اسحق بن مُحَمَّد العبدي الصعدي اليماني
ولد تَقْرِيبًا في وسط الْقرن الحادي عشر وَقَرَأَ على شُيُوخ عصره في جَمِيع الْفُنُون وبرع وفَاق الأقران وَصَارَ مُنْفَردا فِي جَمِيع علومه وَله شُيُوخ أجلاء مِنْهُم القاضي صَالح بن مهدي المقبلي الآتي ذكره واتصل بالإمام المهدي صَاحب الْمَوَاهِب فَعَظمهُ وَصَارَ من جملَة وزرائه بعد أَن كَانَ في غَايَة الْفقر وَنِهَايَة المكابدة للْحَاجة ثمَّ جرى بَينه وَبَينه شئ فارتحل الْمَذْكُور إلى بِلَاد الْهِنْد وأكرمه سلطانها إكراماً عَظِيما وطوف تِلْكَ الْبِلَاد وَتردد فِي الْجِهَات واتصل بالعلماء والملوك وَغَيرهم وظفر بكتب وَاسِعَة وتبحر في المعارف ودرّس وصنّف فَمن مصنّفاته الحافلة المفيدة الْمُؤلف الَّذِي سَمَّاهُ الاحتراس مجيبا على الكردى مؤلف النبراس الَّذِي اعْترض بِهِ على مؤلف الامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْمُسَمّى بالأساس وَلَقَد أَتَى صَاحب التَّرْجَمَة في مُؤَلفه هَذَا بِمَا يفوق الْوَصْف من التحقيقات الباهرة وضايق الكردي مَعَ تبحره فِي الْعُلُوم مضايقة شَدِيدَة وَكَانَ يبين مَوَاضِع نقل الكردي ثمَّ ينْقل بَقِيَّة الْكَلَام الَّذِي تَركه فِي الْمَنْقُول مِنْهُ كالمواقف والمقاصد وَشرح التَّجْرِيد وَنَحْو ذَلِك وَكَثِيرًا مَا يُوجد في الْكَلَام مَا يدْفع مَا أوردهُ الكردي ثمَّ بعد ذَلِك يتَكَلَّم بِكَلَام لَا يعرف قدره إلا من تبحر في عُلُوم الْعقل وَالنَّقْل وَلَقَد سلك مسالك في هَذَا الْكتاب يبعد الْوُصُول إليها من كثير من الْمُحَقِّقين وَله أشعار رائقة ورسائل فائقة وترسلات بليغة وخطه في الطَّبَقَة الْعليا من الْحسن وَحَاصِله أَن مثله فِي مَجْمُوعه قَلِيل النظير وَتوفى فِي سنة 1115 خمس عشرَة وَمِائَة وَألف بأبي عَرِيش وقبر هُنَالك وَمن نظمه
(قف بالرسوم العافيات نادباً ... وأدّ من حق الْبكاء وَاجِبا)
(وناد وصل الغانيات نَادِما ... يَا آيباً أَن لَا يكون آيبا)
(فَلَا تلام إن وقفت شاكياً ... وإن وقفت الدمع فِيهَا ساكبا)
(معاهد عهدتها ملاعبا ... فقد غَدَتْ برغمنا متاعبا)
(مازلت فِي شرع الغرام قَاضِيا ... لكنّه غَدا عليّ قاضبا)
(وَلم تكن عزايمى نوائباً ... وَكم وقفت في النَّوَى نوائبا)
(فَمَا لمخضوب البنان معرضاً ... عَن وصل مسلوب الْجنان جانبا)
وَمن شعره أَيْضا قَوْله
(أَمر بدارها فأطوف سبعاً ... وألثم ركنها من بعد لمس)
(فسموني بِعَبْد الدَّار جهلاً ... وَمَا علمُوا بانى عبد شمس
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني