يحيى بن عبد الْملك بن جمال الدّين بن صدر الدّين بن عِصَام الدّين الاسفراينى الاصل المكى المولد الْفَاضِل الاديب الشَّاعِر ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه أديب منفسح الخطا وأريب مَأْمُون العثار والخطا لَهُ فى الادب الْمقَام الْمَحْمُود والطبع الذى مَا شان سلسال قريحته جمود وَقد وقفت لَهُ على تأليف سَمَّاهُ أنموذج النجباء من معاشرة الادباء تكلم فِيهِ شارحا قَول الْقَائِل
(حاشا شمائلك اللطيفة أَن ترى ... عونا على مَعَ الزَّمَان القاسى)
غير انه لم يعرف قَائِله فَقَالَ ولعمرى انه وان جهل بانيه فَهُوَ من الْبيُوت الَّتِى أذن الله أَن تسكن فَمَا اللَّفْظ الا بمعانيه وان كَانَ قَائِله ألكن ثمَّ قَالَ وَهَذَا الْبَيْت مِمَّا يكثر الاستشهاد بِهِ أهل الْآدَاب فى محاضرة الاصدقاء والاحباب وَهُوَ من أَرْبَعَة أَبْيَات معمرة بلطيف العتاب مبرورة بِصدق الْمنطق واقتضاء الصَّوَاب محاسنها غرر فى أجياد القصائد والمعانى البديعة بهَا صلَة ومفرداتها عَائِد تشرق شموس التَّهْذِيب فى سَمَاء بلاغتها وترشف الاسماع على الطَّرب من ريق سلافتها فَمَا أحقها بقول الْقَائِل
(أَبْيَات شعر كالقصور وَلَا قُصُور بهَا يَلِيق ... )
(وَمن الْعَجَائِب لَفظهَا ... حر وَمَعْنَاهُ رَقِيق)
وهى
(انى لاعجب من صدودك والجفا ... من بعد ذَاك الْقرب والايناس)
(حاشا شمائلك اللطيفة ان ترى ... عونا على مَعَ الزَّمَان القاسى)
(أَو ثغرك الصافى يرد حشاشة ... تَشْكُو لهيبا من لظى انفاسى)
(تالله مَا هَذَا فعالك فى الْهوى ... لَكِن حظوظ قسمت فى النَّاس)
انْتهى كَلَامه قلت وَقد وقفت انا على مَجْمُوعَة قديمَة بِخَط ابى البقا الوفائى الوداعى الحنفى يَقُول فِيهِ القاضى عَلَاء الدّين على بن فضل الله أَبُو الْحسن صَاحب ديوَان الانشاء أَخُو القاضى شهَاب الدّين أَحْمد الْعُمْرَى وقف على بَيْتَيْنِ للصلاح الصفدى وهما
(انى لاعجب من صدودك والجفا ... من بعد ذَاك الْقرب والايناس)
(حاشا شمائلك ... )
الخ فَقَالَ مجيزا لَهما أَو
(ثغرك الصافى يرد حشاشة ... )
الخ انْتهى فَعلم من هَذَا ان الْبَيْت الذى شَرحه للصلاح الصفدى وَقَوله انه من أَرْبَعَة أَبْيَات لَيْسَ بصواب لايهامه ان الاربعة قَائِلهَا وَاحِد وَقد علمت انها الشاعرين وَمن شعر الاديب الْمَذْكُور وَقَوله موجها باسماء الانغام فِيمَن اسْمه حُسَيْن وَقد ورد الْمَدِينَة من مَكَّة فَقَالَ
(أَقُول لمعشر العشاق لما ... بدا ركب الْحجاز وقرعينى)
(أمنتم من نوى المحبوب فَاسْعَوْا ... لَهُ رملا وغنوا فى حسينى)
وَمَا ألطف قَول مُحَمَّد بن جَابر الاندلسى فى مثل ذَلِك
(يَا أَيهَا الحادى اسقنى كاس السرى ... نَحْو الحبيب ومهجتى للساق)
(حى الْعرَاق على النَّوَى واحمل الى ... أهل الْحجاز رسائل العشاق)
وَله
(رأى سقم الكئيب فمل عَنهُ ... سقيم الجفن ذُو حسن بديع)
(فَقلت لَهُ فدتك الرّوح هلا ... مُرَاعَاة النظير من البديع)
وَله
(قَالُوا أضافك يَا يحيى لخدمته ... حبيب قَلْبك فى سر وفى علن)
(فَقلت لما رآنى غير منصرف ... عَن حبه رام كسْرَى فَهُوَ يجبرنى)
وَقَوله
(ان الدَّرَاهِم مرهم ... قد جَاءَ فى تصحيفها)
(فدع التطير قَائِلا ... الْهم بعض حروفها)
كَأَنَّهُ يُشِير الى قَول الْقَائِل
(النَّار آخر دِينَار نطقت بِهِ ... والهم آخر هَذَا الدِّرْهَم الجارى)
(والمرء مَا دَامَ مشغوفا بحبهما ... معذب الْقلب بَين الْهم وَالنَّار)
وَقَوله وَقد أهْدى نبقا وفلا
(أهديت نبقا لنبقى فى الوداد على ... صدق الوداد وارغام العدا أبدا)
(وَمَعَهُ يَا سيدى فل يبشركم ... بانه فل من يشناكم كمدا)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ فى شهر ربيع الاول سنة أَربع وَسبعين وَألف وَدفن على وَالِده بالقيع
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي الحموي.