خليل البصير) بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن داود بن شمس الدين محمد الباهر الموصلي:
أديب نحوي، له شعر حسن. من أسرة آل الفخري الحسينية الأعرجية المشهورة في العراق. نشأ كفيف البصر، واشتهر ورحل إلى حلب والرها والروم والعراق. وبرع في الموسيقى، ونظم بالتركية والفارسية والعربية. له أراجيز، منها (ملحمة) عربية في وصف حصار شاه إيران (نادر شاه) لمدينة الموصل وثبات أهلها في الدفاع عنها، ودحر المهاجمين، نشرها الأستاذ سعيد الديوه جي في مجلة المجمع العلمي العراقي، وأرجوزة في النحو سماها (الدرر المنظومة والصرر المختومة) حققها الأديب عماد عبد السلام رؤوف ونشرها في مجلة المجمع العلمي العراقي أيضا. وقصائد ومقطعات وتخاميس وتشاطير. مولده ووفاته بالموصل .
-الاعلام للزركلي-
خليل بن علي الموصلي السيد الشريف صاحب البصيرة الوقادة كان نادرة من النوادر مع علم وعمل وتجويد وتبريز بكل صناعة وكان في الحفظ آية باهرة يحفظ الصحيفة بسماعها مرة أو مرتين وله سفرات عديدة إلى حلب والرها والروم والعراق وله لطائف نفيسة كان حاضراً في مجلس بعض الوزراء فأخبره بعض الحاضرين ان القاضي فلان ممتحن بزوجته وبالأمس اقتتلا فآذته فقال على الفور يا ليتها كأنت القاضية وكان يحفظ من الشعر ما لو كتب لكان أسفاراً وكان له في النحو والصرف والعلوم العقلية اليد الطولى وله نظم بالفارسية والتركية والعربية ونثر رشيق وله معرفة تامة بالمويسيقى وكان مهذب الأخلاق ميمون الطلعة مأمون العشرة ومن قريضه الرايق ونظمه البديع الفائق قوله مؤرخاً واقعة العجم
كفى الله أهل الموصل الشر اذ أتى ... عدو لهم من جانب الشرق ناهض
أجل ملوك العجم نادر اسمه ... ظلوم غشوم للمواثيق ناقض
سبى نسوة السكان في البيد والقرى ... بظلم وكل في المهالك حائض
وساق أناعيم الرساتيق كلها ... فما في الضياع اليوم بكر وقارض
فحاصرنا ستين يوماً مهيجاً ... حروباً وفي الجمعات ماتت فرائض
فحاربه الدستور والي ديارنا ... حسين بعون الله وهو يناهض
فألقى رعب في قلوب جنوده ... فبانوا وكل نحو مثواه راكض
فلما أزال الله عنا شعوبهم ... بتوفيقه أرخت زال الروافض
وقوله مخمساً
نأى الغزال الذي في القلب موضعه ... ياليت شعري أي الروض مرتعه
ناديته بانكساري إذ أودعه ... يا راحلاً وجميل الصبر يتبعه
هل من سبيل إلى لقياك يتفق
نار المحبة في الأحشاء حامية ... والعين كالنهر طول الدهر هامية
يا من به رتبتي في العشق سامية ... ما أنصفتك جفوني وهي دامية
ولا وفى لك قلبي وهو يحترق
وله مصدراً ومعجزاً
يا مشتكي الهم دعه وأنتظر فرجاً ... فمن يفرج كربات المساكين
واصبر على محن الأيام ذا جلد ... ودار وقتك من حين إلى حين
ولا تعاند إذا أصبحت في نكد ... من النوائب واستقبله باللين
هيهات هيهات أن تصفوا بلا كدر ... فانما أنت من ماء ومن طين
وكان مولده سنة اثنتي عشرة ومائة وألف وتوفي سنة ست وسبعين ومائة وألف بالموصل ودفن بها وله شعر كثير اختصرنا منه خوفاً من التطويل رحمه الله تعالى.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل.
السيد خليل البصير ومن أبناء عمهم السيد خليل البصير
ضرير ولكن بالفضائل بصير، فهو البصير وأي بصير، لم يقبل في الكمال نظير. أما الفضائل فهو بحرها الطامي. وأما الكمالات فهو فلكها الرفيع السامي. استقل في الأدب بالنقض والإبرام، وأوضح سبل المعارف إلى معالم الافهام. تهادته الأيام تهادي النسيم للروض البليل. وافتقرت إلى جنابه افتقار المحرور للمقيل. فانه ممن عارض الوشل بالمطر، وفاخر الليل بالقمر. وطلع في الحدباء طلوع الشمس وأحيا بأنفاسه الطيبة أموات الأدب في الرمس. فحارت بأدبه الافهام، وبعدت عن درك كماله الأوهام، فإنه شخص الأدب عيانا، وأقام على ذلك بينة وبرهانا.
وكل حيا للمجد فهو سحابه ... وكل رحى للفضل فهو لها قطب
ألف بأدبه الفنون الشوارد، واستملى الفواضل عن عطارد. فآثاره تفصح عن سعة باعه، وتحريراته تنبئ عن طول ذراعه. فإنها لا تعمى الأبصار وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار. مطر واستبرق، وأثمر وأورق، فعلا جنابه، وحمد غمامه وضبابه. وعذبت
مصادره وموارده، وعلت محاضره ومشاهده. فهو بارق عارض الادب، كريم الجد والحسب. مالك الافضال والمعالي، مستخدم الأحرار والموالي. قد بلغت معاليه السماء، وجلت مكارمه أسرة الظلماء. فطلع للكمال طلوع سهيل، وأشرق بجماله النهار والليل.
فها هو بحر أدب تشعبت أنهاره. وروض فضل تلونت أزهاره.
قد اظهر من أدبه ألوان، زين بها جيد الزمان.
وله نظم أرق من النسيم في الليل. وأروق من تقاطر الغمام والسيل ونثر كالنجوم في ضيائها، والثريا في سمائها. وقد اخذ بها مجامع القلوب وملكها، وفي سلك سمط الخدام سلكها. وقد اثبت منها ما هو كالجواهر، في أعناق الجآذر.
فمن نظمه قوله:
كفى الله أهل الموصل الشر إذ أتى ... عدو لهم من جانب الشرق ناهض
أجل ملوك العجم نادر اسمه ... ظلوم غشوم للمواثيق ناقض
سبى نسوة السكان في البيد والقرى ... بظلم وكل بالمهالك خائض
وساق أناعيم الرساتيق كلها ... فما في الضياع اليوم بكر وفارض
فحاصرنا ستين يوما مهيجا ... حروباً وفي الجمعات ماتت فرائض
فحاربه الدستور والى ديارنا ... حسين بعون الله وهو يناهض
فألقي رعب في قلوب جنوده ... فبانوا وكل نحو مثواه راكض
فلما أزال الله عنا شعوبهم ... بتوفيقه أرخت زال الروافض
وقوله مخمساً:
نأى الغزال الذي في القلب موضعه ... يا ليت شعري أي الروض مرتعه
ناديته بانكساري إذ أودعه ... يا راحلا وجميل الصبر يتبعه
هل من سبيل إلى لقياك يتفق ... نار المحبة في الأحشاء حامية
والعين كالنهر طول الدهر هامية ... يا من به رتبتي في العشق سامية
ما أنصفتك جفوني وهي دامية ... ولا وفى لك قلبي وهو يحترق
وله مصدرا ومعجزا لهذين البيتين.
يا مشتكي الهم دعه وانتظر فرجا ... ممن يفرج كربات المساكين
واصبر على محن الأيام ذا جلد ... ودار وقتك من حين إلى حين
ولا تعاند إذا أصبحت في كدر ... من النوائب واستقبله في اللين
هيهات هيهات أن تصفو بلا كدر ... فإنما أنت من ماء ومن طين
والبيتين لابن نباتة وقد تبعه الصفدي في ذلك فقال:
دع الإخوان إن لم تلق منهم ... صفاء واستعن واستغن بالله
أليس المرء من ماء وطين ... وأي صفا لهاتيك الجبلّه
وفي معنى بيت ابن نباتة في انتظار الفرج، قال النبي ﷺ: افضل أعمال أمتي انتظار الفرج
قال جالينوس الهم فناء القلب والغم مرضه. ثم قال الغم بما فات، والهم بما هو آت. ومن الغم يعرض النوم، ومن الهم يعرض السهر، لأن في الهم فكرا بما سيكون والغم لا فكر فيه.
حكى بزر جمهر، وهو من أجل حكماء الفرس، إنه لما حبسه انوشروان عند غضبه عليه في بيت ذي ظلمة وضيق،
وصفده بالحديد وألبسه الخشن من الصوف، وأمر أن لا يزاد على قرصين في كل يوم خبز من شعير، وكف ملح، ودورق ماء، وأن تحصى ألفاظه فتنقل إليه. فأقام بزر جمهر شهورا لا يسمع منه لفظ. فقال انوشروان: ادخلوا عليه بعض أصحابه، ليستأنس بهم، ويفاتحوه بالكلام، واسمعوا ما يجري بينهم، وعرفونيه.
فدخل عليه جماعة من المحتفين به، وقالوا: أيها الحكيم نراك في هذا الضيق والحديد والصوف والشدة التي دفعت إليها، ومع ذلك فان سجية وجهك، وصحة جسمك على حالهما لم يتغيرا. ما السبب في ذلك؟ قال: لأني عملت جوارشا من ستة أخلاط اخذ منه كل يوم شيئا، فهو الذي أبقاني على ما ترون. قالوا صفه لنا فيوشك أن نبتلى بمثل بلواك فنستعمله.
قال: الخلط الأول الثقة بالله ﷻ. والخلط الثاني ان كل مقدر كائن. والخلط الثالث الصبر خير ما استعمله الممتحن.
والخلط الرابع إذا لم اصبر فأي شيء أعمل. والخلط الخامس يمكن أن أكون في شر مما أنا فيه. والخلط السادس من ساعة إلى ساعة فرج.
وعلى هذا قول بعضهم:
اصبر على حلو الزمان ومره ... واعلم بأن الله بالغ أمره
فالصدر من يلقى الخطوب بصدره ... وبصبره وبحمده وبشكره
والحر سيف والذنوب بصفوه ... صدأ وصيقله نوائب دهره
ليس الحوادث غير أعمال امرى ... يجزى به من خيره أو شره
فلئن أصبت بما أصبت فلا تقل ... أوذيت من زيد الزمان وعمره
واثبت فكم أمر امضك عسره ... ليلا فبشرك الصباح بيسره
ولكم على يأس أتى فرج الفتى ... من غيب سر لا يمر بفكره
فاضرع إلى الله الكريم ولا تسل ... بشراً فليس سواه كاشف ضره
واعجب لنظمي والهموم شواغل ... يلهين عن نظم الكلام ونثره
وتبعه ابن نباتة فقال:
لا تخش من غم كغيم عارض ... فلسوف يسفر عن إضاءة بدره
إن تمس عن عباس حالك راوياً ... فكأنني بك راوياً عن بشره
ولقد تمر الحادثات على الفتى ... وتزول حتى ما تمر بفكره
هون عليك فرب أمر هائل ... دفعت قواه بدافع لم تدره
ولرب ليل بالهموم كدمل ... صابرته حتى ظفرت بفجره
ولصاحب الترجمة مخمسا:
قد بان قلبي الذي الأشواق ديدنه ... بحيث لم ير بل لم يدر موطنه
لما جهلت مكانا صار يسكنه ... سألتها عن فؤادي أين مسكنه
لأنه ضاع مني يوم مسراها ... فوجهت وجهها نحوي وقد سمعت
ما قلته وعلى ما رمته اطلعت ... وفي جواب سؤالي رأفة شرعت
قالت لدينا قلوب جمة جمعت ... فأيها أنت تعني قلت أشقاها
ويقرب من معنى هذه الأبيات قول الباخرزي :
قالت وقد فتشت عنها كل من ... لاقيته من حاضر أو بادي
أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه ... ترني فقلت لها وأين فؤادي
ويقرب منه قول ابن سبسب:
هوى صاحبي ريح الشمال إذا جرت ... وأهوى لنفسي أن تهب جنوب
يقولون لو عربت قلبك لا رعوى ... فقلت وهل للعاشقين قلوب
وقريب منه أيضا قول الشهاب الخفاجي:
يقولون لي لم تبق للصلح موضعا ... وقد هجروا من غير ذنب فمن لحا
صدقتم وأنتم للفؤاد سليتم ... ومالي قلب غيره يطلب الصلحا
وفيه أيضا قوله:
قد ودعوا قلبي سر الهوى ... خافوا من الواشي على حبي
فانتهبوا لبي ولم يقنعوا ... باللب حتى أخذوا قلبي
ولصاحب الترجمة في الاقتباس:
ونسوة لمنني في حب ذي كحل ... رشا يفوح شميم المسك من فيه
فقلت منهن للائي فتن به ... فذلكن الذي لمتنني فيه
وقوله فيه:
لست أهوى سواكم اليوم حتى ... أطلب الموت في هواكم حثيثا
ما لقومي الذين قد عنفوني ... لا يكادون يفقهون حديثا
ومن نظمه قوله:
زار فؤادي عائداً طرفه ... كلاهما في الدهر مضنى قديم
فقلت إذ أبصرت حاليهما ... مستعجبا عاد السقيم السقيم
وقد أرسل إليه الحاج خليل خداده هذين البيتين:
لا تحسبوا أن البعاد مكدر ... صفو الخليل عن الخليل وأنسه
لكن حوادث في الزمان تراكمت ... فالمرء فيها قد سها عن نفسه
فأجابه بقوله:
إنا نسلم أنه يسهو الفتى ... في حادثات زماننا عن نفسه
لكن نقول بدفع شر عدونا ... ذا اليوم خير عندنا من أمسه
وله مصدراً ومعجزاً:
قيل لا تنظرن لوجه جميل ... فهو في الحشر يورث الحسرات
وامنع العين أن ترى ما اشتهته ... إنما ذاك يذهب الحسنات
قلت ذاك الجمال لما تبدى ... كثرت دهشتي وقل ثباتي
وبدت حالة هنالك حتى ... غفل الكاتبان عن سيئاتي
وكنت قد صدرته وعجزته في زمن الصبا:
قيل لا تنظرن لوجه جميل ... ذي سناء مطرز بالنبات
لا ولا ترقبن لوجه صقيل ... إنما ذاك يذهب الحسنات
قلت ذاك الجمال لما تبدى ... وغدا مشرقاً بكل الجهات
وعلا حسنه على كل حسن ... شغل الكاتبان عن سيئاتي
وأتم منه معنى وربطا تصدير كاتب الديوان لوالي الموصل أمين باشا يونس:
قيل لا تنظرن لوجه جميل ... واستمع قول ناصح بثبات
وتجنب وقوع ذلك واعلم ... إنما ذاك يذهب الحسنات
قلت ذاك الجمال لما تبدى ... ومحا الذات باتحاد الصفات
وتجلى بوحدة الحسن حتى ... غفل الكاتبان عن سيئاتي
ولصاحب الترجمة مخمساً:
لي سادات اصطفيت هواهم ... جعلت مهجتي فدا مصطفاهم
لا يخيب الذي يروم لقاهم ... يتلقون من يؤم حماهم
بوجوه من التقى نيرات ... تاه في عشقها ذوو العقل تيها
إنما الفوز والفلاح لديها ... سابقوا أيها العفاة إليها
يا لها أوجه يلوح عليها ... كل يوم دلائل الخيرات
وقد أرسل إليه الحاج خليل عند انقطاع الامطار وتواليها بعد ما قنطت الناس هذه الأبيات:
يا خافضا رفع الظنون وناصبا ... علم اليقين ولا يكون مشككا
من بعد ما قنط الورى من رحمة ... فانظر إلى آثار رحمة ربكا
فأجاب وأجاد:
يا من يذكر خله ... كرم الكريم ونعمته
هذا قديما دأبه ... يعفو وينشر رحمته
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر-الجزء الاول -عصام الدين عثمان بن علي-بن مراد العمري-ص347