أحمد فتحي باشا ابن الشيخ إبراهيم زغلول: من نوابغ مصر في القضاء. ولد في أبيان (من قرى مصر) وسماه والداه (فتح الله صبري) ثم حول اسمه في المدرسة إلى (أحمد فتحي) . تعلم في مدارس مصر ودرس الحقوق في فرانسة وعاد إلى القاهرة سنة 1304هـ فتقلب في المناصب إلى أن وافته منيته في القاهرة، وهو وكيل نظارة الحقانية. له تصانيف ومترجمات جليلة. من كتبه (المحاماة - ط) في الحقوق، و (شرح القانون المدني - ط) و (رسالة في التزوير الخطي - ط) و (التربية العامة - خ) ومن مترجماته عن الفرنسية (أصول الشرائع لبنتام - ط) في مجلدين، و (الإسلام، خواطر وسوانح - ط) و (سر تقدم الإنكليز السكسونيين - ط) و (روح الاجتماع - ط) و (سر تطور الأمم - ط) .
-الاعلام للزركلي-
أحمد فتحي باشا زغلول
(1863 ـ 1914م)
مولده ونشأته: هو أحمد فتحي باشا زغلول، انحدر من أسرة تنتمي إلى بعض قبائل العرب التي استوطنت مصر، ووالدته من أسرة بركات، وهما من (أيبان) من أعمال المديرية الغربية، وكان والده سماه (فتح الله خيري)، ثم غير اسمه وزير المعارف فسماه باسمه (أحمد) لما ظهر له من نجابته، ولقبه ب فتحي للإشارة إلى اسمه الأول.
ولد المترجم في الثاني والعشرين من شهر شباط سنة 1863م، وتلقى العلوم في مدراس الحكومة بمصر والإسكندرية، وأوفده وزير المعارف في عهده للدراسة العالية في فرنسا، فكان في مدارس التعليم كلها آية الذكاء والاجتهاد، ولما عاد من أوروبا دخل في خدمة الحكومة في النيابة والقضاء حتى صار رئيساً لمحكمة مصر الأهلية ووكيلًا لوزارة العدلية.
مواهبه: لقد شهد كل ذي علم وفهم في مصر بأنه بذَّ الأقران، لم يجمع مالاً ولم يتأثل عقاراً، وكان آية في ذكائه، وقد اتفق لهذا الذكي اللوذعي أن ينبت في بيئة خاصة، وقد صحب الإمام محمد عبده فاستفاد من أفكاره السامية، ومقاصده النبيلة، وفصاحته الخلابة، وبلاغته الجذابة ما شاء الله أن يستفيد، وكان زيته صافياً يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار، فاتصل بذلك القبس المتألق، فاشتعل نوراً على نور.
ويروي المرحوم الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار أنه اجتمع بالفقيد لأول مرة في طرابلس الشام أيام كان يطلب العلم فيها، وقد زارها مع الإمام محمد عبده، وكان يلازمه، واستفاد من البيئة الإصلاحية التي جعلت من المترجم خطيباً مفوهاً كما جعلته أديباً وكاتباً قديراً، فكان في مصر ثاني المرحوم محمد عبده في فصاحة لسانه، والتزام الفصيح في أكثر كلامه، وكان علمه ملكة ثابتة، وصفة راسخة، وشجرة مثمرة، فهو واضع اللائحة الإصلاحية للمحاكم الشرعية، وقانون إصلاح الأزهر، وكان الركن الركين لوضع جميع الأنظمة والقوانين، وتشعر الحكومة بحاجتها إلى علمه.
خدماته الاجتماعية: لم تشغل الفقيد خدمة الحكومة عن عنايته بخدمة الأمة بالعلم والعمل، فقد كان عضواً عاملاً في الجمعية الخيرية الإسلامية، وألَّف وترجم عدة كتب يبتغي بها الإصلاح والنهوض بالأمة دون الكسب والثروة، وكان أول ما أخرجه للغة العربية من نفائس المصنفات العربية (كتاب أحوال الشرائع) لنيتام، وهو كتاب جليل في فلسفة القوانين وعللها ومداركها، يعجز عن ترجمته ممن لم يكن راسخاً في علم القوانين والفلسفة، وسعة الاطلاع في علم اللغة، ولو كان العلم في الأمة حيًّا لأعيد طبع هذا الكتاب مراراً.
وكان آخر كتاب ألفه في القضاء (شرح القانون المدني المصري)، وقد تصرف في شرحه وتنسيقه وترتيبه تصرف المصلح المنقح.
وله في المباحث القضائية كتاب حافل سماه (المحاماة)، وقد بيَّن فيه تاريخ المحاماة عند الأمم القديمة، وله ترجمة كتاب (الإسلام خواطر وسوانح) للكونت هنري دي كاستري الفرنسي، في رد مفتريات الصليبيين.
وترجم كتاب (سر تقدم الإنكليز السكسونيين) للطريقة المثلى للتربية والتعليم، وكتاب (روح الاجتماع)، وكتاب (تطور الأمم) كلاهما للفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون، وآخر ما أخرجه قلمه للناس ترجمة رسالة سياسية في سوء حال الدولة العثمانية وشدة حاجتها إلى تغيير وضعها ونظامها.
صفاته: كان نزيه النفس واللسان، وقلما تربى في أوروبة شاب مثله في عفته وصيانته، وأما رأيه في الإصلاح والتجدد فهو أن يبني ولا يهدم، فلم يكن يدعو إلى ترك العادات الضارة ويشنع على أنصارها، لذلك لم يطعن الناس في رأيه ومذهبه كما طعنوا في صديقه قاسم بك أمين، بل لم يكن الجمهور يعرف له رأياً يرمي إليه في الانقلاب الاجتماعي.
وفاته: كان سبب وفاته مرض ألمَّ بدماغه من كثرة التفكير والعمل، ولا غرو فقد كانت قوة ذلك الدماغ أعظم من مادته، وعمله فوق استطاعته، وفي 30 نيسان 1914م انتقل إلى عالم الخلود.
أعلام الأدب والفن، تأليف أدهم آل الجندي الجزء الثاني – ص 455 - 456.