إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الطويجن الْأنْصَارِيّ الساحلي ولد بغرناطة وَنَشَأ بهَا وتأدب ورحل فجال بِبِلَاد الْمغرب ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وَدخل الشَّام وَالْعراق وَدخل الْيمن وَعَاد إِلَى مصر وَدخل بِلَاد السودَان واتصل بملوكها وَأقَام بهَا عدَّة سِنِين ثمَّ كرّ رَاجعا إِلَى بِلَاد السودَان وَاسْتقر بهَا حَتَّى مَاتَ سنة 739 وَكَانَ فَاضلا فِي عدَّة فنون حسن الْخط جدا كريم النَّفس
-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-
الكاتب الرئيس أبو اسحق إبراهيم بن محمد الساحلي الأنصاري، رحمه الله تعالى:
جواب الآفاق، ومحالف الرفاق، ومنفق سعر الشعر كل النفاق، رفع للأدب راية لا تحجم، وأصبح نسيج وحده فيما يسدي ويلحم، ولما آنس بكساد سوقه، من بعد بسوقه، ولألؤ نسوقه، واستواء بيانه على سوقه، ارتحل، وبأثمد ملك السودان اكتحل، وفي تلك البلاد الموحشة رجل، حل بها محل الخمر في القار، من بعد الاعتصار، والنور من سواد الأبصار، وتقيد بالإحسان، وإن كان غريب الوجه واليد واللسان، فما أشبهه بالشمس شهرة وتجوالا، وعروضاً وأطوالا، وميلاً واعتدالا، وبرهاناً على من آثر جدالا، وحساباً مضروباً، وأفولا في العين الحمئة وغروباً. ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا اسمه، لوضح في المصنفات رسمه، وتوفر من المزية قسمه. وأما نظمه ونثره فالشمس، تجل أن يدركها اللمس؛ عين أدب هذا الفاضل فراره، وحسب هذا المهند الفاصل غراره. فمن قوله:
تألق نجدياً فحيا وسلما ... وناجى جفوني فاستهلت له دما
يرق ويخفى مثل جسمي كأنه ... حذا حذوه في السقم حتى تعلما
وطارح أحشائي فأصبح خافقاً ... وعاد بأشواقي فعاد مضرما
وأوضح ثغراً كلما قطب الدجى ... تهلل في بهمائه وتبسما
وجاد ديار العامرية بالنقا ... جزاء لليلى إذ أعارته مبسما
أبارق ذات الأبرقين: أحاجر ... منازل تيم بعد تيم أم الحمى
وما لزمان نام مستغرق الكرى ... فما هب حتى سل ما كان سلما
طواني الضنا طي السجل وشفني ... فلم يبق مني السقم إلا توهما
وودعت خلى والشبيبة راغما ... فلم أدر من أجرى دموعي منهما
وجف ربيع العيش في مربع الصبا ... غداة ذوى العود البهيم وأثغما
فسيان بيضاً فتت في مفارقي ... وأبيض أضحى فوقهن مصمما
وقد كنت قبل اليوم أقتاد أبيضا ... من العيس مهما كنت أجنب أدهما
أغازل ليلى تحت ليل شبيبتي ... فأما وقد صاح الصباح به فما
ولي كبد مهما رأى البرق وهنةً ... تنفس من أحشائه وتكلما
وإن ذكرت ليلى تطاير خافقاً ... وإن هينم الحادي بنجد تلوما
ويا لغريب أنجد الركب موضعا ... بأحبابه الأدنين منه وأتهما
رمى بهم عرض الفلاة وإنما ... رمى مصمياً أفلاذ قلبي إذ رما ومن هذا الأسلوب:
عيون سحاب أم سحاب عيون ... سقت صوب نعمان بصوب معين
وما لرباها بعد ليلى تلفعت ... غراماً وحزناً في مطارف جون
وقفت بها أذكي حشاي واتقي ... بفضل ردائي واكفات شئوني
فطوراً أرويها وطوراً اشبها ... بنار شجوني أو بماء جفوني
بقايا طلول أنكر العين حسنها ... فأثبته وجدي بها وشجوني
أكر فيثنيني خطاب طلولها ... إليّ بباء أعجمته ونون
فيا طللاً أقوى وقد كان قبل ذا ... مطالع شهب أو مراتع عين
أتعلم قلبي أين ظل فإنه ... بكفي قوي البأس غير أمين
ويا سائق الأظعان رفقاً فإنما ... تدوس على آماق كل حزين
وتحت تماثيل الخدور كواكب ... جلون هلالاً تحت كل جبين
تبسم عن لألاء در منضد ... على ثغب من ريقهن معين
فأخلفن عهدي، والذنوب لشيبتي ... على مفرقي أفتت بلي ديوني
وولين دوني بالشمال وإنما ... توسدن في ظل الشباب يميني
وقلن جنون أذهب الشيب غيها ... ويا ليت يوماً لو تعاد جنوني ومن ذلك قوله:
دع العين تذري الدمع في طلل لالربع ... فليس حراماً أن أريق به دمعي
وحدث عن القوم الذي عهدتهم ... أحلوا بنجد أم أقاموا على سلع
وإن لم يكن قد فاز طرفي بنظرة ... إليهم فحسبي أن يفوز بهم سمعي
ذكرتك يا نجد ففاضت مدامعي ... وأي نصير للمحب سوى الدمع
وإن تقن يا نفس العزاء تجملاً ... فإنك مكلوم الحشا دائم الصدع
تبيت وفي جنبيك من ألم الهوى ... لواسب حبٍ لا تمل من اللسع
ومهما بدا من جانب الجزع بارق ... جزعت ومن لي أن أرى بارق الجزع
أمنفلت من ربقة الوجد عاشق ... يموت ويحيا بالوصال وبالقطع
يسائل عن ماء العذيب تجاهلاً ... وإن الذي يشفي صداه على جمع
أحن كما حنت ركابي إلى منى ... وما دارها داري ولا ربعها ربعي
ولكن نزوع من بقايا حشاشة ... رمتنا بها وطفا مسددة النزع
وقالوا غداً يقضي بجمع ديوننا ... وحسبي بجمع أن أرى ليلة الجمع
لعينك قلبي يا ابنة القوم طائع ... صبور على الشكوى صبور على المنع
تجلى لطرفي في خياك روضه ... ووردته المحمرة اللون من زرعي
وثغرك من دمعي وخدك من دمي ... وخصرك من فكري، وخليك من سجعي
قصرت فؤادي في رضاك على الجوى ... وحرمت عذلي في هواك على سمعي ومن المقطوعات والأوصاف:
ومفروشة بالآس والنرجس الغض ... وبالورد والنسرين بعضاً على بعض
كأن احمرار الورد خجلة غادة ... يلاعبها المشتاق بالقبل والعض
كأن اصفرار النرجس الغض إذ بدا ... يميس بأغصان من العسجد الغض
كأن اخضرار الآس قضب زمرد ... تنمقه أيدي القيان على الأرض
كأن ضياء الكأس بدر بدا لنا ... فطوراً إلى رفع وطوراً إلى خفض
كأن خدود الشاربين وقد بدت ... بها الخمر جمر قد توقد من رمض
الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة - لسان الدين بن الخطيب، محمد بن عبد الله.