الإمام المتَوَكل على الله شرف الدَّين بن شمس الدَّين بن الإمام المهدي أَحْمد بن يحيى
قد تقدم تَمام نسبه في تَرْجَمَة جده وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة اسمان أحدهما شرف الدَّين وَهُوَ الَّذِي اشْتهر بِهِ وَالْآخر يحيى وَلم يشْتَهر بِهِ ولد خَامِس عشر شهر رَمَضَان سنة 877 سبع وَسبعين وثمان مائَة بحصن حُضُور وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم عبد الله بن احْمَد الشظبي فِي التَّذْكِرَة والأزهار وَشَرحه وَفِي الْخُلَاصَة فِي علم الْكَلَام وَكَانَ ذَلِك في أَيَّام صغره ثمَّ أعَاد قِرَاءَة التذكرة على عبد الله بن يحيى الناظري ثمَّ قَرَأَ على وَالِده شمس الدَّين الطاهرية وَشَرحهَا لِابْنِ هطيل ثمَّ الكافية وَشَرحهَا وَالنّصف الاول من الْمفصل ثمَّ رَحل إلى صنعاء فِي سنة 883 فتمم قِرَاءَة الْمفصل على الْفَقِيه علي بن صَالح العلفى ثمَّ قَرَأَ شَرحه على الْفَقِيه مُحَمَّد بن إبراهيم الظفاري وَقَرَأَ عَلَيْهِ الرضي شرح الكافية وَقَرَأَ عَلَيْهِ الشافية فِي الصّرْف وَشَرحهَا وتلخيص الْمِفْتَاح والمفتاح للسكاكي على السَّيِّد الهادي بن مُحَمَّد وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكَشَّاف ومختصر الْمُنْتَهى وَشَرحه للعضد وَقَرَأَ في الحَدِيث شِفَاء الأوام وأصول الْأَحْكَام وَبَعض جَامع الْأُصُول على الإمام مُحَمَّد بن علي الوشلي وَقَرَأَ فِي كثير من الْفُنُون وبرع في الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية واشتهر علمه وَظَهَرت نجابته وأكبّ على نشر الْعلم ثمَّ دَعَا إِلَى نَفسه فِي الْعشْر الأولى من جُمَادَى الأولى سنة 912 وَكَانَ بالظفير فَبَايعهُ الْعلمَاء والأكابر وتلقاها أهل جبال الْيمن بِالْقبُولِ وَكَانَت جِهَات تهَامَة واليمن الاسفل إِلَى السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب وَمَا زَالَت بَينه وَبَين الإمام مجاولات ومصاولات ثمَّ اتفق خُرُوج طَائِفَة من الجراكسة إِلَى سواحل الْيمن فِي سنة 921 فكاتبوا السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب أَن يعينهم بشئ من الْميرَة لكَوْنهم خَرجُوا من الديار المصرية لمقاتلة الافرنج الَّذين فى الْبَحْر يتخطفون مراكب الْمُسلمين فَامْتنعَ عَامر فَدَخَلُوا بِلَاده وَمَعَهُمْ البنادق وَلم يكن لاهل الْيمن بهَا عهد إِذْ ذَاك فَبعث إليهم جَيْشًا كثيراً من أَصْحَابه وهم فِي قلَّة فَوَقع التلاقي فَرمى الجراكسة بالبنادق فَلَمَّا سمع جَيش عَامر أصواتها وَرَأَوا الْقَتْلَى مِنْهُم فروا فَتَبِعهُمْ الجراكسة يقتلُون كَيفَ شاؤا ثمَّ فرّ مِنْهُم عَامر وتبعوه من مَكَان إِلَى مَكَان حَتَّى وصل إِلَى قريب من صنعاء فَقَتَلُوهُ ثمَّ دخلُوا صنعاء فَفَعَلُوا أفاعيل مُنكرَة ثمَّ خَرجُوا قَاصِدين للامام فَوَقع الصُّلْح على أَنهم يبقون في صنعاء والإمام يبْقى فِي ثلا واشترطوا ملاقاة الإمام فأشير عَلَيْهِ بِعَدَمِ ذَلِك لما جبل عَلَيْهِ الجراكسة من الْغدر وَالْمَكْر فَفعل فَلَمَّا علمُوا ذَلِك عَادوا إلى الْقِتَال فَلم يظفروا بطائل ثمَّ في خلال ذَلِك بَلغهُمْ قتل سلطانهم قانصوه الغوري على يَد ابْن عُثْمَان صَاحب الروم فَرَجَعُوا وَلَكِن قد عبثوا بِالْيمن وَقتلُوا النُّفُوس وهتكوا الْحرم ونهبوا الأموال وَبعد ذَلِك دَانَتْ صنعاء وبلادها وصعدة وَمَا بَينهمَا من المدن بِطَاعَة الإمام ثمَّ إن الإمام غزا إلى بِلَاد بني طَاهِر فَافْتتحَ التعكر وقاهرة تعز وحراز ثمَّ كَانَ خُرُوج سُلَيْمَان باشا بجند من الأتراك وَوصل إلى زبيد وتعز ثمَّ استفتح الإمام جازان وبلاد أبى عَرِيش وَسَائِر الْجِهَات التهامية ثمَّ حصل بَين الإمام وَولده المطهر بعض مواحشة لأسباب مشروحة فِي سيرته وَوَقع من المطهر بعض الْحَرْب لوالده ولأخيه شمس الدَّين واتفقت أُمُور يطول شرحها كَانَت من أعظم أَسبَاب اسْتِيلَاء الأتراك على كثير من جِهَات الْيمن وَاسْتقر الإمام بكوكبان ثمَّ انْتقل إلى الظفير وامتحن بذهاب بَصَره فَصَبر واحتسب وَأقَام لاشغلة لَهُ بِغَيْر الطَّاعَات حَتَّى توفاه الله لَيْلَة الأحد وَقت صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة سَابِع شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 965 خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَدفن بحصن الظفير ومشهده هُنَالك مَشْهُور وَله مصنفات مِنْهَا كتاب الأثمار اختصر فِيهِ الأزهار وَجَاء بعبارات موجزة نفيسة شَامِلَة لما فِي الازهار وَحذف مافيه تكْرَار وَكَانَ على خلاف الصَّوَاب وَله شعر جيد فَمِنْهُ القصيدة الْمُسَمَّاة بقصص الْحق الَّتِى مطْلعهَا
(لكم من الْحبّ صَافِيَة ووافيه ... وَمن هوى الْقلب باديه وخافيه)
وَمن شعره القصيدة الَّتِى قَالَهَا عِنْد فَتحه لصعدة وزيارته لمشهد الإمام الهادي وأولها
(زرناك في زرد الْحَدِيد وفي القنا ... والمشرفية والجياد الشزّب)
(وجحافل مثل الْجبَال تلاطمت ... أمواجهنّ بِكُل أصيد أغلب)
(من كل أبلج من ذؤابة هَاشم ... وَبِكُل أروع من سلاله يعرب)
(وأعاجم ترك وروم قادة ... وأحابش مثل الأسود الوثّب)
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني