علي أبو النصر
(1811 ـ 1880م)
مولده ونشأته: ولد السيد علي أبو النصر بمدينة منفلوط في سنة 1811م، ورحل إلى القاهرة والتحق بالأزهر، ويقرن اسمه عادة باسم زميله الليثي، فقد كانا نديمين للخديوي إسماعيل، غير أنه كان أسبق من صاحبه في الظهور في ميدان الشعر وفي الاتصال بالحكام، فقد روي أن محمد علي باشا أرسله ضمن بعثة على الأستانة لحضور فرح أقامة السلطان عبد المجيد، ثم اتصل بسعيد باشا ومدحه ورثى ابنه طوسون، ثم اتصل إسماعيل باشا وأصبح من ندمائه المقربين إليه، وقد صحبه في بعض رحلاته إلى دار الخلاقة، ومات في أوائل حكم توفيق.
أدبه: كان مولعاً بالمحسنات اللفظية من تورية وجناس وطباق، ومن أجود ما نظمه قصيدة مدح بها الخديوي توفيق مطلعها:
روض الأماني تغنينا سواجعه | فكل راج لها تصغي مسامعه |
وكيف يرتاب من لاح اليقين له | من جبهة الدهر أو في من يخادعه |
وهل على من سعى يوماً إلى غرض | لوم إذا منعت منه موانعه |
نحن الألى سلقتنا ألسن نطقت | في عتبنا بملام عم شائعه |
قالت لقد عصفت فيكم رياح هوى | أمالكم عن سماع النصح ذائعه |
تبنون من غير آس في تصرفكم | ومحكم الأمر فاتتكم مواضعه |
أضغاث أحلامكم كادت تؤولها | آمالكم بحديث مثل رافعه |
حيث الخواطر والأفكار خامرها | من الحوادث ما عمت فظائعه |
وجندت جندها الأيام عادية | وجردت سيف غدر صال قاطعه |
لم يكن في قصيدته هذه متكلفاً ولا متصنعاً ولا كاذباً ولا مرائياً ولا منافقاً، وإنما كان وطنيًّا مخلصاً يعبر عن شعور داخلي كامن في نفسه، ويترجم عن إحساس دفين بين جوانحه، وقد نسي الشاعر نفسه وتجاهل مصالحه الخاصة والنعم الكثيرة التي أغدقت عليه في أيام إسماعيل، ونظر إلى الأمور نظرة المشفق على ما فيه خير الأمة، المتألم إلى ما أصاب البلاد من الكوارث والخطوب، وقد أطلق للسانه العنان فنطق في غير خوف ولا وجل، وانتقد في جرأة عجيبة، وقال:
وما أجبتم سؤال المحدقين بكم | كأنما القطر لا تغنى وقائعه |
كم نزهتكم رباه في مراتعها | فأصبحت وهي للرائي بلاقعه |
أكرمتم الغرباء النازلين بكم | لكن فلّاحكم ضاقت مزارعه |
لقد وقف أبو النصر من الخديوي توفيق موقف الناصح الأمين، والمرشد المخلص، فطالب برفع المظالم وتطهير الأداة الحكومية من الخونة والمرتشين، وختم قصيدته الرائعة بقوله:
فإن رعيت وراعيت الحقوق فما | أولاك بالمدح يتلو الحمد بارعه |
وفي هذا البيت المؤثر تظهر جرأة الشاعر في مخاطبة أمير البلاد، وقد طغى في هذه القصيدة ظاهر الإلحاح في طلب الإصلاح، وقد اشترك أبو النصر في التمهيد للحركة العرابية التي ظهرت بعد وفاته.
وللشاعر طريقة خاصة في الرثاء، فهو يبدأ بالتحدث عن الموت فيذكر أنه غاية كل حي، وأنه هو السبيل الذي يسلكه كل مخلوق، ويشير إلى استحالة الخلود.
وفاته: في سنة 1880م توفي إلى رحمة ربه.
أعلام الأدب والفن، تأليف أدهم آل الجندي الجزء الثاني – ص 428 - 429.