الْحسن بن علي بن الْحسن بن علي بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن صَالح بن مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن أَحْمد بن حَنش
وَبَقِيَّة نسبه مَعْرُوفَة فَلهُ سلف صَالح فيهم الْعلمَاء والقضاة والصلحاء وبيتهم مَشْهُور فى الديار اليمنية ولد بشهاره في سنة 1153 ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة وَألف ورحل من وَطنه لطلب الْعلم إِلَى مَدِينَة صنعاء فَأخذ عَن جمَاعَة من أعيانها كالسيد الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن اسماعيل الْأَمِير فِي الحَدِيث
والقاضى الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن قَرَأَ عَلَيْهِ فى مغنى اللبيب ورسالة الْوَضع للهروى وَغَيرهمَا وَالسَّيِّد الْعَلامَة إسحاق بن يُوسُف بن المتَوَكل قَرَأَ عَلَيْهِ في المعالجة والقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال في الْعَرَبيَّة والقاضى حسن ابْن مُحَمَّد المغربي في شرح بُلُوغ المرام وَشَيخنَا الْعَلامَة علي بن إبراهيم بن عَامر وَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي غَايَة السؤل وَشَرحهَا وسيرة الشامي وَشَيخنَا الْعَلامَة الْأَكْبَر السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد قرأ عَلَيْهِ فِي جَامع الْأُصُول لِابْنِ الأثير وَغَيره وَولده الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر قَرَأَ عَلَيْهِ في الْغَايَة وَشَرحهَا وفي صَحِيح البُخَارِيّ وَقَرَأَ القراآت السَّبع على شيخها المتفرد بمعرفتها الْفَقِيه علي اليدومي وَأول من اتَّصل بِهِ عِنْد وُصُوله إلى صنعاء الْفَقِيه إسماعيل بن مُحَمَّد حَنش وَقَرَأَ عَلَيْهِ وأعانه على الطلب وَولى في أَوَائِل عمره أعمالاً من وقف وَغَيره ثمَّ أمره مَوْلَانَا الإمام المهدي أَن يتَّصل بولده مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله ليقْرَأ عَلَيْهِ فاتصل بِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ ولازمه مُدَّة ثمَّ لما مَاتَ الإمام الْمهْدي وبويع مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه أناط بِصَاحِب التَّرْجَمَة أعمالاً وصيره أحد وزرائه المقربين عِنْده وَجعل بنظره بعض الْبِلَاد اليمنية وَبَالغ في تَعْظِيمه لكَونه شَيْخه في الْعلم وَلم يعامله مُعَاملَة سَائِر الوزراء وَإِذا نَاب الدولة أَمر يتَعَلَّق بالأمور الشَّرْعِيَّة كَانَ التعويل عَلَيْهِ فى الْغَالِب وغالب مَا يتَحَصَّل لَهُ يُنْفِقهُ على الْعلمَاء ويواسي بِهِ الْفُضَلَاء والفقراء على وَجه لايحب أَن يطلع عَلَيْهِ أحد وَمَا زَالَ هَذَا دأبه وديدنه من أول وزارته إِلَى حَال تَحْرِير
هَذَا نَحْو ثَلَاث وَعشْرين سنة وَهُوَ لَا يزْدَاد إلا خيّراً وإنفاقاً على من يسْتَحق ذَلِك وَهُوَ فى هَذِه الْخصْلَة مُنْقَطع القرين عديم النظير لَا سِيمَا في هَذَا الْعَصْر فإنه قد يعْطى بعض المحاويج الَّذين لَا يتصلون بِهِ عَطاء يُجَاوز الْوَصْف في الْكَثْرَة ويشتري الْبيُوت ويهبها لمن لَا بَيت لَهُ ويعين من أَرَادَ أَن يشترى بَيْتا اذا كَانَ مُسْتَحقّا لَا كثر الثّمن أوكله وَقد صنع هَذَا المصنع مَعَ أنَاس كثيرين وَهُوَ يكره ظُهُور ذَلِك واطلاع النَّاس عَلَيْهِ وَذَلِكَ دَلِيل الخلوص وأنى لَا كثر التَّعَجُّب من كَثْرَة صدقاته الَّتِى مِنْهَا مَا يبلغ الْمِائَة القرش وفوقها ودونها بل أخبرني بعض الْعلمَاء أَنه اطلع على مَا وهبه لبَعض الْعلمَاء وَكَانَت جملَته ألف قِرْش دفْعَة وَاحِدَة وأخبرني آخر أَنه بلغ إعطاؤه لعالم آخر اثنتي عشرَة مائَة قِرْش دفْعَة وَاحِدَة وناهيك بِهَذَا فإن عَطاء الْمُلُوك في عصرنا يتقاصر عَنهُ ويزداد التَّعَجُّب من استمراره على ذَلِك كَيفَ قدر على الْقيام بِهِ مَعَ أَن غَيره مِمَّن بنظره أَعمال أَكثر من أَعماله ومدخولات أوفر من مدخزلاته قد لَا يقوم مَا يتَحَصَّل لَهُ بِمَا يستغرقه لخاصة نَفسه وَأَهله فضلاً عَن غير ذَلِك ثمَّ أذكر قَول الله تَعَالَى وَمَا أنفقتم من شئ فَهُوَ يخلفه وَقَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم أنْفق ينْفق عَلَيْك فَأعْلم عِنْد ذَلِك السَّبَب وَمَعَ هَذَا فَهُوَ فِي عَيْش فائق مترفه فِي ملبوسه ومأكوله ومسكنه ومركبه وَجَمِيع أَحْوَاله على حد يقصر عَنهُ أَمْثَاله قد جمع الله لَهُ من نعم الدُّنْيَا مَالا يُدْرِكهُ غَيره وَأَعْطَاهُ من الكمالات مَالا يُوجد مجتمعاً فِي سواهُ فإنه مَعَ إحكامه لما يتَعَلَّق بِهِ من الْأَعْمَال الدولية مَعْدُود من الْعلمَاء مَذْكُور فِي الفرسان مَشْهُور بِحسن الرماية جيد الْخط قوي النثر حسن الْأَخْلَاق وَكَانَ بشوشاً متواضعاً سيوساً جلياً وقوراً سَاكِنا عفيفا مواظبا
على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة كثير الأذكار محباً للْفُقَرَاء وَلَا سِيمَا إذا كَانُوا من أهل بَيت النُّبُوَّة رَاغِبًا في الْخَيْر كافاً لنَفسِهِ عَن الشَّرّ مُعظما للشَّرْع مجالسه مُشْتَمِلَة على المباحثات العلمية والمفاكهات الأدبية مقرباً لأهل الْفضل مُبْعدًا لأهل البطالة حسن المحاضرة قوي المباحثة جيد الْفَهم حسن الادراك ينشط اذا سُئِلَ عَن مسئلة علمية ويبحث ويستخرج بدقيق ذهنه فرائد بديعة يعرف النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول والقراآت وَالتَّفْسِير وَيعْمل بِجَمِيعِ هَذِه الْفُنُون وَله كَمَال الِاشْتِغَال والعناية بِعلم الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْعَمَل بِمَا تَقْتَضِيه الأدلة وَلَا يبالي بِمَا عدا ذَلِك ولديه من الْكتب النفيسة مَالا يُوجد عِنْد غَيره وبيني وَبَينه من خَالص الوداد مَالا أقدر على التَّعْبِير عَن بعضه وَمَا أعده إِلَّا بِمَنْزِلَة الْوَالِد وَهُوَ ينزلني منزلَة الْوَلَد ويجلّني إجلال الْوَالِد وَقد اتفقت الألسن على الثَّنَاء عَلَيْهِ وَنشر محاسنه مَعَ أَن النَّاس لَا يرضون عَن المتعلقين بأعمال الدولة وَلَكِن رَأَوْا فِيهِ من المحاسن مَالا يُمكن جَحده وَالْحَاصِل أَنه للدولة جمال وَلأَهل الْعلم جلال وللفقراء ذخيرة أفضال طَالَتْ أَيَّامه ومدت أعوامه وَفِي سنة إحدى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف حصل لَهُ نِسْيَان وَكَثْرَة سَهْو فباشر مَا بنظره من الأعمال بعض قرَابَته فَلم يحسن الْمُبَاشرَة وَمَا زَالَ ذَلِك الْعَارِض يتزايد وفي سنة ثَلَاث وَعشْرين رجح رفع يَده عَن الْأَعْمَال الَّتِى كَانَ يُبَاشِرهَا ثمَّ أحاطت الدُّيُون بغالب مَا يملكهُ بِسَبَب مُبَاشرَة ذَلِك الْقَرِيب ثمَّ توفي إِلَى رَحْمَة الله يَوْم السبت خَامِس عشر شهر شعْبَان سنة 1225 خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف بِصَنْعَاء وقبر بمقبرتها
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني