أبو نصر بشر بن الحارث الحافي
بشر الحافي
تاريخ الولادة | 152 هـ |
تاريخ الوفاة | 227 هـ |
العمر | 75 سنة |
مكان الولادة | مرو - تركمانستان |
مكان الوفاة | بغداد - العراق |
أماكن الإقامة |
|
- مهنأ بن يحيى الشامي أبي عبد الله
- أحمد بن نصر أبي الحارث بن حماد أبي جعفر البجلي الوراق
- أحمد بن عمر الخلقاني
- محمد بن المثنى بن زياد أبي جعفر السمسار
- محمد بن محمد بن عيسى بن عبد الرحمن أبي الحسن "حبشي بن أبي الورد محمد"
- أبي حمزة البغدادي البزار
- أحمد بن عيسى الخراز أبي سعيد الخراز "الخراز أحمد بن عيسى"
- إبراهيم بن هاشم بن مشكان
- يعقوب بن سواك الختلي أبي يوسف
- إسحاق بن إبراهيم بن الضيف الباهلي البصري أبي يعقوب
- الفضل بن العباس بن إبراهيم الحلبي البغدادي أبي العباس
- أبي حمزة محمد بن إبراهيم الصوفي
- أحمد بن محمد بن عيسى أبي الحسن القرشي "ابن أبي الورد أحمد"
- أحمد بن قرقيش
- أحمد بن الفتح بن موسى أبي بكر الأزرقي
- جهم العكبرى
- أحمد بن عبد الرحمن أبي بكر الأعور المروزي
نبذة
الترجمة
أَبُو نصر بشر بْن الْحَارِث الحافي
أصله من مرو وسكن بغداد وَمَاتَ بِهَا وَهُوَ ابْن أخت عَلِي بْن خشرم، مَات سنة سبع وعشرين ومائتين وَكَانَ كبير الشأن، وَكَانَ سبب توبته أَنَّهُ أصاب فِي الطريق كاغدة مكتوبا فِيهَا اسم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وطئتها الأقدام فأخذها واشترى بدرهم كَانَ مَعَهُ غالية فطيب بِهَا الكاغدة وجعلها فِي شق حائط، فرأى فيما يرى النائم كأن قائلا , يَقُول لَهُ: يا بشر , طيبت اسمي لأطيبن اسمك فِي الدنيا والآخرة.
سمعت الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه , يَقُول: مر بشر ببعض النَّاس فَقَالُوا: هَذَا الرجل لا ينام الليل كُلهُ ولا يفطر إلا فِي كُل ثلاثة أَيَّام مرة فبكى بشر فقيل لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ إني لا أذكر أنى سهرت ليلة كاملة ولا أنى صمت يوما لَمْ أفطر من ليلته ولكن اللَّه سبحانه وتعالى يلقى فِي القلوب أَكْثَر مِمَّا يفعله العبد لطفا منه سبحانه وكرما، ثُمَّ ذكر ابتداء أمره كَيْفَ كَانَ عَلَى مَا ذكرناه.
سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رحمه اللَّه , يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الرازي , يَقُول: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي حاتم , يَقُول: بلغني أَن بشر بْن الْحَارِث الحافي , قَالَ: رأيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام , فَقَالَ لي: يا بشر , أتدري لَمْ رفعك اللَّه من بَيْنَ أقرانك؟ قُلْت: لا يا رَسُول اللَّهِ، قَالَ: باتباعك لسنتي , وخدمتك للصالحين , ونصيحتك لإخوانك ومحبتك لأَصْحَابي , وأهل بَيْتِي، وَهُوَ الَّذِي بلغك منازل الأبرار.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن رحمه اللَّه , يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الرازي , يَقُول: سمعت بلالا الخواص , يَقُول: كنت فِي تية بنى إسرائيل فَإِذَا رجل يماشيني فتعجبت منه ثُمَّ ألهمت أَنَّهُ الخضر عَلَيْهِ السَّلام فَقُلْتُ لَهُ: بحق الحق من أَنْتَ.
فَقَالَ: أخوك الخضر.
فَقُلْتُ لَهُ: أريد أَن أسألك فَقَالَ: سل.
فَقُلْتُ: مَا تقول فِي الشَّافِعِي رحمة اللَّه؟ فَقَالَ: هُوَ من الأوتاد , فَقُلْتُ: مَا تقول أَحْمَد بْن حنبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَ: رجل صديق.
قُلْت: فَمَا تقول فِي بشر بْن الْحَارِث الحافي؟ فَقَالَ: لَمْ يخلق بعده مثله.
فَقُلْتُ: بأي وسيلة رأيتك.
فَقَالَ: ببرك لأمك.
سمعت الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق رحمه اللَّه تَعَالَى , يَقُول: أتى بشر الحافي بَاب المعافى بْن عمران فدق عَلَيْهِ الباب فقيل: من فَقَالَ: بشر الحافي.
فَقَالَتْ لَهُ: بنية من داخل الدار لو اشتريت لَك نعلا بدانقين لذهب عَنْك اسم الحافي.
أخبرني بِهَذِهِ الحكاية مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الشيرازي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن الفضل قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعِيد قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ قَالَ: سمعت عَبْد اللَّهِ المغازلي يَقُول: سمعت بشرا الحافي يذكر هذه الحكاية.
وسمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , يَقُول: سمعت أبا الْحُسَيْن الحجاجي , يَقُول: سمعت الحاملي , يَقُول: سمعت الْحَسَن المسوحي , يَقُول: سمعت بشر بْن الْحَارِث يحكي هذه الحكاية.
وسمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , يَقُول: سمعت أبا الفضل العطار , يَقُول: سمعت أَحْمَد بْن عَلِيّ الدمشقي , يَقُول: قَالَ لي أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن الجلاء: رأيت ذا النون وكانت لَهُ العبارة، ورأيت سهلا وكانت لَهُ الإشارة، ورأيت بشر بْن الْحَارِث وَكَانَ لَهُ الورع، فقيل لَهُ فإلى من كنت تميل؟ فَقَالَ: لبشر بْن الْحَارِث أستاذنا.
وقيل: إنه اشتهي الباقلا سنين فلم يأكله فرؤي فِي المنام بَعْد وفاته , فقيل لَهُ: مَا فعل اللَّه بك؟ فَقَالَ: غفر لي، وَقَالَ: كُل يا من لَمْ يأكل , واشرب يا من لَمْ يشرب.
أَخْبَرَنَا الشيخ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رحمه اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن يَحْيَي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرو بْن السماك قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن بنت مُعَاوِيَة قَالَ: سمعت أبا بَكْر بْن عَفَّان يَقُول: سمعت بشر بْن الحوت يَقُول: إني لأشتهي الشواء منذ أربعين سنة مَا صفا لي ثمنه.
وقيل لبشر: بأي شَيْء تأكل الْخَبَر؟ فَقَالَ: أذكر العافية وأجعلها إداما أَخْبَرَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن رحمه اللَّه تَعَالَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عُثْمَان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو بْن السماك قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرو بْن سَعِيد قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الدنيا قَالَ: قَالَ رجل لبشر الحكاية المذكورة.
وَقَالَ بشر: لا يحتمل الحلال السرف.
ورؤي بشر فِي المنام فقيل لَهُ: مَا فعل اللَّه بك؟ فَقَالَ: غفر لي وأباح لي نصف الْجَنَّة، وَقَالَ لي: يا بشر , لو سجدت لي عَلَى الجمر مَا أديت شكر مَا جعلته لَك فِي قلوب عبادي.
وَقَالَ بشر: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أَن يعرفه النَّاس.
الرسالة القشيرية. لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري.
بشر الحافي 152 - 227 للهجرة
بشر الحارث الحافى؛ لقب بذلك لأنه جاء إلى إسكاف يطلب منه شسعاً لأحد نعليه، وكان قد انقطع، فقال له الإسكاف: " وما أكثر كلفتكم على الناس! " فألقى النعل من يده والأخرى من رجله، وحلف لا يلبس نعلا بعدها.
كنيته أبي نصر، أحد رجال الطريقة، ومعدن الحقيقة، مثل الصلحاء وأعيان الورعاء.
أصله من مرو، سكن بغداد. صحب الفضيل بن عياض ورأى سريا السقطي، وغيره.
وسبب توبته أنه أصاب فى الطريق رقعة فيها اسم الله، وقد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدرهم كان معه غالية، فطيبها وجعلها في شق حائط، فرأى في المنام كأن قائلا يقول: " يا بشر! طيبت أسمى، لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة! " وروى أنه إلى النهر فغسله، وكان لا يملك إلا درهما، فاشترى به مسكا وماء ورد، وجعل يتتبع اسم الله ويطيبه، ورجع إلى منزله فنام؛ فأتاه آت وقال: " يا بشر! كما طيبت أسمى لأطيبن ذكرك! وكما طهرته لأطهرن قلبك! ".
ومناقبه جمة أفردها ابن الجوزى بالتأليف.
مات عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول - وقيل: لعشر خلون من المحرم - سنة سبع وعشرين ومائتين، وقد بلغ من العمر خمساً وسبعين سنة، وقيل: سبعاً وستين. وأخرجت جنازته بعد صلاة الصبح، ولم يحصل في القبر إلى الليل، وكان نهاراً صافياً.
ومن كلامه: " لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك، وكيف يكون
فيك خير وأنت لا يأمنك صديقك؟! ".
وقال: أول عقوبة يعاقب بها ابن آدم في الدنيا مفرقة الأحباب ".
وقال: " من أراد أن يكون عزيزاً فى الدنيا سليما في الآخرة فلا يحدث، ولا يشهد، ولا يؤم قوماً، ولا يأكل لأحد طعاماً ".
وأنشد:
وليس من يزوق لي دينه ... يغرني، يا قوم!، تزويقه
من حقق الإيمان في قلبه ... يوشك أن يظهر تحقيقه
وقال الساجى: سمعت بشراً ينشد:
أقسم بالله! لرضخ النوى ... وشرب ماء القلب المالحة
أعز للإنسان من حرصه ... ومن سؤال الأوجه الكالحه
فاستغن باليأس تكن ذا غنى ... مغتبطاً بالصفقة الرابحه
فاليأس عز والتقى سؤدد ... ورغبة النفس لها فاضحه
من كانت الدنيا به برة ... فإنها يوماً له ذابحه
وقال: " غنيمة المؤممن غفلة الناس عنه، وإخفاء مكانه عنهم ".
وقال: " التكبر على المتكبر من التواضع ".
وقال: " من أراد عز الدنيا وشرف الآخرة فعليه بثلاث: لا يأكل طعام أحد، ولا يسأل أحداً حاجة، ولا يذكر إلا بخير ".
وقال: " يكون الرجل مرائياً في حياته، وبعد موته يحب أن يكثر الناس على جنازته! ".
وقال: " لو علمت أن أحداً يعطى لله لأخذت منه، ولكن يعطى بالليل ويحدث بالنهار ".
وقال: " يقول أحدهم: توكلت على الله! ويكذب، لأنه لو توكل على الله صادقاً لرضى بما يفعله به ".
وقال: " إذا أراد الله أن يتحف العبد سلط عليه من يؤذيه ".
وقال: " الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه للناس ".
وقيل له: باى شئ آكل الخبز؟ " فقال: " اذكر العافية، واجعلها إداماً! ".
وقال، يوم ماتت أخته: " إن العبد إذا قصر في الطاعة سلب من يؤنسه ".
ولقيه سكران، فجعل يقبله ويقول: " يا سيدي! " ولا يدفعه بشر عن نفسه، فلما ولى تغرغرت عينا بشر، وجعل يقول: " رجل أحب رجلا على خير توهمه! لعل المحب قد نجا، والمحبوب لا يدرى ما حاله! ".
قال أبي عبد الله المحاملي، حدثني أبى قال: كان عندنا رجل من التجار صديقاً لي، وكان يقع في الصوفية كثيراً، ثم رأيته بعد ذلك يصحبهم، وينفق عليهم ماله. فقلت له: " أليس كنت تبغضهم؟! " فقال: " ليس الأمر على ما كنت أتوهم ". فقلت له: " كيف؟ ". قال: " صليت يوماً الجمعة، فرأيت بشراً مسرعاً خارجاً من المسجد، فقلت في نفسي: لأنظرن إلى هذا الزاهد!. فاشترى خبز الماء بدرهم، ثم شواء بمثله؛ فزادني غيظاً. ثم ثم قالوا ذجاً بدرهم؛ فتبعته فخرج إلى الصحراء، وأنا أقول: " يريد الخضرة والماء! ". فما زال يمشى إلى العصر وأنا خافه، فدخل مسجداً في قرية، فيه مريض، فجعل يلقمه. فقمت أنظر إلى القرية وعدت، فقلت للمريض: " أين بشر؟ ". قال: " ذهب إلى بغداد ". قلت: " كم بيني وبينها؟ ". قال: " أربعون فرسخاً ". فقلت: " أنا لله! " فقال: " اجلس حتى يرجع ". فجاء الجمعة القابلة، ومعه شئ يطعمه للمريض، فلما فرغ قال له: " يا أبا نصر! هذا الرجل صحبك من بغداد، وهو عندي منذ جمعة ". قال فنظر إلى كالمغضب، وقال: " لم صحبتنى؟! " قلت: " أخطأت! " قال: " قم فامش! ". فمشيت إلى المغرب، فلما قربنا من بغداد قال: " اذهب
إلى محلتك ولا تعد! " فتبت إلى الله مما كنت أعتقده فيهم، ثم آثرت صحبتهم، وأنا على ذلك ".
وقال بعضهم: " دخلت على بشر في يوم شديد البرد، وقد تعرى من ثيابه وهو ينتفض، فقلت له: " الناس يزيدون من الثياب فى مثل هذا اليوم، وأنت قد نقصت؟! " فقال: " ذكرت الفقراء، وما هم فيه، ولم يكن لي ما أواسيهم به، فأردت أن أواسيهم بنفسي في مقاساة البرد ".
وقال منصور الصياد: " مر بي بشر - وهو منصرف من صلاة العيد - فقال لى: " فى هذا الوقت؟! " فقلت: " ليس في البيت دقيق ولا خبز! " فقال: " الله المستعان! احمل شبكتك وتعال إلى الخندق ". وأمرني بالوضوء وصلاة ركعتين، ثم قال لي: " ألقها، وقل: بسم الله! " فألقيتها، فوقعت فيها سمكة كبيرة، فقال: " بعها! " فبعتها بعشرة دراهم، واشتريت منها جميع ما يحتاجونه اليه. ثم أخذت رقاقتين وعليهما حلوى، وجئت بهما إلى بشر، فدققت الباب، فقال: " من؟ " قلت: " منصور الصياد! " فقال: " ادفع الباب، وضع ما معك فى الدهليز، وادخل أنت " فدخلت، فقال " لو الهمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة! ".
وروى أنه أتى باب المعافى بن عمران فدقه، فقيل: " من؟ " قال: " بشر الحافى " فقال: بنية من داخل الدار: " لو اشتريت نعلا بدانقين ذهب عنك اسم الحافى ".
وروى أن امرأة جاءت إلى أحمد بن حنبل، فقالت: " إنى امرأة أغزل بالليل والنهار، وأبيع الغزل، ولا أبين غزل النهار من الليل، فهل على فى ذلك شىء؟. فقال: " يجب أن تبيني! " ثم انصرفت، فقال أحمد لأبنه: " اذهب فانظر أين تدخل! ". فرجع فقال: " دخلت دار بشر ".
وقال محمد بن نعيم: " دخلت عليه في علته، فقلت: " عظني! ". فقال: " إن في هذه الدار نملة، تجمع الحب فى الصيف لتأكله في الشتاء؛ فلما كان يوماً أخذت حبة في فمها، فجاء عصفور فأخذها، فلا ما جمعت أكلت، ولا ما أملت نالت ".
وروى أن رجلا سأله أن يوصيه، فقال له بشر: " عليك بلزوم بيتك، وترك ملاقاة الناس ".
فقال له الرجل: " بلغني عن الحسن أنه قال: " لولا الليل وملاقاة الإخوان ما كنت أبالي متى مت! ". فقال بشر: " رحم الله الحسن! لقد كان الظن به خلاف هذا! ".
وأنشد:
يا من يسر برؤية الإخوان ... هلا أمنت مكايد الشيطان؟!
خلت القلوب من المعاد وذكره ... وتشاغلت بالحرص والخسران
صارت مجالس من ترى وحديثهم ... في هتك مستور وفتق قران
قال حسن المسوحي: " رآني بشر يوماً بارداً، وأنا أرتعد من البرد، فنظر إلى ثم أنشد:
قطع الليالي مع الأيام في خلق ... والنوم تحت رواق الهم والقلق
أحرى وأجدر بى من أن يقال غداً ... إني التمست الغنى من كف ممتلق
قالوا: رضيت بذا؟! قلت: القنوع غنى ... ليس الغنى كثرة الأموال والورق
رضيت بالله في عسري وفى يسرى ... فلست أسلك إلا واضح الطرق
وقال الحسن بن عمران المروزى، سمعت بشراً ينشد:
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف بزين بعضهم ... بعضاً ليدفع معور عن معور
طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.
بشر بن الْحَارِث بن عبد الرَّحْمَن بن عَطاء بن هِلَال بن ماهان بن عبد الله الحافي
كَذَلِك ذكره عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن خشرم فِيمَا أخبرنَا أَحْمد بن مَنْصُور النوشري عَن ابْن مخلد عَنهُ كنيته أبي نصر أَصله من مرو من قَرْيَة بكرد أَو مابرسام سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا وَهُوَ ابْن عَم عَليّ بن خشرم وَصَحب الفضيل بن عِيَاض وَكَانَ عَالما ورعا
قَالَ يحيى بن أَكْثَم قَالَ لي الْمَأْمُون لم يبْق فِي هَذِه الكورة أحد
يستحى مِنْهُ غير هَذَا الشَّيْخ بشر بن الْحَارِث
سَمِعت أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن جَعْفَر يَقُول سَمِعت الْعَبَّاس بن عبد الله بن أَحْمد بن عِصَام الْبَغْدَادِيّ يَقُول سَمِعت جَعْفَر بن عبد الله بن أَحْمد البرداني يَقُول قَالَ يحيى بن أَكْثَم هَذَا مَاتَ بشر بن الْحَارِث يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشر خلون من الْمحرم سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَأسْندَ الحَدِيث
أخبرنَا أبي عَمْرو سعيد بن الْقَاسِم بن الْعَلَاء البرذعي أخبرنَا أبي
طَلْحَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم أخبرنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْورْد العابد قَالَ سَمِعت بشر بن الْحَارِث الحافي يَقُول أخبرنَا الْمعَافى بن عمرَان عَن إِسْرَائِيل عَن مُسلم الْملَائي عَن حَبَّة العرني عَن عَليّ
رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كلوا الثوم نيئا فلولا أَن الْملك يأتيني لأكلته)
أخبرنَا عبيد الله بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا أبي عَمْرو بن السماك حَدثنَا الْحسن بن عَمْرو السبيعِي قَالَ سَمِعت بشر بن الْحَارِث يَقُول يَأْتِي على النَّاس زمَان وَلَا تقر فِيهِ عين حَكِيم وَيَأْتِي عَلَيْهِم زمَان تكون الدولة فِيهِ للحمقى على الأكياس
وبإسناده قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول النّظر إِلَى الأحمق سخنة الْعين وَالنَّظَر إِلَى الْبَخِيل يقسي الْقلب
وَبِه قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول اعْمَلْ فِي ترك التصنع وَلَا تعْمل فِي التصنع
وَبِه قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول الصَّبْر الْجَمِيل هُوَ الَّذِي لَا شكوى فِيهِ إِلَى النَّاس
وَبِه قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول لَا تكون كَامِلا حَتَّى يأمنك عَدوك وَكَيف يكون فِيك خير وَأَنت لَا يأمنك صديقك
وَبِه قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول لَا تَجِد حلاوة الْعِبَادَة حَتَّى تجْعَل بَيْنك وَبَين الشَّهَوَات حَائِطا من حَدِيد
وبإسناده قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول الدُّعَاء ترك الذُّنُوب
حَدثنَا أبي عَبَّاس مُحَمَّد بن الْحسن بن الخشاب قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن صَالح قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبدون قَالَ حَدثنَا حسن المسوحي قَالَ رَآنِي بشر بن الْحَارِث يَوْمًا بَارِدًا وَأَنا أرتعد من الْبرد
فَنظر إِلَيّ وَقَالَ
(قطع اللَّيَالِي مَعَ الْأَيَّام فِي خلق ... وَالنَّوْم تَحت رواق الْهم والقلق)
(أَحْرَى وأجدر بِي من أَن يُقَال غَدا ... إِنِّي التمست الْغنى من كف مختلق)
(قَالُوا رضيت بذا قلت القنوع غنى ... لَيْسَ الْغنى كَثْرَة الْأَمْوَال وَالْوَرق)
(رضيت بِاللَّه فِي عسري وَفِي يسري ... فلست أسلك إِلَّا وَاضح الطّرق)
وبإسناده قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول المتقلب فِي جوعه كالمتشحط فِي دَمه فِي سَبِيل الله وثوابه الْجنَّة
وَبِه قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول هَب أَنَّك لَا تخَاف وَيحك أَلا تشتاق
أخبرنَا عبيد الله بن عُثْمَان بن يحيى حَدثنَا أبي عَمْرو بن السماك حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْفَزارِيّ حَدثنَا عبد الله بن خبيق قَالَ قَالَ بشر أَرْبَعَة رفعهم الله بِطيب الْمطعم وهيب بن الْورْد وَإِبْرَاهِيم بن أدهم ويوسف ابْن أَسْبَاط وَسَالم الْخَواص
أخبرنَا عبيد الله بن عُثْمَان حَدثنَا أبي عَمْرو بن السماك حَدثنَا مُحَمَّد بن حَفْص حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى بن زِيَاد قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول شاطر
سخي أحب إِلَيّ من قَارِئ لئيم
وَأخْبرنَا عبيد الله حَدثنَا أبي عَمْرو حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس حَدثنَا أبي بكر ابْن بنت مُعَاوِيَة قَالَ سَمِعت أَبَا بكر بن عَفَّان قَالَ سَمِعت بشر ابْن الْحَارِث يَقُول إِنِّي لأشتهي الشواء مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة فَمَا صفا لي درهمه
وَأخْبرنَا عبيد الله حَدثنَا أبي عَمْرو حَدثنَا عمر بن سعيد القراطيسي حَدثنَا ابْن أبي الدُّنْيَا قَالَ قَالَ رجل لبشر لَا أَدْرِي بِأَيّ شَيْء آكل خبزني فَقَالَ اذكر الْعَافِيَة وَاجْعَلْهَا إدامك
وَأخْبرنَا عبيد الله حَدثنَا أبي عَمْرو قَالَ قَالَ الْقَاسِم بن مُنَبّه سَمِعت بشرا يَقُول إِن لم تُطِع فَلَا تعص
وبإسناده قَالَ سَمِعت بشرا يَقُول أَنا أكره الْمَوْت وَلَا يكره الْمَوْت إِلَّا مريب
وَبِه قَالَ بشر حبك لمعْرِفَة النَّاس رَأس محبَّة الدُّنْيَا
سَمِعت عَليّ بن عمر الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا سهل بن زِيَاد قَالَ قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ سَمِعت بشر بن الْحَارِث يَقُول بحسبك أَن قوما موتى تحيا الْقُلُوب بذكرهم وَأَن قوما أَحيَاء تقسو الْقُلُوب برؤيتهم
وَبِه قَالَ الْحَلَال لَا يحْتَمل السَّرف
سَمِعت مُحَمَّد بن الْحسن الْبَغْدَادِيّ يَقُول سَمِعت أَبَا عَمْرو بن السماك يَقُول سَمِعت الْحسن بن عَمْرو السبيعِي يَقُول سَمِعت بشرا يَقُول بِي دَاء مَا لم أعالج نَفسِي لَا أتفرغ لغيري فَإِذا عَالَجت نَفسِي تفرغت لغيري مَا
أبصرني بِموضع الدَّاء وَمَوْضِع الدَّوَاء إِن أعانني مِنْهُ بمعونة ثمَّ قَالَ أَنْتُم الدَّاء أرى وُجُوه قوم لَا يخَافُونَ متهاونين بِأُمُور الْآخِرَة
سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن شَاذان يَقُول سَمِعت حَمْزَة الْبَزَّار يَقُول سَمِعت عَبَّاس بن دهقان يَقُول كنت عِنْد بشر وَهُوَ يتَكَلَّم فِي الرِّضَا وَالتَّسْلِيم فَإِذا هُوَ بِرَجُل من المتصوفة فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا نصر انقبضت عَن أَخذ الْبر من يَد الْخلق لإِقَامَة الجاه فَإِن كنت متحققا بالزهد منصرفا عَن الدُّنْيَا فَخذ من أَيْديهم ليمتحى جاهك عِنْدهم وَأخرج مَا يعطونك إِلَى الْفُقَرَاء وَكن بِعقد التَّوَكُّل تَأْخُذ قوتك من الْغَيْب
فَاشْتَدَّ ذَلِك على أَصْحَاب بشر فَقَالَ بشر اسْمَع أَيهَا الرجل الْجَواب الْفُقَرَاء ثَلَاثَة فَقير لَا يسْأَل وَإِن أعْطى لَا يَأْخُذ فَذَاك من الروحانيين إِذا سَأَلَ الله أعطَاهُ وَإِن أقسم على الله أبر قسمه
وفقير لَا يسْأَل وَإِن أعْطى قبل فَذَاك من أَوسط الْقَوْم عقده التَّوَكُّل والسكون إِلَى الله تَعَالَى وَهُوَ مِمَّن تُوضَع لَهُ الموائد فِي حظيره الْقُدس
وفقير اعْتقد الصَّبْر ومدافعة الْوَقْت فَإِذا طرقته الْحَاجة خرج إِلَى عبيد الله وَقَلبه إِلَى الله بالسؤال فكفارة مَسْأَلته صدقه فِي السُّؤَال فَقَالَ الرجل رضيت رَضِي الله عَنْك.
طبقات الصوفية - لأبي عبد الرحمن السلمي.
بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء الإِمَامُ العَالِمُ المُحَدِّثُ الزَّاهِدُ الرَّبَّانِيُّ القُدْوَةُ شَيْخُ الإسلام أبي نصر المروزي، ثم البغداي المَشْهُوْرُ: بِالحَافِي ابْنُ عَمِّ المُحَدِّثِ عَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَارْتَحَلَ فِي العِلْمِ فَأَخَذَ عَنْ: مَالِكٍ وَشَرِيْكٍ وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ وَخَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الطَّحَّانِ وَفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، وَالمُعَافَى بنِ عِمْرَانَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَعَبْدِ الرحمن بن زيد بن أسلم وعدة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الجَوْهَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى السِّمْسَارُ لاَ العَنْزِيُّ وَسَرِيٌّ السَّقَطِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُوْسَى الجَلاَّءُ وَإِبْرَاهِيْمُ بن هانىء النَّيْسَأبيرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. وَقَلَّ مَا رَوَى مِنَ المُسْنَدَاتِ.
كَانَ يَزُمُّ نَفْسَه فَقَدْ كَانَ رَأْساً فِي الوَرَعِ وَالإِخْلاَصِ ثُمَّ إِنَّهُ دَفَنَ كُتُبَهُ.
أَخْبَرَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ إِذْناً أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ أَخْبَرَنَا أبي مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أبي بَكْرٍ الخَطِيْبُ أَخْبَرَنِي أبي سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى السِّمْسَارُ سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العَوْفِيَّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "اتَّخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتِماً فَلَبِسَهُ ثُمَّ أَلقَاهُ".
العَوْفِيُّ: هُوَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ.
رُوِيَ عَنْ بِشْرٍ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: ألَّا تُحَدِّثُ؟ قَالَ: أَنَا أَشْتَهِي أَنْ أُحَدِّثَ وَإِذَا اشتَهَيتُ شَيْئاً تَرَكْتُه.
وَقَالَ إِسْحَاقُ الحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ بِشْرَ بن الحَارِثِ يَقُوْلُ: لَيْسَ الحَدِيْثُ مِنْ عُدَّةِ المَوْتِ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ خَرَجتَ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ. فَقَالَ: أَتُوبُ إِلَى اللهِ.
وَعَنْ أَيُّوْبَ العَطَّارِ أَنَّهُ سَمِعَ بِشْراً يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ ... ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ إِنَّ لِذِكْرِ الإِسْنَادِ فِي القَلْبِ خُيَلاَءَ.
قَالَ أبي بَكْرٍ المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ بِشْراً يَقُوْلُ: الجُوعُ يُصَفِّي الفُؤَادَ، وَيُمِيتُ الهَوَى وَيُورِثُ العِلْمَ الدَّقِيْقَ.
وَقَالَ أبي بَكْرٍ بنُ عُثْمَانَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: إِنِّيْ لأَشتَهِي شِوَاءً مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً مَا صَفَا لي درهمه.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَثَّامٍ قَالَ: أَقَامَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ بِعَبَّادَانَ يَشْرَبُ مَاءَ البَحْرِ، وَلاَ يَشْرَبُ مِنْ حِيَاضِ السُّلْطَانِ حَتَّى أَضَرَّ بِجَوفِهِ، وَرَجَعَ إِلَى أُخْتِهِ وَجِعاً، وَكَانَ يَعْمَلُ المَغَازِلَ وَيَبِيعُهَا فَذَاكَ كَسْبُه.
قَالَ الحَافِظُ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نُعَيْمٍ قَالَ: رَأَيْتُهُم جَاؤُوا إِلَى بِشْرٍ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الحَدِيْثِ عَلِمتُم أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكُم فِيْهِ زَكَاةٌ كَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ مائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةٌ.
قُلْتُ: هَذَا عَلَى المُبَالَغَةِ وَإِلاَّ فَإِنْ كَانَتِ الأَحَادِيْثُ فِي الوَاجِبَاتِ فَهِيَ مُوْجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي فَضَائِل الأَعْمَالِ فَهِيَ فَاضِلَةٌ لَكِنْ يَتَأَكَّدُ العَمَلُ بِهَا عَلَى المُحَدِّثِ.
قَالَ أبي نَشِيْطٍ: نَهَانِي بِشْرٌ عَنِ الحَدِيْثِ وَأَهلِهِ.
وَقَالَ: أَتَيتُ يَحْيَى القَطَّانَ فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: أُحِبُّ هَذَا الفَتَى لطلبه الحديث.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ بُخْتَانَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الحَدِيْثِ لِمَنِ اتَّقَى اللهَ، وَحَسُنَتْ نِيَّتُه فِيْهِ وَأَمَّا أَنَا فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ طَلَبِه، وَمِنْ كُلِّ خُطْوَةٍ خَطَوتُ فِيْهِ.
قِيْلَ: كَانَ بِشْرٌ يَلحَنُ وَلاَ يَدْرِي العَرَبِيَّةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَوْ كَانَ بِشْرٌ تَزَوَّجَ لَتَمَّ أَمرُه.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: مَا أَخْرَجَتْ بَغْدَادُ أَتَمَّ عَقْلاً مِنْ بِشْرٍ، وَلاَ أَحْفَظَ لِلِسَانِه كَانَ فِي كُلِّ شَعرَةٍ مِنْهُ عَقْلٌ وَطِئَ النَّاسُ عَقِبَه خَمْسِيْنَ سَنَةً مَا عُرِفَ لَهُ غِيبَةٌ لِمُسْلِمٍ مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ!.
وَعَنْ بِشْرٍ قَالَ: المُتَقَلِّبُ فِي جُوعِهِ كَالمُتَشَحِّطِ فِي دَمهِ فِي سَبِيْلِ اللهِ.
وَعَنْهُ: شَاطِرٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ صُوْفِيٍّ بَخِيْلٍ.
وَعَنْهُ: أَمْسُ قَدْ مَاتَ وَاليَوْمُ فِي السِّيَاقِ وَغَداً لَمْ يُولَدْ.
لاَ يُفْلِحُ مِنْ أَلِفَ أَفخَاذَ النِّسَاءَ.
إِذَا أَعْجَبَكَ الكَلاَمُ فَاصْمُتْ وَإِذَا أَعْجَبَكَ الصَّمْتُ فتكلم.
وَقِيْلَ: سَمِعَهُ رَجُلٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ العِزِّ، وَأَنَّ الفَقْرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الغِنَى، وَأَنَّ المَوْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ البَقَاءِ.
وَعَنْهُ قَالَ: قَدْ يَكُوْن الرَّجُلُ مُرَائِياً بَعْدَ مَوْتِه يُحِبُّ أَنْ يَكْثُرَ الخَلْقُ فِي جِنَازَتِهِ.
لاَ تَجِدُ حَلاَوَةَ العِبَادَةِ حَتَّى تَجعَلَ بَينَكَ وَبَيْنَ الشَّهَوَاتِ سُدّاً.
أَخْبَرَنَا أبي مُحَمَّدٍ بنُ عُلْوَانَ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنِي أبي المَجْدِ عِيْسَى أَخْبَرَنَا أبي طَاهِرٍ بنُ المَعْطُوْشِ، أَخْبَرَنَا أبي الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أبي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بنُ الحُسَيْنِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بنُ دِهْقَانَ قَالَ: قُلْتُ لِبِشْرِ بنِ الحَارِثِ: أُحِبُّ أَنْ أَخلُوَ مَعَكَ قَالَ: إِذَا شِئْتَ فَيَكُوْنُ يَوْماً. فَرَأَيْتهُ قَدْ دَخَلَ قُبَّةً فَصَلَّى فِيْهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لاَ أُحسِنُ أُصَلِّيَ مِثْلَهَا فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي سُجُوْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ فَوْقَ عَرشِكَ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الشَّرَفِ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ فَوْقَ عَرشِكَ أَنَّ الفَقْرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَوْقَ عَرشِكَ أَنِّي لاَ أُوْثِرُ عَلَى حُبِّكَ شَيْئاً. فَلَمَّا سَمِعْتُه أَخَذَنِي الشَّهِيقُ وَالبُكَاءُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ أَعْلَمُ أن هذا ههنا لَمْ أَتَكَلَّمْ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى صَاحِبُ بِشْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِبِشْرٍ وَأَنَا حَاضِرٌ: إِنَّ هَذَا الرَّجُل يَعْنِي أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ قِيْلَ لَهُ: أَلَيْسَ اللهُ قَدِيْماً وَكُلُّ شَيْءٍ دُوْنَهُ مَخْلُوْقٌ؟ قَالَ: فَمَا تَرَكَ بِشْرٌ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ حَتَّى قَالَ: لاَ كُلُّ شَيْءٍ مَخْلُوْقٌ إلَّا القُرْآنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ بِشْرٍ المَرْثَدِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ قَالَ: دَفَنَّا لِبِشْرِ بنِ الحَارِثِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَا بَيْنَ قِمَطْرٍ إِلَى قَوصَرَةٍ يَعْنِي: مِنَ الحَدِيْثِ.
وَقِيْلَ لأَحْمَدَ: مَاتَ بِشْرٌ قَالَ: مَاتَ وَاللهِ وَمَا لَهُ نَظِيْرٌ، إِلاَ عَامِرُ بنُ عَبْدِ قَيْسٍ فَإِنَّ عَامراً مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ تَزَوَّجَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ لَمَّا أَخْبَرَنِي أَنَّ سَمَاعَهُ وَسَمَاعَ بِشْرٍ مِنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ وَاحِدٌ قُلْتُ لَهُ: فَأَيْنَ حَدِيْثُ أُمِّ زَرْعٍ؟ قَالَ: سَمَاعِي مَعَهُ وَكُنْتُ كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَنْ يُوَجِّهَ بِهِ إِلَيَّ فَكَتَبَ إِلَيَّ: هَلْ عَلِمتَ بِمَا عِنْدَكَ حَتَّى تَطلُبَ مَا لَيْسَ عِنْدَك؟ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: وُلِدَ بِشْرٌ فِي هَذِهِ القَريَةِ وَكَانَ فِي أَوَّلِ أَمرِه يَتَفَتَّى وَقَدْ جُرِحَ.
قَالَ حَسَنٌ المُسُوْحِيُّ عَنْ بِشْرٍ: أَتَيتُ بَابَ المُعَافَى فَدَقَقتُ فَقِيْلَ: مَنْ؟ قُلْتُ: بِشْرٌ الحَافِي فَقَالَتْ جُوَيْرِيَةُ: لَوْ اشتَرَيتَ نَعلاً بِدَانِقَيْنِ ذَهَبَ عَنْكَ اسْمُ الحَافِي.
وَقَالَ السُّلَمِيُّ: كَانَ بِشْرٌ من أولاد الرؤساء فصحب الفضيل.
سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْهُ فَقَالَ: زَاهِدٌ جَبَلٌ ثِقَةٌ لَيْسَ يَرْوِي إلَّا حَدِيْثاً صَحِيْحاً.
قَالَ جَعْفَرٌ النَّهْرَوَانِيُّ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: إِنَّ عَوْجَ بنَ عُنُقٍ كَانَ يَخُوضُ البَحْرَ، وَيَحتَطِبُ السَّاجَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ دَلَّ عَلَى السَّاجِ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنَ البَحْرِ حُوتاً فَيَشوِيهِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: لَوْ قُسِمَ عَقْلُ بِشْرٍ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ صَارُوا عُقَلاَءَ.
قُلْتُ: قَدْ رَوَى لِبِشْرٍ أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي مُسْنَدِ عَلَيٍّ.
قِيْلَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى بِشْرٍ فَقَبَّلَهُ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا سَيِّدِي أَبَا نَصْرٍ فَلَمَّا ذَهَبَ قَالَ بِشْرٌ لأَصْحَابِهِ: رَجُلٌ أَحَبَّ رَجُلاً عَلَى خَيْرٍ تَوَهَّمَه لَعَلَّ المُحِبَّ قَدْ نَجَا، وَالمَحْبُوْبُ لاَ يَدْرِي مَا حَالُهُ.
مَاتَ بِشْرٌ الحَافِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ-: يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأول، سَنَة سَبْعٍ، وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ قَبْلَ المُعْتَصِمِ الخَلِيْفَةِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ وَعَاشَ خَمْساً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَقَدْ أفرد ابن الجوزي مناقبه في كتاب.
وَفِيْهَا مَاتَ: سَهْلُ بنُ بَكَّارٍ البَصْرِيُّ، وَأبي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ الحَافِظُ وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ صَاحِبُ السُّنَنِ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ المَدَنِيُّ وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ وَالعَلاَءُ بنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاهِبِ الحَارِثِيُّ وَأبي الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ حَيَّانَ البَغَوِيُّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى عَنْ بِشْرٍ: لَيْسَ أَحَدٌ يُحِبُّ الدُّنْيَا إلَّا لَمْ يُحِبَّ المَوْتَ، وَمَنْ زَهِدَ فِيْهَا أَحَبَّ لِقَاءَ مَوْلاَهُ.
وَعَنْهُ: مَا اتَّقَى اللهَ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ.
وَعَنْهُ قَالَ: لاَ تَعْمَلْ لِتُذْكَرَ اكْتُمِ الحَسَنَةَ كَمَا تَكْتُمُ السَّيِّئَةَ.
أبي العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ الحَارِثِ حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عن أخيه عن الحَارِثِ حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عَنْ أَخِيْهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ". ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ حَدِيْثَ أُمِّ زَرْعٍ قَالَتْ: اجْتَمَعَ إِحْدَى عَشْرَةَ نِسْوَةً1.
القَطِيْعِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ: وَجَدتُ فِي كِتَابِ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ بِخَطِّه عَنْ وَكِيْعٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ جَعْفَرِ بنِ إِيَاسٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَقِيْقٍ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- دَعَوْهُ إِلَى طَعَامٍ فَقَالَ: إِنِّيْ صَائِمٌ فَرُئِيَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ يَأْكُلُ فَقِيْلَ لَهُ فَقَالَ: إِنِّيْ أَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدهر.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي
بشر بن الحارث بن علي بن عبد الرحمن المروزي، أبو نصر، المعروف بالحافي:
من كبار الصالحين. له في الزهد والورع أخبار، وهو من ثقات رجال الحديث، من أهل (مرو) سكن بغداد وتوفي بها. قال المأمون: لم يبق في هذه الكورة أحد يستحيي منه غير هذا الشيخ بشر بن الحارث .
-الاعلام للزركلي-
بشرالحافي
أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله، وكان اسم عبد الله بعبور، وأسلم على يد علي أبي طالب رضي الله
__________
(1) أج: ورعاث.
(2) ضبطه ياقوت بفتح الطاء.
(3) ترجمته في حلية الأولياء 8: 336 وصفة الصفوة 2: 183 وتاريخ بغداد 7: 67.
عنه، المروزي المعروف بالحافي، أحد رجال الطريقة رضي الله عنهم؛ كان من كبار الصالحين، وأعيان الأتقياء المتورعين، أصله من مرو من قرية من قراها يقال لها مابرسام (1) ، وسكن بغداد، وكان من أولاد الرؤساء والكتاب.
وسبب توبته أنه أصاب في الطريق ورقة وفيها اسم الله تعالى مكتوب، وقد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدراهم كانت (2) معه غاليةً فطيب بها الورقة وجعلها في شق حائط، فرأى في النوم كأن قائلاً يقول له: يا بشر، طيبت اسمي لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة، فلما تنبه من نومه تاب.
ويحكى أنه أتى باب المعافى بن عمران، فدق عليه الحلقة، فقيل: من فقال: بشر الحافي، فقالت بنت من داخل الدار: لو اشتريت نعلا بدانقين لذهب عنك اسم الحافي.
وإنما لقب بالحافي لأنه جاء إلى إسكاف يطلب منه شسعاً لإحدى نعليه، وكان قد انقطع، فقال له الإسكاف: ما أكثر كلفتكم على الناس! فألقى النعل من يده والأخرى من رجله، وحلف لا (3) يلبس نعلاً بعدها.
وقيل لبشر: بأي شيء تأكل الخبز فقال: أذكر العافية فأجعلها إداماً.
ومن دعائه: اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا لتفضحني في الآخرة فاسلبه عني. ومن كلامه: عقوبة العالم في الدنيا أن يعمى بصر قلبه. وقال: من طلب الدنيا فليتهيأ للذل. وقال بعضهم: سمعت بشراً يقول لأصحاب الحديث: أدوا زكاة هذا الحديث، قالوا: وما زكاته قال: اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث. [وروى عنه سري السقطي وجماعة من الصالحين، رضي الله تعالى عنهم. قال الجوهري: سمعت بشر بن الحارث يقول في جنازة أخته: إن العبد إذا قصر في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه. وقال بشر: كنت في طلب صديق لي ثلاثين سنة فلم أظفر به، فمررت في بعض الجبال بأقوام مرضى وزمني وعمي وبكم، فسألتهم، فقالوا: في هذا الكهف رجل يمسح عليهم بيديه فيبرأون بإذن الله تعالى وبركة دعائه، قال: فقعدت أنتظر فخرج شيخ عليه جبة صوف فلمسهم ودعا لهم، فكانوا يبرأون من عللهم بمشيئة الله تعالى؛ قال: غأخذت ذيله فاقل: خل عني ياسري، يراك تأنس بغيره فتسقط من عينه، ثم تركني ومضى] .
وكان مولده سنة خمسين ومائة، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ست وعشرين، وقيل: سبع وعشرين ومائتين، وقيل: يوم الأربعاء عاشر المحرم، وقيل: في رمضان بمدينة بغداد، وقيل: بمرو، رحمه الله تعالى.
وكان لبشر ثلاث أخوات، وهن مضغة، ومخة، وزبدة، وكن زاهدات عابدات ورعات، وأكبرهن مضغة ماتت قبل موت أخيها بشر، فحزن عليها بشر حزناً شديداً، وبكى بكاء كثيراً، فقيل له في ذلك، فقال: قرأت في بعض الكتب أن العبد إذا قصر في خدة ربه سلبه أنيسه، وهذه أختي مضغة كانت أنيستي في الدنيا.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: دخلت امرأة على أبي فقالت له: يا أبا عبد الله، إني امرأة أغزل في الليل على ضوء السراج، وربما طفىء السراج فأغزل على ضوء القمر، فهل علي أن أبين غزل السراج من غزل القمر فقال لها أبي: إن كان عندك بينهما فرق فعليك أن تبيني ذلك، فقالت له: يا أبا عبد الله أنين المريض هل هو شكوى فقال لها: إني أرجو أن لا يكون شكوى، ولكن هو اشتكاء إلى الله تعالى، ثم انصرفت؛ قال عبد الله: فقال لي أبي: يا بني ما سمعت إنساناً قط يسأل عن مثل ما سألت هذه المرأة، اتبعها؛ قال عبد الله: فتبعتها إلى أن دخلت دار بشر الحافي، فعرفت أنها أخت بشر، فأتيت أبي فقلت له: إن المرأة أخت بشر الحافي، فقال أبي: هذا والله هو الصحيح، محال أن تكون هذه المرأة إلا أخت بشر الحافي.
وقال عبد الله أيضاً: جاءت مخة أخت بشر الحافي إلى أبي فقالت: يا أبا عبد الله، رأس مالي دانقان أشتري بهما قطنا فأغزله وأبيعه بنصف درهم، فأنفق دانقاً من الجمعة إلى الجمعة، وقد مر الطائف ليلة ومعه مشعل فاغتنمت
ضوء المشعل وغزلت طاقين في ضوئه، فعلمت أن الله سبحانه وتعالى في مطالبة، فخلصني من هذا خلصك الله تعالى، فقال أبي: تخرجين الدانقين ثم تبقين بلا رأس مال حتى يعوضك الله خيرا منه؛ قال عبد الله: فقلت لأبي: لو قلت لها حتى تخرج رأس مالها، فقال: يابني سؤالها لا يتحمل التأويل، فمن هذه المرأة فقلت هي مخة أخت بشر الحافي، فقال أبي: من ههنا أتيت.
وقال بشر الحافي: تعلمت الزهد من اختي فإنها كانت تجتهد أن لا تأكل ما لمخلوق فيه صنع.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي
قال أبو بكر الباقلاني: سمعت أبي يقول: سمعت بشر بن الحارق ونحن معه بباب حرب، وأراد الدخول إلى المقبرة فقال: الموتى داخل السور أكثر منهم خارج السور وكان يقول: إذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم، وإذا هممت بغلاء السعر فاذكر الموت فإنه يذهب عنك هم الغلاء.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي
العارف بالله أبو نصر بِشْر بن الحارث الحافي قدس سره، المتوفى ببغداد في محرم سنة سبع وعشرين ومائتين. أصله من مرو وهو ابن أخت علي بن خشرم.
سكن بغداد وصحب فضيلاً ورأى سرياً السَّقَطي وكان كبير الشأن.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.