيها؟ فقال: ما سمعت فِقْهًا وَلا حَدِيثًا إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ نُعِيَ إِلَيْهِ غُلامٌ لَهُ بِمَكَّةَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمَنْصُورِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله ابن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ مُحْرِمًا حُشِرَ مُلَبِّيًا».

أَخْبَرَنِي أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل حدّثنا إسماعيل بن سعيد المعدّل حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ حدّثنا أبو العيناء محمّد بن القاسم أَخْبَرَنِي محمد بن عبيد الله السهيلي. قَالَ: لما أتت الخلافة محمد بن هارون خطب ببغداد فقال: أيها الناس إن المنون تراصد ذوى الأنفاس حتما من الله، لا يدفع حلولها، ولا ينكر نزولها، فاسترجعوا قلوبكم عن الجزع على الماضي، إلى البهج للباقي، تعطوا أجور الصابرين، وجزاء الشاكرين.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهرى حدّثنا عبيد الله بن محمّد البزّاز حَدَّثَنَا أبو بكر الصولي قَالَ حَدَّثَنَا عون بن مُحَمَّد عن أَبِي مُحَمَّد عبد اللَّه بن أيوب الشاعر قَالَ أنشدت مُحَمَّدًا- يعني الأمين- أول ما ولي الخلافة:
لا بد من سكرة على طرب ... لعل روحا يدال من كرب
فعاطنيها صهباء صافية ... تضحك من لؤلؤ على ذهب
خليفة الله أنت منتخب ... لخير أم من هاشم وأب
فأمر لي بمائتي ألف درهم، صالحوني منها على مائة ألف درهم! حدّثنا على بن أيّوب القمي حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني حدّثنا الصولي حدّثنا محمّد بن القاسم بن خلاد حَدَّثَنِي محمد بن عمرو الرومي. قَالَ: خرج كوثر خادم الأمين ليرى الحرب، فأصابته رجمة في وجهه، فجلس يبكى، فوجه محمد من جاء به وجعل يمسح الدم عن وجهه، ثم قَالَ:
ضربوا قرة عيني ... ومن أجلي ضربوه
أخذ الله لقلبي ... من أناس أحرقوه
وأراد زيادة في الأبيات فلم يواته طبعه، فقال للفضل بن الربيع: من هنا من الشعراء؟ قَالَ: الساعة رأيت أبا محمد عبد الله بن أيوب التيمي. فقال: عليَّ به، فلما دخل أنشده البيتين وَقَالَ: قل عليهما، فقال:
ما لمن أهوى شبيه ... فبه الدنيا تتيه
وصله حلو ولكن ... هجره مر كريه
من رأى الناس له ال ... فضل عليهم حسدوه
مثل ما حسد القا ... ئم بالملك أخوه
فقال محمد: أحسنت والله، هذا خير مما أردت، بحياتي يا عباسي ألا نظرت، فإن كان جاء لي على الظهر ملات أحمال ظهره دراهم. وإن كان جاء في زورق ملاته له. فأوقر له ثلاثة أبغل دراهم.
أَخْبَرَنِي أبو الحسن علي بْن عَبْد الله بْن عُبَيْد الله بْن عبد الغفار اللغوي حدّثنا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن الفضل بْن المأمون حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْقَاسِم الأنباري حَدَّثَنَا عبد الله بن خلف قَالَ حَدَّثَنِي عبد الله بن سفيان قَالَ حَدَّثَنِي أبو عبد الله الخزاعي عن ابن مناذر الشاعر. قَالَ: دخل سليمان بن المنصور على محمّد الأمين فرفع إليه أن أبان واس هجاه، وأنه زنديق كافر حلال الدم. وأنشده من أشعاره المنكرة أبياتا فقال: يا عم! أقتله بعد قوله:
أهدى الثناء إلى الأمين محمد ... ما بعده بتجارة متربص
صدق الثناء على الأمين محمد ... ومن الثناء تكذب وتخرص
قد ينقص القمر المنير إذا استوى ... وبهاء نور محمّد لا ينقص
وإذا بنو المنصور عد حصاهم ... فمحمد ياقوتها المتخلَّص
فغضب سليمان. وَقَالَ: والله لو شكوت من عبد الله- يعني ابن الأمين- ما شكوت من هذا الكافر لوجب أن تعاقبه. فكيف منه! فقال: يا عم فكيف أعمل بقوله:
قد أصبح الملك بالمنى ظفرا ... كأنّما كان عاشقا قدرا
قيّد أشطانه إلى ملك ... ما عشق الملك قبله بشرا
حسبك وجه الأمين من قمر ... إذا طوى الليل دونك القمرا
خليفة يعتني بأمته ... وإن أتته ذنوبها اغتفرا
حتى لو اسطاع من محبّته ... دافع عنها القضاء والقدرا
فازداد سليمان غضبا. فقال: يا عم كيف أعمل بقوله:
يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن
سنة العشاق واحدة ... فإذا أحببت فاستكن
ظن بي من قد كَلِفْتُ به ... فهو يجفوني على الظنن
بات لا يعنيه ما لقيت ... عين ممنوع من الوسن
رشأ لولا ملاحته ... خلت الدنيا من الفتن
فاسقني كاسا على عذل ... كرهت مسموعه أذني
من كميت اللون صافية ... خير ما سلسلت في بدن
ما استقرت في فؤاد فتى ... فدرى ما لوعة الحزن
مزجت من صوب غادية ... حللتها الريح من مزن
تضحك الدنيا إلى ملك ... قام بالآثار والسنن
يا أمين الله عش أبدا ... دم إلى الأيام والزمن
أنت تبقى والفناء لنا ... فإذا أفنيتنا فكن
سن للناس الندى فندوا ... فكأن البخل لم يكن

قَالَ: فانقطع سليمان عن الركوب. فأمر الأمين بحبس أبي نواس، فلما طال حبسه كتب إليه هذه الأبيات واجتهد حتى وصلت إلى الأمين:
تذكر أمين الله والعهد يذكر ... مقامي وإنشاديك والناس حضر
ونثري عليك الدر يا در هاشم ... فيا من رأى درا على الدر ينثر
أبوك الذي لم يملك الأرض مثله ... وعمك موسى عدله المتخير
وجدك مهدى الهدى وشقيقه ... أبو أمك الأدنى أبو الفضل جعفر
وما مثل منصور يك منصور هاشم ... ومنصور قحطان إذا عد مفخر
فمن ذا الذي يرمى بسهميك في العلا ... وعبد مناف والداك وحمير؟
تحسنت الدنيا بحسن خليفة ... هو الصبح إلا أنه الدهر مسفر
أمين يسوس الناس تسعين حجة ... عليه، له منه رداء ومئزر
يشير إليه الجود من وجناته ... وينظر من أعطافه حيث ينظر
مضت لي شهور مذ حبست ثلاثة ... كأني قد أذنبت ما ليس يغفر
فإن أك لم أذنب؟ ففيم عقوبتي ... وإن كنت ذا ذنب؟ فعفوك أكبر
فلما قرأ محمد هذه الأبيات. قَالَ: أخرجوه وأجيزوه، ولو غضب ولد المنصور كلهم.
حدّثنا على بن أيّوب القمي حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني أَخْبَرَنِي محمد بن يحيى قَالَ: مما يروى لمحمد الأمين. وشهر من شعره. أنشدنيه له جماعة. وأنشدته أبا عبد الله المعتز، فلم يعرفه ثم قَالَ لي بعد ذلك: قد وجدت الشعر عندي. قوله في خادمه كوثر، وقد رفعت إليه الأخبار بأن الناس يلومونه فيه وفي ترك النظر في أمور الناس:
ما يريد الناس من صب ... ب بمن يهوى كئيب
ليس إن قيس خليا ... قلبه مثل القلوب
كوثر ديني ودنيا ... ى وسقمي وطبيبي
أعجز النّاس الّذي يل ... حي محبا في حبيب

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

 

محمد بن هارون الرشيد بن المهدي ابن المنصور:
خليفة عباسي. ولد في رصافة بغداد. وبويع بالخلافة بعد وفاة أبيه (سنة 193 هـ بعهد منه، فولَّى أخاه المأمون خراسان وأطرافها. وكان المأمون ولي العهد من بعده. فلما كانت سنة 195 أعلن الأمين خلع أخيه المأمون من ولاية العهد، فنادى المأمون بخلع الأمين في خراسان، وتسمى بأمير المؤمنين. وجهز الأمين وزيره (ابن ماهان) لحربه، وجهز المأمون طاهر بن الحسين، فالتقى الجيشان، فقتل ابن ماهان وانهزم جيش الأمين، فتتبعه طاهر بن الحسين وحاصر بغداد حصارا طويلا انتهى بقتل الأمين: قُتل بالسيف، بمدينة السلام، وكان الّذي ضرب عنقه مولى لطاهر، بأمره. وكان أبيض طويلا سمينا، جميل الصورة، شجاعا أديبا، رقيق الشعر، مكثرا من إنفاق الأموال، سيّئ التدبير، يؤخذ عليه انصرافه إلى اللهو ومجالسة الندماء  .

-الاعلام للزركلي-