الكعاك (1318 - 1396 هـ) (1900 - 1976 م).
عثمان بن محمد بن العربي بن عثمان الكعاك العياضي من سلالة القاضي عياض الأندلسي الأصل، هاجر أجداده من الأندلس إلى تونس سنة 1017/ 1613، من كبار أعلام تونس المعاصرين أديب لغوي، مؤرخ غزير الإنتاج.
ولد بقمرت (من أحواز تونس الشمالية)، تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة عربية فرنسية، وتابع دراسته الثانوية بالمدرسة الصادقية، وتخرج منها محرزا على الديبلوم، وفي هذه المدرسة أقبل على تعلم اللغة الألمانية باجتهاد عظيم حتى حذقها، وكان يتحدث بها في السر مع معلم الرياضيات، ويواري كتبها تحت المحشاة في السدة التي فوق الفراش، ويطالع دروسها بإطالة الإقامة في المتوضأ حتى لا يعلم بذلك أحد، وأسس مع صديقه الحكيم أحمد بن ميلاد جمعية الصادقية لتعليم المفردات الاصطلاحية في الرياضيات والحسابيات، فكانا يجمعان المفردات ويعلمانها لأصحابها، وفي الآن نفسه كان يزاحم صديقه الحكيم الزاوش في تعلّم الإنكليزية، وصديقه الحكيم الشاذلي زويتن في تعلم الإيطالية، وحكى عن نفسه أنه كان إلى سن الثالثة عشرة من عمره يحتقر اللغة العربية وآدابها، ويهزأ بالحضارة العربية والتاريخ الإسلامي، ويرى أنه من العبث تعلم اللغة العربية، بل الواجب هو تعلم اللغة الفرنسية، وكان يحمد الله كثيرا على أنه لا يعرف شيئا من لسان العرب.
حتى ولو مجرد الحروف وفي شهر ماي سنة 1915 لما دخلت تركيا الحرب ضد الحلفاء كان مارا بالموالحية وعلى رأسه طربوش فأدركته كوكبة من الجنود الفرنسيين، وصفعه أحدهم وطرحه على الأرض، وداس الطربوش، ومن ذلك التاريخ أقبل على تعلم العربية وآدابها بحزم ما عليه من مزيد، كما أخذ في تعلم اللغة الألمانية، وأقبل على المطالعة بنهم، فطالع ما في مكتبة أخيه عبد الرحمن، وأول ما طالعه كتاب حديث عيسى بن هشام. ثم قضى عامين يطالع بتلهف ما يوجد في مكتبة محمد الصادق باي بالمرسى، فقرأ روايات جرجي زيدان كلها، ووفيات الأعيان، وكل ما فيها من كتب تاريخية، ثم أقبل على مكتبة خزنة دار بالمرسى، فطالع ما فيها من كتب الأدب والطب والعلوم، كل ذلك في خلال سنوات الحرب العالمية الأولى، وبعد الهدنة بقليل في سنة 1919 رفع الحجر عن الصحف التونسية، فكان يطالعها بشغف، ثم صار يحرر فيها المقالات الأدبية والخيالية والاجتماعية والتاريخية خصوصا في «الوزير» و «الصواب» و «لسان الشعب» وكان ينشر المقالات التاريخية في مجلة «الفجر» التي نشرها الحزب الحر الدستوري بعد الهدنة، ومنذ سنة 1922 انقلب إلى نشر المقالات السياسية، وذلك عند صدور إصلاحات المقيم العام لوسيان سان، وانتقدها انتقادا مرا.
وألقى منذ شبابه عدة محاضرات على منابر الجمعيات الأدبية، وأول محاضرة ألقاها كانت بنادي قدماء الصادقية سنة 1924، ثم توالت محاضراته الأدبية والتاريخية والسياسية والاقتصادية.
وفي سنة 1926 سافر إلى باريس حيث تابع دراسته العليا بجامعة السربون، وبمعهد اللغات الشرقية، ثم بالمعهد التطبيقي للدراسات العليا وبكوليج دي فرانس، وتحصل على ديبلومات في اللغات التالية: الآداب العربية، العربية الدارجة بشمال إفريقيا، العربية الدارجة بالمشرق، اللغة الفارسية، اللغة الحميرية ثم أحرز على الإجازة في الآداب العربية، والإجازة من مدرسة اللغات الشرقية، ودرس على عدة مستشرقين من ذوي الشهرة العالمية مثل هانري مارسي، ووليام مارسي، وجورج كولان، ومحمد قزويني خان.
وقال في مقدمة كتابه «العلاقات بين تونس وإيران عبر التاريخ»:
وأقبلنا على دراسات مقارنة في اللغات الآرية من السنسكريتية إلى الفهلوية إلى اللغات الصقلية واليونانية واللاتينية والجرمانية واللغات اللاتينية المعاصرة من إيطالية وفرنسية وإسبانية وبرتغالية، فتحصلت لدينا معلومات طريفة عن إيران، وكان يستضيفنا أستاذنا الكبير العلاّمة المرحوم محمد قزويني خان كاتب السفارة الإيرانية بباريس في منزله بروضة منسور من أحياء العاصمة الفرنسية فيقضي أوقات مطولة طريفة في الدراسات الإيرانية والعربية، ثم نبحث مع أستاذنا الآخر المرحوم محمد محلاتي خان معيد الفارسية بمدرسة اللغات الشرقية فنتجاذب أطراف الحديث في كل ما لذّ وطاب من بحوث لغوية وأدبية وفلكلورية مقارنة ثم كان أستاذنا (H.Masse) يعلمنا بأسلوب آخر هو أسلوب اللغات الآرية المقارنة والآداب الفارسية والعربية الأوروبية المقارنة فنقضي العجب، ثم كنا طالما نجتمع بالأستاذ مينوريسكي فندرس الإيرانيات من زاوية أخرى، حتى إذا عدنا إلى بلدنا تونس كنا ننظر إلى ألفاظ الحضارة وتاريخ الحضارة بعين أخرى فعلى حين كنا ندرس الشاشية (الطربوش المغربي) من ناحية أندلسية انصرفنا إليها من أصولها الإيرانية، ودرسنا تاريخ الصناعات والزراعات والعلوم والآداب من هذه الزوايا أيضا فارتفعت الحجب المستورة وارتفعت الآفاق، وأدركنا أن هناك محورا تونسيا إيرانيا تدور على قطبيه منذ عشرات القرون السياسيات والعسكريات والحضارات والعلوم والآداب والفنون.
كان يتقن من اللغات - عدا العربية - الإسبانية والإيطالية والفرنسية والإنكليزية والألمانية ومن اللغات الشرقية التركية والفارسية، ولعله لا ثاني له في تونس يتقن مثل هذا العدد من اللغات. ولما عاد إلى تونس درس التاريخ والجغرافيا بالمدرسة الخلدونية ثم عيّن للتدريس بالمدرسة العليا للآداب واللغة العربية منذ سنة 1928 إلى سنة 1954، وعيّن أستاذا بمعهد الدراسات العليا، فمديرا للقسم الشرقي بنفس المدرسة من أوت 1954 إلى أكتوبر 1956، وسمي كاتبا عاما لقسم البرامج العربية بالإذاعة التونسية من سنة 1938 إلى سنة 1943، وسمي حافظا (خزائنيا ومصادريا) للقسم العربي بالمكتبة الوطنية (العطارين)، وبعد الاستقلال سمي حافظا عاما بالمكتبة المذكورة من سنة 1956 إلى سنة 1965 حيث أحيل على التقاعد، فانتدبته وزارة الشئون الثقافية للعمل فيها والاستفادة من خبرته واطّلاعه، وعين فيها بصفة مستشار من سنة 1965 إلى 1967، ثم عيّن مكلفا بمهمة في الوزارة نفسها من سنة 1967، وهو محاضر زائر بجامعة الرباط بالمغرب الأقصى، وبالجامعات الليبية والأردنية والسورية، وهو عضو بالمجمع العلمي العربي بدمشق.
توفي في الساعة الثالثة من صبيحة يوم الخميس في 19 رجب 1396/ 15 جويلية 1976 بمدينة عنابة بالجزائر قبل ساعات من إلقائه محاضرته في ملتقى الفكر الإسلامي، وحمل جثمانه إلى تونس ودفن بها، وصحبه من عنابة إلى تونس وفد جزائري يتقدمه السيد أحمد حماني المستشار ورئيس مجلس وزارة التعليم الأصلي والشئون الدينية الذي ألقي كلمة تقدير ووفاء باسم الوفد الجزائري، فكان رثاء الجزائر كلمة بليغة مؤثرة بمنزلة المترجم في الثقافة العربية والإسلامية.
مؤلفاته:
ألّف ما يناهز الأربعين كتابا في التاريخ والأدب والفلكلور وعلم اللغات، منها نحو العشرين مطبوعا، والباقي مخطوط.
البلاغة العربية في الجزائر (تونس 1927) رسالة صغيرة.
المجتمع التونسي على عهد الأغالبة، نشره أولا في تقويم المنصور ثم في رسالة.
مراكز الثقافة بالمغرب العربي (مصر 1957).
الحضارة العربية في حوض البحر المتوسط (مصر 1956).
مصادر الفلكلور العراقي (بغداد 1957).
البربر (سلسلة كتاب البعث، تونس 1957).
العلاقات بين تونس وإيران عبر التاريخ (تونس 1972).
الفلكلور التونسي (تونس 1957).
جزر قرقنة (المطبعة الكبرى بالجنوب التونسي صفاقس 1955).
مصادر بيبليوغرافية عن ابن خلدون (تونس 1957).
موجز التاريخ العام للجزائر (مط. العرب تونس 1344/ 1926) ولعله أول مؤلفاته ويدل على اطّلاع، ومستقبل زاهر في البحث التاريخي.
هذا ما عرفته من مؤلفاته المطبوعة.
وله من المخطوطات:
إتحاف الظراف في تاريخ الكاف.
باجة.
تاريخ المسرح التونسي.
الوساطة في الخطاطة.
معجم موسوعي عربي فرنسي لبث في جمعه سنوات عديدة
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الرابع - من صفحة 167 الى صفحة 171 - للكاتب محمد محفوظ