منجك بن محمد بن منجك اليوسفي الدمشقي المنجكي

تاريخ الولادة1007 هـ
تاريخ الوفاة1080 هـ
العمر73 سنة
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • بلاد الروم - بلاد الروم
  • دمشق - سوريا

نبذة

الأمير منجك بن مُحَمَّد بن منجك بن أَبى بكر بن عبد الْقَادِر بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن منجك الْكَبِير اليوسفي الدمشقى. نسب مَا وَرَاءه نسب وَحسب مَا مثله حسب تعقد ذوائبه بالنجوم ويستوى عِنْده الْمَجْهُول والعلوم وَهُوَ فى دماه السليقه لَيْسَ بشبهه أحد من الخليقه وَله من الْفضل مَا لَا يحْتَاج الى اقامة الدَّلِيل.

الترجمة

الأمير منجك بن مُحَمَّد بن منجك بن أَبى بكر بن عبد الْقَادِر بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن منجك الْكَبِير اليوسفي الدمشقى
(أَمِير جند المعالى وَابْن بجدتها ... انسان عين العلى وَالْمجد وَالْكَرم)
نسب مَا وَرَاءه نسب وَحسب مَا مثله حسب تعقد ذوائبه بالنجوم ويستوى عِنْده الْمَجْهُول والعلوم وَهُوَ فى دماه السليقه لَيْسَ بشبهه أحد من الخليقه وَله من الْفضل مَا لَا يحْتَاج الى اقامة الدَّلِيل وَمن الْكَمَال مَا اجْتمع فِيهِ مِنْهُ كل كثير وَقَلِيل وَقد ذكره الخفاجى فى كِتَابه وَوَصفه بقوله وَمِمَّنْ رَأَيْته بِالشَّام من الاعلام الامير منجك بن منجك وَهُوَ جذيلها المحكك وعذيقها المرجب وحبابها المذرب قَوْله جذيلها المحكك هَذَا مثل قَائِله حباب والجذيل تَصْغِير جذل وَهُوَ عود يغرز فى حَائِط فتحتك بِهِ الجرباء أى يستشفى بِرَأْيهِ استشفاء الابل بالجذل وَذكره البديعى فَقَالَ فى حَقه نجيب ورث المفاخر كَابِرًا كالرمح أنبوبا على أنبوب وَجمع بَين فضيلتى الاقلام والبواتر كَمَا جمعت خلاله بَين أهواء الْقُلُوب وأريب بِكُل مدح قمين وأديب لَهُ الْفضل ترب والسماح قرين وحسيب من قوم تهدى لَهُم تحف الاشعار وتزف لديهم أبكار الافكار
(وَمَا دب الا فى بُيُوتهم الندى ... وَلَا رب الا فى حجورهم الْحَرْب)
(وَمَا كَانَ بَين الهضب فرق وَبينهمْ ... سوى انهم زَالُوا وَلم يزل الهضب)
(أولاك بَنو الاحساب لَوْلَا فعالهم ... درجن فَلم يُوجد لمكرمة عقب)
وَله من الْكَلَام مَا يَنُوب عَن المدام قلت وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مَذْكُور بِكُل لِسَان وممدوح لكل انسان نَشأ فى أَيَّام أَبِيه متفيأ ظلال نعمه مَبْسُوط الرَّاحَة بهمائه وَكَرمه وشغف من حِين نشأته بِالطَّلَبِ وَصرف نقد عمره على تَحْصِيل الادب وَقَرَأَ على مَشَايِخ عِظَام وانتظم فى سلك الْفُضَلَاء أى انتظام وَمن مشايخه الَّذين قَرَأَ عَلَيْهِم وَجَثَا زَمنا على رُكْبَتَيْهِ بَين يديهم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وأخذا لحَدِيث عَن الشهَاب أَحْمد الوفائى وأبى الْعَبَّاس المقرى والادب عَن أَحْمد بن شاهين ووهب الله تَعَالَى الذكاء وَقُوَّة الحافظة وَحسن التخيل والاداء وَكَانَ فَصبح اللهجة فسيح ميدان المحادثة كثير المحفوظات جيد المناسبات كريم الطيع خلوقا متواضعا وعَلى كل حَال فَهُوَ كَمَا قيل
(مَا فِيهِ لَو وَلَا لَيْت تنقصه ... وانما أَدْرَكته حِرْفَة الادب)
وَلما مَاتَ وَالِده فى التَّارِيخ الذى ذكرته فى تَرْجَمته تقلبت بِهِ الاحوال وفجأته طوارق الاهوال ونفق مَا وَرثهُ عَن وَالِده وأحرزه من طريفه وتالده وَذَلِكَ لمبالغته فى الْبَذْل والسرف ومباشرة الاوقاف الَّتِى بِيَدِهِ بالاجارات الطَّوِيلَة وَالسَّلَف ثمَّ انزوى مُدَّة فى دَاره وَلزِمَ الْوحدَة بِاخْتِيَارِهِ الى أَن أنف من الاقامة ففوض عَن الشَّام خيامه وَهَاجَر الى الديار الرومية وَأقَام بهَا مؤملا ادراك مَاله من الامنيه والدهر يعده ويمنيه ويذيقه الْغصَص فى ضمن تأبيه وَلَقَد قاسى فى الغربه من الْمَشَقَّة المبرحة والكربه وعناد الدَّهْر فى الْمَقَاصِد والتعنى فى المصادر والموارد مَا لَا أَحسب أحدا قاصاه وَلَا لقى أحد من أغذياء النعم أدناه وَلَقَد سمعته مرّة يحْكى أَنه كَانَ لَهُ جَار فى الرّوم مَعْدُود من أَرْبَاب الوجاهة القروم وَله حفدة وَدَار عظيمه وثروة بَين أقرانه جسيمه لم يتَّفق انه زَارَهُ وَلَا حَيا مزاره وَكَانَ بعض أصدقاء الامير يصاحب رجلا من المقربين الى السلطنة وَذكر لَهُ أمره وَمَا هُوَ فِيهِ من الْفَاقَة والمسكنه فَقَالَ اذا نزروه فى مَكَانَهُ ونسعى بعد ذَلِك فى فكه من قَيده وهوانه قَالَ ثمَّ جاءنى بعيد الْعَصْر وَمَا عندى بلغه وَلَا أجد فى الجراب وَلَا مُضْغَة فَمَا اسْتَقر بِهِ الْجُلُوس الا وَذَلِكَ الْجَار حبانى بِجَمِيعِ مَا عِنْده من خدام الدَّار وابتدأ خدمه فى الخدمه وجلب مَا يلْزم من المشروبات بِكَمَال الادب والحرمه ثمَّ بعد هنيئة جَاءَ بسفرة وآلات الطَّعَام مِمَّا لَا يُوجد فِيمَا أَحْسبهُ الا عِنْد الوزراء الْعِظَام وَجَاء بنفائس من الاطعمه وَالْجَار يُبَالغ فى التَّعْظِيم وفى التكرمه حَتَّى أكل الطَّعَام وَاسْتوْفى بعده المشروب والمشموم رَأَيْت الرجل الذى جَاءَ بِهِ صاحبى نَهَضَ وَهُوَ مغموم فَتَبِعَهُ صاحبى الى الدَّار وَعَاد لَا يُدِير لحظا من شدَّة الافكار فَقلت لَهُ مَا الذى عرَاك وَمن برد نشاطك الذى كَانَ عرَاك فَقَالَ أَمر عَجِيب وحادث غَرِيب وَهُوَ أَن الرجل غضب لما وَقع وَقَالَ أَنا أسمع عَن الامير السَّفه وانه فِيهِ طبع مُتبع فَلَمَّا رَأَيْت مَا رَأَيْت تحققت مَا سَمِعت وَمَا ماريت وَهَذَا الرجل لَو وَجه اليه أعظم منصب فى مملكة آل عُثْمَان لَا يفى بمصرفه وَلَا يحصل لَهُ مِنْهُ الا الخسران قَالَ فَحَلَفت لَهُ بِاللَّه ان الذى رَأَيْته من نعْمَة جَاره الذى وافاه فَلم يصدق وآلى لَا عَاد مرّة أُخْرَى وَلَا يسْعَى فِيمَا يخجله عِنْد الدولة وانه بالسلامة أَحْرَى انْتهى وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَنه كَانَ اشار اليه الْعَلامَة يُوسُف الفتحى الامام السلطانى بنظم قصيدة فى مدح السُّلْطَان ابراهيم لتَكون وَسِيلَة الى شئ من الامانى فنظم قصيدته الميمية الَّتِى أَولهَا
(لَو كنت اطمع بالمنام توهما ... لسألت طيفك ان يزور تكرما)
فبيضها لَهُ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن الحسام بِخَطِّهِ المدهش وترجمها بالتركية على الْهَامِش وَكَانَ الفتحى عرف بِهِ السُّلْطَان فَدخل لاعطاء القصيدة ثمَّ وقف وتناولها الفتحى وَقرأَهَا وَحصل من السُّلْطَان الْتِفَات وَقبُول لَكِن القصيدة لم تسفر عَن شئ من الْمَوَاهِب وَلَا قوبلت بمطلب من المطالب نعم دخل الامير بشيرا وَخرج بشيراً وَكَانَ مَعَه دِينَار أعطَاهُ للَّذي أخبرهُ بحصو الْإِذْن للدخول مبشراً وَهَكَذَا الدَّهْر أَبُو الْعجب وعناده مُوكل بِأَهْل الادب وَاتفقَ لَهُ فى أَوَاخِر مقَامه بالروم رُؤْيا صَالِحَة حَسَنَة عَجِيبَة وواقعة فالحة مستحسنة غَرِيبَة وَقد سدت عَلَيْهِ جَمِيع الابواب وَبَات الْقلب مِنْهُ فى اضْطِرَاب وَذَلِكَ أَنه رأى رجلا فى سِيمَا الصّلاح يتوسم فِيهِ الْفَلاح وَهُوَ وَاقِف بوادى ينشد وينادى كانه حادى قصيدة مُطَوَّلَة بشرح حَاله مفصلة فَلم يعلق بخاطره فى الْمَنَام سوى مصراع المطلع وَبَيت الختام وَقد أورد حَضْرَة الشَّيْخ الاكبر قدس الله سره الْعَزِيز فى بَاب من أَبْوَاب الفتوحات لعلى بن الجهم هَذَا الْبَيْت
(وأبواب الْمُلُوك محجبات ... وَبَاب الله مبذول الفناء)
وَلَا غرو فَكل بَاب سوى الْكَرِيم مسدود وكل وَاقِف غير سَائل فَهُوَ مَرْدُود فسبحان من اذا أغلق بَابا فتح أبوابا واذا قطع سَببا أوصل أَسبَاب فَلَمَّا انتبه من الخيال قَامَ فى الْحَال ونظم على سَبِيل الارتجال مكملا للمصراع ومضمنا للبيت بِحسن الابداع وَذَلِكَ آخر جُمُعَة فى شهر رَمَضَان عَام سِتّ وَخمسين وَألف والابيات هى هَذِه
(أَيْن الاساة فقلبى الْيَوْم مَجْرُوح ... متيم لعبت فِيهِ التباريح)
(روح تسيل على خدى فيحسبها ... دمعا خلى فؤاد مَا لَهُ روح)
(وَالْحب سطر بلوح الصَّدْر مكتتب ... مترجم بِلِسَان الشوق مشروح)
(وضعت خدى على كف الخضوع ولى ... ذل على عتيبات الْعِزّ مطروح)
(فَلَا بارق وادى الشّعب وانتبهت ... نوام وجدى وفاح الرند والشيح)
(وَقَامَ هَاتِف ذَاك الحى ينشدنى ... بَيْتا يسلى فؤادى مِنْهُ تلويح)
(ان الْمُلُوك اذا أَبْوَابهَا غلقت ... لَا تيأسن فباب الله مَفْتُوح)
وَقَالَ أَيْضا فى الْمَعْنى
(ذهب الشراع وضلت الملاح ... فى جنح ليل مَا لذاك صباح)
(وسفينتى لم يبْق فِيهَا قِطْعَة ... الا ومزقها بلَى ورياح)
(والسحب تهطل والرعود قواصف ... والبرق سيف فاتك سفاح)
(وجهت وجهى نَحْو بابك راجيا ... اذا سدت الابواب يَا فتاح)
وَله فى تغربه بالروم أشعار كَثِيرَة سَمَّاهَا الروميات مُعَارضا بِالتَّسْمِيَةِ روميات ابي فراس فانه كَانَ يحذو حذوه ويقفو أَثَره فَمن رومياته قَوْله أَيْضا
(نزيح ديار لَا أنيس وَلَا صحب ... وعاتب دهر لَيْسَ يعتبه العتب)
(مَنَازِله بِالشَّام أضحت خلية ... حكت جِسْمه اذ سَار عَن جِسْمه الْقلب)
(لَهُ صبية عِنْد العداة رهينة ... ومدمعهم من فرط لهفهم صب)
(عُرَاة اذا نَامُوا تيقظ شرهم ... فَأَمنَهُمْ خوف وسلمهم حَرْب)
(جنيت على نفسى الذَّنب كُله ... بسيرى وَمَا للذنب فى فعله ذَنْب)
(غررت بِأَقْوَام وعودهم هبا ... تمر جهاما وَاسْمهَا عِنْدهم سحب)
(يلبون بِالدَّعْوَى لطَالب سيبهم ... وَلَو شاهدوا فلسًا على الارض لانكبوا)
(وَلم أر من قبلى عليلا طبيبه ... سقيم اختبار لَيْسَ يعرف مَا الطِّبّ)
(يمد لصيد الْمَدْح منى حبالة ... على الْغدر مَعْقُود بأطرافه الْكَذِب)
(وَمَا النَّاس الا حَيْثُ يلْتَمس الندى ... وَمَا الطير الا حَيْثُ يلتقط الْحبّ)
(رجعت وَعون الله للمرء حارس ... وطرفى لَا يكبو ونارى لَا تخبو)
وَمِنْهَا قَوْله
(انى لآنف من قَول الاعاجيب ... لهول مَا شاهدته عين تجريبى)
(الصدْق يسأم مِنْهُ سمع مختبر ... حَال الزَّمَان فَمَا شَأْن الاكاذيب)
(تلاعب الدَّهْر بى طفْلا وبصرنى ... بالفكر مَا لَا ترَاهُ أعين الشيب)
(عوضت عَن جلق بالروم متخذا ... يأسى بهَا بَدَلا عَن كل مَطْلُوب)
(بدا بعيد فَقلت الْعِيد أيكما ... لما تَأَمَّلت من حسن وَمن طيب)
(أعَاد حزنى افراحا وصيرنى ... أثى على طول تشتيتى وتغريبى)
وأشعاره كلهَا على نمط وَاحِد فى الرقة واللطافة وَلم تكن مَجْمُوعَة فى دفتر على حِدة أَولا لَكِن لما ورد دمشق شيخ الاسلام عبد الرَّحْمَن بن الحسام بعد عَزله عَن الْفَتْوَى أَمر والدى بجمعها فَأَنْشَأَ لَهَا ديباجة وَجَمعهَا ورتبها ترتيبا حسنا وهى الْآن فى دفتر مَشْهُور متداول فَمن غزلياته قَوْله رَحمَه الله تَعَالَى
(وغزال كناسه المران ... مَا لقلب من مقلتيه أَمَان)
(ذى نواص كَأَنَّهَا ظلمَة الشّرك وَوجه كَأَنَّهُ الايمان ... )
(وَكَانَ العذار فى صفحة الخد كفور فى جيده فرقان ... )
(وَكَانَا من انسه ومحياه بروض تظلنا الافنان ... )
(خَدّه الْورْد والبنفسج صدغاه لعينى وثغره الاقحوان ... )
(وَكَانَ الحَدِيث مِنْهُ هُوَ اللُّؤْلُؤ يرفض بَيْننَا والجمان)
(وَكَانَ الندى والكاس تجلى ... فِيهِ أفق نجومه الندما)
(وَكَانَ الندمان فى رَوْضَة اللَّهْو غصون ثمارها الكتمان)
(يتعاطون أكؤس العتب اذ طَاف عَلَيْهِم بهَا المنى والامان ... )
(يَا سقى الله ذَلِك الزَّمَان وحياه ملث من الرِّضَا هتان ... )
(زمن كُله ربيع وعيش ... غصنه يَانِع الجنا فينان)
(مر لى بالشآم والعيش غض ... وشبابى يزينه العنفوان)
(ابْن عشر وَأَرْبع وثمان ... هى عيدى وَبَعضهَا مهرجان)
وَقَوله
(لحظات ترمى الحشا بِنِبَالٍ ... قاتلات ولات حِين قتال)
(وخدود كالورد لونا وطعما ... صقلتها صبا البها وَالْجمال)
(وثنايا كَاللُّؤْلُؤِ الرطب يزرى ... حسن نظم لَهَا بِعقد اللآلى)
(وقوام يحْكى العوالى وَلَكِن ... فعله فى الْقُلُوب فعل العوالى)
(من نصيرى على الحبيب المفدى ... بنفوس منا كرام غول)
(قمر يخجل الشموس سناء ... وقضيب يسقى بِمَاء الدَّلال)
(وغزال للمسك فى الْغم مِنْهُ ... نفحات تفوق مسك الغزال)
(قَامَ يشدو بِذكر خمرة دن ... عِنْد سمعى فاسكرت آمالى)
(خمرة صورت عصارة خمر ... لظنون فى أكؤس من آل)
(غادرتنى أيدى هَوَاهُ بجسم ... ناحل مَا حل كربع بَال)
(أَتَمَنَّى خياله وبعيد ... أَن يزور الخيال طيف الخيال)
وَمن خمرياته أَيْضا قَوْله
(أدر المدامة يَا نديمى ... حَمْرَاء كالخد اللطيم)
(تسرى بأرواح النهى ... كالبرء فى الْجِسْم السقيم)
(وأقم اذا جن الدجى ... مترديا ظلّ الكروم)
(فالجو راق كانما ... صقلته أنفاس النسيم)
(وتبددت زهر النُّجُوم تبدد العقد النظيم ... )
(قُم هَاتِهَا واستحلبها ... من كف ذى شجو رخيم)
(بدر يُرِيك محاسنا ... يسبى بهَا عقل الْحَلِيم)
(ان مَاس يزرى بالقنا ... واذا رنا فبكل ريم)
(فى رَوْضَة نسجت بهَا ... أيدى الصِّبَا حبر الجميم)
(ضحِكت بهَا الازهار لما أَن بَكَى جفن الغيوم ... )
(كم لَيْلَة قضيتها ... فى ظلها الضافى الاديم)
(متذكرا عهد الدمى ... متناسيا ذكر الرسوم)
(نشوان من خمر الصِّبَا ... جذلان بالانس الْمُقِيم)
(حَيْثُ الشبيبة غضة ... وَالْوَقْت مقتبل النَّعيم)
وَقَوله
(قُم للمدامة يَا نديم فانها ... شرك المنى وحبالة الافراح)
(حَمْرَاء صَافِيَة المزاج كَأَنَّهَا ... ورد الخدود أذيب فى الاقداح)
(شمس اذا بزغت لعينك فى الدجى ... أغنتك عَن صبح وَعَن مِصْبَاح)
(مسكية أَنى فضضت ختامها ... عبق الندى من نشرها الفضاح)
(تفتر عَن حبب ثغور كؤسها ... كسقيط طل فى ثغور أقاح)
(يسقيكها رشأ اذا غنى بهَا ... رقصت لذاك معاطف الارواح)
وَقَوله
(أَلا هَات اسقنى كاسا فكاسا ... وحى بهَا ثَلَاثًا بل سداسا)
(فانى فى احتساها لَا أعاصى ... رشا تخذ الحشا منى كناسا)
(حبيب كلما أَلْقَاهُ يغضى ... فَلَو أَعْطيته آسا لآسى)
(يُرِيك اذا بدا قمرا منيرا ... وغصنا ان ثنى عطفا وماسا)
(ويبسم ثغره عَن أقحوان ... ويجلو خَدّه وردا وآسا)
(خلعت عذار نكى فى هَوَاهُ ... وَمَا راقبت فى حبيسه نَاسا)
(فأحلى الْحبّ مَا كَانَ افتضاحا ... وأشهى الْوَصْل مَا كَانَ اختلاسا)
وَقَوله
(زمن الرّبيع كنشوة العشاق ... غب التَّفَرُّق فى نَهَار تلاق)
(فانهض الى تِلْكَ الرياض مبكرا ... تبكير ذَات السجون والاطواق)
(واشرب على ورد ونرجس أيكة ... صبغا بلون الخد والاحداق)
(صهباء تلعب بالعقول وفعلها ... فعل الْهوى بالوا لَهُ المشتاق)
وَقَوله
(قُم هَاتِهَا فانتهاب الْعَيْش مغتنم ... من كف معتزل فى خير ابان)
(حَيْثُ الرياض اكتست من سندس حللا ... وتوجت بيواقيت وعقيان)
(والمسك فى الْفلك العلوى اذ رتعت ... غزالة الافق والكافور سيان)
وَمن ربيعياته قَوْله
(ومنتزه يروق الطّرف حسنا ... بِمَا فِيهِ من المرأى البديع)
(تجول كتائب الازهار فِيهِ ... وَقد كُسِيت حلى الْغَيْث المريع)
(وَبَات الْورْد فِيهَا وَهُوَ شَاك السِّلَاح يميد فى الدرْع المنيع)
(حكى منظم زنبقه طروسا ... وفيهَا عرض أَحْوَال الْجَمِيع)
(تنمق حليها أيدى النعامى ... وتبعثها الى ملك الرّبيع)
وَمن رياضياته أَيْضا قَوْله
(أربوثنا حيتك عَنَّا السحائب ... فانت لوجه الارض عين وحاجب)
(نزلنَا بِظِل السفح مِنْك فكلنا ... مُصِيب لانواع المسرة صائب)
(وبتنا وأفياء الغصون سماؤها ... فَنحْن بدور والندامى كواكب)
وَقَوله أَيْضا فى قصرهم المنجكى)
(قصر الامير بوادى النير بَين سقى ... رباك عَنى من الوسمى مدرار)
(كم مر لى فِيك أَيَّام هواجرها ... أصائل ولياليهن اسحار)
(حَيْثُ الشبيبة بكر فى غضارتها ... وللصبابة احلاف وأنصار)
(حَيْثُ الرياض تغثبينى حمائمها ... بالدف والجنك والسنطور لى جَار)
(حَيْثُ الخمائل أفلاك بهَا طلعت ... زهر من الزهر والندمان أقمار)
(حَيْثُ المدامة فِي زجاجتها ... يديرها سعار ... )
(عطرية نفضت فِيهَا عوارضه ... فتيت مسك لَهُ الارواح سفار)
(ياقوتة أفرغت فِي قشره لُؤْلُؤ ... فلاح مِنْهَا نور الْمنَار)
(شمس تعاطيتها من راحتى قمر ... لَهُ من الْحسن مَا يرضى ويختار)
(يسْعَى الى بهَا تَحت الدجى حذرا ... من الوشاة لَان اللَّيْل ستار)
(متوج الراح بالابريق ذُو قرط ... مثل الْهلَال لَهُ الجوزاء زنار)
(سقى وساقيه من رَاح وَمن قدح ... الى الصَّباح فمرباح ومخار)
(يضمنا بأعالى الْقصر ثوب هدى ... زرت عَلَيْهِ من الاشواق أزرار)
(متع الطّرف منى فى محاسنه ... وَلَيْسَ عندى من العذال اشعار)
(حَتَّى تيقظ دهرى بعد مَا غفلت ... عَنى حوادثه والدهر غدار)
وَمن غرامياته قَوْله
(نفس تعلل بالامانى ... لَا بالقناني والبقنانى)
(ومدامع مسفوحة ... بَين الْمعَاهد والمغانى)
(وأبيت مضموم الْيَدَيْنِ على الترائب والجنان)
(أَشْكُو الصبابة للصبابة بالمدامع لَا اللِّسَان)
(وَأَقُول اذ هَتَفت بِنَا ... ورق شَجَّاهَا مَا شجانى)
(يَا ورق مَا هَذَا النواح فبعض مَا عندى كفانى ... )
(غادرت بَين الغوطتين ... بمنزلى السامى الْمَكَان)
(أَو مَالهَا كبد على مذابة مِمَّا دهانى ... )
(تستخبر الركْبَان عَن ... حالى وتندب كل آن)
(فَعَسَى الذى أبلى يعين ويلتقى ناء بدان ... )
وَمن زهدياته قَوْله
(أرح مطايا الامانى واترك الطلبا ... لم يبْق فى الْعُمر شئ يُوجب التعبا)
(قد أطلعتنى على الاشياء تجربة ... مَا غادرت لى فى شئ اذا أربا)
(مَا زَالَ يمنعنى مَا رمته أدبى ... حَتَّى طفقت لعمرى أكره الادبا)
(حتام يغْرس عندى من بليت بِهِ ... غرس الوعود ويجنى مطمعى الكذبا)
(ان قلت واحربا فى الدَّهْر ملتمسا ... مِنْهُ الاعانة قَالَ الدَّهْر واحربا)
وَقَوله
(لَا أطلبن مراما لست أدْركهُ ... وان رقت بى الى أَعلَى الذرى هممى)
(وَلَا يلذ لسمعى ذكر سالفه ... من النَّعيم مَضَت كالطيف فى الْحلم)
(مالى وَعرض الْجنان السَّبع لَو وضعت ... وَلم يكن لى فِيهَا مَوضِع الْقدَم)
وَمن فخرياته رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله
(نشأت بمهدى رفيع الذرى ... وحولى الظباء وَأسد الشرى)
(ونادمت كل سخى الْوُجُود ... يطعم نيرانه العنبرا)
(ووالدى الشهم فَحل الرِّجَال ... وجدى الامير أَمِير الورى)
(وان يمم الضَّيْف أحياءنا ... بذلنا لَهُ الرّوح دون الْقرى)
(وَلَكِن أَنَاخَ علينا الزَّمَان ... وخان عهودا لنا وافترى)
وَقَوله أَيْضا
(لعمرى لَيْسَ بالاشعار فخرى ... وَلَكِن بالقواضب والعوالى)
(وأحسابى لِسَان الدَّهْر يَتْلُو ... مآثرها على سمع الليالى)
(وبذلى للنضار بِغَيْر من ... على مَقْدُور موجودى ومالى)
(وآلى تستقى مِنْهَا بحور ... وأبحر من يفاخر لمع آل)
(فَقل لى ابْن بنت أَبى مداس ... بعم أَنْت تفحر أم بخال)
(وترفل فى ثِيَاب الْكبر تعسا ... لمثلك قد عريت من المعالى)
(وترمى آل منجك بانتقاص ... وهم أهل الْفَضَائِل والكمال)
(أتنصدع السَّمَاء بنبح كلب ... ام الشعرى العبور ربه تبالى)
(تسب صحابة الْمُخْتَار حينا ... وحينا تدعى حبا لآل)
(ويكرهك الْجَمِيع كَمَا كرهنا ... لارجلنا الْعَتِيق من النِّعَال)
(أَلا دعنى وشانى يَا ابْن ودى ... ومحوى كل شخص من خيالى)
(فَمَا ترك الصدود لَدَى شَيْئا ... يسر من الاحبة بالوصال)
(نقضت بِهِ الامانى من عهود ... أكلفها حَقِيقَة ذى ملال)
(أيقصد من أسربه سيوفه ... طبعن لضرب أَعْنَاق الرِّجَال)
وَله
(ان تغزلت أَو مدحت فانى ... لست بالشاعر المطيل كلامى)
(أَنا من معشرهم النَّاس أَمْسوا ... لم يداروا الورى لاجل مرام)
(كل من قد مدحته فَهُوَ دونى ... وحبِيب هويته فغلامى)
وَله
(دعنى من الشّعْر ان الشّعْر منقصة ... فالمجد يختال بَين الْبيض والاسل)
(لَا تدركنه وان راجت جواهره ... فَالْعقد للنحود لَا للفارس البطل)
(أسْتَغْفر الله من شعر مدحت بِهِ ... قوما مديحهم من أعظم الزلل)
وَقَالَ أَيْضا رَحمَه الله تَعَالَى فى ذمّ الشّعْر
(انى أرى الشُّعَرَاء أفنوا دهرهم ... فى وصف كل حَبِيبَة وحبِيب)
(ومضوا وَلم يحظوا بوصل مِنْهُمَا ... بتأسف وتلهف ونحيب)
(وسواهم يحظى بِمن وصفوا لَهُ ... فهم من القواد فى التَّرْغِيب)
(لكنما القواد تظفر بالعطا ... وهم بمقت النَّاس والتكذيب)
وَمن حكمياته قَوْله
(مَا فَاتَ فَاتَ وَلَيْسَ تعلم مَا الذى ... يَأْتِيك من قبل الزَّمَان الْمقبل)
(لم تلف الا مدْركا أَو آخرا ... يرْوى وينقل مخبرا عَن أول)
(فاذا تَأَمَّلت الثرى ألفيته ... غرر الْمُلُوك تداس تَحت الارجل)
وَقَوله
(لَا تغترر بشبابك الغض الذى ... أَيَّامه قمر يلوح ويأفل)
(ودع اتِّبَاع النَّفس عَنْك فانما ... حب الْجمال الصَّبْر عَنهُ أجمل)
(نعم الْعُيُون الفاتنات قواتل ... لَكِن سِهَام الله مِنْهَا أقتل)
وَقَالَ ذكر الزمخشرى فى كِتَابه ربيع الابرار ان الواقدى شكى لِلْمَأْمُونِ فاقة نزلت بِهِ وديونا لم يعين مقدارها فَوَقع لَهُ الْمَأْمُون فِيك خلَّتَانِ سخاء وحياء فالسخاء أبلى يدك بتبذير مَا ملكت وَالْحيَاء مَنعك أَن تذكر لنا فَوق حَاجَتك فان كُنَّا قَصرنَا فبجنايتك على نَفسك وان كُنَّا بلغناك بغيتك فزد فى بسط كفك فخزائن الله تَعَالَى مَفْتُوحَة وَيَده بالخيرات مبسوطة وَأَنت كنت حدثتنى اذ كنت قَاضِيا للرشيد أَنه قَالَ
وخزائن الرزق بازاء الْعَرْش ينزل للنَّاس أَرْزَاقهم على قدر نفقاتهم فَمن كثر كثر لَهُ وَمن قلل قلل عَلَيْهِ فَقَالَ الواقدى مَا فرحت بِالْعَطِيَّةِ مَا فرحت بِالْحَدِيثِ فانى كنت نَسِيته وَقد نظم الامير هَذَا الْمَعْنى قَالَ
(زَعَمُوا بِأَن الواقدى قد اشْتَكَى ... من فاقة وأغاثه الْمَأْمُون)
(وروى لَهُ معنى الحَدِيث فانه ... قد قَالَ خير الْعَالمين أَمِين)
(بازاء عرش الله جلّ جَلَاله ... رزق الورى بخزائن مخزون)
(فمكثر لمكثر ومقلل ... لمقلل للرزق وَهُوَ خرين)
(فابسط يَمِينك بالعطاء وَلَا تخف ... فَالله رَبك كافل وضمين)
(فعمدت لما أَن سَمِعت مقاله ... لمطيتى وَمن الْعُيُون عُيُون)
(وقصدت بَاب الله أَرْجُو فَضله ... اذ كل فضل دون ذَلِك دون)
(فَعَسَى الْمَوَاهِب ان تكون قريبَة ... منى ويسعد طالعى ويعين)
(وَأَقُول هاتوا يَا بنى رحالكُمْ ... وتمتعوا فَكَذَا الهبات تكون)
وَمن رباعياته الْمُتَعَلّقَة بالالهيات والنصائح قَوْله
(فى حُسَيْن اذا مَا ... أردْت نطقا يَقِينا)
(جوانحى للسانى ... تَقول ألله فِينَا)
وَقَوله
(ان آمالنا الَّتِى شَغَلَتْنَا ... عَن طلاب الحظوظ والارزاق)
(آيستنا من كل شئ وَلَكِن ... مَا أيسنا من رَحْمَة الخلاق)
وَقَوله
(اشغل فُؤَادك بالتقى ... وَاحْذَرْ زَمَانك تلتهى)
(واعمل لوجه وَاحِد ... يَكْفِيك كل الاوجه)
وَقَوله
(الام أحمل من نفسى وَمن نفسى ... عبئا من الاثم فِي صبحى وفى غلسى)
(عَسى الْكَرِيم بلطف مِنْهُ ينقذنى ... منى فاخلص شرورى الطبر من قفسى)
وَقَوله
(تزَود فَخير الزَّاد مَا كَانَ بَاقِيا ... وخلا الامانى المسفرات عَن الكرب)
(يسَار الليالى مِنْك فى الاخذ لم تزل ... بأسرع من يمناك فى طلب الْكسْب)
وَقَوله
(مهلا سفينة آمالى لَعَلَّ بِأَن ... تهب نحوى ريَاح اللطف وَالْكَرم)
(وَيَا حظوظى رفقا لست مدركة ... غير الذى قسم الارزاق فى الْقدَم)
وَقَوله
(لَا تتهم بالسوء دهرك انه ... جبل يُجيب صداك مِنْهُ صداء)
(مرآتك الدُّنْيَا وفعلك صُورَة ... فِيهَا فَمَا الشنعاء والحسناء)
وَقَوله
(ربح المخلصون بالاخلاص ... وَاكْتفى العابدون هول الْقصاص)
(وَأَنا المذنب الذى بسوى الْعَفو بعيد من الْجَحِيم خلاصى ... )
وَقَوله
(سيدى مَا قنطت مِنْك وَلَا رَاع فؤادى من الخطا مَحْذُور)
(ان أكن راجيا فَأَنت جواد ... أَو أكن مذنبا فانت الغفور)
وَقَوله يَا الهى هبنى لعفوك انى ... وَجل الْقلب من شنيع الذُّنُوب)
(حسناتى جَمِيعهَا سيئات ... واعتذارى اليك عين الذُّنُوب)
وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى بتوسل بالنبى
(اليك رَسُول الله وجهت وجهتى ... لانك أَنْت الْمُنعم المتفضل)
(وَلَا نصر الا من جنابك يرتجى ... وَلَا غيث الا من يَمِينك يهطل)
وَكَانَ قبل مَوته بِنَحْوِ سنة ترك الْعُزْلَة وَظهر وعاشر قرناءه الَّذين ألفهم من زمن الصِّبَا مِنْهُم والدى المرحوم فَكَانَ كل يَوْم غَالِبا يزور أَبى فيتفرغ عَن جَمِيع اشغاله لمحادثته وَكَانَ يَقع بَينهمَا محاورات عَجِيبَة ومحادثات غَرِيبَة وَكنت أَنا أَقف فى خدمتهما وَكَثِيرًا مَا يخاطبنى الامير وَيطْلب من والدى دواوين الشُّعَرَاء المفلقين ويجلسنى ويأمرنى بِقِرَاءَة قصائد ينتقيها لى ويسألنى عَن بعض أَلْفَاظ مغلقة مِنْهَا فَأُجِيبَهُ عَمَّا أعرفهُ وَكَانَ يَدْعُو لى ويحرص على فَوَائِد يلقيها الى وكتبت عَنهُ فى ذَلِك الاثناء أناشيد كَثِيرَة من شعره وَشعر غَيره وَمَا رَأَيْته يغالى بشئ من شعره الغزلى بِأَكْثَرَ من هَذِه الابيات وهى قَوْله رَحمَه الله تَعَالَى
(قد زارنى وَكَأَنَّهُ رَيْحَانَة ... يَهْتَز من تَحت القباء الاخضر)
(فَظَنَنْت مِنْهُ ضمن كلا سَلامَة ... من طيبه شمامة من عنبر)
(ولكنز مبسمه دَنَوْت فخلته ... ياقوتة ملئت بأنفس جَوْهَر)
(فهصرته هصر النسيم أراكة ... متلطفا حَتَّى كَأَن لم يشْعر)
(متعانقين على فرَاش صِيَانة ... متحذرين من الصَّباح المسفر)
وكتبت عَنهُ من املائه قَوْله يمدح أَبى رحمهمَا الله تَعَالَى
(أرى الْعُمر فى غير السرُور مضيعا ... وَمن ودع الاحباب روحا مودعا)
(فانى قد نازلت كل كريهة ... وقضيت فى النعماء عزا منوعا)
(وجالست أَرْبَاب الْفَضَائِل يافعا ... وشاهدت أقمار الكمالات طلعا)
(وصادفت فضل الله وَابْن محبَّة ... أجل بنى الدُّنْيَا وَأكْرم من سعى)
(فَلَا من كَسَاه الله ثوبا كمن غَدا ... عَلَيْهِ لثوب مستعار مرقعا)
(وَلَا من يُصِيب النَّاس أنواء فَضله ... كمن رَاح يرضى بِالْقَلِيلِ تقنعا)
وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى يمدح بعض الاعيان
(بذاتك طابت فى الْوُجُود العناصر ... وقرت عُيُون واطمأنت سرائر)
(وأيسر وصف من جميلك دوحة ... يجول بهَا فكر ويرتع نَاظر)
(سقيت رياض الشُّكْر منى مآثرا ... تفتح مِنْهَا بالثناء أزاهر)
(أَزور وضدى لَا سواهُ مصاحبى ... حماك فتثنينى وحولى عشائر)
(اذا سرت خفف من عطاياك اننى ... ليثقل ظهرى جودك المتكاثر)
(وَمَا أَنا من يَأْبَى نداك وانما ... يمل من السحب الثقال الْمُسَافِر)
(كفانى عزا اننى بك لائذ ... وحسبك فخرا أننى لَك شَاعِر)
وَحضر يَوْمًا عِنْد والدى فَقَالَ لى اكْتُبْ مَا أمْلى عَلَيْك وَهُوَ مِمَّا نظمته فى هَذِه اللَّيْلَة ثمَّ أنْشد هَذِه الابيات معرضًا بِجَمَاعَة من صُدُور دمشق فَقَالَ
(أسود على مَا تدعيه نُفُوسهم ... نمال اذا عدوا ليَوْم رهان)
(يسؤوننى فى القَوْل غيبا وانهم ... لتسدى لَهُم نعماى طول زمَان)
(وَأمسى مروعا من مَخَافَة عتبهم ... وهم تَحت ظلى رأفتى وامانى)
(وَلم أنس مَا قد قَالَ والدى الذى ... تعوض عَن دنياهم بجنان)
(أَبَت همتى العلياء عَنى أَن ترى ... رجَالًا مكانى لَا تسد مكانى)
ثمَّ سمعته بعد أَيَّام يَقُول قد ظَفرت فى مسوداتى الْقَدِيمَة بِهَذِهِ الابيات الْخَمْسَة وَكنت قد نظمتها من مُنْذُ خمس وَثَلَاثِينَ سنة والآن توارد الْفِكر فِيهَا وَهَذَا غَرِيب ثمَّ بعد مُدَّة اخْتَلَط وَظَهَرت فِيهِ أَحْوَال الطاعنين فى السن وتناقضت أَقْوَاله ثمَّ مرض وَطَالَ بِهِ الْمَرَض مُدَّة أشهر ونظم فى مَرضه هَذِه القصيدة المطولة وَلَيْسَت من // حسن شعره بل هى ضَعِيفَة من ضَعِيف // ومطلعها
(دَار عَلَيْهَا وَحْشَة وقتام ... )
وَتوفى عقيب نظمها بأيام وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَانِينَ وَألف عَن ثَلَاث وَسبعين سنة وَدفن بتربتهم بِجَامِع جدهم بميدان الْحَصَا وروى عَنهُ انه قَالَ عِنْد حَالَة نَزعه أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {يَا حَيّ يَا قيوم بِرَحْمَتك أستغيث وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على جَمِيع الانبياء وَالْمُرْسلِينَ وعَلى خَاتم الرُّسُل الْكِرَام الذى هدَانَا ودلنا على سَبِيل الله أشهد الله على وَمَلَائِكَته بأنى أشهد أَن لَا اله الا الله آمَنت بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وَالْقدر خَيره وشره من الله تَعَالَى الى يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون الا من أَتَى الله بقلب سليم وَحكى انه رأى الْغَوْث فى رَابِع وعشرى جُمَادَى الْآخِرَة وَبَين يَدَيْهِ أَبُو الْغَيْث وَاقِفًا فى حرم الْمَدِينَة المنورة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام وَهُوَ ينشد هَذِه الابيات
(يَا أَبَا الْغَيْث هَل يُجَاب دُعَاء ... رحت تَدعُوهُ من لسانى وتسأل}
(ويجئ المشير مِنْك بشيرا ... بالتهانى يَقُول سعدك أقبل)
(كنت أَشْقَى الانام قولا وفعلا ... فَعَلَيْك الْكَرِيم لطفا تفضل)
(كل هَذَا بِفضل أَحْمد اذ كَانَ شَفِيعًا ذَاك النبى الْمفضل ... )
فأنشدنى رجل بِغَيْر صَوت أسمعهُ وَلَا أرَاهُ وَأَظنهُ ملكا مقربا
(هاكها قد أتتك وَالْخَيْر يَتْلُو ... بعضه الْبَعْض والمواهب تترى)
(سَوف يَأْتِيك مَا أَقُول قَرِيبا ... سَوف تلقى من بعد كسرك جبرا)
(سَوف يَأْتِيك مَا أَقُول قَرِيبا ... سوفى تلقى من بعد عسرك يسرا)
(كنت كَلْبا فهاك قد صرت ليثا ... تختشيك الاسود سرا وجهرا)
وَقَالَ لى أَمِير الْمُؤمنِينَ سعد بن عبَادَة قَالَ لعرابة وَهُوَ تابعى أرى كثيرا من النَّاس يَقُولُونَ يَا رب خَاتِمَة الْخَيْر وَالْخَوْف من السَّابِقَة قَالَ الله تَعَالَى بعد أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {ان الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} فَقلت يَا سيدى كَيفَ حَال الْوَاحِد منا من العصاة بعد قَوْله لَو علم الْمَرْء مَا يَأْتِيهِ بعد الْمَوْت مَا أكل أَكلَة وَلَا شرب شربة الا وَهُوَ يبكى وَيضْرب على صَدره فجاءنى شيخ الاسلام الشَّيْخ مُحَمَّد البطنينى وَقَالَ لى أما حدثتك بِحَدِيث رَسُول الله انه قَالَ أقيلوا ذوى الْبيُوت عثراتهم فان الله نَاظر اليهم وان كَانَ جدك مَمْلُوكا وَجَدْتُك جَارِيَة حبشية غفر الله لَك وَقد غفر لَك ببيتين قلتهما أَيَّام كنت لبطنك وفرجك وهما
(حتام سفن اما بَينا على يبس ... تجرى بجنح ظلام مطفئ القبس)
(لَعَلَّ من جَانب الالطاف يدركا ... ريح النجَاة فننجوا آخر النَّفس)
وَقَالَ
ان من الشّعْر لحكمة وان من الْبَيَان لسحرا فَكَانَ سَبَب خلاصى ببيتين وَكنت قد نسيتهما كَمَا وَقع لِابْنِ هانى المكنى بأبى نواس الحكمى غفر لَهُ بِأَبْيَات قَالَهَا وهى قَوْله
(تَأمل فى رياض الارض وَانْظُر ... الى آثَار مَا صنع المليك)
(عُيُون من لجين شاخصات ... باحداق كَمَا الذَّهَب السبيك)
(على قضب الزبرجد شاهدات ... بَان الله لَيْسَ لَهُ شريك)
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي الحموي.

 

 

المَنْجَكي
(1007 - 1080 هـ = 1598 - 1669 م)
منجك بن محمد بن منجك بن أبي بكر بن عبد القادر بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن منجك اليوسفي الكبير:
أكبر شعراء عصره. من أهل دمشق. من بيت إمارة ورياسة. أنفق في صباه ما ورثه عن أبيه، وانزوى. ثم رحل إلى الديار الروميّة (التركية) ومدح السلطان (إبراهيم) ولم يظفر بطائل، فعاد إلى دمشق (سنة 1056 هـ وعاش في ستر وجاه إلى أن توفي بها.
وكان يحذو في شعره حذو أبي فراس الحمداني. له (ديوان شعر - ط) جمعه بعد وفاته فَضْل الله الُمحِبيَّ (والد صاحب الخلاصة) و (مجموعة منجك باشا - خ) .
-الاعلام للزركلي-