مُحَمَّد بن مَحْمُود الشهير بحلوجى زَاده أحد موالى الرّوم الْمَشْهُورين بالادب وَالشعر وَكَانَ يتَخَلَّص على عَادَتهم بعارف ذكره ابْن نوعى فى ذيل الشقائق وَقَالَ فى تَرْجَمته قَرَأَ على عُلَمَاء دَار الْخلَافَة الى أَن وصل الى مرتبَة الاستعداد فلازم من المنلا حسام الدّين بن قره حلبى ودرس باحدى الثمان فى شهر ربيع الاول سنة ثَمَان بعد الالف ثمَّ وَجه اليه قَضَاء مغنيسا فى ذى الْقعدَة من هَذِه السّنة فَلم يفعل وَاخْتَارَ الْعَزْل فبقى معزولا الى صفر سنة عشْرين ثمَّ وَجه اليه التدريس باحدى الثمان ثمَّ ولى الْقَضَاء ازمير فى جُمَادَى الاخرة سنة احدى وَعشْرين ثمَّ قلبه فى شعْبَان من هَذِه السّنة ثمَّ قَضَاء الْقُدس فى شهر ربيع الاول سنة أَربع وَعشْرين ثمَّ قَضَاء أَيُّوب فى سنة ثَلَاثِينَ وَكَانَ فَاضلا لَهُ من كل فن نصيب وافر وشعره وانشاؤه مسبوكان فى قالب الرقة الا انه كَانَ متكيفا كثير الِاسْتِعْمَال للبرش وَكَانَ كثيرا مَا تَأْخُذهُ نشوة الكيف فيغرق ويستغرق بِهِ النعاس والسرد قَالَ ابْن نوعى وشهدته يَوْمًا وَقد حضر فى محفل جَامع وَكَانَ صدر الْمجْلس نفس زَاده مدرس الخانقية بوفاء وَكَانَ من متعينى أهل الْفضل وَكَانَ مُعْتَمد شيخ الاسلام صنع الله بن جَعْفَر فى أُمُوره ومستشاره الذى لَا يصدر الا عَن رَأْيه وَكَانَ فى نفس الامر من اهل الْعلم والوجاهة الا ان لَهُ كبر نفس وَدَعوى طائلة فَأخذ فى نقل بعض الماجريات وَأطَال بِحَيْثُ مله الْحَاضِرُونَ وَكَانَ فى أثْنَاء خطاباته يلْتَفت يمنة ويسرة ويتمشدق وَيحسن مَا يَقُوله وَوجد صَاحب التَّرْجَمَة فى غُضُون ذَلِك فرْصَة للنوم وَهُوَ يسْرد فاتفق أَنه رأى فى نَومه رجلا يحْكى لَهُ حِكَايَة لكنه أغرب فِيهَا حَتَّى ظن المترجم استحالتها فَهَب من نعسته وَنَفس زَاده نَاظر إِلَى جِهَته وَهُوَ يَقُول كل مَا تَقوله كذب لَا أصل لَهُ فَغَضب نفس زَاده واحتد وَقَامَ من الْمجْلس وَهُوَ يسبه فَاعْتَذر اليه صَاحب الْمجْلس بِالْبَيْتِ الْمَشْهُور
(لقد أسمعت لَو ناديت حَيا ... وَلَكِن لَا حَيَاة لمن تنادى)
فسكن غَضَبه بعض سُكُون الا ان أهل الْمجْلس عجبوا من وُقُوع هَذَا الامر على هَذِه الصُّورَة وَاسْتولى عَلَيْهِم الضحك فغلب الْحيَاء على نفس زَاده حَتَّى تصبب عرقا وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة من هَذَا الْقَبِيل نَوَادِر كَثِيرَة مطربة وَمِمَّا يستظرف مِنْهَا انه دخل على شيخ الاسلام اِسْعَدْ بن سعد الدّين وَكَانَ ولى قَضَاء أَيُّوب فَقَالَ لَهُ يسليه عَن تَوليته منصبا ارْفَعْ مِنْهُ ويرغبه فِيهِ ان أَيُّوب بِمَثَابَة شهنشين استانبول بِمَعْنى روزنتها فاستجاد صَاحب التَّرْجَمَة هَذَا التَّشْبِيه وَصَارَ يكْتب فى امضائه القاضى بشهنشين قسطنطينية وَهَذَا غَايَة فى سَلامَة الطَّبْع وَهَكَذَا تفعل فويضات البرش وجدت رقْعَة بِخَطِّهِ فِيهَا امضاؤه وَهَذَا نَصهَا وَثِيقَة ثقتى وَحجَّة مستنابى بمحكمتى بِالْبَابِ صَحِيحَة الِاحْتِجَاج من غير لجاج وارتياب وَأَنا الْفَقِير غفرت ذنوبى وسترت عيوبى مُحَمَّد الْمُبْتَلى بِالْقضَاءِ الايوبى الجارى على لِسَان أهل الْجنَّة الدريه الشهير بشهنشين قسطنطينية لَا زَالَ ظلال جلال حاميها غير مفارق أهاليها يَوْم الْحساب عفى عَنهُ الرب الْوَهَّاب وَكَانَت وَفَاته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.