ابن القوبع (664 - 738 هـ) (1266 - 1338 م).
محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الجليل الجعفري الهاشمي القرشي المعروف بابن القوبع ، ركن الدين، أبو عبد الله، الأديب الطبيب المشارك في الفلسفة وغيرها.
ولد بتونس، وقرأ النحو على يحيى بن الفرج بن زيتون، والأصول على محمد بن عبد الرحمن قاضي تونس، وتأدب بابن حبيش، وقرأ المعقول على ابن اندراس. وكان يستحضر جملة من أشعار المولدين والمتأخرين، ويعرف خطوط الأشياخ ولا سيما أهل الغرب، وكان نقده جيدا، وذهنه يتوقد ذكاء، قد مهر في الآداب والعلوم، إذا تحدث في شيء منها تكلم على دقائقه ونكته وغوامضه حتى يقول القائل: إنه أفنى عمره في هذا الفن، وكان له حافظة لا قطة، وذاكرة قوية، تروى عنه نوادر فيهما، وكان يلثغ بالراء فيجعلها همزة، وفيه سآمة وملل وضجر، وكان مواظبا على مطالعة كتاب «الشفاء» لابن سينا كل ليلة، وكان فيه بادرة وحدة. قال تقي الدين السبكي: ما أعرف أحدا مثله، ووصفه ابن سيد الناس أنه ثبت.
وممن أخذ عنه بمصر الشيخ عبد الله المنوفي شيخ الشيخ خليل بن إسحاق، وله شعر يغلب عليه الإغراق في الصناعة اللفظية.
رحل إلى الشرق سنة 690/ 1291 فسمع بدمشق من ابن القواس، وأبي الفضائل بن عساكر، وجماعة، واجتمع به ابن فضل الله العمري، مؤلف «مسالك الأبصار» واستفاد منه فوائد جمة نقلها في كتابه المذكور، ثم انتقل إلى القاهرة، ودرس بالمدرسة المنكوتمرية، وأعاد بالمدرسة الناصرية، ودرس الطب بالمارستان المنصوري.
قال الأسنوي في «طبقات الشافعية» في ترجمة الملك المؤيد الأيوبي صاحب حماة المعروف بأبي الفداء (1/ 456) فاتفق قدومه إلى الديار المصرية في بعض الشئون، فاستدعاني إلى مجلسه على لسان الشيخ ركن الدين بن القوبع، فحضرت معه وصحبنا الصلاح بن البرهان الطبيب المشهور إلى أن قال: ثم انتقل الكلام إلى علم النبات والحشائش، فكلما وقع ذكر نبات ذكر صفته الدالة والأرض التي ينبت فيها والمنفعة التي فيه، واستطرد من ذلك استطرادا عجيبا، وهذا الفن الخاص هو الذي كان يتبجح بمعرفته الطبيبان الحاضران وهما ابن القوبع وابن البرهان.
وقال ابن كثير: كان من أعيان الفضلاء، وسادة الأذكياء، ممن جمع العلوم الكثيرة، والعلوم الأخروية الدينية الشرعية والطبية، وكان مدرسا بالمنكوتمرية، وله وظيفة في المارستان المنصوري.
وكان يتودد إلى الناس من غير حاجة إلى أحد ولا سعي في منصب. قال الشيخ الحافظ تقي الدين بن سيد الناس: قدم الديار المصرية وهو شاب، فحضر سوق الكتب، والشيخ بهاء الدين النحاس شيخ العربية حاضر ومع المنادي ديوان ابن هاني المغربي، فأخذه الشيخ ركن الدين وأخذ يترنم:
فتكات لحظك أم سيوف أبيك … وكئوس خمرك أم مراشف فيك
فكسر التاء وفتح السين، فالتفت إليه الشيخ بهاء الدين وقال: يا مولانا ماذا الأنصب كبير! فقال له الشيخ ركن الدين بتلك الحدة المعروفة منه والنفرة: أنا ما أعرف الذي تريده أنت من رفع هذه الأشياء على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة أي هذه فتكات لحظك أم كذا؟ وأنا الذي أريده أغزل وأقدح وتقديره، أقاسي فتكات لحظك أم أقاسي سيوف أبيك، وأرشف كئوس خمرك أم مراشف فيك فأخجل الشيخ بهاء الدين وقال له: يا مولانا: فلأي شيء ما تتصدر، وتشغل الناس، فقال استخفافا بالنحو واحتقارا له: وأيش هو النحو في الدنيا، النحو علم يذكر، أو كما قال:
وأخبر عن نفسه أنه لما أوقفه فتح الدين بن سيد الناس على السيرة التي عملها علّم فيها على مائة وأربعين موضعا أو مائة وعشرين موضعا السهو منه أو كما قال: وقد رآه بعضهم يواقف الشيخ فتح الدين في أسماء الرجال، ويكشف عنها فيظهر الصواب مع ركن الدين.
جاء إليه إنسان يصحح عليه «أمالي القالي» فكان يسبقه إلى ألفاظ الكتاب فبهت ذلك الرجل، فقال له: لي عشرون سنة ما كررت عليها.
وتولى نيابة الحكم بالقاهرة لقاضي القضاة المالكي مدة، ثم إنه تركها تدينا منه وقال: يتعذر فيها براءة الذمة وكانت سيرته فيها جميلة، لم يسمع عنه أنه ارتشى في حكومة، ولا حابى أحدا.
مؤلفاته:
تعليق على قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ}.
تفسير سورة قاف، في مجلد.
شرح ديوان المتنبي، في عدة أجزاء.
اختصار أفعال ابن الحاج
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الرابع - من صفحة 123 الى صفحة 126 - للكاتب محمد محفوظ