عبد الرزاق بن إبراهيم سويد أبي إبراهيم
تاريخ الولادة | 1365 هـ |
تاريخ الوفاة | 1423 هـ |
العمر | 58 سنة |
مكان الولادة | حلب - سوريا |
مكان الوفاة | حلب - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة العالم الفقيه المنوّر الشيخ: عبد الرزاق سويد - أبو إبراهيم (1946-2003) م
كان الشيخ 《عبد الرزاق سويد بن إبراهيم》رحمه الله من أهل العلم، ومن أهل السير والسلوك فجمع رحمه الله تعالى بين العلم والعمل.
• أما العلم:
فقد كان علمه متينا متبحرا، وذلك من خلال أمور:
تقوى الله عز وجل {واتقوا الله ويعلمكم الله}.
بذل الجهد في التحصيل العلمي والقراءة الكثيرة جداً وهذا ما ذكره أخوه الأستاذ عبد المجيد إذ قال:( ما استيقظت "ونحن في سن الشباب" إلا ورأيت الشيخ يقرأ وبجانبه ركوة من القهوة) وتوفي الشيخ وهو يقرأ كتاب (إعلاء السنن) وهو مرجع كبير في أدلة المذهب الحنفي للمتخصصين.
حبه للكتاب فكان يستأنس كثيرا بالكتب يجلس أمام مكتبته يتأمل الكتب يرتبها يقلبها يتفحصها ويطالع فيها الساعات الطوال.
الذاكرة القوية التي أكرمه الله بها [وكان الشيخ قد أصيب بحادث سيارة أليم في رأسه أضعف الذاكرة القريبة دون البعيدة] فكان الشيخ قبل الحادث ما سُئل عن شيء (غالباً) إلا أجاب، وطلب ممن سأله من أهل بيته ولاسيما ولده عبد القادر الذي كان يطلب العلم في الثانوية الشرعية أن يأتي بالكتاب الفلاني وأن يفتح على الصفحة كذا ويقرأ العبارة فتكون كما ذكرها الشيخ.. وبعد الحادث أيضاً كانت المسائل الفقهية وغيرها حاضرة في ذهن الشيخ يجيب كل من سأله ولله الحمد.
الدروس الكثيرة التي كان يعطيها جعلتْ علمَه متيناً [والعلم يربو(يزكو ويطهر) بالإنفاق] حتى قال لابنه مرةً: (يا بني أحصيت الحصص الدراسية والحلقات والجلسات التي كنت أعطيها في سن الشباب فتجاوزت الثلاثين في الأسبوع).
• وأما الأخلاق والسيْر والسلوك:
فقد كان رحمه الله عالما عاملا، كان ورعاً تقياً عابداً زاهداً بكّاءً من خشية الله صابراً كريماً ..
ومن أهل الصفاء والتسامح.. بار الوالدين، وصولا للرحم، شفوقا على المؤمنين.
وكان من أهل الكرم: كريم ذات اليد، وكريم السجايا.
وكل واحدة من هذه الأخلاق لها شواهد في سيرته يضيق المجال عن الكتابة فيها.
سلك الطريقةَ الشاذلية بتعرّفه على سيدي الشيخ العارف بالله الوارث لرسول الله صلى الله عليه وسلم المربي عبد القادر عيسى في جامع العادلية وساحة حمد في مقتبل حياته ونشأته، وكان ذلك بابَ السعادة في دنياه، وكذا نرجو أن يكون في آخرته، حيث انصبغت حياته بآثار صحبته له واستفادته من توجيهاته.
كانت له كلمات وحاضرات مشهودة يلقيها في المجلس العام كل يوم جمعة (بين الظهر والعصر) عن أحد رجالات الطريقة الأعلام رضوان الله تعالى عليهم. تحفل بها الأشرطة المسجلة باسم (من نفحات العادلية).
وبعد وفاة شيخه سيدي الشيخ عبد القادر عيسى تابع سيرَه بصحبة خليفته سيدي الشيخ المحقق المجدد مربي المريدين أحمد فتح الله جامي الخالدي نسبا المرعشي إقامة. فكانت صحبته له قلادةً تُشرِّفُ وتزينُ عنقَه في السير والسلوك.
من مواقفه معه: أن سيدي الشيخ أحمد جامي كان يداعبه فيقول له: (ياشيخ عبد الرزاق أنت عديلي).{باعتباره زوج أخت زوجته} فيجيبه رحمه الله: (ومن يعدلك ياسيدي).
اشتدّ مرضه في آخر عمره.. دخل عليه ولده فجأةً فرآه يبكي [وكان يتألم..] فقال له: (أبي .. أتبكي؟!..) فقال رحمه الله: (يابني كنت أناجيه ألا يخرجني من دائرة الرّضا.).
في التاسع عشر من رمضان.. وفي يوم الجمعة صباحاً .. توفي أحد الأقارب فبلغه خبرُ الوفاة فقال: (هنيئاً لهم يوم مبارك وشهر مبارك نسأل الله أن يكرمنا بذلك..).
وقبل المغرب بنفس اليوم قال لابنه عندما سمعه يوجه أولاد أخته الذين توفيت جدتهم من طرف أبيهم يطلب منه الدعاء لجدتهم فقال الشيخ رحمه الله: (من توفي؟.. جدتهم أم جدهم ؟..) وهو يبتسم ..
ويُقسم ولده بالله أنه فهم على الشيخ أنه ينعي نفسه .. وبعد ساعة، وقد اقترب أذان المغرب أدخل ولدُه طعام الإفطار وقال للشيخ:(أين تريد وضع الطعام على الطاولة أم على الأرض؟). فجلس على الأرض وقال: على الأرض وتلا قولَ الله تعالى:{منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى}. وبعد الأذان بدقائق قليلة وهو يفطر، لفظ الشيخ أنفاسه الأخيرة.
محطات مؤرخة
ولد رحمه الله في عام 1946 في حلب لأبوين كريمين، وسكن في مناطق ساحة حمد وجب القبة وسيف الدولة.
درس في الشعبانية وحصل على البكالوريا الشرعية ثم البكالوريا الادبي عام 1964 برعاية سيدي الشيخ العالم العامل المحدث المفسر عبد الله سراج الدين (المشتهر بحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبتصانيفه المباركة، حتى كان علما من أعلام الشهباء) رحمه الله تعالى.
حصل الشيخ عبد الرزاق على الإجازة الجامعية من جامعة الازهر، كلية أصول الدين وتخرج بدرجة (جيد جدا) عام 1968. وقد لفت في الكلية أنظار كثير من أساتذته بنبوغه واجتهاده منهم الدكتور محمد أبو زهرة الذي كان ينقل عنه الكثير من المواقف والأحكام، رحمهم الله تعالى.
درّس في ثانويات حلب وغيرها مادة التربية الاسلامية لسنواتٍ استمرت حتى وفدَ إلى المدينة المنورة عام 1980.
عمل معيدا ومشرفا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لمدة خمسة أعوام ملتمسا الجوار المبارك للحضرة النبوية الشريفة، وليكون ملازما لشيخه سيدي عبد القادر عيسى خلال وجودهما فيها. ثم عاد إلى حلب موطنِه عام 1985.
في عام 1988 أصيب بحادث أليم صدع جمجمتَه وأدخله في غيبوبة كاملة استمرت أياما وأياما، إلى أن تعافى منها. لكنه كان مثالا للصبر آجره الله عليه أحسن الجزاء.
كان رحمه الله قد تزوج في عام 1972من الكريمة بنت (الكريمين الحاج محمد كمال بيطار ذلك الرجل الطيب المحب للأولياء والصالحين وزوجته الوجيهة). وأنجبت له تسعة أولاد منهم أربعة ذكور. وكل أولاده متزوجون ولهم أولاد. حتى بلغ مجموع أولاده مع أحفاده عدد( 53 ) بتاريخ كتابة هذه الكلمات2020 . بارك الله تعالى له في ذريته وذريات جميع المؤمنين.
توفي رحمه الله تعالى في عام 2003 عن عمر ناهز سبعا وخمسين عاما ودفن في مقبرة الصالحين بحلب، جعله الله تعالى غريق رحمته، وأخلفنا في مصيبتنا به خيرا.
من مآثره الطيبة
كان رحمه الله تعالى عالي الخلق متمسكا بالسنة، سيْما العلماء ظاهرةٌ عليه تغمره بسمتٍ رصين يملأ عين الناظر بهجةً وهيبةً.
حريصا على العلم الشرعي (تعلما وتعليما، وكذا تطبيقا والتزاما).
كان دمث الأخلاق لطيفا محبوبا ذو شخصية آسرة. لانعرف أحدا من المؤمنين يعرفه إلا ويثني عليه الثناء العاطر، حتى لو كان التقاه مرةً واحدة. ومع ذلك اللطف المتأصل به كنت ترى عنده من الرجولة ما يجعله مُهابا صاحب موقف معتبر يرشحه للمُلِمّات، فإذا غضب (وقلما كان ذلك) لا تقوم أمام غضبته قائمة .
إذا جلس مع العلماء كان لكلمته وفتواه وزنُها، حتى أنني سمعت مرارا سيدي الشيخ محمد الشهابي (أمين الفتوى في حلب لعهد طويل) يخاطبه قائلا له (أنت شيخي)، يقرّ له بنوعِ سبقٍ وتقدم. رحمهما الله تعالى.
كان شديد الإحساس بأوضاع الامة الاسلامية، يحمل همها، يتألم لآلامها، يسعى في دفع الجهل ونشر الوعي ونبذ الخرافات، ممتثلا قول الحبيب المصطفى (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم).
لبس العمامة
من المواقف التي تذكر له، أنه لما كان في الصف الحادي عشر في المدرسة الشعبانية، أَمرت إدارة المدرسة المتمثلة بسيدي الشيخ الجليل عبد الله سراج الدين بأن يلبس الطلابُ العمامةَ المسنونة، فاستجاب الطلاب كلهم إلا الطالب عبد الرزاق.
ولما اجتمع المدرسون مع المدير ذكروا امتناعَه رحمه الله عن لبس العمامة. فدُعي الطالب عبد الرزاق سويد ليمْثُلَ أمام الجميع ولما سأله المدير عن سبب امتناعه عن لبسها أجابه: (سيدي هل يليق أن نبني القبة إذا لم يكن تحتها مزار؟).
فقال المدير. بل المزار موجود. وأنت لك شيخٌ. فاستشر شيخك واعمل بتوجيهه. فلما شاور الطالب شيخه سيدي عبد القادر عيسى أجابه قائلا: (يابني سلم لي على الشيخ عبد الله وقل له : أنا وشيخي بأمرك). وأمره بأن يلبس العمامة. وفي هذه القصة مافيها من عِبَرِ التواضعِ ومعرفة الفضل لأهله ما لايخفى على اللبيب.
الرضا على القضا
ابتلي رحمه الله في أواخر عمره بمرض السكر. وتعرض لبتر إصبع من أصابع قدمه أكثر من مرة، بسبب الغنغرينا.
وفي المرة الثانية من البتر قال لابنه ووجهُه متورد: لولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسأل الله العافية، لكنت سكتُّ، لِما أجد من لذة الرضا على قضاء الله المقرون باللطف الصادر عن العليم الخبير سبحانه. حيث أرجو أن تسبقني تلك الأصابع إلى الجنة.
بشارة
ولما بلغ خبر وفاته إلى شيخه سيدي الشيخ أحمد جامي، قال عنه حفظه الله وأمتع به مع الصحة والعافية:
(وهو من الصادقين. وبقي في الطريق إلى آخر عمره)
بشارة أخرى
رأت إحدى الأخوات الصالحات عند وفاته رؤيا فقالت: رأيت على باب بنايته قد أقبلت الشرطة (الملائكة) تريد أن تشيّعه ويقف معهم سيدي الشيخ عبد القادر عيسى، فسألته عن سبب وجودهم؟ فقال: (أتينا لنتأكد من دمه فوجدناه مطابقا لدمي).
دعاء: اللهم اجبر هذه الأمة عن مصابها بالعلماء العاملين الذين ينطبق عليهم قول الصادق المصدوق (إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة..) وعوضها عن فقدهم خيرا ياأرحم الراحمين.
سطرت هذه الكلمات في ترجمته من قبل ابنه عبد القادر وتلميذه محمد فاخ