بشار بن برد أبي معاذ البصري

مرعث بشار

تاريخ الولادة77 هـ
تاريخ الوفاة167 هـ
العمر90 سنة
مكان الولادةالبصرة - العراق
مكان الوفاةالبصرة - العراق
أماكن الإقامة
  • البصرة - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

بَشَّارُ بنُ بُرْدٍ: شَاعِرُ العَصْرِ, أبي مُعَاذٍ البَصْرِيُّ, الضَّرِيْرُ, بَلَغَ شِعرُه الفَائِقُ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ. نَزَلَ بَغْدَادَ وَمَدَحَ الكُبَرَاءَ.

الترجمة

بَشَّارُ بنُ بُرْدٍ:
شَاعِرُ العَصْرِ, أبي مُعَاذٍ البَصْرِيُّ, الضَّرِيْرُ, بَلَغَ شِعرُه الفَائِقُ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ. نَزَلَ بَغْدَادَ وَمَدَحَ الكُبَرَاءَ. وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي عُقَيْلٍ وَيُلَقَّبُ بِالمُرَعَّثِ لِلُبْسِه فِي الصِّغَرِ رِعَاثاً وَهِيَ الحلقُ وَاحِدُهَا رَعَثَةٌ وَوُلِدَ أَعْمَى.
قَالَ أبي تَمَّامٍ: هُوَ أَشعَرُ النَّاسِ والسيد الحميري في وقتهما. وهو القائل:
أَنَا وَاللهِ أَشْتَهِي سِحْرَ عَيْنَيْ ... كِ وَأَخْشَى مَصَارِعَ العُشَّاقِ
وَلَهُ:
هَلْ تَعْلَمِيْنَ وَرَاءَ الحُبِّ مَنْزِلَةً ... تُدْنِي إِلَيْكِ فَإِنَّ الحُبَّ أَقْصَانِي
قُلْتُ: اتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ, فَضَرَبَهُ المَهْدِيُّ سَبْعِيْنَ سَوْطاً لِيُقِرَّ, فَمَاتَ مِنْهَا. وَقِيْلَ: كَانَ يُفَضِّلُ النَّارَ, وَيَنْتَصِرُ لإِبْلِيسَ. هَلَكَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ وَبَلغَ التسعين.
سير أعلام النبلاء - لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

بشار بن برد العُقيلي،
بالولاء، أبو معاذ: أشعر المولدين على الإطلاق. أصله من طخارستان (غربيّ نهر جيحون) ونسبته إلى امرأة (عُقيلية) قيل إنها أعتقته من الرق. وكان ضريرا.
نشأ في البصرة وقدم بغداد. وأدرك الدولتين الأموية والعباسية. وشعره كثير متفرق من الطبقة الأولى، جمع بعضه في (ديوان - ط) 3 أجزاء منه. قال الجاحظ: (كان شاعرا راجزا، سجّاعا خطيبا، صاحب منثور ومزدوج، وله رسائل معروفة) . واتهم بالزندقة فمات ضربا بالسياط، ودفن بالبصرة. وكانت عادته، إذا أراد أن ينشد أو يتكلم، أن يتفل عن يمينه وشماله ويصفق بإحدى يديه على الأخرى ثم يقول. وأخباره كثيرة. ولبعض المعاصرين كتب في سيرته، منها (بشار بن برد - ط) لإبراهيم عبد القادر المازني، ومثله لأحمد حسين منصور، ولحسنين القرني، ولمحمد علي الطنطاوي، ولحنا نمر، ولعمر فروخ  .

-الاعلام للزركلي-

بشار بن برد
أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء الضرير الشاعر المشهور؛ ذكر له أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني ستة وعشرين جدا أسماؤهم أعجمية، أضربت عن ذكرها لطولها واستعجامها وربما يقع فيها التصحيف والتحريف، فإنه لم يضبط شيئاً منها، فلا حاجة إلى الإطالة فيها
بلا فائدة، وذكر من أحواله وأموره فصولا كثيرة.
وهو بصري قدم بغداد، وكان يلقب بالمرعث، وأصله من طخارستان من سبي المهلب بن أبي صفرة، ويقال: إن بشاراً ولد على الرق أيضا، وأعتقته امرأة عقيلية فنسب إليها، وكان أكمة ولد أعمى، جاحظ الحديقتين، قد تغشاهما لحم أحمر. وكان ضخماً عظيم الخلق والوجه مجدراً طويلاً، وهو في أول مرتبة المحدثين من الشعراء المجيدين فيه، فمن شعره في المشورة، وهو من أحسن شيء قيل في ذلك:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصاحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فريش الخوافي تابع للقوادم
وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم وله البيت السائر المشهور، وهو:
هل تعلمين وراء الحب منزلة ... تدني إليك فإن الحب أقصاني ومن شعره، وهو أغزل بيت قاله المولدون:
أنا والله أشتهي سحر عيني ... ك وأخشى مصارع العشاق ومن شعره أيضاً:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي القلب ما كانا أخذ معنى البيت الأول لأب حفص عمر المعروف بابن الشحنة الموصلي من جملة قصيدة عدد أبياتها مائة وثلاثة عشر بيتاً يمدح بها السلطان صلاح الدين، رحمه الله تعالى، فقال:
وإني امرؤ أحببتكم لمكارم ... سمعت بها والأذن كالعين تعشق (31) وشعر بشار كثير سائر، فنقتصر منه على هذا القدر.

وكان يمدح المهدي بن المنصور أمير المؤمنين، ورمي عنده بالزندقة، فأمر بضربه فضرب سبعين سوطاً، فمات من ذلك في البطيحة بالقرب من البصرة، فجاء بعض أهله فحمله إلى البصرة ودفنه بها، وذلك في سنة سبع، وقيل: ثمان وستين ومائة، وقد نيف على تسعين سنة، رحمه الله تعالى.
ويروى عنه أنه كان يفضل النار على الأرض، ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم صلوات الله عليه وسلامه، وينسب إليه من الشعر في تفضيل النار على الأرض قوله:
الأرض مظلمة، والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار وقد روي أنه فتشت كتبه فلم يصب فيها شيء مما كان يرمى به، وأصيب له كتاب فيه إني أردت هجاء آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس - رضي الله عنهم - فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت عنهم والله أعلم بحاله.
وقال الطبري في تارخه : كان سبب قتل المهدي لبشار أن المهدي ولى صالح بن داود أخا يعقوب بن داود وزير المهدي ولايةً، فهجاه بشار بقوله ليعقوب:
هم حملوا فوق المنابر صالحاً ... أخاك فضجت من أخيك المنابر فبلغ يعقوب هجاؤه، فدخل على المهدي وقال له: إن بشارا هجاك، قال: ويلك، ماذا قال قال: يعفيني أمير المؤمنين من إنشادذلك، فقال: لا بد، فأنشده:
خليفة يزني بعماته ... يلعب بالدبوق والصولجان
أبدلنا الله به غيره ... ودس موسى في حر الخيزران

فطلبه المهدي، فخاف يعقوب أن يدخل عليه فيمدحه فيعفو عنه، فوجه إليه من ألقاه في البطيحة.
ويرجوخ: بفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الراء وضم الجيم وبعد الواو الساكنة خاء معجمة.
والعقيلي - بضم العين المهملة وفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام - هذه النسبة إلى عقيل بن كعب، وهي قبيلة كبيرة.
والمرعث - بضم الميم وفتح الراء وتشديد العين المهملة المفتوحة وعدها ثاء مثلثة - وهو الذي في أذنه رعاث، والرعاث القرطة، واحدتها رعثة، وهي القرط، قلب بذلك لأنه كان مرعثاً في صغره، ورعثات الديك المتدلي أسفل حنكه، والرعث: الاسترسال والتساقط، وكأن اسم القرطة اشتق منه، وقيل في تلقيبه بذلك غير هذا، وهذا أصح.
وطخارستان - بضم الطاء المهملة وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف راء مضمومة وبعدها سين ساكنة مهملة ثم تاء مثناة من فوقها وبعد الألف نون - وهي ناحية كبيرة مشتملة على بلدان وراء نهر بلخ على جيحون خرج منها جماعة من العلماء.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

تتمات..

وهو من [الشعراء] مخضرمي الدولتين العباسية والأموية وقد نبغ فيهما ومدح وهجا وأخذ الجوائز السنية مع الشعراء.
قال أبو عبيدة : لقب المرعث لأنه كان في أذنه وهو صغير رعاث والرعاث القرطة واحدتها رعثة وجمعها رعاث، ورعثات الديك اللحم المتدلي تحت حنكه.
قال محمد بن يزيد العجلي: سمعت الأصمعي يذكر أن بشاراً كان أشد تبرماً بالناس، وكان يقول: الحمد لله الذي أذهب بصري، فقيل له: ولم ذاك يا أبا معاذ فقال: لئلا أرى من أبغض. وكان يلبس قميصاً له لبنتان فإذا أراد أن ينزعه نزعه من أسفله، وبذلك تسمى المرعث.
قال الأصمعي: ولد بشار أعمى فما نظر إلى الدنيا قط، وكان يشبه الأشياء في شعره بعضها ببعض فيأتي بما لا يقدر البصراء على أن يأتوا بمثله، فقيل له يوماً وقد أنشد قوله:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه ما قيل أحسن من هذا التشبيه، فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قط ولا شيئاً فيها فقال: إن عدم النظر يقوي ذكاء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الأشياء فيتوفر حسه وتذكر قريحته.
وقال أبو العواذل زكريا بن هارون: قال لي بشار: لي اثنا عشر ألف قصيدة أفما في كل قصيدة بيت جيد
وحكي عنه أنه قال: هجوت جريراً فأعرض عني ولو هجاني لكنت أشعر الناس.
وكان بشار يدين بالرجعة ويكفر الجميع من الأمم ويصوب رأي إبليس في تقديم النار على الطين، وقد ذكر ذلك في شعره حيث يقول:
الأرض مظلمة والنار مشرفة ... والنار معبودة مذ كانت النار رأيت في بعض الكتب أن عبد الله بن ظاهر لما قدم نيسابور صحبه من أولاد المجوس شاب متطبب يدعي تحقيق الكلام فأظهر مسئلة تحريق النفس بالنار، وكان يزعم أن الجسد منتن في حال الحياة فإذا مات فلا حكمة في دفنه والتسبب إلى زيادة نتنه، وإن الواجب إحراقه وإذراء رماده، فقيل لبعض الفقهاء: إن الناس قد افتتنوا بمقالة المجوسي، فكتب الفقيه إلى عبد الله بن طاهر أن اجمع بيننا وبين هذا المجوسي نسمع منه؛ فاجتمعوا بمجلس عبد الله بن طاهر، فلما تكلم المجوسي بمقالته تلك قال له الفقيه: أخبرنا عن صبي تداعته أمه وحاضنته أيهما أولى به، فقال: الأم، فقال: إن هذه الأرض هي الأم منها خلق آدم وأولى بأولادها أن ترد إليها، وأنشد لأمية بن أبي الصلت:
والأرض معقلنا وكانت أمنا ... فيها مقابرنا ومنها نولد فأفحم المجوسي وقطعه.
وكان الأصمعي يقول: بشار خاتمة الشعراء والله ولولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم.
ولقي أبو عمرو ابن العلاء بعض الرواة فقال: يا أبا عمرو من أبدع الناس بيتاً فقال: الذي يقول:
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيف ألم
روحي عني قليلاً واعلمي ... أنني يا عبد من لحم ودم
[إن في بردي جسماً ناحلاً ... لو توكأت عليه لانهدم
ختم الحب لها في عنقي ... موضع الخاتم من أهل الذمم] قال: فمن أمدح الناس قال: الذي يقول:
لمست بكفي كفه ابتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني، فأتلفت ما عندي قال: فمن أهجى الناس قال: الذي يقول:
رأيت السهيلين استوى الجود فيهما ... على بُعد ذا من ذاك في حكم حاكم
سهيل بن عثمان يجود بماله ... كما جاد بالوجعا سهيل بن سالم

قال: ويحك هذه الأبيات كلها لبشار.
وقال محمد بن الحجاج: قلت لبشار: إني أنشدت فلاناً قولك:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه فقال: ما كنت أظنه إلا لرجل كبير، فقال لي بشار: ويلك أفلا قلت له هو والله أكبر الإنس والجن
وحدث الأصمعي قال: قلت لبشار: يا أبا معاذ، الناس يعجبون من أبياتك في المشورة، قال: يا أبا سعيد إن المشاور بين صواب يفوز بثمرته، أو خطأ يشارك في مكروهه، فقلت له: أنت والله في قولك أشعر منك في شعرك.
وقيل لبشار: ما لكم معشر الشعراء لا تكافأون في قدر مديحكم قال: لأنا نكذب في العمل فنكذب في الأمل؛ ومثل هذا قيل لأبي يعقوب الخزيمي محمد ابن منصور بن زياد: شعرك في مديحك أجود من شعرك في مرائيك، قال: إن ذلك للرجاء وهذا للوفاء وبينهما بون.
وقيل: كان بشار جالساً في دار المهدي والناس ينتظرون الإذن، فقال بعض موالي المهدي لمن حضر: ما عندكم في قول الله عز وجل (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً) فقال له بشار: النحل التي تعرفها الناس، فقال: هيهات يا أبا معاذ، النحل بنو هاشم وقوله (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه يه شفاء للناس) يعني أهل العم، فقال له بشار: أرني الله شرابك وطعامك وشفاءك مما يخرج من بطون بني هاشم فقد أوسعت غثاثة، فغضب وشتم بشاراً، وبلغ المهدي الخبر فدعا بهما وسألهما عن القصة فحدثه بشار بها، فضحك حتى أمسك على بطنه، ثم قال للرجل: فجعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم فإنك بارد غث.
قال: ودخل يزيد بن منصور الحميري على المهدي وبشار بين يديه ينشده قصيدة امتدحه بها، فلما فرغ منها أقبل عليه يزيد من منصور وكان فيه غفلة

فقال: يا شيخ ما صناعتك قال: أثقب اللؤلؤ، فضحك المهدي ثم قال لبشار: أعزب، أتتنادر على خالي فقال: وما أصنع به يرى شيخاً أعمى ينشد الخليفة شعراً يسأله عن صناعته.
ووقف على بشار بعض المجان وهو ينشد شعراً بسكة فقال له: استر شعرك كما تستر عورتك، فصفق بشار بيديه وغضب وقال له: ويلك من أنت فقال: أنا أعزك الله رجل من باهلة وأخوالي سلول وأصهاري عك واسمي كلب ومولدي بأضاخ ومنزلي بنهر بلال، قال: فضحك بشار وقال: اذهب ويلك فأنت عتيق لؤمك، قد علم الله أنك استترت مني بحصون من حديد.
ومر بشار برجل قد رمحته بغلة وهو يقول: الحمد لله شكراً، فقال له: استزده يزدك. ومر به قوم يحملون جنازة وهم يسرعون المشي بها فقال: ما لهم مسرعين أتراهم سرقوها فهم يخافون أن يلحقوا فتؤخذ منهم
وكان رجل من أهل البصرة ممن كان يتزوج النهاريات قال: تزوجت امرأة منهن فاجتمعت معها في علو بيت وبشار تحتنا، أو كنا في سفل وبشار يعلوه [مع امرأة] ، فنهق حمار في الطريق فأجابه حمار في الجيران وحمار في الدار، فارتجت الناحية بنهيقهما، وضرب الحمار الذي في الدار برجله وجعل يدقها دقاً شديداً فسمعت بشاراً يقول للمرأة: نفح يعلم الله في الصور وقامت القيامة، أما تسمعين كيف يدق على أهل القبور حتى يخرجوا منها قال: ولم تلبث أن فزعت شاة وكانت في السطح فقطعت حبلها وعدت فألقت طبقاً فيه غضارة إلى الدار، فانكسرت، وتطاير حمام ودجاج كان في الدار لصوت الغضارة، وبكى صغير في الدار، فقال بشار: صح الخبر يعلم الله، أزفت الآزفة وزلزلت الأرض، فعجبت من كلامه وغاظني، فسألت: من المتكلم فقيل لي: بشار، فقلت: قد علمت أنه لا يتكلم بهذا غير بشار.
وتوفي ابن لبشار فجزع عليه فقيل له: اجر قدمته وفرط أفرطته وذخر أحرزته، فقال: ولد دفنته وثكل تعجلته وغيب وعدته وانتظرته، والله لئن لم أجزع للنقص لم أفرح بالمزيد، وقال يرثيه من أبيات:

عجبت لإسراع المنية نحوه ... وما كان لو مليته بعجيب قيل: رفع غلام بشار ليه في حساب نفقته جلاء مرآة عشرة دراهم، فصاح به بشار وقال: والله ما سمع بأعجب من هذا، جلاء مرآة أعمى عشرة دراهم، والله لو صدئت عين الشمس حتى يبقى العالم في ظلمة ما بلغت أجرة من يجلوها عشرة دراهم.
وحضر بشار باب محمد بن سليمان فقال له الحاجب: اصبر، فقال: الصبر لا يكون إلا عن ثلاثة، فقال الحاجب: إني أظن وراء قولك هذا شراً، ولن أتعرض إليك، قم فأدخل.
وقال هلال بن عطية لبشار وكان صديقاً له يمازحه: إن الله عز وجل لم يذهب بصر أحد إلا عوضه شيئاً، فما عوضك فقال: الطويل العريض، قال: وما هو قال: لا أراك ولا أمثالك من الثقلاء؛ ثم قال: يا هلال أتطيعني في نصيحة أخصك بها قال: نعم، قال: إنك كنت تسرق الحمير زماناً، ثم تبت وصرت رافضياً، فعد إلى سرقة الحمير فهي والله خير لك من الرفض؛ وكان هلال يستثقل، وفيه يقول بشار:
وكيف يخف لي بصري وسمعي ... وحولي عسكران من الثقال
إذا ما شئت صبحني هلال ... وأي الناس أثقل من هلال وقد قيل إن الذي خاطب بشاراً بهذه المخاطبة هو ابن سيابة، فلما أجابه بشار قال له: من أنت قال له: أنا ابن سيابة، قال: يا ابن سيابة، لو نكح الأسد لما افترس؛ قال: وكان يهتم بالابنة.
وقالت امرأة لبشار: ما أدري لم تهابك الناس مع قبح وجهك، فقال بشار: أليس من قبحه يهاب الأسد
وحكى محمود الوراق: أتينا بشاراً فأذن لنا فدخلنا والمائدة موضوعة بين يديه فلم يدعنا إلى طعامه، فلما أكل دعا بطست فكشف عن سوءته وبال، ثم حضرت الظهر والعصر والمغرب فلم يصل، فدنونا منه وقلنا له: أنت أستاذنا فقد رأينا منك أشياء نكرهها، قال: ما هي قلنا: دخلنا والطعام بين يديك

فلم تدعنا، فقال: إنما أذنت لكم لتأكلوا ولو لم أرد ذاك لما أذنت لكم، قال: ثم ماذا قلنا: ودعوت بالطست ونحن حضور فبلت ونحن نراك، فقال: أنا مكفوف وأنتم بصراء وأنتم المأمورون بغض الأبصار دوني، قال: مه ثم ماذا قلنا: حضرت الظهر والعصر والمغرب فلم تصل، قال: إن الذي يقبلها تفاريق يقبلها جملاً.
وحكى أبو أيوب الجرمي قال: قعد إلى جنب بشار رجل فاستثقله فضرط ضرطة، فظن الرجل أنها أفلتت، ثم ضرط أخرى فقال: أفلتت، ثم ضرط ثالثة فقال: يا أبا معاذ ما هذا فقال: مه أرأيت أم سمعت فقال: لا بل سمعت صوتاً قبيحاً، قال: فلا تصدق حتى ترى.
وقيل إن امرأة قالت لبشار: أي رجل أنت لو كنت أسود الرأس واللحية، فقال بشار: أما علمت أن بيض البزاة أثمن من سود الغربان فقالت: أما قولك فحسن في السمع، فمن لك بأن يحسن [شيبك] في العين كما حسن [قولك] في السمع فكان بشار يقول: ما أفحمني إلا هذه المرأة.
وقال بعض الشعراء: أتيت بشاراً وبين يديه مائتا دينار فقال لي: خذ منها ما شئت، أو تدري ما سببها قلت: لا، قال: جاءني فتى فقال: أنت بشار قلت: نعم، فقال لي: كنت آليت على نفسي أن أدفع إليك مائتي دينار، وذلك أني عشقت امرأة وجئت إليها وكلمتها فلم تلتفت إليّ فهممت بأن أتركها ثم ذكرت قولك:
لا يؤنسك من مخبأةٍ ... قول تغلظه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة ... والصعب يمكن بعدما جمحا فعدت إليها ولازمت فناءها، فلم أرجع حتى بلغت حاجتي.
ولما بلغ المهدي هذان البيتان استدعاه فلما قدم عليه استنشده فأنشده إياهما، وكان المهدي غيوراً، فقال: تلك أمك يا عاض كذا وكذا من أمه، تحض النساء على الفجور وتقذف المحصنات المخبآت! والله لئن قلت بعد هذا بيتاً واحداً فيه تشبيب لآتين على نفسك! ولم يحظ بشيء منه فهجاه في قصيدة فقال:

خليفة يزني بعماته ... يلعب بالدبوق والصولجان
أبدلنا الله به غيره ... ودس موسى في حر الخيزران وأنشدها في حلقة ابن يونس النحوي فسعي به إلى يعقوب بن داود وكان بشار قد هجاه فقال:
بني أمية هبوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الناي والعود فدخل يعقوب على المهدي فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا الأعمى الملحد الزنديق بشاراً قد هجاك، قال: بأي شيء قال: بما لا ينطق به لساني ولا يتوهمه فكري، فقال: بحياتي أنشدني إياه، فقال: والله لو خيرتني بين إنشادي إياه وضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي، فحلف عليه المهدي بالأيمان المغلظة التي لا فسحة له فيها أن يخبره، فقال: أما لفظاً فلا ولكني أكتب لك، فكتبه ودفعه إليه فكاد ينشق غيظاً، وعمل على الانحدار إلى البصرة للنظر في أمرها، وما وكده غير بشار، فانحدر، فلما بلغ البطيحة سمع أذاناً في ضحى النهار فقال: انظروا ما هذا الأذان، فإذا بشار سكران فقال له: يا زنديق يا عاض بظر أمه، عجبت أن يكون هذا غيرك، أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران! ثم دعا بأبي نهيك وأمره بضربه فضربه بين يديه على صدر الحراقة سبعين سوطاً أتلفه فيها، فكان إذا أصابه السوط يقول: حس حس، وهي كلمة تقولها العرب للشيء إذا أوجع، فقال له بعضهم: انظر إلى زندقته يا أمير المؤمنين، يقول حس ولا يقول: بسم الله، فقال: ويلك أطعام هو فأسمي عليه قال له آخر: أفلا قلت: الحمد لله قال: أو هي نعمة فأحمد الله عليها إنما هي بلية أسترجع منها؛ فلما ضربه سبعين سوطاً بان الموت فيه، فألقي في سفينة، فقال: ليت عين أبي الشمقمق تراني حيث يقول:
إن بشار بن برد ... تيس أعمى في سفينه

ولما مات ألقيت جثته في البطيحة في موضع يعرف بالجرار فحمله الماء فأخرجه إلى دجلة، فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة لدفنه؛ قال النوفلي: فأخرجت جنازته فما تبعه أحد إلا جارية سوداء سندية عجماء رأيتها خلف جنازته تصيح: واسيداه، ما تفصح؛ ولما نعي لأهل البصرة تباشر عامتهم وهناً بعضهم بعضاً، وحمدوا الله وتصدقوا ما كانوا قد بلوا به من لسانه.
وقيل: كان سبب قتل بشار أن صالح بن داود لنا ولي أخوه يعقوب بن داود وزير المهدي البصرة قال يهجوه:
هم حملوا فوق المنابر صالحاً ... أخاك فضجت من أخيك المنابر فبلغ ذلك يعقوب بن داود فسعى فيه بما تقدم. وكانت وفاته وقد ناهز تسعين سنة، ودفن بالبصرة في سنة سبع وقيل ثمان وستين ومائة، رحمه الله تعالى.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

قال محمد بن الحجاج: كنا مع بشار [فجاءه] رجل فسأله عن منزل رجل ذكره له، فجعل بشار يفهمه ولا يفهم، فأخذه بيده وقام يقوده إلى منزل الرجل وهو يقول:
أعمى يقود بصيراً لا أبا لكم ... قد ضل من كانت العميان تهديه حتى صار إلى منزل الرجل، ثم قال له: هذا منزله يا أعمى.
ولما سمع بشار قول العباس بن الأحنف:
لما رأيت الليل سد طريقه ... دوني وعذبني الظلام الراكد
والنجم في كبد السماء كأنه ... أعمى تحير ما لديه قائد قال: قاتل الله هذا الغلام، ما رضي إذ جعله أعمى حتى جعله بلا قائد! ومن شعره، أعني بشاراً:
أقول وليلتي تزداد طولاً ... أما لليل عندكم نهار
جفت عيني عن التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

عُمْدَةُ الشعراء أبو معاذ بَشَّار بن بُرْد [بن] يَرْجُوخ العُقَيْليّ بالولاء الشاعر المشهور الأعمى، الملقب بالمرعَّثْ، المتوفى مضروباً في البطيحة بالقرب من البصرة سنة سبع وستين ومائة، وقد نَيَّف على تسعين سنة.
ذكر أبو الفرج في "الأغاني" من أحواله فصولاً كثيرة وهو بصري قدم بغداد وأصله من طُخَارسْتَان، من سبي المُهَلّب ويقال إنه ولد على الرّق وكان بُرد مولى لأم الظِّباء السدوسية واعتقته امرأةٌ عقيلية فنسب إليها وكان أكمه ولد أعمى جاحظ الحدقتين، قد تَغَشَّاهُمَا لحم أحمر.
وكان ضخماً، عظيم الخلق والوجه، مجدراً، طويلاً أقبح الناس عمىً، وهو في أول مرتبة المُحْدَثين من الشعراء، المجيدين بإجماع الرُّواة ورئاسته عليهم من غير خلاف واشتهر بالمدح والهجاء وأخذ الجوائز السَّنية من الخلفاء وقال الشعر وهو ابن عشر سنين وكان كثير التلون، شديد التعصب للعجم وإذا أراد الإنشاء صفّق بيديه وتنحنح وبصق يميناً وشمالاً ويأتي بالعجب.
وكان يمدح المهدي بن المنصور ورمي عنده بالزَّنْدَقَة فضربه سبعين سوطاً فمات. ذكره ابن خلِّكان. وشعره كثير مشهور.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.