الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح
أبي نواس الحسن
تاريخ الولادة | 145 هـ |
تاريخ الوفاة | 196 هـ |
العمر | 51 سنة |
مكان الولادة | البصرة - العراق |
مكان الوفاة | بغداد - العراق |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
أبو نواس
قال عمرو بن بحر الجاحظ: ما رأيت رجلاً أعلم باللغة من أبي نواس، ولا أفصح لهجةً؛ مع حلاوة ومجانبة للاستكره. وقال الشعر، وكان يستشهد بشعره.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان أبو نواس للمحدثين؛ كامرئ القيس للمتقدمين.
وقال إسحاق بن إسماعيل: قال أبو نواس: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب، منهم الخنساء وليلى؛ فما ظنك بالرجال! وقال ميمون: سألت أبا يوسف يعقوب بن السكيت عما يختار لي روايته من الشعر، فقال: إذا رويت من أشعار الجاهليين فلامرئ القيس والأعشى، ومن الإسلاميين فلجرير والفرزدق، ومن المحدثين فلأبي نواس، فحسبك.
وقال أبو العباس المبرد عن الجاحظ، قال: سمعت إبراهيم النظام يقول وقد أنشد شعر أبي نواس في الخمر: هذا الذي جمع له الكلام فاختار أحسنه.
وقال في حقه سفيان بن عيينة: هذا أشعر الناس - يعني أبا نواس.
وقال الجاحظ: لا أعرف من كلام الشعراء أرفع من قول أبي نواس:
أية نار قدح القادح ... وأي جد بلغ المازح
وأنشد الأبيات.
قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: دخلت على أبي نواس؛ وهو يجود بنفسه، فقلت: ما أعددت لهذا اليوم؟ فقال:
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وقال محمد بن زكرياء: دخلت على أبي نواس وهو يكيد بنفسه، فقال لي: أتكتب؟ فقلت: نعم، فأنشأ يقول:
دب في الفناء سفلاً وعلوا ... وأراني أموت عضواً فعضوا
ذهبت شرتي بحدة نفسي ... وتذكرت طاعة الله نضوا
ليس من ساعة مضت بي إلا ... نقصتني بمرها بي جزوا
لهف نفسى على ليال وايا ... م تمليتهن لعبا ولهوا
وأسأنا كل الإساءة يا ر ... ب فصفحاً عنا إلهي وعفوا
وحكى أبو جعفر الصائغ، قال: لما احتضر أبو نواس قال: اكتبوا هذه الأبيات على قبري:
وعظتك أجداثٌ صمت ... ونعتك أزمنةٌ عفت
وتكلمت عن أوجه ... تبكي وعن صورٍ سبت
وأرتك قبرك في القبو_ر وأنت حي لم تمت ورثى على قبره مكتوب:
يا كبير الذنب عفو الل ... هـ عن ذنبك أكبر
قال ابن أبي سعيد: مات أبو نواس سنة ثمان وتسعين ومائة.
وقال محمد بن الحسين الأنصاري سلف أبي نواس وجماعة آخر: ولد أبو نواس سنة خمس وأربعين ومائة، ومات ببغداد سنة ست وتسعين ومائة، في خلافة محمد الأمين بن الرشيد.
وقيل: ولد سنة ست وثلاثين ومائة ومات سنة خمس وتسعين ومائة، وكان عمره تسعاً وخمسين سنة، ودفن في مقابر الشونيزي.
وقال أحمد بن يحيى، عن محمد بن رافع، قال: كان أبو نواس لي صديقاً، فوقعت بيني وبينه هجرة في آخر عمره، ثم بلغتني وفاته؛ فتضاعف علي الحزن؛ فبينا أنا بين النائم واليقظان؛ إذا أنا به، فقلت: أبو نواس! فقال: لات حين كنية! قلت: الحسن بن هانئ؟ قال: نعم، قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بأبيات قلتها، هي تحت ثني الوسادة؛ فأتيت أهله؛ فلما أحسوا بي أجهشوا بالبكاء، فقلت: هل قال أخي شعراً قبل موته؟ قالوا: لا نعلم؛ إلا أنه دعا بدواة وقرطاس، وكتب شيئاً، لا ندري ما هو؟ فقلت: أتأذنون لي أن أدخل؟ فدخلت إلى مرقده، فإذا ثيابه لم تحرك بعد؛ فرفعت وسادة فلم أر شيئاً، ثم رفعت أخرى؛ فإذا أنا برقعة فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فبمن يلوذ ويستجير المجرم
أدعوك رب، كما أمرت، تضرعاً ... فإذا رددت يدي، فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلةٌ إلا الرجا ... وجميل عفوك ثم أني مسلم
نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.
أبو نواس
أبو علي الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح المعروف بأبي نواس الحكمي الشاعر المشهور؛ كان جده مولى الجراح بن عبد الله الحكمي والي خراسان، ونسبته إليه.
ذكر محمد بن داود بن الجراح في كتاب " الورقة " أن أبا نواس ولد بالبصرة ونشأ بها، ثم خرج إلى الكوفة مع والبة بن الحباب، ثم صار إلى بغداد. وقال غيره: إنه ولد بالأهواز ونقل منها وعمره سنتان. وأمه أهوازية اسمها جلبان، وكان أبوه من جند مروان بن محمد، آخر ملوك بني أمية، وكان من أهل دمشق، وانتقل إلى الأهواز للرباط فتزوج جلبان وأولدها عدة أولاد منهم: أبو نواس وأبو معاذ؛ فأما أبو نواس فأسلمته أمه إلى بعض العطارين، فرآه أبو أسامة والبة بن الحباب، فاستحلاه ، فقال له: إني أرى فيك مخايل، أرى لك أن لا تضيعها، وستقول الشعر، فاصحبني أخرجك ، فقال لهك ومن أنت فقال: أنا أبو أسامة والبة بن الحباب، فقال: نعم، أنا والله في طلبك، ولقد أردت الخروج إلى الكوفة بسبب لآخذ عنك وأسمع منك شعرك؛ فصار أبو نواس معه وقدم به بغداد، فكان أول ما قاله من الشعر، وهو صبي :
حامل الهوى تعب ... يستخفه الطرب
إن بكى يحق له ... ليس ما به لعب
تضحكين لاهية ... والمحب ينتحب
تعجبين من سقمي ... صحتي هي العجب وهي أبيات مشهورة.
وروى أن الخصيب صاحب ديوان الخراج بمصر سأل أبا نواس عن نسبه فقال: أغناني أدبي عن نسبي، فأمسك عنه.
وقال إسماعيل بن لوبخت: ما رأيت قط أوسع علماً من أبي نواس، ولا أحفظ منه مع قلة كتبه، ولقد فتشنا منزله بعد موته فما وجدنا له إلا قمطراً فيه جزاز مشتمل على غريب ونحو لا غير.
وهو في الطبقة الأولى من المولدين، وشعره عشرة أنواع، وهو مجيد في العشرة، وقد اعتنى بجمع شعره جماعة من الفضلاء: منهم أبو بكر الصولي وعلي بن حمزة وإبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري المعروف بتوزون، فلهذا يوجد ديوانه مختلفاً، ومع شهرة ديوانه لا حاجة إلى ذكر شيء منه.
[وكان أبو نواس قوي البديهة والارتجال؛ روي أن الخصيب قال له مرة وهو بالمسجد الجامع: أنت غير مدافع في الشعر ولكنك لا تخطب، فقام من فوره فقال مرتجلاً:
نحلتكم يا أهل مصر نصيحتي ... ألا فخذوا من ناصح بنصيب
رماكم أمير المؤمنين بحية ... أكول لحيات البلاد شروب
فإن يك باقي إثم فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب ثم التفت إليه وقال: والله لا يأتي بمثلها خطيب مصقع فكيف رأيت فاعتذر إليه وحلف: ما كنت إلا مازحاً] .
ورأيت في بعض الكتب أن المأمون كان يقول: لو وصفت الدنيا نفسها لما وصفت بمثل قول أبي نواس :
ألا كل حي هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق والبيت الأول ينظر إلى قول امرئ القيس :
فبعض اللوم عاذلتي فإني ... سيكفيني التجارب وانتسابي
إلى عرق الثرى وشجت عروقي ... وهذا الموت يسلبني شبابي وقد سبق في ترجمة الحسن البصري نظير هذا المعنى.
وما أحسن ظنه بربه عز وجل حيث يقول :
[تكثر ما استطعت من الخطايا ... إذا كان القدوم على كريم وقال وهي من رواية أخرى:]
تكثر ما استطعت من الخطايا ... فإنك بالغ ربا غفورا
ستبصر إن وردت عليه عفواً ... وتلقى سيداً ملكاً كبيرا
تعض ندامة كفيك مما ... تركت مخافة النار السرورا وهذا من أحسن المعاني وأغربها؛ وأخباره كثيرة.
ومن شعره الفائق المشهور قصيدته الميمية التي حسده عليها أبو تمام حبيب المقدم ذكره ووازنها بقوله :
دمن ألم بها فقال سلام ... كم حل عقدة صبره الإلمام وأول قصيدة أبي نواس المشار إليها، وهي مما مدح به الأمين محمد بن هارون الرشيد أيام خلافته :
يا دار ما صنعت بك الأيام ... لم يبق فيك بشاشة تستام يقول من جملتها في صفة ناقته:
وتجشمت بي هول كل تنوفة ... هوجاء فيها جرأة إقدام
تذر المطي وراءها فكأنها ... صف تقدمهن وهي إمام
وإذا المطي بنا بلغن محمداً ... فظهورهن على الرجال حرام وهذا البيت له حكاية سيأتي ذكرها في ترجمة ذي الرمة غيلان الشاعر المشهور.
وقد أذكرني هذا البيت واقعة جرت لي مع صاحبنا جمال الدين محمود ابن عبد الله الإربلي الأديب المجيد في صناعة الألحان وغير ذلك، فإنه جاءني إلى مجلس الحكم العزيز بالقاهرة المحروسة في بعض شهور سنة خمس وأربعين وستمائة وقعد عندي ساعة، وكان الناس يزدحمون لكثرة أشغالهم حينئذ، ثم نهض وخرج، فلم أشعر إلا وقد حضر غلامه وعلى يده رقعة مكتوب فيها هذه الأبيات:
يا أيها المولى الذي بوجوده ... أبدت محاسنها لنا الأيام
إني حججت إلى مقامك حجة ال ... أشواق لا ما يوجب الإسلام
وأنخت بالحرم الشريف مطيتي ... فتسربت واستاقها الأقوام
فظللت أنشد عند نشداني لها ... بيتاً لمن هو في القريض إمام
" وإذا المطي بنا بلغن محمداً ... فظهورهن على الرجال حرام " فوقفت عليها وقلت لغلامه: ما الخبر فذكر أنه لما قام من عندي وجد مداسة قد سرق، فاستحسنت منه هذا التضمين. والعرب يشبهون النعل بالراحلة، وقد جاء هذا في شعر المتقدمين والمتأخرين، واستعمله المتنبي في مواضع من شعره.
ثم جاءني من بعد جمال الدين المذكور، وجرى ذكر هذه الأبيات، فقلت له: ولكن أنا اسمي أحمد، لا محمد، فقال: علمت ذلك، ولكن أحمد ومحمد سواء، وهذا التضمين حسن ولو كان الاسم أي شيء كان.
وكان محمد الأمين المقدم ذكره قد سخط على أبي نواس لقضية جرت له معه، فتهدده بالقتل وحبسه، فكتب إليه من السجن :
بك أستجير من الردى ... متعوذاً من سطو باسك
وحياة رأسك لا أعو ... ذ لمثلها، وحاية رأسك
من ذا يكون أبا نوا ... سك إن قتلت أبا نواسك
وله معه وقائع كثيرة.
[حدث أحمد بن معاوية الباهلي عن عطاء الملك قال: دخلنا المسجد الجامع فإذا على السارية - مكتوب بخط جليل - التي إليها أبو عبيدة يجلس:
صلى الإله على لوط وشيعته ... أبا عبيدة قل بالله آمينا قال: فقال لي أبو عبيدة: امحه، قلت: لا أناله، فركع وارتفعت على ظهره حتى محوته فقلت: لم يبق إلا الطاء، فقال: الطامة في الطاء، فمحوتها، فلما جلس قال: والله ما أتهم بهذا إلا الخبيث الماجن المتهنك - يعني أبا نواس -؛ قال: فبلغ قوله أبا نواس، فحلف أنه لم يفعل ذلك، فقبل يمينه.
وكان أبو عبيدة يحب أبا نواس ويقدمه لظرفه وأدبه، وكان أبو نواس يتعلم من أبي عبيدة ويشنأ الأصمعي ويهجوه، فقيل له: ما تقول في الأصمعي فقال: بلبل في قفص؛ قيل: فما تقول في خلف الأحمر قال: جمع العلم وفهمه؛ قيل: فما تقول في أبي عبيدة قال: ذاك أديم طوي على علم] .
[وكان بمصر رجل يعرف بالحسن بن عمر الأجهري يقول الشعر الضعيف، وكان ناقص العقل، فقيل له: إن أردت أن يعلو شأنك في الشعر فاهج أبا نواس، فأتاه وهو جالس في المجلس والناس حوله فأنشده:
ألا قل للنواسي الض ... عيف الحال والقدر
خبرنا منك أحوالاً ... فلم نحمدك في الخبر
وما روعت بالمنظ ... ر ولكن رعت بالكدر قال: وكان هذا الشاعر من أوحش الناس صورة، فنظر إليه أبو نواس وقال: بم أهجوك وبأي شيء أصفك وقد سبقني الله تعالى إلى توحش منظرك وتقبيح مخبرك وهل أكون إن قلت شيئاً إلا سارقاً من ربي ومتكلفاً على ما قد كفاني فقال له بعض من معه: اهجه على حال لا نقول إنه أفحمك، فقال من وزن شعره:
بما أهجوك لا أدري ... لساني فيك لا يجري
إذا فكرت في هجو ... ك أبقيت على شعري قال: فقاموا على أبي نواس فقبلوا رأسه وصفقوا الأيدي جهرا] .
[حدث الصولي عن عبد الله بن محمد بن حفص قال: غلست يوماً إلى المسجد فإذا بأبي نواس يكلم امرأة عند باب المسجد، وكنت أعرفه في مجالس الحديث والآداب، فقلت له: مثلك يقف هذا الموقف بحق أو باطل فاعتذر ثم كتب إلي ذلك اليوم هذه الأبيات:
إن التي أبصرتها ... سحراً تكلمني رسول
دست إلي رسالة ... كادت لها نفسي تزول
من واضح الخدين يق ... صر خطوه ردف ثقيل
متنكب قوس الصبا ... يرمي وليس له رسيل
فلو أن أذنك عندنا ... حتى تسمع ما تقول
لرأيت ما استقبحت من ... أمري لديك هو الجميل] [وحكى الصولي عن إسماعيل بن نصر أخي محمد بن نصر الذي يقول فيه أبو نواس من جملة قصيد:
فصلى هذه في وقت هذي ... فكل صلاته أبداً قضاء
وذاك محمد تفديه نفسي ... وحق له وقل له الفداء] قال: رأيت أبا نواس وقد صلى الظهر وقام يتطوع فقلت له: ما بدا لك في
هذا قال: ليصعد إلى السماء اليوم خبر ظريف.
حكى الصولي عن أبي العتاهية قال: لقيت أبا نواس في المسجد الجامع فعذلته وقلت له: أما آن لك أن ترعوي أما حان لك أن تزدجر فرفع رأسه إلي وقال:
أتراني يا عتاهي ... تاركاً تلك الملاهي
أتراني مفسداً بالنس ... ك عند القوم جاهي قال: فلما ألححت عليه بالعذل أنشأ يقول:
لن ترجع الأنفس عن غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر قال: فوددت اني قلت هذا البيت بكل شيء قلته.
وقال أبو العتاهية: قد قلت عشرين ألف بيت في الزهد وددت أن لي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس وهي:
يا نواسي توقر ... وتعز وتصبر
إن يكن ساءك دهر ... فلما سرك أكثر يا كبير الذنب عفو الله عن ذنبك أكبر ... وأشيع عن أبي نواس أنه رجع عما كان عليه من البطالة وشرب الخمر وزهد في اللذات، فاجتمع أصحابه وأقبلوا عليه يهنئونه بذلك، فوضع بين يديه باطية وجعل لا يدخل عليه أحد يهنئه إلا شرب بين يديه رطلاً وأنشد:
قالوا نزعت ولما يعلموا وطري ... في كل أغيد ساجي الطرف مياس
كيف النزوع وقلبي قد تقسمه ... لحظ العيون وقرع السن بالكاس قال محمد بن نافع: كان أبو نواس لي صديقاً، فوقع بيني وبينه هجرة في آخر عمره، ثم بلغتني وفاته فتضاعف علي الحزن؛ فبينا أنا بين النائم واليقظان إذا رأيته فقلت: أبا نواس قال: لات حين كنية، قلت: الحسن بن هانئ
قال: نعم، قلت: ما فعل الله بك قال: غفر لي بأبيات قلتها في علتي قبل موتي وهي تحت الوسادة؛ فأتيت أهله فلما رأوني أجهشوا بالبكاء فقلت لهم: قال أخي شعراً قبل موته، قالوا: لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئاً لا ندري ما هو، قلت: ايذنوا لي أدخل؛ قال: فدخلت إلى مرقده فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وسادة فلم أر شيئاً ثم رفعت أخرى فإذا أنا برقعة فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يدعوك إلا محسن ... فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل عفوك ثم أني مسلم] وقد سبق في ترجمة أبي عرم أحمد بن دراج القسطلي ذكر بعض قصيدة أبي نواس الرائية .
وذكره الخطيب أبو بكر في " تاريخ بغداد " وقال: ولد في سنة خمس وأربعين وقيل سنة ست وثلاثين ومائة، وتفي في سنة خمس، وقيل ست، وقيل ثمان وتسعين ومائة ببغداد، ودفن في مقابر الشونيزي، رحمه الله تعالى.
وإنما قيل له أبو نواس لذؤابتين كانتا له تنوسان على عاتقيه.
والحكمي - بفتح الحاء المهملة والكاف وبعدها ميم - هذه النسبة إلى الحكم بن سعد الشعيرة، قبيلة كبيرة باليمن منها الجراح بن عبد الله الحكمي، وكان أمير خراسان، وقد تقدم أن أبا نواس من مواليه فنسب إليه. وقد تقدم الكلام على سعد العشيرة في ترجمة المتنبي في حرف الهمزة.
وأما الصولي فتأتي ترجمته في المحمدين، وعلي بن حمزة لم أقف له على ترجمة .
وتوزون أخذ الأدب عن أبي عمر الزاهد وبرع فيه، وكان يسكن بغداد، وتوفي في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وثلثمائة، رحمه الله تعالى.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي
الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكميّ بالولاء، أبو نواس:
شاعر العراق في عصره. ولد في الأهواز (من بلاد خوزستان) ونشأ بالبصرة، ورحل إلى بغداد فاتصل فيها بالخلفاء من بني العباس، ومدح بعضهم، وخرج إلى دمشق، ومنها إلى مصر، فمدح أميرها الخصيب، وعاد إلى بغداد فأقام إلى أن توفي فيها. كان جده مولى للجراح بن عبد الله الحكمي، أمير خراسان، فنسب إليه. وفي تاريخ ابن عساكر أن أباه من أهل دمشق، من الجُند من رجال مروان بن محمد، انتقل إلى الأهواز فتزوج امرأة من أهلها اسمها جلبان فولدت له ولدين أحدهما أبو نواس. قال الجاحظ: ما رأيت رجلا أعلم باللغة ولا أفصح لهجة من أبي نواس. وقال أبو عبيدة: كان أبو نواس للمحدثين كإمرئ القيس للمتقدمين.
وأنشد له النظَّام شعراَ ثم قال: هذا الّذي جمع له الكلام فاختار أحسنه. وقال كلثوم العتابي: لو أدرك أبو نواس الجاهلية ما فضل عليه أحد. وقال الإمام الشافعيّ: لولا مجون أبي نواس لأخذت عنه العلم. وحكى أبو نواس عن نفسه قال: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب. فما ظنك بالرجال؟ وهو أول من نهج للشعر طريقته الحضرية وأخرجه من اللهجة البدوية.
وقد نظم في جميع أنواع الشعر، وأجود شعره خمرياته. له (ديوان شعر - ط) وديوان آخر سمي (الفكاهة والائتناس في مجون أبي نواس - ط) ولابن منظور كتاب سماه (أخبار أبي نواس - ط) في جزأين صغيرين، ولعبد الرحمن صدقي (ألحان الحان في حياة أبي نواس - ط) ولعباس مصطفى عمار (أبو نواس ط) ومثله لعمر فروخ. ولزكي المحاسني (النواسي - ط) ولابن هفّان عبد الله المهزمي (أخبار أبي نواس - ط) . وفي تاريخي ولادته ووفاته خلاف، قيل في ولادته 130 و 136 و 141 و 145 و 146 وقيل في وفاته 195 و 196 و 198 هـ .
-الاعلام للزركلي-
أبي نواس: رَئِيْسُ الشُّعَرَاءِ أبي عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ هَانِئ الحكمي، وقيل: ابن وهب، وُلِدَ بِالأَهْوَازِ وَنَشَأَ بِالبَصْرَةِ، وَسَمِعَ مِنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ وَطَائِفَةٍ. وَتَلاَ عَلَى يَعْقُوْبَ وَأَخَذَ اللُّغَةَ عَنْ: أَبِي زِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَمَدَحَ الخلفاء والوزراء، ونظمه في الذروة حتى قال فِيْهِ أبي عُبَيْدَةَ شَيْخُهُ: أبي نُوَاسٍ لِلْمُحْدَثِيْنَ، كَامْرِئِ القَيْسِ لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ.
قِيْلَ: لُقِّبَ بِهَذَا، لِضَفِيْرَتَيْنِ كَانَتَا تَنُوْسَانِ عَلَى عَاتِقَيْهِ أَيْ: تَضْطَرِبُ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي الجَرَّاحِ الحِكَمِيِّ، أَمِيْرِ الغُزَاةِ وَهُوَ القَائِلُ:
سُبْحَانَ ذِي المَلِكُوتِ أَيَّةُ لَيْلَةٍ ... مَخَضَتْ صَبِيْحَتُهَا بِيَوْمِ المَوْقِفِ
لَوْ أَنَّ عَيْناً وَهَّمَتْهَا نَفْسُهَا ... مَا فِي المَعَادِ مُحَصَّلاً لَمْ تَطْرِفِ
وَلَهُ:
أَلاَ كُلُّ حَيٍّ هَالكٌ وَابْنُ هَالكٍ ... وَذُو نَسَبٍ فِي الهَالِكِيْنَ عَرِيقِ
إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْيَا لَبِيْبٌ تَكَشَّفَتْ ... لَهُ عَنْ عَدُوٍّ فِي ثِيَابِ صَدِيْقِ
وَلأَبِي نُوَاس أَخْبَارٌ وَأَشعَارٌ رَائِقَةٌ فِي الغَزَلِ وَالخُمُوْرِ، وَحُظْوَةٌ فِي أَيَّامِ الرَّشِيْدِ، وَالأَمِيْنِ.
مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ عفا الله عنه وَلَهُ وَهُوَ حَدَثٌ:
حَامِلُ الهَوَى تَعِبُ ... يَسْتَخِفُّهُ الطَّرَبُ
إِنْ بَكَى يَحِقُّ لَهُ ... لَيْسَ مَا بِهِ لَعِبُ
تَضْحَكِيْنَ لاَهِيَةً ... وَالمُحِبُّ يَنْتَحِبُ
تَعْجَبِيْنَ مِنْ سَقَمِي ... صِحَّتِي هِيَ العَجَبُ
وَيُقَالُ: مَا رُؤِيَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي نُوَاسٍ مَعَ قِلَّةِ كُتُبِهِ، وَشِعرُهُ عَشْرَةُ أَنْوَاعٍ، وَقَدْ بَرَّزَ فِي العَشْرَةِ. اعْتَنَى الصُّوْلِيُّ، وَغَيْرُهُ بِجَمْعِ دِيْوَانِهِ، فَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ دِيْوَانُهُ.
وَقَدْ سَجَنَهُ الأَمِيْنُ لأَمرٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
وَحَيَاةِ رَأْسِكَ لاَ أَعُو ... دُ لِمِثْلِهَا مِنْ خَوْفِ بَاسِكْ
مَنْ ذَا يَكُوْنُ أَبَا نوا ... سك إن قتلت أبا نواسك
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي