جميل بن عبد الله بن معمر أبي عمرو العذري صاحب بثينة

صاحب بثينة جميل

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاة82 هـ
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةمصر - مصر
أماكن الإقامة
  • الحجاز - الحجاز
  • مصر - مصر

نبذة

جميل بن عبد الله ابن مَعْمَرٍ، أبي عَمْرٍو العُذْرِيُّ الشَّاعِرُ البَلِيْغُ، صَاحِبُ بُثَيْنَةَ، وَمَا أَحْلَى اسْتِهْلاَلَهُ حَيْثُ يَقُوْلُ: أَلاَ أيها النوام ويحكم هبوا أسألكم هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الحُبُّ وَيُحْكَى عَنْهُ: تَصَوُّنٌ، وَدِيْنٌ، وَعِفَّةٌ. يُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: بَلْ عَاشَ حَتَّى وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَنَظْمُهُ فِي الذُّرْوَةِ، يُذْكَرُ مع كثير: عزة، والفرزدق.

الترجمة

جميل بن عبد الله
ابن مَعْمَرٍ، أبي عَمْرٍو العُذْرِيُّ الشَّاعِرُ البَلِيْغُ، صَاحِبُ بُثَيْنَةَ، وَمَا أَحْلَى اسْتِهْلاَلَهُ حَيْثُ يَقُوْلُ:
أَلاَ أيها النوام ويحكم هبوا
أسألكم هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الحُبُّ
وَيُحْكَى عَنْهُ: تَصَوُّنٌ، وَدِيْنٌ، وَعِفَّةٌ.
يُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ. وَقِيْلَ: بَلْ عَاشَ حَتَّى وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ. وَنَظْمُهُ فِي الذُّرْوَةِ، يُذْكَرُ مع كثير: عزة، والفرزدق.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

 

جميل بن عبد الله بن معمر، أبو عمرو العُذْريُّ، الشاعر المشهور، صَاحِبُ بُثَيْنَةَ. [الوفاة: 91 - 100 ه]
رَوَى عَنْ: أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ الْقَائِلُ: [ص:1069]
أَلا لَيْتَ رَيْعَانَ الشَّبَابِ جَدِيدُ ... وَدَهْرًا تَوَلَّى يَا بُثَيْنُ يَعُودُ
فَكُنَّا كَمَا كُنَّا نَكُونُ وَأَنْتُمْ ... صديقٌ وَإِذْ مَا تَبْذُلِينَ زَهِيدُ
لِكُلِّ حديثٍ عِنْدَهُنَّ بشاشةٌ ... وَكُلُّ قتيلٍ عِنْدَهُنَّ شَهِيدُ
وَلَهُ يَرْوِيهِ ثَعْلَبٌ:
خَلِيلَيَّ فِيمَا عِشْتُمَا هَلْ رَأَيْتُمَا ... قَتِيلا بَكَى مِنْ حُبِّ قَاتِلِهِ قَبْلِي
أَفِي أُمِّ عَمْرٍو تَعْذِلانِي هُدِيتُمَا ... وَقَدْ تَيَّمَتْ قَلْبِي وَهَامَ بِهَا عَقْلِي
وَلَهُ يَرْوِيهِ الصَّنْدَلِيُّ:
أَرَيْتُكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ الْوِدّ عَنْ قِلًى ... وَلَمْ يَكُ عِنْدِي إِنْ أَبَيْتَ إِبَاءُ
أَتَارِكَتِي لِلْمَوْتِ أَنْتِ فميتٌ ... وَعِنْدَكِ لِي لَوْ تَعْلَمِينَ شِفَاءُ
فَوَاكَبِدِي مِنْ حُبِّ مَنْ لا تُجِيبُنِي ... وَمِنْ عبراتٍ مَا لَهُنَّ فَنَاءُ
وَأَنْشَدَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ لِجَمِيلٍ:
خَلِيلِيَّ عُوجَا الْيَوْمَ عنّي فَسَلِّما ... عَلَى عَذْبَةِ الأَنْيَابِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ
فَإِنَّكُمَا إِنْ عِجْتُمَا بِي سَاعَةً ... شَكَرْتُكُمَا حَتَّى أُغَيَّبَ فِي قَبْرِي
وما لي لا أَبْكِي وَفِي الأَيْكِ نائحٌ ... وقد فارقتني شختة الكشح والخصر
أيبكي حمام الأيك من فقد إلفه ... وأصبر ما لي عَنْ بُثَيْنَةَ مِنْ صَبْرِ
يَقُولُونَ مسحورٌ يُجَنُّ بِذِكْرِهَا ... فَأُقْسِمُ مَا بِي مِنْ جنونٍ وَلا سِحْرِ
وَأُقْسِمُ لا أَنْسَاكِ مَا ذَرَّ شارقٌ ... وَمَا أَوْرَقَ الأَغْصَانُ فِي وَرَقِ السِّدْرِ
ذَكَرْتُ مَقَامِي لَيْلَةَ الْبَابِ قَابِضًا ... عَلَى كَفِّ حَوْرَاءِ الْمَدَامِعِ كَالْبَدْرِ
فَكِدْتُ وَلَمْ أَمْلِكُ إِلَيْهَا صَبَابَةً ... أَهِيمُ وَفَاضَ الدَّمْعُ مِنِّي عَلَى النَّحْرِ
أَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... كليلتنا حَتَّى يرى ساطع الفجر
فليت إلهي قَدْ قضى ذاك مرة ... فَيَعْلَمُ رَبِّي عِنْدَ ذَلِكَ مَا شكري [ص:1070]
وَلَوْ سَأَلَتْ مِنِّي حَيَاتِي بَذَلْتُهَا ... وَجُدْتُ بِهَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِي
وَلِجَمِيلٍ:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادِي الْقُرَى إِنِّي إِذًا لَسَعِيدُ
إِذَا قُلْتُ مَا بِي يَا بُثَيْنَةُ قَاتِلِي ... مِنَ الْحُبِّ قَالَتْ ثابتٌ وَيَزِيدُ
وَإِنْ قُلْتُ رُدِّي بَعْضَ عَقْلِي أَعِشْ بِهِ ... مَعَ النَّاسِ قَالَتْ ذَاكَ مِنْكَ بَعِيدُ
فَلا أَنَا مردودٌ بِمَا جِئْتُ طَالِبًا ... وَلا حُبُّهَا فِيمَا يَبِيدُ يَبِيدُ
وَلَهُ:
لَمَّا دَنَا الْبَيْنُ بَيْنَ الْحَيِّ وَاقْتَسَمُوا ... حَبْلَ النَّوَى فَهُوَ في أيديهم قطع
جادت بأدمعها ليلى وأعجلني ... وَشْكُ الْفِرَاقِ فَمَا أَبْكِي وَلا أَدَعُ
يَا قَلْبُ وَيْحَكَ لا عَيْشَ بِذِي سلمٍ ... وَلا الزَّمَانَ الَّذِي قَدْ مَرَّ يَرْتَجِعُ
أَكُلَّمَا مَرَّ حي لا يلائمهم ... وَلا يُبَالُونَ أَنْ يَشْتَاقَ مَنْ فَجَعُوا
عَلَّقَتْنِي بِهَوًى مِنْهُمْ فَقَدْ كَرَبْتُ ... مِنَ الْفِرَاقِ حَصَاةُ القلب تنصدع
له مَطْلَعُ قَصِيدَةٍ:
أَلا أَيُّهَا النُّوَّامُ وَيْحَكُمُ هُبُّوا ... أُسَائِلُكُمْ هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الْحُبُّ
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: قَالَ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ السَّاعِدِيُّ: بَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ، إِذْ لَقِيَنِي رجلٌ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي جميلٍ نَعُودُهُ، فَإِنَّهُ ثَقِيلٌ؟ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، وَمَا يُخَيَّلُ إلي أن الموت يكرثه، فقال: يا ابن سَهْلٍ، مَا تَقُولُ فِي رجلٍ لَمْ يَشْرَبِ الْخَمْرَ قَطُّ، وَلَمْ يَزْنِ، وَلَمْ يَقْتُلْ نَفْسًا يَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهَ؟ قُلْتُ: أَظُنُّهُ قَدْ نَجَا، فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا، فَقُلْتُ: مَا أَحْسَبُكَ سَلِمْتَ، أَنْتَ تُشَبِّبُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً بِبُثَيْنَةَ، فَقَالَ: لا نَالَتْنِي شَفَاعَةُ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كُنْتُ وَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهَا لريبةٍ، فَمَا بَرِحْنا حَتَّى مات، رحمه الله تعالى.

تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام - لشمس الدين أبو عبد الله بن قَايْماز الذهبي.

 

جميل بثينة
أبو عمر وجميل بن عبد الله بن معمر بن صباح - بضم الصاد المهملة - ابن ظبيان بن حن - بضم الحاء المهملة وتشديد النون - ابن ربيعة بن حرام بن صبة ابن عبد بن كثير بن عذرة بن سعد بن هديم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم ابن الحاف بن قضاعة الشاعر المشهور؛ صاحب بثينة أحد عشاق العرب، عشقها وهو غلام، لما كبر خطبها فرد عنها فقال الشعر فيها، وكان يأتيها سراً ومنزلهما وادي القرى، وديوان شعره مشهور فلا حاجة إلى ذكر شيء منه.
ذكره الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " وقال: قيل له: لو قرأت القرآن كا أعود عليك من الشعر، فقال: هذا أنس بن مالك رضي الله عنه أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من الشعر حكمة ".
وجميل وبثينة كلاهما من بني عذرة، وكانت بثينة تكنى أم عبد الملك، والجمال والعشق في بني عذرة كثير؛ قيل لأعرابي من العذريين: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث كما ينماث الملح في الماء أما تتجلدون فقال: إنا ننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها، وقيل لآخر: ممن أنت فقال: أنا من قوم إذا أحبوا ماتوا، فقالت جارية سمعته: هذا عذري ورب الكعبة.
وذكر صاحب اغاني أن كثير عزة كان راوية جيمل، وجميل كان راوية هدبة بن خشرم وهدبة راويةالحطيئة، والحطيئة راوية زهير بن أبي سلمى وابنه كعب بن زهير.
ومن شعر جميل من جملة أبيات:
وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا ومن الناس من يدخل هذه الأبيات في قصيدة مجنون ليلى، وليست له وتيماء خاصة: منزل لبني عذرة، وفي هذه القصيدة يقول جميل:
وما زلتم يابثن حتى لو انني ... من الشوق استبكي الحمام بكى ليا
وما زادني الواشون إلا صبابة ... ولا كثرة الناهين إلا تماديا
وما أحدث النأي المفرق بيننا ... سلوا ولا طول الليالي تقاليا
ألم تعلمي يا عذبة الريق أنني ... أظل إذا لم ألق وجهك صاديا
لقد خفت ان ألقى المنية بغتة ... وفي النفس حاجات إليك كما هيا وكان كثير عزة يقول: جميل والله أشعر العرب حيث يقول:
وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا ومن شعره:
إني لأحفظ سركم ويسرني ... لو تعلمين بصالح أن تذكري
ويكون يوم لا أرى لك مرسلا ... أو نلتقي فيه علي كأشهر
يا ليتني أقلى المنية بغتة ... إن كان يوم لقائكم لم يقدر ومنها:
يهواك ما عشت الفؤاد وإن أمت ... يتبع صداي صداك بين الأقبر ومنها:
إني إليك بما وعدت لناظر ... نظر الفقير إلى الغني المكثر

يقضي الديون وليس ينجز موعداً ... هذا الغريم لنا وليس بمعسر
ما أنت والوعد الذي تعدينني ... إلا كبرق سحابة لم تمطر ومن شعره من جملة قصيدة:
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الوجد قالت ثابت ويزيد
وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به ... بثينة قالت ذاك منك بعيد ومن شعره أيضاً:
وإني لأرضى من بثينة بالذي ... لو استيقن الواشي لقرت بلابله
بلا وبألا أستطيع وبالمنى ... وبالأمل المرجو قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي ... أواخره لا نلتقي وأوائله وله أيضاً:
وإني لأستحيي من الناس أن أرى ... رديفاً لوصل أو علي رديف
وأشرب رنقا منك بعد مودة ... وأرضى بوصل منك وهو ضعيف
وإني للماء المخالط للقذى ... إذا كثرت وراده لعيوف وله من أبيات أيضاً:
بعيد على من ليس يطلب حاجةً ... وأما على ذي حاجة فقريب
بثينة قالت يا جميل أريتني ... فقلت كلانا يابثين مريب
وأريبنا من لا يؤدي أمانة ... ولا يحفظ الأسرار حين يغيب وقال كثير عزة: لقيني مرة جميل بثينة فقال: من أين أقبلت فقلت: من عند أبي الحبيبة، يعني بثينة، فقال: وإلى أين تمضي قلت إلى الحبيبة، يعني عزة، فقال: لا بد أن ترجع عودك على بدئك فتتخذ لي موعداً من بثينة، فقلت: عهدي بها الساعة، وأنا أستحيي أن أرجع، فقال لابد من ذلك، فقلت: متى عهدك ببثينة فقال: من أول الصيف، وقعت سحابة بأسفل وادي الدوم فخرجت ومعها جارية لها تغسل ثيابا، فلما أبصرتني أنكرتني، فضربت يدها إلى الثوب في الماء بالتحفت به، وعرفتني الجارية فأعادت الثوب إلى الماء، وتحدثنا ساعة حتى غابت الشمس، فسألتها الموعد فقالت: أهلي سائرون، ولا لقيتها بعد ذلك، ولا وجدت أحدا آمنه فأرسله إليها، فقال له كثير: فهل لك أن آتي الحي فأتعرض بأبيات شعر أذكر فيها هذه العلامة إن لم أقدر على الخلوة بها قال: وذاك الصواب، فخرج كثير حتى أناخ بهم، فقال له أبوها: ما ردك يا ابن أخي قال: قلت أبياتا عرضت فأحببت أن أعرضها عليك، قال: هاتها، فأنشدته وبثينة تسمع:
فقلت لها يا عز أرسل صاحبي ... إليك رسولاً والرسول موكل
بأن تجعلي بيني وبينك موعداً ... وأن تأمريني بالذي فيه أفعل
وآخر عهدي منك يوم لقيتني ... بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل قال: فضربت بثينة جانب خدرها وقالت: أخسأ اخسأ، فقال لها أبوها: مهيم با بثينة فقالت كلب يأتينا إذا نوم الناس من وراء الرابية، ثم قالت للجارية: ابغينا من الدومات حطبا لنذبح لكثير شاة ونشويها له، فقال كثير: أنا أعجل من ذلك، وراح إلى جميل فأخبره، فقال جميل: الموعد الدومات.
وخرجت بثينة وصواحبها إلى الدومات، وجاء جميل وكثير إليهن، فما برحوا حتى برق الصبح، فكان كثير يقول: ما رأيت مجلسا قط أحسن من ذلك المجلس، ولا مثل علم أحدهما بضمير الأخر، ما أدري أيهما كان أفهم .
وقال الحافظ أبو القاسم المعروف بابن عساكر في تاريخه الكبير: قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: أنشدني أبي هذه الأبيات لجميل بن معمر قال: وتروى لغيره أيضاً، وهي :
ما زلت أبغي الحي أتبع فلهم ... حتى دفعت إلى ربيبة هودج
فدنوت مختفيا ألم بيتها ... حتى ولجت إلى خفي المولج
فتناولت رأسي لتعرف مسه ... بمخضب الأطراف غير مشنج
قالت: وعيش أخي ونعمة والدي ... لأنبهن القوم إن لم تخرج
فخرجت خيفة قولها فتبسمت ... فعلمت أن يمينها لم تلجج
فلثمت فاهاً آخذاً بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج قال هارون بن عبد الله القاضي: قدم جميل بن معمر مصر على عبد العزيز ابن مروان ممتدحاً له، فأذن له وسمع مدائحه وأحسن جائزته، وسأله عن حبه بثينة فذكر وجدا كثيراً، فوعده فيأمرها وأمره بالمقام وأمر له بمنزل وما يصلحه، فما أقام إلا قليلاً حتى مات هناك في سنة اثنتين وثمانين.
وذكر الزبير بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي قال: بينما أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي فقال: هل لك في جميل فإنه يعتل نعوده فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه، فنظر إلي وقال: يا ابن سهل، ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط ولم يزن ولم يقتل النفس ولم يسرق يشهد أن ىإله إلا الله قلت: أظنه قد نجا وأرجوا له الجنة، فمن هذا الرجل قال: أنا، قلت له: والله ما أحسبك سلمت وأنت تشبب منذ عشرين سنة ببثينة، قال: لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وإني لفي أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا إن كنت وضعت يدي عليها لريبة، فما برحنا حتى مات.
وقال محمد بن أحمد بن جعفر الأهوازي: مرض جميل بمصر مرضه الذي مات فيه، رحمه الله تعالى، فدخل عيه العباس بن سهل الساعدي، وذكر هذه الحكاية، والله أعلم بالصواب.
وذكر في " الأغاني " عن الأصمعي قال: حدثني رجل شهد جميلاً لما حضرته الوفاة بمصر أنه دعا به فقال له: هل لك أن أعطك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئاً أعهده إليك قال: فقلت: اللهم نعم، فقال: إذا أنا مت فخذ حلتي هذه واعزلها جانباً، وكل شيء سواها لك، وارحل إلى رهط بثينة، فإذا صرت إليهم فارتحل ناقتي هذه وركبها، ثم ألبس حلتي هذه واشققها، ثم اعل على شرف وصح بهذه الأبيات وخلاك ذم:
صرخ النعي وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
ولقد أجر البرد في وادي القرى ... نشوان بين مزارع وتخيل
قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلك دون كل خليل قال: ففعلت ما أمرني به جميل، فما استتمت الأبيات حتى برزت بثينة كأنها بدر قد بدا في دجنة وهي تتثنى في مرطها حتى أتتني وقالت: يا هذا، والله إن كنت صادقا لقد قتلتني، وإن كنت كاذبا لقد فضحتني، قلت: والله ما أنا إلا صادق، وأخرجت حلته، فلما رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكت وجهها، واجتمع نساء الحي يبكين معها ويندبنه حتى صعقت. فمكثت مغشيا عليها ساعة ثم قامت وهي تقول:
وإن سلوي عن جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا مت بأساء الحياة ولينها وقد تقدم ذكر هذين البيتين في ترجمة الحافظ أبي طاهر أحمد السلفي (1) ، قال الرجل: فما رأيت أكثر باكياً ولا باكية من يومئذ.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

تتمات....

وعشق جميل بثينة وهو غلام صغير، فلما كبر خطبها فرد عنها، فقال الشعر، وكان يأتيها سراً، ومنزلها وادي القرى، فجمع له قومها ليأخذوه إذا أتاها، فحذرته بثينة فاستخفى وقال:
ولو إن ألفاً دون بثينة كلهم ... غيارى وكل منهم مزمع قتلي لحاولتها إما نهاراً مجارهاً ... وإما سرى ليل ولو قطعت رجلي وهجا قومها فاستعدوا عليه مروان، وهو يومئذ عامل معاوية على المدينة، فنذر ليقطعن لسانه، فلحق بجذام وهي قبيلة من اليمن، فأقام هناك إلى أن عزل مروان عن المدينة، فانصرف إلى بلادها، وكان يختلف إليها سراً. [وكان لما هدر السلطان دمه ضاقت عليه الأرض بما حبت]  ، وكان يصعد بالليل على قور رمل فيتنسم الريح من عوارض بثينة، حتى إذا تهور الليل ومل الوقوف أنشد:
أبا ريح الشمال أما تريني ... أذوب وأنني بادي النحول
هبي لي شمة من ريح بثنٍ ... ومني بالهبوب على جميل
وقولي يا بثينة حسب نفسي ... قليلك أو أقل من القليل وينصرف مع الفجر، قال: وكانت بثينة تقول لجوار من الحي عندها: ويحكن إني لأسمع أنين جميل من بعض الغيران، فيقلن لها: أتقي الله فهذا من عمل الشيطان.
وحدث عمر بن شبة عن إسحاق قال: لقي جميل بثينة بعد تهاجر كان بينهما طالت مدته، فتعاتبا ساعة فقالت له: ويحك يا جميل تزعم أنك تهواني وأنت الذي تقول:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغر من أنيابها بالقوادح قال: فأطرق طويلاً يبكي ثم قال: بل أنا القائل:
ألا ليتني أعمى أصم تقودني ... بثينة لا يخفى عليّ كلامها فقالت: وما حملك على هذه المنى أو ليس في سعة العافية ما كفانا وكان  تربة بن الحمير رحل إلى الشام فمر ببني عذرة فرأته بثينة فجعلت تنظر إليه، فشق ذلك على جميل، وذلك قبل أن يظهر على حبه لها، فقال له جميل: من أنت قال: أنا توبة بن الحمير، قال: هل لك إلى الصراع قال: ذلك إليك، فنبذت إليه بثينة ملحفة مورسة فاتزر بها ثم صارعه، فصرعه جميل، ثم قال: هل لك في السباق قال: نعم، فسابقه جميل، فقال له توبة: يا هذا إنك إنما تفعل هذا بروح هذه الجالسة، ولكن اهبط بنا إلى الوادي، فهبطا وانطلقت بثينة راجعة، فصرعه توبة وسبقه فقال: يا جميل، أخبرتك أنك لا تقوم لي وأنك بروحها غلبتني.
وقال  الهيثم بن عدي: قال لي صالح بن حسان: هل تعرف بيتاً نصفه أعرابي في شملة بالبادية وآخره مخنث يتفكك من مخنثي العقيق قلت: لا أدري، قال: قد أجلتك فيه حولاً، فقلت: لو أجلتني حولين ما علمت، قال: قول جميل:
ألا أيها الركب النيام ألا هبوا  ... هذا أعرابي في شملة، ثم قال:
أسائلكم  هل يقتل الرجل الحب ... كأنه والله من مخنثي العقيق.
وحدث الزبير بن بكار عن رجل من العرب قال: دخلت حماماً بمصر يقال له حمام القر فإذا برجل لم أر من خلق الله رجلاً أحسن منه فظننته قرشياً فأعظمته وسألته من هو فقال: أنا جميل بن عبد الله، قلت: أصاحب بثينة فضحك وقال: نعم والله لأراها ستغلب على نسبي كما غلبت على عقلي، قلت له: قد ملأت بلاد الله تنويها بذكرها، وصار اسمها لك نسباً. والله إني لأظنها حديدة العرقوب دقيقة الظنبوب كثيرة وسخ المرفق [فضحك حتى استلقى]  .

قال سهل بن سعد الساعدي أو ابنه عياش: لقيني رجل من أصحابي فقال: هل لك في جميل فإنه يعتل، فدخلنا عليه وهو يكيد بنفسه، وما يخيل إليّ أن الموت يكرثه، فقال: ما تقول في رجل لم يزن قط ولم يشرب خمراً ولم يقتل نفساص حراماً قط، يشهد أن لا إله إلا الله قلت: أظنه والله قد نجا، فمن هذا الرجل قال: أنا، قلت: والله ما سلمت وأنت منذ عشرين سنة تنسب ببثينة، قال: إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت وضعت يدي عليها لريبةٍ قط. فما قمنا حتى مات.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، أبو عمرو:
شاعر، من عشاق العرب. افتتن ببثينة، من فتيات قومه، فتناقل الناس أخبارهما. شعره يذوب رقة، أقلّ ما فيه المدح، وأكثره في النسيب والغزل والفخر. وكانت منازل بني عذرة في وادي القرى (من أعمال المدينة) ورحلوا إلى أطراف الشام الجنوبية، فقصد جميل مصر، وافدا على عبد العزيز بن مروان، فأكرمه عبد العزيز وأمر له بمنزل فأقام قليلا ومات فيه. ولعباس العقاد كتاب (جميل بثينة - ط) وللزبير بن بكار كتاب (أخبار جميل) في سيرته .

-الاعلام للزركلي-

 

أبو عمرو جميل بن عبد الله بن معمر بن صباح القُضَاعي، الشاعر المشهور، المتوفى بمصر سنة اثنتين وثمانين.
وهو [أحد عشاق العرب]، صاحب بثينة وهي محبوبته عشقها وهو غلام فلما كَبُرَ خطبها فَرُدَّ عنها وقال الشعر فيها وكان يأتيها سراً ومنزلهما بوادي القرى وديوان شعره مشهور.
قدم مصر على [أيام] عبد العزيز بن مروان ممتدحاً له، فأحسن جائزته وأمره بالمقام فأقام يسيراً ومات. ذكره ابن خلِّكان.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.