مصطفى بن عبد الْحَلِيم البروسوى قاضى العساكر الْفَاضِل الْكَامِل الْمُؤَدب الْمُهَذّب الْحَاكِم الحاسم الفطن الذكى الحرى بِأَن ينشد فِيهِ
(قَاض اذا الْتبس الامران عَن لَهُ ... رأى يخلص بَين المَاء وَاللَّبن)
كَانَ أحد أَفْرَاد الزَّمَان مَعَ وفور فضل وَعلم وعقل واثق الْعَهْد صَادِق الود حسن التَّصَرُّف بَرِيئًا من الرِّيَاء والتكلف لَهُ ديانَة وَحسن سيرة مَعَ صِحَة فطنة وسلامة سريرة عفيف النَّفس نظيف الملبس طَاهِر الذبل قَرِيبا لخاطر المتأنس اشْتغل بِطَلَب الْعلم ببروسه على الْعَلامَة الْمولى مُحَمَّد البروسوى الْمَعْرُوف بِابْن المعيد الذى تولى قَضَاء قُضَاة الشَّام فى سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَعلا غَيره ثمَّ دخل قسطنطينية فى عنفوان شبابه واجتهد فى تَحْصِيل الْعُلُوم وَقَرَأَ على شيخ الاسلام عبد الرَّحِيم وَالْمولى يحيى بن عمر المنقارى ولازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا ثمَّ ورد فى صُحْبَة أَخِيه شيخ الاسلام مُحَمَّد الْمُقدم ذكره الى دمشق لما ولى قَضَاء مصر وناب عَنهُ بهَا ثمَّ درس بالروم ثمَّ ولى قَضَاء دمشق وَقدم اليها فى أَوَائِل سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وعظمه أهل دمشق حق التَّعْظِيم لما احتوى عَلَيْهِ من الْوَقار والبهاء فى نَفسه ولتقيده بفصل الاحكام على وَجه الْعِفَّة والاستقامة وَلكَون أَخِيه اذ ذَاك مفتى السلطنة وَمحل الانسان من عينهَا وجاءه خبر عَزله عَن الْفَتْوَى وَهُوَ قَاض وَلم يتأثر وَزَاد فى التصلب وقمع الْحُكَّام ثمَّ عزل غرَّة الْمحرم سنة ثَلَاث وَتوجه الى الرّوم نَهَار الْخَمِيس تَاسِع الْمحرم وسافر والدى المرحوم فى صحبته سفرته الثَّانِيَة قَالَ فى تَرْجَمته وَمَا رَأَيْته يَوْمًا اطاع سُلْطَان الْغَضَب فِيمَا لاقاه من الرَّاحَة والتعب وفى الحَدِيث ان فِيك لخصلتين يحبهما الله تَعَالَى الاناة والحلم ثمَّ بعد ذَلِك صَار قَاضِيا بِمصْر وَخرج عَلَيْهِ قطاع الطَّرِيق فى نواحى اسكى شهر وَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَه من اسباب وأمتعة ثمَّ ولى قَضَاء مَكَّة وَورد دمشق فى ثانى عشر شهر رَمَضَان سنة احدى وَثَمَانِينَ وَاتفقَ أَن أَخَاهُ كَانَ قدمهَا فى غرَّة رَجَب وَهُوَ مُتَوَجّه الى الْحَج وَاجْتمعَ بِهِ بعد عشر سنوات كَانَا لم يجتمعا فِيهَا وَسَار الى الْحَج ثمَّ ولى قَضَاء قسطنطينية ثمَّ قَضَاء الْعَسْكَر باناطولى فى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَاجْتمعت بِهِ وَهُوَ قاضيه فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ بأدرنه وأسدى إلى نعما طائلة ومدحته ثمَّ عزل بعد قدوم السُّلْطَان الى قسطنطينية فى احدى الجماديين سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأقَام بدار بمحلة السُّلْطَان سليم وَكَانَ تأنق فى عمارتها وَكَانَ شغفا بالمطالعة والتصحيحات وَعمر مدرسته بداخل قسطنطينية قبالة مدرسة شيخ الاسلام زَكَرِيَّا بِالْقربِ من حمام السُّلْطَان سليم وَبنى فِيهَا مدفنا ورتب فِيهِ قراء وَكَانَ تَمام بنائها فى أَوَائِل سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى وعزل فَلم تطل مدَّته بعد ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع وَعشْرين وَألف وَتوفى فى آخر ذى الْقعدَة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف وَدفن بتربته الَّتِى أَنْشَأَهَا رَحمَه الله تَعَالَى
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر المحبي الحموي.