مصطفى باشا المرزيفوني

قره مصطفى باشا المقتول

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاة1095 هـ
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةغير معروف
أماكن الإقامة
  • سلانيك - اليونان
  • استانبول - تركيا
  • ديار بكر - تركيا

نبذة

مصطفى باشا المرزيفونى الْوَزير الاعظم فى عهد السُّلْطَان مُحَمَّد بن ابراهيم وَهُوَ الشهير بقره مصطفى باشا وبالمقتول كَانَ من أمره انه خدم مُحَمَّد باشا الْوَزير الاعظم الشهير بِالْكبرِ يلى الْمُقدم ذكره فَنَهَضَ بِهِ الْحَظ على يَدَيْهِ فولاه نِيَابَة ديار بكر ثمَّ جعله حَاكم الْبَحْر.

الترجمة

مصطفى باشا المرزيفونى الْوَزير الاعظم فى عهد السُّلْطَان مُحَمَّد بن ابراهيم وَهُوَ الشهير بقره مصطفى باشا وبالمقتول كَانَ من أمره انه خدم مُحَمَّد باشا الْوَزير الاعظم الشهير بِالْكبرِ يلى الْمُقدم ذكره فَنَهَضَ بِهِ الْحَظ على يَدَيْهِ فولاه نِيَابَة ديار بكر ثمَّ جعله حَاكم الْبَحْر وَمَا زَالَ فى عزة تتزايد وسعادة تتصاعد الى أَن مَاتَ أستاذه الْمَذْكُور وَولى ابْنه أَحْمد باشا الْفَاضِل الوزارة الْعُظْمَى فَعَزله عَن حُكُومَة الْبَحْر وَرَأى أَن قربه الى الدولة أجدى لَهُ لما يعرف من رابطته المحكمة فصرف جهده فى المغالاة بِحقِّهِ والالتفات اليه وَكَانَ هُوَ لَا يهمه الا مُرَاعَاة جَانب مخدومه الْمَذْكُور وَلَا يعرف الا رِعَايَة حُقُوقه وَلما توجه الْفَاضِل الى جَزِيرَة كريد صيره قَائِما مقَامه وَأَقْبَلت الدولة عَلَيْهِ اقبالا لَيْسَ وَرَاءه لَاحَدَّ مطمع وسافر فى خدمَة السُّلْطَان الى سلانيك ويكى شهر واتسعت دَائِرَة جاهه وأنيطت بِرَأْيهِ الامور وَكَانَ أولى النَّاس بنيل مَا يأمله من ينتمى اليه ويعول فى أمره عَلَيْهِ وَكَثُرت فى ذَلِك الابان حفدته وحواشيه وتملك الاملاك الْكَثِيرَة ثمَّ قدم الْوَزير الْفَاضِل من كريد الى دَار السلطنة أدرنه بعد أَن فتح قلعة قندية فبقى فى تِلْكَ الْجَلالَة مستشار الدولة زَائِد العنوان والصوله وَلما دخلت أدرنه فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ والدولة اد ذَاك فى بلهنتيها وَقد استوفت الْكَمَال من عزتها وحرمتها رَأَيْته قد استوعب أدوات الرفعه وَتصرف فى السلطنة تصرف الرخ فى الرقعه وَصيته قد مَلأ الْبِلَاد وعرها وسهلها وَملك جلّ أمورها وَكَانَ أَحَق بهَا وَأَهْلهَا ثمَّ مَاتَ الْوَزير الْفَاضِل فسعت اليه الصدارة وَلم يسع لَهَا فَقَامَ بأعبائها وتصلب فى حمل اثقالها وَتمكن مِنْهَا تمَكنا عَظِيما ونال من اقبالها حظا جسيما وَكَانَ فى حَقِيقَة أمره مُدبرا حازما عَاقِلا متمولا وجيها وَله محبَّة فى الْعلمَاء والفضلاء يحب المذاكرة العلمية ويرغب فى الْفَائِدَة وَرُبمَا اشْتغل وذاكر فى صنوف من الْفُنُون وَكَانَ ملتفتا لأحوال النَّاس فِيمَا ينظم أَمرهم الا أَنه كَانَ شَدِيد الطمع فى جمع المَال وَعِنْده عجب وخيلاء ونفسانية وتملك دَارا بِالْقربِ من جَامع السليمانية وعمرها وأتقنها فاحترقت فى أسْرع مُدَّة فَأَعَادَهَا أحسن مِمَّا كَانَت عَلَيْهِ وسافر سفرة جهرين بِأَمْر مخدومه السُّلْطَان مُحَمَّد بجيوش عَظِيمَة وافتتحها واحتوى على الملحة الَّتِى بِالْقربِ مِنْهَا وَهَذِه المملحة كَمَا نَقله الثِّقَات من أعظم مجالب النَّفْع لبيت المَال حَتَّى انهم يبالغون فِيمَا يدْخل مِنْهَا حد الْمُبَالغَة وَسبب ذَلِك أَن بِلَاد النَّصَارَى المعروفين بالمستو والقزق محتاجون اليها وَلَيْسَ فى بِلَادهمْ مملحة غَيرهَا وَلما فتحت هَذِه القلعة سر النَّاس سُرُورًا عَظِيما لَان فتحهَا كَانَ فى غَايَة الصعوبة وَكَانَ كثير من نَصَارَى الرّوم مِمَّن رَأَيْتهمْ يَزْعمُونَ اسْتِحَالَة فتحهَا ويهزؤن بالوزير صَاحب التَّرْجَمَة فى قَصدهَا وشاع عَنْهُم أَخْبَار فى انكسار عَسْكَر الْمُسلمين وهزيمتهم وَكَانُوا يظهرون الشماتة وَسبب ذَلِك مَا يعرفونه من أَنَّهَا تَابِعَة لملك المسقو وَهَذَا الْملك هُوَ أَكثر مُلُوك النَّصَارَى جيوشا وأكبرهم ملكا قيل ان مَمْلَكَته مَسَافَة سنة طولا وَمثلهَا عرضا وفى طَرِيق هَذِه القلعة من جَانب قسطنطينية صحراء وارات وهى أَرض مُجْدِبَة قَليلَة الْخَيْر لَيْسَ بهَا بِلَاد ومسافتها بعيدَة وَبِالْجُمْلَةِ فان فتح هَذِه القلعة كَانَ من أعظم الفتوحات وزينت دَار الْخلَافَة ثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ السُّلْطَان مُحَمَّد اذ ذَاك ببلدة سلستره بروم ايلى فَكتب الى قَائِم مقَام الْوَزير بقسطنطينية عبدى باشا النيشانى أَنه يُرِيد الْقدوم الى دَار المملكة وانه لم يتَّفق لَهُ رُؤْيَة زِينَة بهَا مُدَّة عمره وَأمره بالنداء لتهيئة زِينَة أُخْرَى اذا قدم فَوَقع النداء قبل قدوم السُّلْطَان بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وتهيا النَّاس للزِّينَة ثمَّ قدم السُّلْطَان فشرعوا فى التزيين وبذلوا جهدهمْ فى التأنق فِيهَا وَاتفقَ أهل الْعَصْر على أَنه لم يَقع مثل هَذِه الزِّينَة فى درو من الادوار وَكنت الْفَقِير اذ ذَاك بقسطنطينية وشاهدتها وانا مُتَحَقق من غير شكّ يخامرنى أَنَّهَا لم تصدر فى زمَان وَلم يبْق شئ من دواعى الطَّرب الا صرفت اليه الهمم ووجهت اليه البواعث واستغرقت النَّاس فى اللَّذَّة وَالسُّرُور واستوعب جَمِيع آلَات النشاط والحبور وفشت المناهى وَقصر فِيهَا المحذر والناهى وَعلمت الْعُقَلَاء أَن مثل هَذَا الامر كَانَ غَلطا وان ارتكابه جرم عَظِيما وخطا وَمَا أَحسب ذَلِك الا نِهَايَة نهنهة السلطنة وخاتمة كتاب السَّعَادَة والميمنة تمّ طَرَأَ الانحطاط وشوهد النُّقْصَان وتبدل الرِّبْح بعْدهَا بالخسران فَوَقع بعيد ذَلِك فى الْقُسْطَنْطِينِيَّة حريق عَظِيم بِنَاحِيَة الفنار حرق فِيهِ نَحْو اثنى عشر ألف بَيت ثمَّ تراسل الْحَرِيق فى كثير المحلات حَتَّى حسب مَا وَقع مِنْهُ فَكَانَ تسعين حريقا كل ذَلِك فى سنة وَاحِدَة ثمَّ طلب الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة الاذن من السُّلْطَان بِالسَّفرِ على بِلَاد الانكروس وَكَانَ عقد الصُّلْح الذى أوقعه مَعَهم الْوَزير الْفَاضِل بعد فتح ايوارعلى خمس عشرَة سنة قد مضى عَلَيْه ثَلَاث سِنِين فَأذن لَهُ السُّلْطَان وَشرع فى تهيئة الاسباب من الذَّخَائِر ومكاتبة نواب الْبِلَاد والعساكر وَجمع من الجيوش والجنود مَا لَا يدْخل تَحت حصر حاصر وَلم يتَّفق جَمِيع مثله فِيمَا مضى من الزَّمَان الغابر ثمَّ طلع صَاحب التَّرْجَمَة من قسطنطينية بأبهته الْعَظِيمَة مصمما على أَخذ بِلَاد النَّصَارَى بِالْقُوَّةِ الجسيمة وَلم يدر مَا خبئ لَهُ فى الْغَيْب حَتَّى وَقع مَا وَقع فَزَالَ الشَّك والريب ولنسق أَمر هَذَا السّفر فصلا فصلا ونبينه بمعونة الله تَعَالَى فرعا وأصلا وَمَا أَقُول الذى أقوله الا عَن نقل وعزو مَعَ التحرى فى ذَلِك باثبات ومحو فَأَقُول نَاقِلا عَن كتاب ورد من بعض الاجناد مُلَخصا مِنْهُ مَحل المُرَاد قَالَ وَلم يزل الْوَزير بِمن مَعَه من العساكر سائرين الى أَن وصلوا الى قلعة يانق فى يَوْم الْخَمِيس ثانى عشر رَجَب سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَعبر نهر ريا فى يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ فى يَوْم السبت توجه قَاصِدا قلعة بج قلت وَهَذِه القلعة هى الَّتِى كَانَت مَقْصُوده لَهُ بِالذَّاتِ وَأطلق أمره فى نهب القلاع والقرى الَّتِى على الطَّرِيق فَمَا كَانَ للعسكر مشغلة الا نهبها واحراقها واتلاف زروعها فأحرقوا من القلاع الْمَعْلُومَة نَحْو مائَة قلعة وَمَا يتبعهَا من الْقرى أَشْيَاء كَثِيرَة جدا وكل قَرْيَة من هَذِه الْقرى بِمَثَابَة بَلْدَة تحتوى على ألف بَيت أَو أَكثر وَجَمِيع هَذِه القلاع والقرى فى نِهَايَة الاحكام وَحسن الْبناء وبيوتها فى غَايَة من اتقان الصَّنْعَة مسواة بالرخام وفيهَا من السماقى مَالا يُوصف كَثْرَة وَأكْثر بيُوت هَذِه الْبِلَاد ثَلَاث طَبَقَات الثَّالِثَة مِنْهَا مصنوعة بالدف والخشب وعاثت عَسَاكِر التاتار فى بِلَاد الْكفَّار الى قريب فزل ألما الَّتِى هى مَحل ملك الانكروس الْمَعْرُوف بالبابا ونهبوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ من الْبِلَاد وحرقوها وَرَأَيْت بِخَط بعض الروميين أَن رجلا من كبار عقلاء النَّصَارَى دخل عَسْكَر الْمُسلمين ثمَّ جَاءَ الى الشَّيْخ مُحَمَّد الوانى واعظ السُّلْطَان مُسلما قَالَ وَكَانَ لَهُ وقُوف على أَحْوَال ملكهم وَأَنَّهُمْ ذكرُوا عِنْده أَمر هَذِه النُّصْرَة وَلَعَلَّ لَهَا أسبابا من جَانب النَّصَارَى أوجب الانتقام مِنْهُم فَقَالَ ان الْملك البابا دخل يَوْمًا على زَوجته بنت ملك الاسبانية وَهُوَ مغموم فَقَالَ لَهُ زَوجته مَا أغمك فَقَالَ أرى أَمر هَؤُلَاءِ العثمانية قد بلغ النِّهَايَة فى الْغَلَبَة علينا وَمن أعظم مَا يغمنى من أَمرهم طَاعَة نوابهم وامرائهم لَهُم فاذا طلبوهم بِأَدْنَى خطاب من أقْصَى الْبِلَاد لَا يُمكن ان يتخلفوا ويبادرون الى الْحُضُور اليهم وامتثال أَمرهم وَأما أَنا اذا أرْسلت الى امراء المجار مَرَاسِيل أطلبهم لامر فَلَا يطيعون أوامرى وَلَا يحْضرُون الى فَقَالَت لَهُ انما يُطِيع حكام الْمُسلمين أَمر سلطانها لانهم كلهم أهل مِلَّة وَاحِدَة وَمذهب وَاحِد فَخرج الْملك من عِنْد زَوجته مغضبا وجهز الرُّسُل الى بِلَاد المجار يَدعُوهُم الى مذْهبه فَلم يقبلُوا فَأرْسل عَسَاكِر من قبله فقبضوا على أَكْثَرهم وأحضروهم اليه فعذبهم وقتلهم وَفعل فى بِلَاد المجار أفعالا شنيعة جدا لم تصدر من ملك قطّ مَعَ أَنهم رعاياه ويؤدون اليه مَا عَلَيْهِم بِلَا خلاف لَهُ فَبِهَذَا تحقق النَّصَارَى ان الله تَعَالَى سلط الْمُسلمين عَلَيْهِ فخربوا بِلَاده وَألقى الرعب فى قلبه وقلب عسكره وهربت رعاياه من هَذَا الْحَد الى حد قزل ألما وتشتتوا فى الْبِلَاد كل ذَلِك بِسَبَب مَا فعله لَهُ مَعَ المجار الَّذين هم رعاياه وَحزبه انْتهى ثمَّ ان خَان التاتار نور الدّين كراى لحق كثيرا من الهاربين فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَمن أغرب مَا وَقع فى هَذَا الاثناء أَن سوقة الْعَسْكَر كَانُوا يدْخلُونَ قلعة من القلاع الْمَذْكُورَة فيرون فِيهَا أُنَاسًا قَلَائِل من النِّسَاء وللرجال العاجزين عَن الْحَرَكَة فيقتلونهم ويستولون على القلعة ثمَّ يطلقون فِيهَا النَّار فعلوا هَذَا فى اكثر من أَرْبَعِينَ قلعة وَاسْتولى قره مُحَمَّد باشا على قلعة تسمى أووار يُقَال انها أحصن من ايوارا الَّتِى افتتحها الْوَزير الْفَاضِل فى سنة خمس وَسبعين وَألف وَفتح بكر باشا قلعة هانبرق وهى على مَا سَمِعت فى الحصانة لَا تقصر عَن قلعة حلب ثمَّ حرقوا القلعتين المذكورتين وغنم الْمُسلمُونَ غَنَائِم لَا تحصر وَلَا تضبط واسروا نَحْو مائَة ألف أَسِير بِحَيْثُ بِيعَتْ الْجَارِيَة مَعَ وَلَدهَا بِثَلَاثَة قروش والابكار لَا يتَجَاوَز ثمنهَا الْعشْرين قرشا الا فى النَّادِر وَبيع الرَّأْس من الْغنم بقطعتين ورطل الطحين العال بقطعتين ورطل النّحاس بِثَلَاث قطع وهرب عَسْكَر النَّصَارَى من بج ونواحيها وَأخذُوا مَعَهم كثيرا من الاموال فلحقهم جمَاعَة من التاتار فأدركوهم عِنْد لنجة قلعة دَاخل بج بِنَحْوِ سِتِّينَ سَاعَة فاستأصلوهم قتلا ونهبوا جَمِيع مَا كَانَ مَعَهم وفى عشرى رَجَب توجه نور الدّين كراى نَحْو بَابا طاغى بِنَحْوِ عشرَة آلَاف من عسكره التاتار فلقى جمَاعَة من النَّصَارَى فى عدد عشْرين ألف فَقتل بعضلاا وَأسر آخَرين وَلم ينج مِنْهُم الا الْقَلِيل وَكَذَلِكَ فعل حَاج كراى سُلْطَان فى بعض النواحى فغنم غَنَائِم عَظِيمَة ثمَّ وصل الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة الى بج وَضرب مخيمه بهَا وخيمت العساكر وَهَذِه القلعة كَمَا تلقيت خَبَرهَا ذَات قلعة داخلها يُحِيط بهَا من جوانبها الثَّلَاثَة الدّور والابنية والعمارات والحدائق وَمن جملَة ذَلِك سَبْعَة عشر مَكَانا باسم الْملك تحتوى هَذِه الامكنة على عجائب الزخارف والفواكه والفساقى من السماقى والرخام وَقد قدمنَا ان عَسْكَر بج كَانُوا قد هربوا وَكَذَلِكَ هرب أهل الْخَارِج من الرّعية وَلم يبْق الا نَحْو عشْرين ألف رجل عشرَة آلَاف من الْعَسْكَر وَعشرَة آلَاف من الرّعية فى دَاخل القلعة فَأمر الْوَزير باحراق الْخَارِج فَأحرق فى أقل من طرفَة عين وَلم يبْق الا مَحل أَو طاق السُّلْطَان سُلَيْمَان وَمحله الْمَذْكُور كَانَت الْكفَّار قَدِيما بنته بِنَاء عَظِيما وصيرته من أحسن المنتزهات بالبلدة الْمَذْكُورَة تَعْظِيمًا مِنْهُم للسُّلْطَان سُلَيْمَان فانهم يعظمونه كثيرا ثمَّ أَمر بمحاصرة القلعة فَنصبت عَلَيْهَا المكاحل وَشرع الْعَسْكَر فى رميها بآلات الْحَرْب فَضَاقَ بِمن فِيهَا الخناق فى أقل من قَلِيل والتجؤا الى أَن يسلموها طَوْعًا فَأبى الْوَزير خوفًا من أَن ينهب الْعَسْكَر مَا فِيهَا من الاموال وَحكى أَنه ابرم عَلَيْهِ أَعْيَان الوزراء والعسكر فى الْمُبَادرَة الى دُخُولهَا صلحا خوفًا من أَمر يأتى فَقَالَ ان ضمنتم لى العسرك فى أَن لَا يَأْخُذُوا شَيْئا فعلت فَأَبَوا فتمادى الامر يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَهُوَ وَبَقِيَّة الوزراء فى اعمال الْفِكر على ان يفتحوها عنْوَة ومالهم علم بِمَا سيحدث عَلَيْهِم من الامر واذا بطلائع الْكفَّار أَقبلت وفى اثرها عَسْكَر سد الفضا وشب نيران الغضا لَا يبالون بقتل وَلَا ضرب بل يقدمُونَ على الْمَوْت بجنان من الصخر وقلب وهجموا دفْعَة وَاحِدَة والعسكر فى غَفلَة عَمَّا يُرَاد بهم واختلطوا بهم طامعين فى قَتلهمْ وسلبهم وأطلقوا السيوف وجردوا أسنة الحتوف فَلم يكن بأسرع مِمَّا انْقَلب العيان وجمدت فى الْوُجُوه العينان وَكَانَ الْمُقدم من الْمُسلمين من عمد الى الْفِرَار وَلم يَقُوله فى تِلْكَ الْحَالة الْقَرار فَقتل من قتل وَنَجَا من نجا لَكِن نجاة من عدم المعونة والالتجا واحتوت الْكفَّار على السرادقات والخيول وفازوا بِأَمْر كَانَ يتعسر اليه فى أحلامهم الْوُصُول وكر الْوَزير بِمن مَعَه هَارِبا وللنجاة من اللحاق بِهِ طَالبا وتفرق الْعَسْكَر فى تِلْكَ البرارى والوهاد وَلم يَجدوا من مرشد لَهُم وَلَا هاد ونفد مَا مَعَهم من الزَّاد فبعضهم وصل الى بودم وَالْبَعْض الى اكرى وَهَكَذَا حَتَّى اجْتَمعُوا بعد مُدَّة ببلغراد وَنفذ أَمر العلى الْكَبِير وَهُوَ على جمعهم اذا يَشَاء قدير وَأقَام الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة ببلغراد يدبر أمرا فى تلافى مَا مضى وَاخْتلفت بعيد ذَلِك الآراء وَكَثُرت التخاليط وأظهرت نَصَارَى الافلاق والبغدان والاردل الْعِصْيَان وَعم الْغم وَعظم الْوَهم وزحفت الْكفَّار على بِلَاد الاسلام فَأخذُوا بعض قلاع وَبعث الْوَزير فى ذَلِك الاثناء الى ملك الانكروس رَسُولا برسالة يتهدده فِيهَا وَيَقُول لَهُ انه لابد من مقابلتك وكسرك وَأخذ جَمِيع بلادك وفهرك فى كَلَام آخر يعلم من الْجَواب الذى ورد من ملك النَّصَارَى الانكروس وَهَذَا صورته من سُلْطَان الْملَّة المسيحية وقهرمان السلطنة النَّصْرَانِيَّة الذى هُوَ ملك مُلُوكهمْ وصولته قد أحاطت بأَرْبعَة اطراف عالمهم وَاسْتولى على جَمِيع المجار وَمَا عداهم قد اسْتَقر فى ملكه خَمْسَة آلَاف مَدِينَة وحصن حُصَيْن وَجلسَ على تخت نوشروان وَقَيْصَر وصلصال وَصَارَ لجملة أمة عِيسَى سُلْطَان السلاطين أنهى اليك أَيهَا الْوَزير الاعظم والسردار الاكرم بِنَاء على الْمحبَّة دُعَاء لائقا وثناء فائقا وَقد ورد من طرفك على يَد سردار عسكرنا مَا يُقَاس رِسَالَة فحين وصولها جَمعنَا وكلاءنا وامراءنا ورهباننا وقرئت الرسَالَة بمحضرهم وَفهم مضمونها فقولك فِيهَا ان السُّلْطَان مُرَاد الغازى الْقَدِيم لما مضى الى رَحْمَة الله الْجواد الْكَرِيم ولى ابْنه الذى فتح قسطنطينية وَهُوَ السُّلْطَان مُحَمَّد فصرف فى سَبِيل الغزاء بسمة الْعَطِيَّة للغزاة ألف حمل ذهب وان سلطنتكم الْيَوْم أعظم شَأْنًا وأزيد مملكة وأعوانا مِمَّا كَانَت عَلَيْهِ فى زَمَنه فَهَذَا السُّلْطَان مُحَمَّد الذى ذكرته كَانَ سُلْطَانا عَاقِلا عادلا وملكا لَا نجد لَهُ بَين الْمُلُوك معادلا قد نَالَ مَا ناله بعدالته وظفره الله تَعَالَى بِمَا أَرَادَهُ بعنايته وَأما أَنْتُم فَلم تقفوا فى كتب التَّارِيخ ان قلعة قسطنطينية يَأْخُذهَا منا سُلْطَان مُسَمّى بِمُحَمد وَأَيْضًا نَحن نأخذها من سُلْطَان اسْمه مُحَمَّد وَقد ظهر الان ذَلِك حد الظُّهُور وتأكذ حَيْثُ أَخذنَا مِنْكُم ثمانى عشرَة قلعة وَمَا عدا ذَلِك فحكام البغدان والافلاق والاردل جاؤا الى خدمتنا واختاروا الانحياز الى عبوديتنا وقولك انا نرفع يدنا عَن المجار لانهم هم السَّبَب فى هَذِه الْفِتْنَة فَهَذَا الْكَلَام بعيد عَن الافهام وَهل هُوَ الا أَمر ينْزع تاجنا عَن رَأْسنَا فان التَّاج لَهُم وَأما قَوْلك وَيكون ذَلِك مدَار الصُّلْح وَالصَّلَاح فَهَل طلبنا مِنْكُم الصّلاح وَالصُّلْح نَحن لَا نطلب الصُّلْح وَلَا نترجاه وَلَا يخْطر على بالنا بعد الْفساد الذى شَاهَدْنَاهُ وَأما نقض الْعَهْد فَمن ابْتَدَأَ بِهِ سيلقى غبه ويتجرع مِنْهُ مَالا يسيغه اذا كلف شربه قد راعينا فِيمَا سلف الْعَادة الْقَدِيمَة ورعينا الذِّمَّة المستقيمة فَأَرْسَلنَا هديتنا الْمُعْتَادَة الى قريب قومران فَخرج حَاكم بوديم جلالى باشا واغار على بِلَادنَا وَأنزل بهَا الهوان فَهَل يَلِيق هَذَا التعدى الذى مَا وَقع فى عصره من العصور ثمَّ بعد ذَلِك وَقع لرسلنا من الاهانة وَالْحَبْس مَا استدللنا بِهِ على النُّصْرَة لطرفنا فان الله غيور وَقَوله ان سلاطينكم أَصْحَاب مَال وعسكر كَثِيرَة فَنحْن نَعْرِف هَذَا الْمِقْدَار وَلَكِن كسر الْعَسْكَر الْكثير وهلاك من نقض الْعَهْد عَادَة أزلية لذى الْجلَال القهار وَالْحَاصِل ان كَانَ المُرَاد الصُّلْح فَيكون لنا من الْبِلَاد من حدنا الْآن الى حد أسكوب والا فلنا مَعَك سوق حَرْب يُقَام فِيهَا الْمَتَاع المجلوب ثمَّ لم يزل الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة مُقيما ببلغراد وَالنَّاس فى قلق واضطراب وفى كل يَوْم يحدث خبر مذهل لاولى الالباب وَنصب أهل الممالك الْعَدَاوَة وذهبوا كل مَذْهَب فى انه من أهل الغباوة والشقاوة ولهجوا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ وفوقوا سِهَام ذمهم اليه حَيْثُ كَانَ السَّبَب فى انتهاك حُرْمَة الاسلام وامتهانه بتغلب الْكَفَرَة الفجرة اللئام وَلَهُم فِئَة بِسَبَب ذَلِك أقاويل كَثِيرَة وَكلما مزرية شعيرَة من أخفها أَن أَمر الدولة كَانَ غَنِيا عَن هَذِه المحاربه وان كَانَ يُمكن الانتصاف من الْكَفَرَة وَهُوَ الاقرب بِنَوْع من المطالبه وانما الطمع أَدَّاهُ الى هَذِه الافعال فَكَانَ عَاقِبَة أمره الوبال والنكال وَحكى لى بعض المقربين اليه وَهُوَ من المهرة فى علم النُّجُوم والرمل أَنه استشاره فى أَمر هَذَا السّفر فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ وأجمل فى العبار قَالَ فَقَالَ لى ان السُّلْطَان سُلَيْمَان وصل الى بج وَلم يفتحها فاذا فتحت على يدى كَانَ لى شَأْن عَظِيم لم ينله ملك عَظِيم فَقلت الْآن أبين لَك مَا ظهر من تَحْرِير أَمر هَذَا السّفر وَهُوَ انى لما حررته بَان لى فِيهِ نحوسة وَكَانَ قبيل ذَلِك بِمدَّة ظهر نجم لَهُ ذَنْب بقى ليالى وَكَانَ ذَنبه الى جِهَة قسطنطينية فان أَرْبَاب التنجيم قَائِلُونَ بَان جِهَة الذَّنب من نجم يظْهر جِهَة نحوسة قَالَ فَقَالَ لى كنت أَظُنك ناصحا صَدُوقًا فَالْآن تبين لى مِنْك خلاف ذَلِك فَلَا تخاطبنى بعْدهَا فى خُصُوص هَذَا السّفر بشئ ودع عَنْك اشباه هَذَا الْكَلَام فَلَا تجريه على لسَانك مرّة أُخْرَى قَالَ فَعلمت ان غرور الدولة استحكم فِيهِ وانه مدل بعجبه الى خطر عَظِيم من غير شكّ يُنَافِيهِ وَمَا زَالَ الْوَزير فى قلق واضطرب مترقبا لما يظْهر فى حَقه من طرف السلطنة من الْجَزَاء وَالْعِقَاب فبرز الامر السلطانى بقتْله وتدميره جَزَاء لَهُ على مَا جناه من سوء تَدْبيره فَقتل فى الْمحرم من سنة ألف وَخمْس وَتِسْعين عَلَيْهِ رَحْمَة الْمولى الْمعِين
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.