السَّيِّد مُحَمَّد الشهير بالتقوى الحلبي الْفَاضِل الاديب الْحَكِيم البارع ذكره البديعى وَقَالَ فِيهِ حَدِيث مجده قديم يغنى عَن الكاس والنديم ودر كَلمه النظيم جَار على أسلوب الْحَكِيم وَقد عَام فى لجج دراية الافلاك ووقف على سَاحل نهابة الادراك وابتدع من الاشياء العجاب مَا لم يبتدعه قبله ابْن دَاب وَله خطّ كَأَنَّهُ در تزينه الفاظه الغر ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله
(قد جدد الشوق الشَّديد خيالكم ... بجوارحى وضمائرى وسرائرى)
(فاذا نظرت الى الْوُجُود رأيتكم ... فِي كل مَوْجُود عيان الخاطر)
وَقَوله
(قد قسم الْحبّ جسمى فى محبتكم ... حَتَّى تجزا بِحَيْثُ الْجِسْم يَنْقَسِم)
(وَمَا تصورت مَوْجُودا ومنعدما ... الا خيالكم الْمَوْجُود والعدم)
وَقَوله من قصيدة طَوِيلَة مدح بهَا الْوَزير نصوح باشا ومطلعها
(حياك سرحة دارة الآرام ... وحباك دِيمَة مزنة وغمام)
الى أَن قَالَ فِيهَا
(ذَاك النصوح أَبُو الوزارة من رقى ... فلك العلى وَعلا على بهْرَام)
وَمِنْهَا
(تجرى الامور بوفق مَا يختاره ... ويطيعه العاصى بِكُل مرام)
(فكانما الاقدار طوع يَمِينه ... بعد الْمُهَيْمِن فى قضا الاحكام)
(قطب تَدور عَلَيْهِ دولة أَحْمد ... ملك الدنا بِالْحلِّ والابرام)
(هابته أنفاس النُّفُوس بأسرها ... فى النَّاس بعد الْعَالم العلام)
(ولبأس شدته الاسود تشردت ... وتسترت فى الغاب وَالْآجَام)
مِنْهَا
(يلقاك بالبشر الذى من نشره ... ريح المنى يسرى بِطيب بشام)
(بخلائق تكسو الرياض خلائقا ... فتضيع ريا منْدَل وخزام)
(ويريك من رضوَان عدل جنَّة ... فِيهَا الْحَرْب البغى نَار ضرام)
مِنْهَا
(يَا أَيهَا الطود الْعَظِيم وَصَاحب الطول الجسيم وجوشن الاسلام)
(ألبست من حلل الوزارة خلعة ... فنع الالى مِنْهَا بطيف مَنَام)
مِنْهَا
(مَا دَار فى فلك المدير مَدَاره ... الا لنصرك فى أَلد خصام)
الى أَن قَالَ فى آخرهَا
(كتبت مدائحك الليالى أشطرا ... تبقى بقيت على مدى الايام)
وَقلت أَنا الْفَقِير فى تَرْجَمته حَكِيم أَخذ حَظه من الْحِكْمَة فَنَطَقَ بهَا وَالْحكمَة حَظّ النَّفس الناطقه فَمَا سرى ذهنه فى استقصاء غَرَض الا وَكَانَت الصِّحَّة لَهُ موافقه فَلَو عالج نسيم الصِّبَا لما اعتل فى سحره والجفن الْمَرِيض لزانه وَزَاد فى حوره
(وَلَو أَنه طب الزَّمَان بِعِلْمِهِ ... لبراه من دَاء الْجَهَالَة بِالْعلمِ)
حكى لى المرحوم السَّيِّد عبد الله الحجازى قَالَ رَأَيْته وَقد ملك كَامِل الصِّنَاعَة وَبلغ الْغَرَض فى البلاغة والبراعة وأملى مَالا يسع واعتدلت مَعَ الطبائع الاربع وَفصل الموجز بفصيح الْعبارَات وَعلم الاسباب مِنْهَا والعلامات فاويت مِنْهُ الى فَاضل جمع شَمل الْفضل بعد شتاته ورد فى جد الادب روح حَيَاته وَأخذت عَنهُ جملَة من فنونه وتمتعت حينا بمصونه ومخزونه وَكَانَ على أسلوب الْحَكِيم ومشرب النديم وَلِهَذَا كثر القَوْل فى اعْتِقَاده حَتَّى صرح كثير بالحاده وَقد وقفت لَهُ على قصيدة أثبت مِنْهَا هَذَا الْقدر ومستهلها قَوْله
(سرت وَاللَّيْل محلول الوشاح ... ونسر الجو مبلول الْجنَاح)
(وَعقد الزهر مُنْتَظم الدرارى ... كثغر الْبيض يبسم عَن اقاح)
(وزاهى الرَّوْض اسفر عَن زهور ... بهَا ظمأ الى مَاء الصَّباح)
(كَانَ كواكب الظلماء روم ... على دهم تهب الى الكفاح)
[ (اذا انعكست أشعتها تردت ... على صفحات غُدْرَان البطاح)
(تحاول ستر مسراها بوهن ... وَقد أرجت برياها النواحى)
(فواعجبا أتخفى وهى بدر ... وشمس فى الحظائر والضواحى)
(أما علمت عبير الْمسك مِنْهَا ... يسنم بهَا الى واش ولاح)
(مهفهفة يغار الْبَدْر مِنْهَا ... ويخجل قدها هيف الرماح)
(تمازج حبها بدمى وروحى ... مزاج الراح بِالْمَاءِ القراح)
(فَأصْبح فى الملا طبعى وخلقى ... وَمَا فى الطَّبْع عَنهُ من براح)
(كَانَ الله لم يخلق فؤادى ... لغير الوجد بالخود الرداح)
(أحن الى هَواهَا وَهُوَ حتفى ... كَمَا حن السقيم الى الصّلاح)
(وأصبو والصبابة برحتنى ... وأنحلت الْجَوَارِح بالبراح)
(فلولا الطمر يمسك من خيالى ... لطار من النحول من الرِّيَاح)
(أبث لطرفها شكوى فؤادى ... وَهل يشكو الجريح الى السِّلَاح)
(وأطمع ان يزايلنى هَواهَا ... وَهل حذر من الْمَقْدُور ماح)
(فَلَا تأوى لكسرة ناظريها ... فكم ألوت بألباب صِحَاح)
(أفق يَا حب لَيْسَ الْحبّ سهلا ... فكم جد تولد من مزاح)
(رويدك كم تبيت تَئِنُّ وجدا ... كَمَا أَن الطعين من الْجراح)
(وقائلة أرى نجما تبدى ... بلَيْل عوارض كالصبح ضاح)
(أبعد الشيب تمزح بالتصابى ... وتمرح فى برود الافتضاح)
(فَمَا ماضى الشبيبة مسترد ... وَلَا الخسران يسمح بالرباح)
(فَمَا ماضى الشبيبة مسترد ... وَلَا الخسران يسمح بالرباح)
(فدع حب الغوانى فَهُوَ فى ... وتفنيد يحيد عَن الْفَلاح)
وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف باسحقلى قريب من قونيه وَهُوَ رَاجع من قسطنطينية
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر